مُلْكٌ عَظِيمٌ لَا يُسَاوِي شَرْبَةَ مَاءٍ!!


 ((مُلْكٌ عَظِيمٌ لَا يُسَاوِي شَرْبَةَ مَاءٍ!!))

عِبَادَ اللهِ! هَذِهِ النِّعَمُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا إِلَّا الْمُوَفَّقُونَ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخَلْقِ لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى هَذِهِ النِّعَمِ، وَلَا يَعُدُّونَهَا شَيْئًا!!

وَالْإِنْسَانُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْرِفَ قَدْرَ النِّعْمَةِ إِلَّا إِذَا فَقَدَهَا، وَلِذَلِكَ كَانَ -كَمَا هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى الْإِمَامِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-- كَانَ إِذَا مَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ يَقُولُ: ((يَا لَهَا مِنْ نِعْمَةٍ لَوْ قَدَرَهَا النَّاسُ قَدْرَهَا)) .

وَقَدْ اسْتَغَلَّ ذَلِكَ أَحَدُ الْوُعَّاظِ الْأَفْذَاذِ وَهُوَ ابْنُ السَّمَّاكِ)) .

لَمَّا دَخَلَ عَلَى هَارُونَ الرَّشِيدِ، وَكَانَ فِي يَدِهِ جَامٌ مِنْ مَاءٍ -أَيْ: كُوبٌ أَوْ كَأْسٌ فِيهِ مَاءٌ-، فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ: عِظْنِي.

فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَرَأَيْتَ لَوُ أَنَّكَ كُنْتَ فِي صَحَرَاءَ مُجْدِبَةٍ، وَانْقَطَعَتْ بِكَ السَّبِيلُ، وَلَمْ تَجِدْ مَاءً وَلَا غِذَاءً، أَكُنْتَ تُعْطِي مَنْ يُعْطِيكَ هَذِهِ الشَّرْبَةَ الَّتِي فِي يَدِكَ نِصْفَ مُلْكِكَ؟!!

وَمُلْكُهُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ الَّذِي كَانَ يُقَالُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ: لَا تَغِيبُ عَنْهُ الشَّمْسُ، فَإِنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى السَّحَابَةِ فِي السَّمَاءِ، وَيَقُولُ لَهَا مُخَاطِبًا: ((امْطُرِي حَيْثَ شِئْتِ فَسَوْفَ يَأْتِينِي خَرَاجُكِ))، فَمَهْمَا نَزَلَ قَطْرُكِ، فَسَوْفَ يَنْزِلُ عَلَى أَرْضٍ عَلَيْهَا تُرَفْرِفُ رَايَةُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.

هَذَا الْمُلْكُ الْفَسِيحُ لَمَّا سَاوَمَ عَلَيْهِ ابْنُ السَّمَّاكِ بِكَأْسٍ مِنْ مَاءٍ، أَوْ سَاوَمَ عَلَى نِصْفِهِ بَدْءًا، قَالَ: أَكُنْتَ تُعْطِي لِمَنْ يُعْطِيكَ هَذِهِ الشَّرْبَةَ الَّتِي فِي يَدِكَ نِصْفَ مُلْكِكَ؟!!

قَالَ: بَلْ أُعْطِيهِ مُلْكِي كُلَّهُ.

لِأَنَّهُ لَا يُسَاوِي حِينَئِذٍ شَيْئًا، وَهَذِهِ الشَّرْبَةُ تُسَاوِي الْحَيَاةَ.

حِينَئِذٍ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّكَ شَرِبْتَهَا فَاحْتُبِسَتْ فِيكَ، أَكُنْتَ تُعْطِي لِمَنْ يُخْرِجُهَا مِنْكَ نِصْفَ الْمُلْكَ الْآخَرَ؟!!

قَالَ: بَلْ أُعْطِيهِ مُلْكِي كُلَّهُ.

قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! فَانْظُرْ إِلَى مُلْكٍ لَا يُسَاوِي عِنْدَ نِعَمِ اللهِ بَوْلَةً وَلَا شَرْبَةً.

فَهَذِهِ النِّعَمُ لَا نَلْتَفِتُ إِلَيْهَا!! وَيُمْكِنُ الْآنَ أَنْ نَلْتَفِتَ إِلَيْهَا؛ عِنْدَمَا نَنْظُرُ إِلَى مُعَانَاةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي ابْتُلِيَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ بِتَسَلُّطِ الْغَاشِمِينَ الْكَافِرِينَ، وَالْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَا يَجِدُ شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ هَنِيءٍ، وَقَدْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَجَارِي، وَقَدْ يَشْرَبُ بَوْلَهُ هُوَ -إِنْ خَرَجَ مِنْهُ بَوْلٌ وَلَمْ يُصِبْهُ جَفَافٌ-!! وَقَدْ يَتَقَمَّمُ فِي الْمَزْبَلَةِ؛ حَتَّى يَسْتَخْرِجَ فَضَلَاتٍ تَعَافُهَا الْكِلَابُ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَحْيَا عَلَيْهَا وَلَا يَمُوتُ!!

وَأَمَّا الَّذِينَ آتَاهُمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- النِّعَمَ فَيُسْرِفُونَ وَلَا يَحْمَدُونَ، وَيُبَذِّرُونَ وَلَا يَشْكُرُونَ!! وَلَوْ أَنَّهُمْ رَاقَبُوا نِعْمَةَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْهِمْ؛ لِعَلِمُوا أَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ وَسَّعَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ وَنَعَّمَهُمْ، فَعَسَى أَلَّا يَكُونَ اسْتِدْرَاجًا.

 

المصدر:نِعْمَةُ الْمَاءِ وَضَرُورَةُ الْحِفَاظِ عَلَيْهَا

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  عَاقِبَةُ نَقْضِ الْعُقُودِ وَالْعُهُودِ
  الْعَدْلُ هُوَ أَسَاسُ الْعَلَاقَاتِ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ
  أَمْرُ النَّبِيِّ ﷺ بِصِلَةِ الرَّحِمِ وَتَرْغِيبُهُ فِيهَا
  الدرس الثلاثون : «الـــرِّضَــــــــا»
  الْبِرُّ الْحَقِيقِيُّ بِالْأَبَوَيْنِ
  قَضِيَّةُ الْأُمَّةِ وَفَوَائِدُ الْكَلَامِ عَنْهَا
  صَيْحَةُ نَذِيرٍ مُتَجَدِّدَةٌ لِجُمُوعِ الْمِصْرِيِّينَ..
  الصَّائِمُونَ الْمُفْلِسُونَ
  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ: الرِّفْقُ وَالرَّحْمَةُ بِهِ
  الزَّوَاجُ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-
  بِرُّ الْأَبَوَيْنِ سَبَبُ تَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ
  احْذَرُوا أَنْ تُؤْتَوْا مِنْ ثُغْرِ الْعُقُوقِ!!
  مَنَاسِكُ الْحَجِّ كَأَنَّكَ تَرَاهَا
  رِسَالَةٌ مَلِيئَةٌ بِالْأَمَلِ وَالْبُشْرَيَاتِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ
  أَثَرُ كَلَامِ الرَّحْمَنِ فِي زِيَادَةِ الْإِيمَانِ
  • شارك