الرَّدُّ عَلَى شُبُهَاتِ الطَّاعِنِينَ فِي رَحْمَةِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ


((الرَّدُّ عَلَى شُبُهَاتِ الطَّاعِنِينَ فِي رَحْمَةِ النَّبِيِّ  الْأَمِينِ ))

*الرَّدُّ عَلَى شُبْهَةِ حَدِيثِ: «أتَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ»:

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَأَنَا الْمُقَفِّي، وَأَنَا الْحَاشِرُ وَنَبِيُّ الْمَلاحِمِ».

نَفْهَمُ هَذَا فِي الضَّوَابِطِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا النُّصُوصُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إِلَى الْقِتَالِ؛ تَكُونُ الشَّجَاعَةُ، وَتَكُونُ التَّضْحِيَةُ، وَتَكُونُ الْمَلْحَمَةُ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ»، وَهَذَا مَا يَتَمَسَّكُوَنَ بِهِ، فَيَا تُرَى كَمْ ذَبَحَ رَسُولُ اللهِ؟! 

فَلْيَدُلُّونَا!!

قَاَلَ النَّبيُّ ﷺ لِرَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ -كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا--: «تَعْلَمُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ».

فَكَمْ ذَبَحَ نَّبيُّنَا مُحَمَّدٌ لِيُهِينُوا سُنَّتَهُ، وَيُشَوِّهُوا سِيرَتَهُ، وَليَجْعَلُوهُ فِي مَصَافِّ مَصَّاصِي الدِّمَاءِ ﷺ -بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي وَنَفْسِي ﷺ-؟!!

عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ يَحْيَى بْنُ عُرْوَة، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْن عَمْرِو، قُلْتُ لَهُ: «مَا أَكْثَرَ مَا رَأَيْتَ قُرَيْشًا نَالَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فِيمَا كَانَتْ تُظْهِرُ مِنْ عَدَاوَتِهِ؟

قَالَ: حَضَرْتُهُمْ وَقَدْ اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْمًا فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ، سَفَّهَ أَحْلَامَنَا، وَشَتَمَ آبَاءَنَا، وَعَابَ دِينَنَا، وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَسَبَّ آلِهَتَنَا، ولَقَدْ صَبَرْنَا مِنْهُ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، إِذْ طَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَقْبَلَ يَمْشِي، حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ طَائِفًا بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا مَرَّ بِهِمْ غَمَزُوهُ بِبَعْضِ الْقَوْلِ.

قَالَ: فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِ رسولِ اللهِ ﷺ ، ثُمَّ مَضَى، فَلَمَّا مَرَّ بِهِمْ الثَّانِيَةَ، غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ مَضَى، فَمَرَّ بِهِمْ الثَّالِثَةَ، فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، حَتَّى وَقَفَ، ثُمَّ قَالَ: «أتَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ».

قَالَ: فَأَطْرَقَ القَوْمُ، حَتَّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا كَأَنَّمَا عَلَى رَأْسِهِ طَائِرٌ، لَا يَتَحَرَّكُ حَتَّى لَا يُهيِّجَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ، اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ وَأَنَا مَعَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ذَكَرْتُمْ مَا بَلَغَ مِنْكُمْ وَمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُ، حَتَّى إِذَا بَادَءَكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَكْرَهُونَ تَرَكْتُمُوهُ! فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ، طَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَوَثَبُوا علَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَأَحَاطُوا بِهِ، يَقُولُونَ: أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا؟ لِمَا كَانَ بْلُغُهُمْ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وَدِينِهِمْ.

قَالَ: فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نَعَمْ، أَنَا الَّذِي أَقُولُ ذَلِكَ». قَالَ: فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْهُمْ رَجُلًا آخَذًا بِمَجْمَعِ رِدَائِهِ، قَالَ: وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، دُونَهُ يَقُولُ وَهُوَ يَبْكِي: «وَيْلَكُم أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ».

قال: ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَأَشَدُّ مَا رَأَيْتُ قُرَيْشًا بَلَغَتْ مِنْهُ قَطُّ».

ما الذي كانَ؟!! 

قُتِلُوا؟!! 

أين قُتِلُوا؟!!

أَخَذَهُمْ فَجَاءَ بِهِمْ، ثُمَّ عَرضَهُمْ؟!!

لَا، وَإِنَّمَا قَصَدُوهُ في بَدْرٍ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُقَاتِلُوهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ غَيْرَ مُسْتَعِدٍّ لِقِتَالٍ، مَعَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، لَا يَرْجُونَ أَنْ يَجِدُوا إِلَّا الْعِيرَ، وَمَا عَلَى بِالِهِمُ النَّفِيرَ، فَوَجَدُوا الْقَوْمَ، فَقَاتَلُوهُمْ، فَقَتَلَهُمُ اللهُ، فَكَانَ مَاذَا؟

أالذَّبْحُ حِينَئِذٍ حَرَامٌ؟!!

هَؤُلَاءِ أَتَوْا لِذَبْحِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ لَا مُقَاتِلًا وَلَا مُسْتَعِدًّا لِقِتَالٍ، فَرَدَّ اعْتِدَاءَهُمْ، فَمَا كَانَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَالُوا مَا قَالُوا لَمْزًا لهُ إِلَّا قُتِلَ، فَكَانَ مَاذَا؟!! هَذَا قِتَالٌ فِي مَعْرَكَةٍ؛ فِي حَرْبٍ، فِي جِهَادٍ، وَمَنِ الَّذِي لَا يَقُولُ إِنَّهُ مَشْرُوعٌ؟!

