الْحَثُّ عَلَى الْمُرُوءَةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ


((الْحَثُّ عَلَى الْمُرُوءَةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ))

فَالْمُرُوءَةُ: هِيَ الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَالتَّفَضُّلُ للهِ تَعَالَى، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].

فَقَدْ قَرَنَ اللهُ تَعَالَى الْعَدْلَ فِيهَا بِالْإِحْسَانِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ وَحْدَهُ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى الْجَوْرِ, فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ كَامِلًا قَدْ يَقَعُ فِيمَا لَا يَحِلُّ كُلُّهُ, لَكِنَّهُ إِذَا أَخَذَ الْعَدْلَ وَمَعَهُ الْإِحْسَانَ تَرَكَ بَعْضَ مَا يَسْتَحِقُّهُ؛ رَغْبَةً فِيمَا حَثَّهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنَ الْإِحْسَانِ، قَالَ تَعَالَى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].

وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْخَلْقِ هُوَ إِيصَالُ النَّفْعِ الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ إِلَيْهِمْ، وَدَفْعُ الشَّرِّ الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ عَنْهُمْ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَمْرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيُهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَعْلِيمُ جَاهِلِهِمْ، وَوَعْظُ غَافِلِهِمْ، وَالنَّصِيحَةُ لِعَامَّتِهِمْ وَخَاصَّتِهِمْ، وَالسَّعْيُ فِي جَمْعِ كَلِمَتِهِمْ، وَإِيصَالُ الصَّدَقَاتِ وَالنَّفَقَاتِ الْوَاجِبَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ إِلَيْهِمْ، عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ وَتَبَايُنِ أَوْصَافِهِمْ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ بَذْلُ النَّدَى، وَكَفُّ الْأَذَى، وَاحْتِمَالُ الْأَذَى، كَمَا وَصَفَ اللهُ بِهِ الْمُتَّقِينَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، فَمَنْ قَامَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ، فَقَدْ قَامَ بِحَقِّ اللهِ وَحَقِّ عِبَادِهِ.

*وَمِنَ الْمُرُوءَةِ الْعَفْوُ وَالْحِلْمُ، فَقَدْ قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].

أَيْ: بِرَحْمَةِ اللهِ لَكَ وَلِأَصْحَابِكَ، مَنَّ اللهُ عَلَيْكَ أَنْ ألَنْتَ لَهُمْ جَانِبَكَ، وَخَفَضْتَ لَهُمْ جَنَاحَكَ، وَتَرَقَّقْتَ عَلَيْهِمْ، وَحَسَّنْتَ لَهُمْ خُلُقَكَ، فَاجْتَمَعُوا عَلَيْكَ وَأَحَبُّوكَ، وَامْتَثَلُوا أَمْرَكَ.

{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا} أَيْ: سَيِّئَ الْخُلُقِ {غَلِيظَ الْقَلْبِ} أَيْ: قَاسِيَهُ، {لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}؛ لِأَنَّ هَذَا يُنَفِّرُهُمْ وَيُبَغِّضُهُمْ لِمَنْ قَامَ بِهِ هَذَا الْخُلُقُ السَّيِّئُ.

فَالْأَخْلَاقُ الْحَسَنَةُ مِنَ الْمُقَدَّمِ فِي الدِّينِ، تَجْذِبُ النَّاسَ إِلَى دِينِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَتُرَغِّبُهُمْ فِيهِ، مَعَ مَا لِصَاحِبِهِ مِنَ الْمَدْحِ وَالثَّوَابِ الْخَاصِّ، وَالْأَخْلَاقُ السَّيِّئَةُ مِنَ الْمُقَدَّمِ فِي الدِّينِ تُنَفِّرُ النَّاسَ عَنِ الدِّينِ، وَتُبَغِّضُهُمْ إِلَيْهِ، مَعَ مَا لِصَاحِبِهَا مِنَ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ الْخَاصِّ، فَهَذَا الرَّسُولُ الْمَعْصُومُ يَقُولُ اللهُُ لَهُ مَا يَقُولُ، فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ؟!!

