مِنْ مَعَانِي الْخِيَانَةِ


((مِنْ مَعَانِي الْخِيَانَةِ))

فِي ((الْمَوْسُوعَةِ)) : ((الْخِيَانَةُ لُغَةً: مَصْدَرُ قَوْلِهِمْ: خَانَ يَخُونُ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ مَادَّةِ (خ و ن) الَّتِي تَدُلُّ عَلَى التَّنَقُّصِ، يُقَالُ: خَانَهُ يَخُونُهُ خَوْنًا، وَذَلِكَ نُقْصَانُ الْوَفَاءِ، وَتُخَوَّنَنِي فُلَانٌ؛ أَيْ: تَنَقَّصَنِي، وَنَقِيضُ الْخِيَانَةِ: الْأَمَانَةُ، يُقَالُ: خُنْتَ فُلَانًا، وَخُنْتَ أَمَانَةَ فُلَانٍ، وَعَلَى ذَلِكَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} [الأنفال: ٢٧].

فَخِيَانَتُهُمْ لِلهِ وَرَسُولِهِ كَانَتْ بِإِظْهَارِ مَنْ أَظْهَرَ مِنْهُمْ لِلرَّسُولِ ﷺ وَالْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَانَ فِي الظَّاهِرِ, وَهُوَ يَسْتَسِرُّ الْكُفْرَ وَالْغِشَّ لَهُمْ فِي الْبَاطِنِ, وَيَدُلُّونَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ, وَيُخْبِرُونَهُمْ بِمَا خَفِيَ عَنْهُمْ مِنْ خَبَرِهِمْ.

قِيلَ: ((نَزَلَتْ فِي مُنَافِقٍ كَتَبَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ يُطْلِعُهُ عَلَى سِرِّ الْمُسْلِمِينَ)) .

وَقَوْلُهُ: {وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ}: هِيَ مَا يَخْفَى عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ مِنْ فَرَائِضِ اللهِ، وَقِيلَ: هِيَ الدِّينُ.

وَالِاخْتِيَانُ: مُرَاوَدَةُ الْخِيَانَةِ؛ أَيْ: تَحَرُّكُ شَهْوَةِ الْإِنْسَانِ لِتَحَرِّي الْخِيَانَةِ، قَالَ تَعَالَى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ} [البقرة: ١٨٧].

قِيلَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: مَعْنَاهُ أَنْ يَسْتَأْمِرَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورِ مِنَ الْجِمَاعِ وَالْأَكْلِ بَعْدَ النَّوْمِ فِي لَيَالِي الصَّوْمِ.

وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُرِيدُ خِيَانَةَ نَفْسِهِ، وَسُمِّيَ خَائِنًا لِأَنَّ الضَّرَرَ عَائِدٌ عَلَيْهِ.

وَيُقَالُ: خَانَهُ فِي كَذَا، يَخُونُهُ خَوْنًا وَخِيَانَةً وَخَانَةً وَمَخَانَةً: ائْتُمِنَ فَلَمْ يَنْصَحْ.

وَخَانَ الْعَهْدَ: نَقَضَهُ، وَيُقَالُ: خَانَ الْعَهْدَ وَالْأَمَانَةَ؛ أَيْ: فِي الْعَهْدِ وَالْأَمَانَةِ، وَيُقَالُ -أَيْضًا-: خَانَ عَهْدَهُ وَأَمَانَتَهُ.

وَخَانَ الرَّجُلُ خَوْنًا كَانَ بِهِ خَوْنٌ؛ أَيْ: ضَعْفٌ وَفَتْرَةٌ فِي نَظَرِهِ، وَخَوَّنَهُ تَخْوِينًا: نَسَبَهُ إِلَى الْخِيَانَةِ.

وَتَخَوَّنَهُ -أَيْضًا-: تَعَهَّدَهُ.

وَاخْتَانَهُ اخْتِيَانًا؛ بِمَعْنَى خَانَهُ، وَالِاخْتِيَانُ أَبْلَغُ مِنَ الْخِيَانَةِ، كَمَا أَنَّ الِاكْتِسَابَ أَبْلَغُ مِنَ الْكَسْبِ، وَاسْتَخَانَهُ استِخَانَةً: حَاوَلَ خِيَانَتَهُ.

