دِينُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ أَمَرَ بِالرِّفْقِ وَجَعَلَ الْخَيْرَ فِيهِ


 ((دِينُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ أَمَرَ بِالرِّفْقِ وَجَعَلَ الْخَيْرَ فِيهِ))

عِبَادَ اللهِ! لَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى الْخَيْرَ فِي الرِّفقِ كَمَا قَالَ ﷺ: «مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ، فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، أَثْقَلُ شَيْءٍ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيَّ». أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي «السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ».

وَمَفْهُومُ ذَلِكَ أَن الشَّرَّ فِي الْعُنْفِ وَهُوَ -فَضْلًا عَمَّا يَجُرُّ إِلَيْهِ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ-  يُدَمِّرُ صِحَّةَ الْإِنْسَانِ، وَيُبَدِّدُ طَاقَةَ عَقْلِهِ وَبَدَنِهِ، وَيُشَوِّشُ عَلَيْهِ فِكْرَهُ، وَيَقْطَعُ مَوْصُولَ صِلَتِهِ بِالْخَلْقِ مِنْ حَوْلِهِ؛ وَكُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ الشِّدَّةِ وَالْغِلْظَةِ، وَأَمَّا الرِّفْقُ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي مِنْهُ إِلَّا الْخَيْرُ.

فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ: التَّرْغِيبُ فِي الْبُعْدِ عَنِ الْعُنْفِ وَالشِّدَّةِ وَالْغِلْظَةِ، وَصَاحِبُهَا مَحْرُومٌ مِنَ الْخَيْرِ، وَضَرُورَةُ التَّحَلِّي بِالرِّفْقِ، وَحُسْنِ الْخُلُقِ؛ فَإِنَّهُمَا يُزَيِّنَانِ الْمَرْءَ وَيُجَمِّلَانِهِ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ.

وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ.

قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ.

قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ».

فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَ لَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟!

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي «صَحِيحِهِ».

«رَهْطٌ»: الرَّهْطُ: مَا دُونَ الْعَشْرَةِ مِنَ الرِّجَالِ، لَا يَكُونُ فِيهِمُ امْرَأَةٌ، وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَقِيلَ: إِلَى الْأَرْبَعِينَ رَجُلًا.

وَ«السَّامُ»: الْمَوْتُ.

قَوْلُ عَائِشَةَ: «فَفَهِمْتُهَا»؛ أَيْ: فَهِمْتُ أَنَّهُمْ قَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ. وَلَمْ يَقُولُوا:  السَّلَامُ عَلَيْكُمْ.

قَالَتْ: «عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ»، «اللَّعْنَةُ»: الطَّرْدُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى.

«مَهْلًا يَا عَائِشَةُ»، «مَهْلًا»: مَصْدَرٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيِ: ارْفُقِي رِفْقًا.

وَ«الْمَهْلُ»: التُّؤَدَةُ وَالرِّفْقُ.

«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ»؛ أَيْ: يُحِبُّ لِينَ الْجَانِبِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَيُحِبُّ الْأَخْذَ بِالْأَسْهَلِ مَا لَمْ يُخَالِفِ الشَّرْعَ.

فِي حَدِيثِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: «إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، ويُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ».

أَيْ: يَتَأَتَّى مِنَ الرِّفْقِ مَا لَا يَتَأَتَّى مَعَ نَقِيضِهِ وَضِدِّهِ.

قَالَ ﷺ: «قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ».

أَيْ: يُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ دُعَائِي بِالْمَوْتِ، وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ بِهِ، وَبِذَلِكَ تَحَقَّقَ الِانْتِصَارُ بِرِفْقٍ دُونَ عُنْفٍ.

فِي هَذَا الْحَدِيثِ: النَّهْيُ عَنِ الْعُنْفِ وَالْفُحْشِ مَعَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ عَنِيفًا فَاحِشًا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، بَيَانُ أَنَّ الِانْتِصَارَ إِنَّمَا يَكُونُ بِرِفْقٍ وَحِكْمَةٍ، وَحُسْنُ خُلُقِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَدَبِهِ، وَفَضْلُ الرِّفْقِ، وَالْحَثُّ عَلَى الْخُلُقِ الْحَسَنِ، وَذَمُّ الْعُنْفِ، وَرَدُّ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَنَّهُ يَكُونُ بِقَوْلِ: «وَعَلَيْكُمْ»، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُعَوِّدَ لِسَانَهُ عَلَى الْأَدَبِ وَأَلَّا يَأْخُذَ نَفْسَهُ بِالسَّبِّ حَتَّى لَا يُدْمِنَهُ.

وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ يُحْرَمُ الرِّفْقَ يُحْرَمُ الْخَيْرَ». وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي «صَحِيحِهِ».

«الرِّفْقُ»: لِينُ الْجَانِبِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَهُوَ اللُّطْفُ، وَهُوَ خِلَافُ الْعُنْفِ.

«مَنْ يُحْرَمُ»: هَاهُنَا مِنَ الْمَنْعِ وَالْحِرْمَانِ.

«يُحْرَمُ الْخَيْرَ»؛ أَيْ: يُفْضِى بِهِ إِلَى أَنْ يُحْرَمَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].

فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَ النَّبِيِّ ﷺ مَعَ أَصْحَابِهِ فِيمَا لَوْ تَعَامَلَ مَعَهُمْ بِالْغِلْظَةِ، وَمَا يَنْشَأُ عَنْهُ مِنَ انْفِضَاضِ أَصْحَابِهِ، فَكَيْفَ لَوْ تَعَامَلَ بِذَلِكَ مَنْ هُوَ دُونَهُ مَعَ مَنْ هُوَ دُونَهُمْ.

وَأَنْتَ تَرَى -حَفِظَكَ اللهُ- بُعْدَ النَّاسِ عَنِ الدِّينِ.

فَالرِّفْقَ الرِّفْقَ!

وَاللِّينَ اللِّينَ! إِلَّا فِي مَوْضِعِ الشِّدَّةِ، فَيَتَوَجَّبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَأْتِيَ بِالشِّدَّةِ فِي مَوَاضِعِهَا.

فَالرِّفْقَ الرِّفْقَ.. وَاللِّينَ اللِّينَ؛ حَتَّى تُبَلِّغَ دِينَ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

عباد الله! إِنَّ الرِّفْقَ سَبَبُ كُلِّ خَيْرٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْمَلَ حَيَاةَ الْمُسْلِمِ، فَمَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

 

المصدر: نَبْذُ الْإِسْلَامِ لِلْعُنْفِ وَالْعُنْصُرِيَّةِ وَالْكَرَاهِيَةِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الْمَوْعِظَةُ الثَّلَاثُونَ : ((وَدَاعُ رَمَضَانَ وَسُنَنُ العِيدِ وَآدَابُهُ))
  مَظَاهِرُ النِّظَامِ فِي الْعِبَادَاتِ
  عِلَاجُ التَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ وَالِانْحِرَافِ الْأَخْلَاقِيِّ فِي كَلِمَتَيْنِ: عِيشُوا الْوَحْيَ الْمَعْصُومَ
  خُطُورَةُ تَغْيِيبِ وَعْيِ أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ
  نَبِيُّكُمْ ﷺ كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا مَعَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ
  حِكَمُ تَشْرِيعِ الزَّكَاةِ
  الدرس الثالث عشر : «تَحَرِّي الحَلَالِ»
  نَصَائِحُ مُهِمَّةٌ لِطُلَّابِ الْعِلْمِ
  فَسَادُ الْمُجْتَمَعَاتِ يَكُونُ بِسَبَبِ فَسَادِ الْأَفْرَادِ وَالْأُسَرِ
  جُمْلَةٌ مِنْ مَحَاسِنِ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  وُجُوبُ مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ
  رِسَالَةٌ إِلَى الْمُنَادِينَ بِالْخُرُوجِ وَإِحْدَاثِ الْفَوْضَى
  الْوَطَنِيَّةُ فِي الْإِسْلَامِ
  أَمَانَةُ الْكَلِمَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
  حَثُّ دِينِ الْإِسْلَامِ عَلَى التَّرَقِّي فِي الْعُلُومِ الْمَادِّيَّةِ
  • شارك