الْحَثُّ عَلَى الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ الْمَشْرُوعِ فِي الْإِسْلَامِ


((الْحَثُّ عَلَى الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ الْمَشْرُوعِ فِي الْإِسْلَامِ))

فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].

وَتَعَاوَنُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ الَّتِي هِيَ مِنْ مَرْتَبَةِ الْبِرِّ، وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْقِيَامِ بِمُقْتَضَيَاتِ مَرْتَبَةِ التَّقْوَى الَّتِي تَتَحَقَّقُ لَكُمْ بِفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ.

وَلَا يُعِنْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا عَلَى تَرْكِ مَا أَمَرَ اللهُ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ مَا أَمَرَ بِتَرْكِهِ، ومُجَاوَزَةِ حُدُودِ اللهِ، وَاتَّقُوا اللهَ، وَاحْذَرُوا أَنْ تَتْرُكُوا مَا أَمَرَكُمْ بِهِ، أَوْ تَرْتَكِبُوا مَا نَهَاكُمُ اللهُ عَنْهُ، إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ لِمَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ.

 ((الْبِرُّ: اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَأَحَبَّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، مِنَ التَّحَقُّقِ بِعَقَائِدِ الدِّينِ وَأَخْلَاقِهِ، وَالْعَمَلِ بِآدَابِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، مِنَ الشَّرَائِعِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَمِنَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ اللهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَمِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ إِجْمَالًا وَتَفْصِيلًا؛ فَكُلُّ هَذَا دَاخِلٌ فِي التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ.

وَمِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى التَّقْوَى: التَّعَاوُنُ عَلَى اجْتِنَابِ وَتَوَقِّي مَا نَهَى اللهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ مِنَ الْفَوَاحِشِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَمِنَ الْإِثْمِ وَالْبَغْيِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَالْقَوْلِ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ؛ بَلْ عَلَى تَرْكِ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ)) .

وَذَكَرَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي كِتَابِهِ أَنَّ مِنْ صِفَاتِ الَّذِينَ يَسْلَمُونَ مِنَ الْخَسَارِ وَيَفُوزُونَ بِالرِّبْحِ الْعَظِيمِ: التَّوَاصِي بِالْحَقِّ، الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ؛ أَيْ: يُوصِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِذَلِكَ، وَيَحُثُّهُ عَلَيْهِ، وَيُرَغِّبُهُ فِيهِ، وَالتَّوَاصِي بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَعَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَعَلَى أَقْدَارِ اللَّهِ الْمُؤْلِمَةِ -وَهَذِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الْجَمَاعِيَّةِ الْمَشْرُوعَةِ-، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1-3].

{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}: أَقْسَمَ اللهُ -سُبْحَانَهُ- بِالْوَقْتِ الَّذِي يَمُرُّ بِهِ عُمُرُ الْإِنْسَانِ، وَيَجْرِي مِنْ غَيْبِ الْمُسْتَقْبَلِ إِلَى غَيْبِ الْمَاضِي، وَلَا يَنْتَفِعُ مِنْهُ إِلَّا لَحْظَةَ الْحَاضِرِ إِذَا انْتَفَعَ مِنْهُ لِآخِرَتِهِ.

إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرَانٍ وَنُقْصَانٍ بِتَضْيِيعِ عُمُرِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ، وَاشْتِغَالِهِ بِالدُّنْيَا، وَاسْتِغْرَاقِهِ فِي طَلَبِهَا، {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}: إِلَّا الَّذِينَ اسْتَثْنَاهُمُ اللهُ مِنْ عُمُومِ الْإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي خُسْرٍ، وَهُمُ الَّذِينَ تَحَقَّقُوا بِأَرْبَعِ صِفَاتٍ:

*الصِّفَةُ الْأُولَى: الَّذِينَ آمَنُوا بِالْأَرْكَانِ الْإِيمَانِيَّةِ السِّتَّةِ إِيمَانًا صَحِيحًا صَادِقًا، وَهَذِهِ الصِّفَةُ عُنْوَانُ الِارْتِقَاءِ الْفِكْرِيِّ وَالتَّصْمِيمِ الْإِرَادِيِّ حَوْلَ الْقَضَايَا الْإِيمَانِيَّةِ الْكُبْرَى.

*وَالصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ الَّتِي تَشْمَلُ كُلَّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ الَّتِي يَدْفَعُ إِلَيْهَا الْإِيمَانُ، وَيَدْعُو إِلَيْهَا وَيَحُثُّ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ عُنْوَانُ الِارْتِقَاءِ السُّلُوكِيِّ  فِي الْحَيَاةِ.

*وَالصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: أَوْصَى بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضًا بِالتَّمَسُّكِ بِالْحَقِّ اعْتِقَادًا وَقَوْلًا وَعَمَلًا، وَهُوَ يَشْمَلُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالنَّصِيحَةَ الْعَامَّةَ، وَالدَّعْوَةَ إِلَى اللهِ، وَالتَّوَاصِي بِالْحَقِّ يَخْدُمُ رُكْنَ الْإِيمَانِ، وَمَا يَسْتَدْعِيهِ مِنْ كُلِّ قَضِيَّةِ حَقٍّ.

*والصِّفَةُ الرَّابِعَةُ: أَوْصَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالصَّبْرِ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَالصَّبْرِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ وَالْمَصَائِبِ، وَتَحَمُّلِ الْأَذَى فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالثَّبَاتِ عَلَى ذَلِكَ، وَالتَّوَاصِي بِالصَّبْرِ يَخْدُمُ رُكْنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ لَا يَقُومُ بِهَا الْإِنْسَانُ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنَ الصَّبْرِ مَا يَحْمِلُ بِهِ عِبْءَ مُخَالَفَةِ أَهْوَاءِ النَّفْسِ وَشَهَوَاتِهَا.

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام:159].

وَأَخْرَجَ الْآجُرِيُّ فِي ((الشَّرِيعَةِ))، وَاللَّالَكَائِيُّ فِي ((أُصُولِ الِاعْتِقَادِ))، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((عَلَيْكُمْ جَمِيعًا بِالطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَةِ؛ فَإِنَّهَا حَبْلُ اللهِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ)) .

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ)).

وَقَالَ ﷺ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا».

وَيَقُولُ ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبُنْيَانَ وَأَنَّ الْجَسَدَ شَيْءٌ وَاحِدٌ مُتَمَاسِكٌ، لَيْسَ فِيهِ تَفَرُّقٌ؛ لِأَنَّ الْبُنْيَانَ إِذَا تَفَرَّقَ سَقَطَ، كَذَلِكَ الْجِسْمُ إِذَا تَفَرَّقَ فَقَدَ الْحَيَاةَ؛ فَلَا بُدَّ مِنَ الِاجْتِمَاعِ، وَأَنْ نَكُونَ أُمَّةً وَاحِدَةً، أَسَاسُهَا التَّوْحِيدِ، وَمَنْهَجُهَا دَعْوَةُ الرَّسُولِ ﷺ، وَمَسَارُهَا عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ. 

 

المصدر:رُوحُ الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ وَضَوَابِطُهُ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الإِسْلَامُ أَعْظَمُ نِعَمِ اللهِ على العَبْدِ
  مَعْنَى الْهِجْرَةِ وَأَدِلَّتُهَا وَشُرُوطُهَا
  التَّرْبِيَةُ الرُّوحِيَّةُ الْقَلْبِيَّةُ لِلْأَطْفَالِ
  لَنْ تُوَفِّيَ أَبَوَيْكَ حَقَّهُمَا!!
  يَوْمُ النَّحْرِ عِيدُنَا وَأَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ
  سُؤَالُ النَّبِيِّ ﷺ رَبَّهُ الثَّبَاتَ عَلَى الدِّينِ
  حُرْمَةُ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ
  مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ: حُبُّ الْوَطَنِ وَالدِّفَاعُ عَنْهُ
  هَلْ رَأَى النَّبِيُّ رَبَّهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ؟
  مِنْ أَعْظَمِ حِكَمِ الْعِيدِ: اجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ
  رَمَضَانَ شَهْرُ الِانْتِصَارَاتِ وَالْأَحْدَاثِ الْعَظِيمَةِ
  الْوَعْيُ بِخَطَرِ الِانْحِرَافِ الْفِكْرِيِّ وَسُبُلِ مُوَاجَهَتِهِ
  فَوَائِدُ الْإِيمَانِ وَثَمَرَاتُهُ عَلَى الْفَرْدِ
  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ الْمُسْلِمِ: حَقُّهُ فِي الْحَيَاةِ
  حُكْمُ مَانِعِ الزَّكَاةِ
  • شارك