وَالْخَائِنُ اسْمُ فَاعِلٍ، جَمْعُهُ: خَانَةٌ وَخَوَنَةٌ وَخُوَّانُ.

وَالْخَائِنَةُ: مُؤَنَّثُ الْخَائِنِ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ لِلْخَائِنِ -أَيْضًا- بِزِيَادَةِ التَّاءِ الْمَرْبُوطَةِ لِلْمُبَالَغَةِ, كَـ (رَاوِيَةٍ) لِلْكَثِيرِ الرِّوَايَةِ.

وَخَائِنَةُ الْأَعْيُنِ: مَا يُسَارَقُ مِنَ النَّظَرِ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ، وَقِيلَ: هِيَ أَنْ يَنْظُرَ نَظْرَةً بِرِيبَةٍ.

وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: ((وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ)) ؛ أَيْ: يُضْمِرُ فِي نَفْسِهِ غَيْرَ مَا يُظْهِرُهُ، فَإِذَا كَفَّ لِسَانَهُ وَأَوْمَأ بِعَيْنِهِ فَقَدْ خَانَ.

الْخِيَانَةُ: ((هِيَ الِاسْتِبْدَادُ بِمَا يُؤْتَمَنُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْحُرَمِ، وَتَمَلُّكُ مَا يُسْتَوْدَعُ وَمُجَاحَدَةُ مُودِعِهِ.

وَفِيهَا -أَيْضًا- طَيُّ الْأَخْبَارِ إِذَا نُدِبَ لِتَأْدِيَتِهَا، وَتَحْرِيفُ الرَّسَائِلِ إِذَا تَحَمَّلَهَا فَصَرَفَهَا عَنْ وُجُوهِهَا)) .

((طَيُّ الْأَخْبَارِ إِذَا نُدِبَ لِتَأْدِيَتِهَا..)) -فِي الْقَانُونِ الْعَسْكَرِيِّ: مَنْ عَلِمَ وَلَمْ يُبَلِّغْ فَهُوَ كَالْمُبَاشِرِ الْمُتَسَبِّبِ -يَعْنِي فِي الْعُقُوبَةِ وَفِي الْإِثْمِ-، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِذَا عَلِمَ وَلَمْ يُبَلِّغْ فَقَدْ رَضِيَ، وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ، وَالرِّضَا بِالْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ، وَالرِّضَا بِالْكَبِيرَةِ كَبِيرَةٌ، وَالرِّضَا بِالصَّغِيرَةِ صَغِيرَةٌ، فَهُوَ مُشَارِكٌ فِي الْإِثْمِ وَمَا يَنْتُجُ بَعْدُ مِنَ الضَّرَرِ.

مَنْ عَلِمَ وَلَمْ يُبَلِّغْ فَهُوَ خَائِنٌ كَالْخَائِنِ الْمُبَاشِرِ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ-.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ: ((الْخِيَانَةُ: هِيَ التَّفْرِيطُ فِي الْأَمَانَةِ، وَقِيلَ: هِيَ مُخَالَفَةُ الْحَقِّ بِنَقْضِ الْعَهْدِ فِي السِّرِّ)).

وَقَالَ الْكَفَوِيُّ: ((إِنَّ الْخِيَانَةَ تُقَالُ اعْتِبَارًا بِالْعَهْدِ وَالْأَمَانَةِ، وَخِيَانَةُ الْأَعْيُنِ: مَا تَسَارَقَ مِنَ النَّظَرِ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ.

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: ((الْخِيَانَةُ: التَّفْرِيطُ فِيمَا يُؤْتَمَنُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ، وَنَقِيضُهَا: الْأَمَانَةُ)).

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ((الْخِيَانَةُ: الْغَدْرُ وَإِخْفَاءُ الشَّيْءِ، وَمِنْهُ: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ} [غافر: ١٩])).

قَالَ الرَّاغِبُ فِي بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ النِّفَاقِ وَالْخِيَانَةِ: ((الْخِيَانَةُ وَالنِّفَاقُ وَاحِدٌ، إِلَّا أَنَّ الْخِيَانَةَ تُقَالُ اعْتِبَارًا بِالْعَهْدِ وَالْأَمَانَةِ، وَالنِّفَاقُ يُقَالُ: اعْتِبَارًا بِالدِّينِ، ثُمَّ يَتَدَاخَلَانِ.

