مِنْ أَعْظَمِ مُوجِبَاتِ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ فِي رَمَضَانَ: تَقْوَى اللهِ


 ((مِنْ أَعْظَمِ مُوجِبَاتِ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ فِي رَمَضَانَ:

تَقْوَى اللهِ))

التَّقْوَى هِيَ وَصِيَّةُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131].

والتَّقْوَى: هِيَ أَنْ تَتَّقِيَ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ بِفِعْلِ المَأْمُورِ وَتَرْكِ المَحْظُورِ، فَهَذِهِ تَقْوَى اللهِ.

إِنَّ التَّقْوَى مِنْ أَعْظَمِ مُوجِبَاتِ الْعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، وَالصِّيَامُ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ التَّقْوَى، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].

قَالَ الْعَلَّامَةُ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- : ((يُخْبِرُ تَعَالَى بمَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ؛ بِأَنَّهُ فَرَضَ عَلَيْهِمُ الصِّيَامَ كَمَا فَرَضَهُ عَلَى الْأُمَمِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الشَّرَائِعِ وَالْأَوَامِرِ الَّتِي هِيَ مَصْلَحَةٌ لِلْخَلْقِ فِي كُلِّ زَمَانٍ.

وَفِيهِ تَنْشِيطٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ؛ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تُنَافِسُوا غَيْرَكُمْ فِي تَكْمِيلِ الْأَعْمَالِ، وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى صَالِحِ الْخِصَالِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْأُمُورِ الثَّقِيلَةِ الَّتِي [خُصِصْتُمْ]  بِهَا.

ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى حِكْمَتَهُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الصِّيَامِ؛ فَقَالَ: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}؛ فَإِنَّ الصِّيَامَ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ التَّقْوَى؛ لِأَنَّ فِيهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللهِ وَاجْتِنَابَ نَهْيِهِ)).

إِنَّ رَمَضَانَ فُرْصَةٌ لِتَحْقِيقِ التَّقْوَى، وَعَاقِبَةُ التَّقْوَى الْجَنَّةُ وَالْعِتْقُ مِنَ النَّارِ، قَالَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} [مريم: 63].

تِلْكَ الْجَنَّةُ هِيَ الَّتِي نَهَبُ -بِفَضْلٍ مِنَّا- الْمُتَّقِينَ مِنْ عِبَادِنَا الَّذِينَ ارْتَقَوُا الْمَرْتَبَاتِ الْعَالِيَاتِ فِي مَرْتَبَةِ التَّقْوِى؛ إِذْ وَرِثُوا الْحِصَصَ الَّتِي كَانَتْ مُعَدَّةً فِي الْجَنَّةِ لِسَائِرِ الْعِبَادِ لَوْ آمَنُوا وَعَمِلُوا صَالِحًا، فَلَمَّا كَفَرَ الْأَكْثَرُونَ، وَاسْتَحَقُّوا دُخُولَ النَّارِ؛ أَخَذَ الْمُتَّقُونَ حِصَصَهُمْ، وَيَأْخُذُ أَهْلُ الْجَنِّة مِنْ هَذَا الْمِيرَاثِ الْعَظِيمِ كُلٌّ مِنْهُمْ بِحَسَبِ مَرْتَبَتِهِ وَدَرَجَتِهِ.

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد: 15].

صِفَةُ الْجَنَّةِ الَّتِي وَعَدَهَا اللهُ الْمُتَّقِينَ؛ فِيهَا أَنْهَارٌ عَظِيمَةٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ مُتَغَيِّرِ الطَّعْمِ وَالرِّيحِ، وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ كَمَا تَتَغَيَّرُ أَلْبَانُ الدُّنْيَا، وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ يَلْتَذُّ بِهَا الشَّارِبُونَ، وَلَا يَكُونُ مَعَهَا ذَهَابُ عَقْلٍ وَلَا صُدَاعٌ وَلَا أَسْقَامٌ كَخَمْرٍ الدُّنْيَا، وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ خَالِصٍ صَافٍ مِنْ جَمِيعِ شَوَائِبِ عَسَلِ الدُّنْيَا.

وَلِهَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ فِي هَذِهِ الْجَنَّةِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ لِلَّذَّةِ وَالتَّفَكُّهِ، وَلَهُمْ مَعَ هَذَا النَّعِيمِ مَغْفِرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ.

وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} [القمر: 55].

(({إِنَّ الْمُتَّقِينَ} لِلَّهِ بِفِعْلِ أَوَامِرِهِ وَتَرْكِ نَوَاهِيهِ، الَّذِينَ اتَّقَوُا الشِّرْكَ وَالْكَبَائِرَ وَالصَّغَائِرَ {فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ}؛ أَيْ: فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، الَّتِي فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، مِنَ الْأَشْجَارِ الْيَانِعَةِ، وَالْأَنْهَارِ الْجَارِيَةِ، وَالْقُصُورِ الرَّفِيعَةِ، وَالْمَنَازِلِ الْأَنِيقَةِ، وَالْمَآكِلِ وَالْمُشَارِبِ اللَّذِيذَةِ، وَالْحُورِ الْحِسَانِ، وَالرَّوْضَاتِ الْبَهِيَّةِ فِي الْجِنَانِ، وَرِضْوَانِ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ، وَالْفَوْزِ بِقُرْبِهِ.

وَلِهَذَا قَالَ: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}، فَلَا تَسْأَلُ بَعْدَ هَذَا عَمَّا يُعْطِيهِمْ رَبُّهُمْ مِنْ كَرَامَتِهِ وَجُودِهِ، وَيَمُدُّهُمْ بِهِ مِنْ إِحْسَانِهِ وَمِنَّتِهِ، جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ، وَلَا حَرَمَنَا خَيْرَ مَا عِنْدَهُ بِشَرِّ مَا عِنْدَنَا)) .

 

المصدر:رَمَضَانُ شَهْرُ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  التَّعْلِيقُ عَلَى أَحْدَاثِ سُورِيَّا وَضَيَاعِ دِمَشْقِ الْخِلَافَةِ وَحَلَبِ الْعِلْمِ
  مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ: رِعَايَةُ حُقُوقِ إِخْوَانِهِ
  مِنْ مَعَالِمِ الْبِرِّ بِالْأَوْطَانِ: الِاتِّحَادُ وَعَدَمُ شَقِّ الصَّفِّ
  ذِكْرُ اللهِ وَدُعَاؤُهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ
  ثَمَرَاتُ الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ الْمَشْرُوعِ وَفَوَائِدُهُ
  مَظَاهِرُ النِّظَامِ فِي عِبَادَةِ الصَّوْمِ
  الْإِخْلَاصُ هُوَ قُطْبُ رَحَى الْعِبَادَةِ
  الْإِسْلَامُ دِينُ الِاعْتِدَالِ وَالْوَسَطِيَّةِ وَالِاسْتِقَامَةِ
  رَمَضَانَ شَهْرُ الِانْتِصَارَاتِ وَالْأَحْدَاثِ الْعَظِيمَةِ
  دَعْوَةُ الْمُسْلِمِينَ لِلتَّوْحِيدِ وَتَقْدِيمُ مَصْلَحَتِهِمْ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْخَاصَّةِ
  أُصُولُ الشَّرِيعَةِ سَبِيلُ صَلَاحِ النَّاسِ
  صِلْ مَنْ قَطَعَكَ
  عَاقِبَةُ إِهْمَالِ أَدَوَاتِ الْفَهْمِ وَالْوَعْيِ
  وَسَائِلُ الدِّفَاعِ عَنِ الْوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ وَحِمَايَتِهِ
  تَيَّقَظْ وَانْتَبِهْ!!
  • شارك