خَوَارِجِ الْعَصْرِ وَتَفْجِيرُ الْمَسَاجِدِ!!


((خَوَارِجِ الْعَصْرِ وَتَفْجِيرُ الْمَسَاجِدِ!!))

قَالَ سَيِّد قُطْب فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس: 87] -بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ فِيمَا سَبَقَ دُخُولَ مُسْلِمِي الْعَصْرِ فِي إِطَارِ الْمُجْتَمَعِ الْجَاهِلِيِّ-: ((وَهُنَا يُرْشِدُهُمُ اللهُ إِلَى اعْتِزَالِ مَعَابِدِ الْجَاهِلِيَّةِ -يَعْنِي مَسَاجِدَهَا!!-، وَاتِّخَاذِ بُيُوتِ الْعُصْبَةِ الْمُسْلِمَةِ مَسَاجِدَ تُحِسُّ فِيهَا بِالِانْعِزَالِ عَنِ الْمُجْتَمَعِ الْجَاهِلِيِّ)).

وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ قَرَّرَ نَظَرِيَّةَ ((الْعُصْبَةِ الْمُسْلِمَةِ)) فِي هَذَا الْعَصْرِ، وَهِيَ وَهْمٌ كَبِيرٌ أَدَّى إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الشُّرُورِ؛ فَكَمْ أُرِيقَ بِسَبَبِها مِنْ دِمَاءٍ؟!!

وَكَمْ وَقَعَ بِسَبَبِهَا مِنْ فَسَادٍ؟!!

وَكَمْ انْتُهِكَتْ بِسَبَبِهَا وَمِنْ جَرَّائِهَا مِنْ أَعْرَاضٍ؟!!

وَكَمْ اضْطَرَبَتْ بِسَبِبِها أَحْوَالُ الْأُمَمِ حَتَّى صِرْنَا إِلَى مَا وَقَعَ؛ مِمَّا عُرِفَ بِالرَّبِيعِ الْعِبْرِيِّ، وَسَقَطَتْ بِسَبِبِهِ كَثِيرٌ مِنَ الدُّوَلِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ, وَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى وَحْدَهُ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلِ.

وَقَالَ: ((وَنِقْطَةُ الْبَدْءِ الصَّحِيحَةِ فِي الطَّرِيقِ الصَّحِيحَةِ هِيَ: أَنْ تَتَبَيَّنَ حَرَكَاتُ الْبَعْثِ الْإِسْلَامِيِّ أَنَّ وُجُودَ الْإِسْلَامِ قَدْ تَوَقَّفَ، هَذَا طَرِيقٌ.

وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ: أَنْ تَظُنَّ هَذِهِ الْحَرَكَاتُ لَحْظَةً وَاحِدَةً أَنَّ الْإِسْلَامَ قَائِمٌ، وَأَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الْإِسْلَامَ، وَيَتَسَمَّوْنَ بِأَسْمَاءِ الْمُسْلِمِينَ هُمْ فِعْلًا مُسْلِمُونَ.

فَإِنْ سَارَتِ الْحَرَكَاتُ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ؛ سَارَتْ عَلَى صِرَاطِ اللهِ وَهُدَاهُ، وَإِنْ سَارَتْ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِي؛ فَسَتَسِيرُ وَرَاءَ سَرَابٍ كَاذِبٍ، تَلُوحُ لَهَا فِيهِ عَمَائِمُ تُحَرِّفُ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَتَشْتَرِي بِآيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، وَتَرْفَعُ رَايَةَ الْإِسْلَامِ عَلَى مَسَاجِدِ الضِّرَارِ -يَعْنِي مَسَاجِدَ الْمُسْلِمِينَ!!-))

لَقَدْ غَلَا خَوَارِجُ عَصْرِنَا عَنْ أَسْلَافِهِمْ أَنَّهُمْ تَجَاوَزُوا هِجْرَانَهَا -أَيْ: الْمَسَاجِدَ- إِلَى الْأَمْرِ بِهَدْمِهَا:

قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: ((وَمِمَّا تَدْخُلُ فِي مَعْنَى مَسْجِدِ الضِّرَارِ وَيَنْطَبِقُ عَلَيْهَا الْوَصْفُ الشَّرْعِيُّ؛ تِلْكَ الْمَسَاجِدُ الَّتِي بَنَاهَا الطَّوَاغِيتُ، لِتُذْكَرَ فِيهَا أَسْمَاؤُهُمْ، وَتُسَمَّى بِهِمْ، وَهَذِهِ الْمَسَاجِدُ فِيهَا الْكَثِيرُ مِنْ مَعَانِي الضِّرَارِ؛ مِنْهَا: أَنَّهَا بُنِيَتْ رِيَاءً وَسُمْعَةً، وَأَمْوَالُهَا إِنَّمَا بُنِيَتْ مِنْ سَرِقَاتِ هَؤُلَاءِ الطَّوَاغِيتِ وَبَعْضُهَا مِنَ الرِّبَا)).

*يَدْخُلُ الْخَارِجِيُّ الْمَسْجِدَ لِيُفَجِّرَ نَفْسَهُ!!

النَّبِيُّ ؛ مَنْ وَصَفَهُ رَبُّهُ -جَلَّ وَعَلَا- بِأَنَّهُ {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}؛ مَنَعَنَا بِأَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنَّا مَسْجِدًا مِنْ مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ, أَوْ سُوقًا مِنْ أَسْوَاقِهِم وَمَعَهُ نِصَالٌ إِلَّا وَقَدْ قَبَضَ عَلَيْهَا.

النَّبِيُّ  لَمْ يَقْبَلْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْ يُرَوِّعَ أَخَاهُ وَكَانَ نَائِمًا, فَصَنَعَ مَعَهُ صَنِيعًا فَقَامَ مَفْزُوعًا, فَنَهَى النَّبِيُّ عَنْ تَرْوِيعِ الْمُسْلِمِينَ, عَنْ تَفْزِيعِهِمْ.

أَيْنَ هَذَا النَّهْيُ النَّبَوِيُّ الْكَرِيمُ عَنْ تَفْزِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ لِيُفَجِّرَ نَفْسَهُ؛ لِيَصِيرَ الْمُصَلُّونَ أَشْلَاءً!! يَصِيرَ الرُّكَّعُ السُّجُودُ قِطَعًا مُتَنَاثِرَةً مُخْتَلِطَةً!! حَتَّى الْجُثَّةَ لَا يَتَحَصَّلُ ذَوُوهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا, صَارَتْ فُتَاتًا مَحْرُوقًا, بَعْضُهَا الْتَصَقَ بِالسَّقْفِ إِنْ كَانَ بَقِيَ فِي الْمَسْجِدِ سَقْفٌ! وَسَائِرُهَا عَلَى الْحَوَائِطِ وَالْجُدْرَانِ وَالسَّوَارِي, وَتَطُؤُهَا الْأَقْدَامُ بِلَا حُرْمَةٍ وَلَا اسْتِكَانَةٍ عِنْدَ الْمَوْتِ, صَارَ الْمَوْتُ هَيِّنًا!!

أَيْنَ النَّهْيُ عَنِ التَّفْزِيعِ وَالتَّرْوِيعِ لِلْمُسْلِمِينَ, مِنْ دُخُولِ الْوَاحِدِ مِنْ أُولَئِكَ الْخَوَارِجِ -عَامَلَهُمُ اللهُ بِعَدلْهِ بِسَيَّارَةٍ يَجْعَلُ فِيهَا نِصْفَ طَنٍّ مِنَ الْمُتَفَجِّرَاتِ، وَيْحَك!! مَاذَا تُرِيدُ؟!!

