الْجُودُ وَالْإِيثَارُ فِي رَمَضَانَ


«الْجُودُ وَالْإِيثَارُ فِي رَمَضَانَ»

إِنَّ الرَّسُولَ ﷺ كَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ ؛ فَهَذَا مَحَلٌّ لِلتَّرْبِيَةِ الْعَمَلِيَّةِ عَلَى الْجُودِ، وَالْبَذْلِ، وَالْعَطَاءِ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ يُمَارِسُ ذَلِك فِي وَاقِعِ الْحَيَاةِ، وَفِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ؛ لِيَقْتَدِيَ بِهِ مَنْ هُنَالِكَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَمَنْ يَأْتِي بَعْدُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى يَرِثَ اللهُ الْأَرْضَ وَمَن عَلَيْهَا.

 «وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ» يَعْنِي: يَبْلُغُ الْجُودُ مِنْهُ غَايَةَ الْوُسْعِ بِحَيْثُ لَا جُودَ فَوْقَ جُودِهِ يَكُونُ لِمَخْلُوقٍ أَبَدًا ﷺ.

اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يُبَيِّنُ لَنَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا ﷺ طَرِيقَةً عَمَلِيَّةً لِلْخُرُوجِ مِنْ قَيْدِ النَّفْسِ، وَمِنْ أَسْرِ شُحِّهَا؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَتَدَرَّبَ الْإِنْسَانُ عَلَى الْعَطَاءِ، وَيَجْعَلُهَا النَّبِيُّ ﷺ حَالَةً مِن حَالَاتِ الْبَذْلِ الَّذِي لَا يَتَنَاهَى؛ حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ: «وَابْتِسَامُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ صدَقَةٌ» .

 وَمَا هِيَ بِشَيْءٍ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ، وَلَكِنَّهَا عُنْوَانٌ عَلَى بَاطِنٍ مُنْبَسِطٍ لِخَلْقِ اللهِ الْـمُؤْمِنِينَ.

وَأَمَّا كَذَاذَةُ الطَّبْعِ، وَأَمَّا الْغِلْظَةُ وَالْجَفَاءُ وَالفَظَاظَةُ؛ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُبِضَّ شَيْئًا مِنَ ابْتِسَامٍ، وَلَا شَيْئًا مِنْ فَرَحٍ يَلْقَى بِهِ مُؤْمِنٌ مَؤْمِنًا، وَيُلَاقِي بِهِ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا.

فَالنَّبِيُّ ﷺ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ كَمَا وَصَفَ ابْنُ عبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- حَالَهُ: «أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْـمُرْسَلَةِ» .

وَكَانَ هُوَ فِي حَالَتِهِ فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ أَكْرَمَ النَّاسِ, وَأَجْوَدَ النَّاسِ ﷺ؛ فَفِي «الصَّحِيحِ» : أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِبُرْدَةٍ فَأَهْدَتْهَا إِلَيْهِ.

تَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟

 قَالُوا: الشَّمْلَةُ .

 قَالَ: شَمْلَةٌ مُطَرَّزَةٌ بِحَاشِيَتِهَا، مَنْسُوجَةٌ بِحَاشِيَتِهَا .

فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ ﷺ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا فَلَبِسَهَا.

 فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ, اكْسُنِيهَا.

 فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «هِيَ لَكَ». وَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا.

 ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْتَهُ, فَأَقْبَلَ أَصْحَابُهُ -أَيْ أَصْحَابُ الرَّجُلِ، أَقْبَلُوا عَلَيْهِ لَائِمِينَ، وَقَالُوا: تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ السَّائِلَ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لِشَيْءٍ: لَا، قَطُّ، وَأَنَّكَ مَتَى سَأَلْتَهُ أَنْ يُعْطِيَكَهَا أَعْطَاكَهَا مِنْ غَيْرِ مَا تَسْوِيفٍ وَلَا مَنْظَرَةٍ - يَعْنِي مِنْ غَيْرِ مَا انْتِظَارٍ وَلَا تَرَيُّثٍ-، وَأَخَذُوا يَلُومُونَهُ يَقُولُونَ: إِنَّهُ إِنَّمَا أَخَذَهَا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهَا ﷺ.

فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: وَاللهِ مَا أَخَذْتُهَا إِلَّا رَجَاءَ بَرَكَتِهَا؛ إِذْ جَعَلَهَا عَلَى جِلْدِهِ، إِذْ جَعَلَهَا عَلَى جَسَدِهِ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ كَفَنِي.

فَكَانَتْ!!

فَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَالَاتِهِ جَمِيعِهَا أَجْوَدَ الْخَلْقِ، لَا يَرُدُّ سَائِلًا، وَيُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخْشَى الْفَقْرَ, كَمَا فِي «الصَّحِيحِ» : أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ غَنَمًا فِي شِعْبٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ .

فَأَعْطَاهُ الرَّسُولُ ﷺ إِيَّاهَا جَمِيعَهَا.

فَعَادَ الرَّجُلُ إِلَى قَوْمِهِ يَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَقْرَ.

 يُعْطِي النَّبِيُّ ﷺ عَطَاءً بِلَا حُدُودٍ، وَهُوَ يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخْشَى الْفَقْرَ.

 وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَأَلَّفُ بِالْعَطَاءِ، وَبِالْبَذْلِ قُلُوبَ أَقْوَامٍ لَا تُقَادُ إِلَّا بِزِمَامِ الْعَطَاءِ، وَلَا تَنْقَادُ إِلَّا لَه.

كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ, وَأَكْرَمَ النَّاسِ, وَأَحْسَنَ النَّاسِ, وَأَجْمَلَ النَّاسِ.

عِبَادَ اللهِ! يَقُولُ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: «يَا ابْنَ آدَمَ! أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ», يَقُولُ النَّبِيُّ : «يَمِينُهُ مَلْئَى، سَحَّاءَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ» .

نَعَمْ! لَو أَنَّكَ نَظَرْتَ مَا أَنْفَقَ، وَكَمْ أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَق الْخَلْقَ؛ لَعَلِمْتَ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَعْظَمٌ عِنْدَ الْخَلْقِ، وَأَمَّا عِنْدَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-؛ فَشَيْءٌ هَيِّنٌ يَسِيرٌ.

 

المصدر:رَمَضَانُ شَهْرُ الْجُودِ وَالْكَرَمِ وَالِانْتِصَارَاتِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مِنْ أَعْظَمِ مُوجِبَاتِ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ فِي رَمَضَانَ: تَقْوَى اللهِ
  مِنْ سُبُلِ مُوَاجَهَةِ ظَاهِرَةِ الْإِدْمَانِ: تَحْذِيرُ الشَّبَابِ مِنْ أَخْطَارِ الْمُخَدِّرَاتِ
  بَعْضُ فَضَائِلِ الْحَجِّ
  مِنَ الثَّمَرَاتِ الْعَظِيمَةِ لِلزَّكَاةِ: تَحْقِيقُ التَّكَافُلِ وَالتَّوَازُنِ الْمُجْتَمَعِيِّ
  رَمَضَانُ وَالْقُرْآنُ
  المَوْعِظَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ ((رَمَضَانُ شَهْرُ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ))
  لِمَاذَا يُدَمِّرُونَ دِمَشْقَ الْخِلَافَةَ؟!!
  رِقَابَةُ الضَّمِيرِ وَرِعَايَةُ السِّرِّ فِي زَحْمَةِ الْحَيَاةِ وَصِرَاعَاتِهَا!!
  الْحَثُّ عَلَى وَحْدَةِ الصَّفِّ فِي الْوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ وَثَمَرَاتُهَا
  اهْتِمَامُ الْإِسْلَامِ بِالطِّفْلِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ
  مِنْ فَوَائِدِ الصِّيَامِ وَمَقَاصِدِهِ
  الْجِهَادُ الشَّرْعِيُّ بَيْنَ فَرْضِ الْعَيْنِ وَفَرْضِ الْكِفَايَةِ
  وَإِذَا رَحِمْتَ فَأَنْتَ أُمٌّ أَوْ أَبٌ
  ثَمَرَاتُ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  عَاقِبَةُ إِهْمَالِ مُرَاقَبَةِ الْقُلُوبِ وَرِعَايَةِ الضَّمَائِرِ
  • شارك