الْمُعَامَلَةُ بِالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، وَالْعَدْلِ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَالِمِينَ


((الْمُعَامَلَةُ بِالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ،

وَالْعَدْلِ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَالِمِينَ))

1*مُعَامَلَةُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَالِمِينَ الْمُسْتَأْمَنِينَ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى:

قَالَ تَعَالَى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المُمْتَحَنَة: 8].

لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ بِسَبَبِ الدِّينِ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ، أَنْ تَصِلُوهُمْ، وَتَعْدِلُوا فِيهِمْ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَالْبِرِّ بِهِمْ؛ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَادِلِينَ، وَيُثِيبُهُمْ عَلَى عَدْلِهِمْ، وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَحَبَّهُ اللهُ أَكْرَمَهُ، وَأَدْخَلَهُ فِي رَحْمَتِهِ.

{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المُمْتَحَنَة: 9].

إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ بِسَبَبِ الدِّينِ، وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ، وَعَاوَنُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوهُمْ أَصْدَقَاءَ وَأَنْصَارَ.

وَمَنْ يَتَّخِذُهُمْ أَنْصَارًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَحِبَّاءَ، فَأُولَئِكَ الْبُعَدَاءُ عَنْ رَحْمَةِ اللهِ هُمُ الظَّالِمُونَ لِأَنْفُسِهِمْ؛ حَيْثُ وَضَعُوا الْوَلَاءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، فَعَرَّضُوا أَنْفُسَهُمْ لِلْعَذَابِ الشّدِيدِ.

فَمُوَادَّةُ الْمُؤْمِنِينَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لِمُعَادِي اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمُعْلِنِي الْحْرَبِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَضِيَّةٌ تُنَاقِضُ الْإِيمَانَ؛ لِأَنَّ مِنْ مُقْتَضَى الْإِيمَانِ مُعَادَاةَ مَنْ عَادَى اللهَ وَرَسُولَهُ، وَحَارَبَ الْمُسْلِمِينَ.

وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ غَيْرُ قَضِيَّةِ مُعَامَلَةِ الْكَافِرِينَ غَيْرِ الْمُقَاتِلِينَ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْبِرِّ وَالْقِسْطِ؛ إِذْ قَدْ يَكُونُ فِي مُعَامَلَتِهِمْ بِالْبِرِّ وَالْقِسْطِ سَبَبٌ لِتَأْلِيفِ قُلُوبِهِمْ، وَتَحْبِيبِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ فَيُسْلِمُونَ؛ حُبًّا فِي دِينِ اللهِ، وَإِعْجَابًا بِالْأَخْلَاقِ الَّتِي يَتَحَلَّى بِهَا أَتْبَاعُهُ.

2*مُعَامَلَةُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَالِمِينَ الْمُسْتَأْمَنِينَ مِنْ سِيرَةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَسُنَّتِهِ:

قَالَ فِي ((مُهَذَّبِ زَادِ الْمَعَادِ فِي بَابِ: هَدْيِ النَّبِيِّ فِي الْمُعَامَلَاتِ)): كَانَ هَدْيُ النَّبِيِّ ﷺ فِي مُعَامَلَةِ أَوْلِيَاءِ اللهِ: الِاسْتِجَابَةَ التَّامَّةَ لِمَا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ مِنْ صَبْرِ نَفْسِهِ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، وَأَلَّا تَعْدُو عَيْنَاهُ عَنْهُمْ، وَأَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ، وَيُشَاوِرَهُمْ فِي الْأَمْرِ، وَأَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يَهْجُرَ مَنْ عَصَاهُ، وَتَخَلَّفَ عَنْهُ حَتَّى يَتُوبَ وَيُرَاجِعَ طَاعَتَهُ، وَأَنْ يُقِيمَ الْحُدُودَ عَلَى مَنْ أَتَى بِمُوجِبَاتِهَا مِنْهُمْ، وَأَنْ يَكُونُوا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءً، شَرِيفُهُمْ وَضَعِيفُهُمْ.

وَكَانَ ﷺ لَا يُوَالِي غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ بِاللهِ، وَبِكِتَابِهِ، وَبِرَسُولِهِ؛ هَدْيًا لِأُمَّتِهِ، وَاهْتِدَاءً بِهَدْيِ اللهِ تَعَالَى لَهُ وَلِأُمَّتِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 55-56].

فَهَذَا كَانَ هَدْيُهُ فِي الْوَلَاءِ وَالْبَرَاءِ الشَّرْعِيَّيْنِ.

وَأَمَّا فِي الْعَادَاتِ: فَكَانَ يُعَامِلُ الْجَمِيعَ بِإِحْسَانٍ؛ يَشْتَرِي مِنْهُمْ، وَيَسْتَعِيرُ، وَيَعُودُ مَرِيضَهُمْ، وَيَقْبَلُ هَدِيَّتَهُمْ، وَيَسْتَعْمِلُهُمْ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، ثَبَتَ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ.

وَكَانَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ فِي مُعَامَلَتِهِمْ بِأَمْرِ اللهِ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].

وَكَانَ يَنْهَى عَنْ الِاعْتِدَاءِ عَلَيْهِمْ بِنَهْيِ اللهِ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].