تُرِيدُ الْإِثْخَانَ فِي الْمُرْتَدِّينَ!! فِي الَّذِينَ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ!! فِي الْمُصَلِّينَ!! فِي الصَّائِمِينَ!! فِي الْمُعْتَكِفِينَ!! فِي الْحُجَّاجِ وَالْمُعْتَمِرِينَ!! فِي الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِمَا عَلِمُوا مِنَ الدِّينِ الَّذِي شَوَهْتُمُوهُ!! وَعَنِ الْمُسْلِمِينَ أَذْهَبْتُمُوهُ!!

عَلِّمُوهُمْ..

كَفَّرُوهُمْ!! جَعَلُوهُمْ مُرْتَدِّينَ!! إِذَنْ؛ حَلَالٌ دَمُهُمْ, حَرَامٌ حَيَاتُهُمْ, حَلَالٌ أَعْرَاضُهُمْ, حَرَامٌ بَقَاؤُهُمْ, فَلْيَذْهَبُوا إِلَى الْجَحِيمِ!!

أَيْنَ النَّهْيُ النَّبَوِيُّ الْكَرِيمُ عَنْ تَرْوِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَتَفْزِيعِهِمْ, مِنْ هَذَا الْعَبَثِ الْعَابِثِ, وَالطُّغْيَانِ الطَّاغِي, وَالْهَمِّ الْقَائِمِ الْقَاعِدِ الْمُقِيمِ؟!!

أَلَا إِنَّهَا كُرْبَةٌ، وَلَكِنْ هَذِهِ الْأُمَّةُ تَنْفِي خَبَثَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ, لَا تُرَاعُوا, إِنْ قَتَلُوكُمْ فَخَيْرُ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ, إِنْ قَتَلُوكُمْ -إِنْ قَتَلَكُمُ الْخَوَارِجُ- فَخَيْرُ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ مَنْ قَتَلُوهُ, وَإِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ فَهُمْ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ, قَالَ رَسُولُ اللهِ : «لَئِنْ لَقِيتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ».

 

المصدر:الدِّفَاعُ عَنِ الْوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ وَمَنْزِلَةُ الْمَسَاجِدِ وَوُجُوبُ حِمَايَتِهَا فِي الْإِسْلَامِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مِنْ مَعَالِمِ الرَّحْمَةِ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: الْإِحْسَانُ وَالرَّحْمَةُ بِكُلِّ شَيْءٍ
  خَطَرُ الْخِيَانَةِ عَلَى الْأَوْطَانِ
  دِينٌ كَامِلٌ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي جَمِيعِ أَزْمِنَتِهِمْ
  اتَّقِ اللهَ فِيمَنْ تَعُولُ؛ فَإِنَّهُمْ أَمَانَةٌ!
  «بِدْعَةُ المَوْلِدِ النَّبَوِيِّ» العلَّامة: محمَّد البشير الإبراهيمي -رحمهُ اللهُ-.
  حُبُّ الْوَطَنِ غَرِيزَةٌ مُتَأَصِّلَةٌ فِي النُّفُوسِ السَّوِيَّةِ
  الشَّبَابُ وَحَمْلُ أَمَانَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَنَمَاذِجٌ مِنْ خَيْرِ الْبَشَرِ
  وَاجِبُ الْعَبْدِ عِنْدَ الِابْتِلَاءِ
  فَضْلُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَعِظَمُ أَجْرِ صِيَامِهِ
  عِبَادَةُ النَّبِيِّ ﷺ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ
  وَصِيَّةُ النَّبِيِّ ﷺ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْجِيرَانِ
  الْمَصْلَحَةُ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ أَوَّلًا..
  كِبَارُ السِّنِّ -الْمُسِنُّونَ- الصَّالِحُونُ خَيْرُ النَّاسِ
  أَشْرَفُ الْعُلُومِ وَأَعْلَاهَا وَأَسْمَاهَا
  الْعِلْمُ وَالْقُوَّةُ الْعَسْكَرِيَّةُ مِنْ سُبُلِ بِنَاءِ الْأُمَمِ
  • شارك