أليس مِن أَوْجَبِ الوَاجِبَاتِ، وأَهَمِّ المُهِمَّاتِ، الاقتداءُ بأخلاقِهِ الكريمةِ، ومعاملةُ النَّاسِ بِمَا يُعَامِلُهُم به ﷺ، مِن اللينِ وحُسْنِ الخُلُقِ والتَّأليفِ، امْتِثَالًا لأمرِ اللهِ، وَجَذْبًا لِعِبَادِ اللهِ لدينِ اللهِ.

ثُمَّ أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى بِأَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ مَا صَدَرَ مِنْهُمْ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّهِ ﷺ، وَيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ فِي التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ اللهِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْعَفْوِ وَالْإِحْسَانِ.

{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} أَيْ: الْأُمُورُ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى اسْتِشَارَةٍ وَنَظَرٍ وَفِكْرٍ، فَإِنَّ فِي الِاسْتِشَارَةِ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ مَا لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُ.

وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: ((مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شِيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ فَيَنْتَقِمَ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- )). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: ((مَا رُزِقَ عَبْدٌ خَيْرًا لَه وَلَا أَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ)). أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.

وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَكْتُوبٌ فِي الإِنْجِيلِ: لَا فَظٌّ، وَلَا غَلِيظٌ، وَلَا صَخَّابٌ بِالْأَسْوَاقِ، وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مِثْلَهَا، بَلْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ)). أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ عَسَاكِرِ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ)).

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا».

فِي الصَّفْحِ وَالْعَفُوِ وَالْحِلْمِ مِنَ الْحَلَاوَةِ وَالطُّمْأَنِينَةِ وَالسَّكِينَةِ، وَشَرَفِ النَّفْسِ، وَعِزِّهَا وَرِفْعَتِهَا عَنْ تَشَفِّيهَا بِالِانْتِقَامِ مَا لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ فِي الْمُقَابَلَةِ وَالِانْتِقَامِ.

*وَالْمُرُوءَةُ فِي قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199].

فَإِحْسَانُ التَّعَامُلِ مَعَ الْخَلْقِ هُوَ امْتِثَالٌ لِأَمْرِ الرَّبِّ وَامْتِثَالٌ لِأَمْرِ النَّبِيِّ الْأَكْرَمِ ﷺ: «وَخَالِق النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ».

((خَالِقْ النَّاسَ)): مِنَ الْمُفَاعَلَةِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ النَّاسِ، يَعْنِي: فَلْتَكُنْ أَخْلَاقُكَ الْمَبْذُولَةُ إِلَيْهُمْ حَسَنَةً.

((خَالِقْ النَّاسَ)): فَهُوَ فِعْلُ أَمْرٍ، «وخالِق الناسَ بخُلقٍ حَسَنٍ».

فَهُوَ امْتِثَالٌ لِأَمْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَامْتِثَالٌ لِأَمْرِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ.

وَيَجْعَلُهُ النَّبِيُّ ﷺ مُؤَدِّيًا إِلَى مَبْلَغٍ لَا يُرْتَقَى مُرْتَقَاهُ إِلَّا بِشِقِّ النَّفْسِ وَبَذْلِ الْمَجْهُودِ «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ».

*وَالصِّدْقُ جَوْهَرُ الْمُرُوءَةِ:

إنَّ الصِّدْقَ عَزِيزٌ، وَعَوِّد نَفْسَكَ الصِّدْقَ، فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَعْوِيدٍ وَمَشَقَّةٍ، وَأَمْسِكْ لِسَانَكَ عَنِ اللَّغْوِ، حَتَّى لَا يَجُرَّكَ اللَّغْوُ إِلَى هَذَا الْكَذِبِ الْمُسْتَقْبَحِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَذِبَ لَا يَلِيقُ بِالرَّجُلِ ذِي الْمُرُوءَةِ، وَأَنَّهُ لَوْ نَادَى مُنَادٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَنَّ الْكَذِبَ حَلَالٌ مَا فَعَلْتُهُ؛ لِتَمَامِ مُرُوءَتِهِ وَكَمَالِ رُجُولَتِهِ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ يُزْرِي بِهِ، وَيَحُطُّ مِنْ قَدْرِهِ، وَيُحَقِّرُ مِنْ شَأْنِهِ.