أَيُّ عَاقِلٍ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ آتَاهُ اللهُ ذَرْوًا مِنْ عَقْلٍ يَقُولُ هَذَا لَا يَجُوزُ؟!!

فَمَا الَّذِي يَجُوزُ إِذَنْ؟!! 

إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ رَبُّهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}، وَقَالَ: {إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاة} ﷺ.

*الرَّدُّ عَلَى شُبْهَةِ الطَّاعِنِينَ فِي حَدِيثِ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ...)):

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ ضَالٌّ: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ!!

لِمَاذَا؟!!

قَالَ: الْبُخَارِيُّ رَوَاهُ، هَذَا حَدِيثٌ مَكْذُوبٌ فِي الْبُخَارِيِّ، نَقُّوا الْبُخَارِيَّ مِمَّا فِيهِ!!

قَالَ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ)).

فَالنَّبيُّ سَيَذْبَحُ النَّاسَ جَمِيعًا ((حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ))، لَفْظُ النَّاسِ هُنَا لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِمْ الْمُشْرِكُونَ الْمُحَارِبُونَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ طَبَّقَ تَعَالِيمَ الْقُرْآنِ: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].

وَإِلَّا فَهَؤُلَاءِ النَّصَارَى بِمِصْرَ؛ لِمَاذَا بَقَوْا عَلَى دِينِهِمُ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ وَهُمْ أَحْيَاءٌ؟!!

لِمَاذَا لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ يُقْتَلُوا؟!!

وَكَذَلِكَ الشَّأْنُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، إِنَّمَا كَانَتِ الْحَرْبُ فِي جِهَادِ الطَّلَبِ مِنْ أَجْلِ إِزَالَةِ الْأَنْظِمَةِ الَّتِي تَحُولُ بَيْنَ الشُّعُوبِ وَكَلِمَةِ اللهِ، فَإِنْ قَبِلَتْ هَذِهِ الشُّعُوبُ كَلِمَةَ اللهِ فَذَلِكَ، إِخْوَانُنَا فِي دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَإِنْ آثَرَتْ أَنْ تَبْقَى عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ فَلَهُمْ دِينُهُمْ، ثُمَّ الْجِزْيَةُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَلَهُمْ حُقُوقُهُمْ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.

((النَّاسُ)) هَاهُنَا فِيهَا (ال)، وَ(ال) هَاهُنَا لِلْعَهْدِ وَلَيْسَتْ لِلْجِنْسِ، فَالْمَقْصُودُ إِذَنْ قَوْمٌ مَعْهُودُونَ مَعْرُوفُونَ وَلَيْسَتْ لِجِنْسِ النَّاسِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ بَقِيَ الْيَهُودُ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى دِينِهِمْ وَلَمْ يَقْتُلْهُمْ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ، وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ الْمَجُوسِ، أَنْزَلُوهُمْ مَنْزِلَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ.

وَكَذَلِكَ الرُّومُ، عِنْدَمَا فُتِحَتْ فَارِسُ وَفُتِحَتْ كَذَلِكَ دِيَارُ وَبِلَادُ الرُّومِ، فَهَلْ كَانَ الصَّحَابَةُ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ لَا يَفْهَمُونَ الْحَدِيثَ؟!! 

 

المصدر: مُحَمَّدٌ ﷺ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، فَلْنَحْمَلْ رَحْمَتَهُ لِلْعَالَمِينَ 

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مَبْنَى الْحَيَاةِ عَلَى الِابْتِلَاءِ
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: حُبُّ الْوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ وَالدِّفَاعُ عَنْهُ
  مَبْنَى حَرَكَةِ حَيَاةِ الْمُسْلِمِ عَلَى نِظَامٍ مُحْكَمٍ
  حُبُّ الْوَطَنِ غَرِيزَةٌ مُتَأَصِّلَةٌ فِي النُّفُوسِ السَّوِيَّةِ
  الْمِعْرَاجُ وَبَذْلُ الْحُبِّ وَالْوُدِّ
  دُرُوسٌ مُهِمَّةٌ مِنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ ﷺ لِعُمُومِ الْأُمَّةِ
  مِنْ دُرُوسِ وَفَوَائِدِ قِصَّةِ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: طَاعَةُ الْوَلَدِ لِأَبِيهِ فِي أَمْرِ اللهِ تَعَالَى
  عَقِيدَةُ الْخَوَنَةِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ إِسْقَاطَ الْجَيْشِ
  التَّحْذِيرُ مِنْ إِيذَاءِ الْيَتِيمِ وَقَهْرِهِ
  بِرُّ الْوَالِدَيْنِ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ تَمَاسُكِ الْأُسْرَةِ
  فَضْلُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَعِظَمُ أَجْرِ صِيَامِهِ
  التَّحْذِيرُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: رِعَايَةُ الْأَيْتَامِ وَالْفُقَرَاءِ
  مِنْ أَسْرَارِ الْحَجِّ الْعَظِيمَةِ
  نِعْمَةُ الزَّوَاجِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  • شارك