النَّبِيُّ ﷺ جَاءَ بِالرِّسَالَةِ الْخَاتِمَةِ فِيهَا النُّورُ وَالْهُدَى، وَفِيهَا الْعَفَافُ وَالْعِفَّةُ، وَكَانَ النَّاسُ قَبْلَ ذَلِكَ كَالْحُمُرِ يَتَسَافَدُونَ، تَخْتَلِطُ أَنْسَابُهُمْ، وَلَا يُرَاعُونَ فِي أَحَدٍ عِرْضًا وَلَا حُرْمَةً، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ الضَّعِيفَ، يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ، وَيَئِدُونَ الْبَنَاتِ، وَيَجُورُونَ وَيَظْلِمُونَ.

وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّهُمْ كَانُوا بِاللهِ يَكْفُرُونَ، وَكَانُوا بِالْإِلَهِ الْحَقِّ يُشْرِكُونَ، فَأَخْرَجَهُمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ هَذِهِ الظُّلُمَاتِ الْمُتَكَاثِفَاتِ كُلِّهَا بِمَقْدَمِ الرَّسُولِ ﷺ.

نَبيُّنَا مُحَمَّدٌ مِنْ هَاشِمِ

  إِلَى الذَّبِيحِ دُونَ شَكٍّ يَنْتَمِي

أَرْسلَهُ اللهُ إِلَيْنَا مُرْشِدَا

  وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَهُدَى

مَوْلِدُهُ بِمَكَّةَ الْمُطَهَّرَهْ

  هِجْرَتُهُ لِطَيْبَةَ الْمُنَوَّرَهْ 

بَعْدَ أَرْبَعِينَ بَدَأ الْوَحْيُ بِهِ

  ثُمَّ دَعَا إلَى سَبِيلِ رَبِّهِ 

عَشْرَ سِنِينَ أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا

  رَبًّا تَعَالى شَأْنُهُ وَوَحِّدُوا 

وَكَانَ قَبْلَ ذَاكّ فِي غَارِ حِرَا

  يَخْلُو بِذِكْر رَبِّهِ عَنِ الْوَرَى

وَبَعْدَ خَمْسِينَ مِنَ الْأَعْوَامِ

  مَضَتْ لِعُمْرِ سَيِّدِ الْأَنَامِ 

أَسْرَى بِهِ اللهُ إلَيْهِ فِي الظُّلَمْ

  وَفَرَضَ الْخَمْسَ عَلَيْهِ وَحَتَمْ 

وَبَعْدَ أَعْوَامٍ ثَلَاثَةٍ مَضَتْ

  مِنْ بَعْدِ مِعْرَاجِ النَّبِيِّ وَانْقَضَتْ

  أُوذِنَ بِالْهِجْرَةِ نَحْوَ يَثْرِبَا

  مَعَ كُلِّ مُسْلِمٍ لَهُ قَدْ صَحِبَا

وَبَعْدَهَا كُلِّفَ بِالْقِتَالِ

  لِشِيعَةِ الْكُفْرَانِ وَالضَّلَاَلِ 

حَتَّى أتَوْا لِلدِّينِ مُنْقَادِينَا

  وَدَخَلُوا فِي السِّلْمِ مُذْعِنِينَا 

وَبَعْدَ أَنْ قَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَهْ

  وَاسْتَنْقَذَ الْخَلْقَ مِنَ الْجَهَالَهْ

وَأَكْمَلَ اللهُ بِهِ الْإسْلَامَا

  وَقَامَ دِينُ الْحَقِّ وَاسْتَقَامَا

قَبَضَهُ اللهُ الْعَلِيُّ الْأَعْلَى

  سُبْحَانَهُ إِلَى الرَّفِيقِ الْأَعْلَى

نَشْهَدُ بِالْحَقِّ بِلاَ ارْتِيابِ

  بِأَنَّهُ الْمُرْسَلُ بِالْكِتَابِ

وَأنَّهُ بَلَّغَ مَا قَدْ اُرْسِلاَ

  بِهِ وَكُلُّ مَا إِلَيْهِ اُنْزِلَا

وَكُلُّ مَنْ مِنْ بَعْدِهِ قَدِ ادَّعَى

  نُبُوَّةً فَكَاذِبٌ فِيمَا ادَّعَى 

فَهْوَ خِتَامُ الرُّسْل بِاتِّفَاقِ

  وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ

 

المصدر: الْخُلُقُ الْكَرِيمُ لِلنَّبِيِّ ﷺ مَعَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  أَهْدَافُ الْجِهَادِ السَّامِيَةِ
  نِعْمَةُ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  لَنْ تُوَفِّيَ أُمَّكَ حَقَّهَا!!
  التَّحْذِيرُ مِنْ إِشَاعَةِ الْفَوْضَى
  مَعْنَى الْهِجْرَةِ وَأَدِلَّتُهَا وَشُرُوطُهَا
  الِاجْتِهَادُ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي الْعَشْرِ
  التَّرْهِيبُ مِنْ عُقُوبَاتِ الْعُقُوقِ
  مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ: هَجْرُ الشِّرْكِيَّاتِ إِلَى التَّوْحِيدِ
  ضَرُورَةُ الْحِفَاظِ عَلَى نَظَافَةِ الْأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ
  الْمُؤَامَرَةُ عَلَى مِيَاهِ الْمِصْرِيِّينَ!!
  الحُبُّ الفِطْرِيُّ لِلْأَوْطَانِ
  مَنْزِلَةُ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
  تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى التَّوْحِيدِ
  الْآثَارُ الْمُدَمِّرَةُ لِطُولِ الْأَمَلِ دُنْيَا وَآخِرَةً
  فَهْمُ مَقَاصِدِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ
  • شارك