فَالْخِيَانَةُ: مُخَالَفَةُ الْحَقِّ بِنَقْضِ الْعَهْدِ فِي السِّرِّ، وَنَقِيضُ الْخِيَانَةِ الْأَمَانَةُ، يُقَالُ: خُنْتَ فُلَانًا وَخُنْتَ أَمَانَةَ فُلَانٍ، قَالَ تَعَالَى: {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} [الأنفال: ٢٧])).

مِنْ مَعَانِي ((الْخِيَانَةِ)) فِي الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ: الْمَعْصِيَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ} [البقرة: ١٨٧].

قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: ((تَخُونُونَهَا بِالْمَعْصِيَةِ)).

وَمِنْهَا: نَقْضُ الْعَهْدِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ} [الأنفال: ٥٨]

وَمِنْهَا: تَرْكُ الْأَمَانَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: ١٠٥].

نَزَلَتْ فِي طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ الْمُنَافِقِ، كَانَ عِنْدَهُ دِرْعٌ فَخَانَهَا، قِيلَ: نَزَلَتْ فِيهِ.

وَمِنْ مَعَانِي كَلِمَةِ الْخِيَانَةِ فِي الْقُرْآنِ: الْمُخَالَفَةُ فِي الدِّينِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي ((التَّحْرِيمِ)): {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} [التحريم: ١٠].

وَزَادَ ابْنُ سَلَّامٍ وَجْهًا خَامِسًا فَقَالَ: ((وَالْخِيَانَةُ تَعْنِي الزِّنَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف: ٥٢].

وَقَدْ عَدَّ الْإِمَامُ الذَّهَبِيُّ الْخِيَانَةَ مِنَ الْكَبَائِرِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ ﷺ: ((آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)) .

وَلِقَوْلِهِ ﷺ -أَيْضًا-: ((أَدِّ الْأَمَانَةَ لِمَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ)) .

قَالَ: ((الْخِيَانَةُ قَبِيحَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَبَعْضُهَا شَرٌّ مِنْ بَعْضٍ، وَلَيْسَ مَنْ خَانَكَ فِي فَلْسٍ كَمَنْ خَانَكَ فِي أَهْلِكَ.. كَمَنْ خَانَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ وَارْتَكَبَ الْعَظَائِمَ)).

وَأَمَّا ابْنُ حَجَرٍ فَقَدْ ذَكَرَ: ((أَنَّ الْخِيَانَةَ فِي الْأَمَانَاتِ وَالْوَدِيعَةِ وَالْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ وَالْمُسْتَأْجَرَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْكَبَائِرِ.

وَقَالَ: عَدُّ ذَلِكَ كَبِيرَةً هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ)))) .

 

المصدر:مَعَانِي الْخِيَانَةِ وَخَطَرُهَا عَلَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: رِعَايَتُهُ وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْ حَلَالٍ
  شَهْرُ الْحَصَادِ وَسُنَّةُ الصَّوْمِ فِيهِ
  طَاعَتُكَ مِنَّةٌ مِنَ اللهِ عَلَيْكَ
  مِنْ سُبُلِ الْقَضَاءِ عَلَى إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ: الْعِلَاجُ بِالْوَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ وَالطِّبِّيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ
  عَدَمُ مُبَالَاةِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ!!
  تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ امْتِحَانٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ
  الدرس التاسع والعشرون : «التَّعَاوُنُ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى»
  الْأُخُوَّةُ الْإِيمَانِيَّةُ وَرَحِمُ الْإِسْلَامِ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ
  تَيَّقَظْ وَانْتَبِهْ!!
  ضَوَابِطُ الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ الْمَشْرُوعِ وَالْعَمَلُ الْجَمَاعِيُّ التَّنْظِيمِيُّ الْمُبْتَدَعُ
  الْإِسْلَامُ دِينُ الِاعْتِدَالِ وَالْوَسَطِيَّةِ وَالِاسْتِقَامَةِ
  الْآثَارُ الْمُدَمِّرَةُ لِطُولِ الْأَمَلِ دُنْيَا وَآخِرَةً
  تَعْظِيمُ الْمَسَاجِدِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
  مَعْنَى الصِّدْقِ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا
  يَوْمُ النَّحْرِ عِيدُنَا وَأَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ
  • شارك