*وَبِالْجُمْلَةِ؛ فَالرَّجُلُ الْكَامِلُ التَّامُّ الْمُرُوءَةِ: هُوَ مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ، وَوَصَلَ رَحِمَهُ، وَأَكْرَمَ إِخْوَانَهُ، وَحَسَّنَ خُلُقَهُ، وَأَحْرَزَ دِينَهُ، وَأَصْلَحَ مَالَهُ، وَأَنْفَقَ مِنْ فَضْلِهِ، وَحَسَّنَ لِسَانَهُ، وَلَزِمَ بَيْتَهُ.

*الرَّجُلُ التَّامُّ الْمُرُوءَةِ: مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ، وَوَصَلَ رَحِمَهُ: فَحَقُّ الْأَبَوَيْنِ يَلِي حَقَّ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَحَقَّ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي الْفَرْضِيَّةِ وَالْوُجُوبِ، قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36].

وَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75].

وذَوُوا الْأَرْحَامِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَهُمُ الْأَوْلَوِيَّةُ فِي الْمُوَالَاةِ بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحَقِّ الرَّحِمِ.

 (وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا عَرَضَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فِي مَسِيرِهِ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ؟

قَالَ: «تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ». وَالْحَدِيثُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ».

«تَصِلُ الرَّحِمَ»؛ أَيْ: تُحْسِنُ إِلَى أَقَارِبِكَ، وَتُوَاسِي ذَوِي الْقَرَابَةِ فِي الْخَيْرَاتِ.

*الرَّجُلُ التَّامُّ الْمُرُوءَةِ: مَنْ أَكْرَمَ إِخْوَانَهُ: فَالنَّبِيُّ ﷺ أَمَرَنَا بِالتَّوَادِّ؛ قَالَ ﷺ: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)).

وَثَبَتَ فِي ((صَحِيحِ مُسْلِمٍ))، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ)): أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ)).

وَحُقُوقُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ كَثِيرَةٌ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْجَامِعُ لِهَذِهِ الْحُقُوقِ كُلِّهَا قَوْلُ الرَّسُولِ ﷺ: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ)) ، فَإِنَّهُ مَتَى قَامَ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْأُخُوَّةِ اجْتَهَدَ أَنْ يَتَحَرَّى لَهُ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَأَنْ يَجْتَنِبَ كُلَّ مَا يَضُرُّهُ.

وَمِنْ تَمَامِ الْمُرُوءَةِ: حُسْنُ الْخُلُقِ: فَقَدْ حَصَرَ النَّبِيُّ ﷺ الْغَايَةَ مِنَ الْبَعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ فِي تَمَامِ صَالِحِ الْأَخْلَاقِ، فَقَالَ ﷺ: ((إِنَّمَا بُعِثْتُ؛ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ)) . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الْأَدَبِ))، وَالْحَاكِمُ، وَأَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَحْمَد شَاكِر وَالشَّيْخُ الْأَلْبَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا.

وَعَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقرَبِكُم مِنِّي مَجلِسًا يَوْمَ الْقِيامَةِ: أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا)) . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: ((حَدِيثٌ حَسَنٌ))، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((صَحِيحِ سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ)).

*الرَّجُلُ التَّامُّ الْمُرُوءَةِ: مَنْ أَحْرَزَ دِينَهُ: حَافَظَ عَلَى دِينِهِ بِتَحْقِيقِ التَّقْوَى، وَالتَّقْوَى كَمَا بَيَّنَ أُبَيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِلْفَارُوقِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- إِذْ يَسْألُهُ فَيَقُولُ: يَا أُبَيُّ؛ مَا التَّقْوَى؟

فَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ أَمَا سِرْتَ فِي طَرِيقٍ ذِي شَوْكٍ؟

قَالَ: بَلَى.

قَالَ: مَا صَنَعْتَ؟

قَالَ: شَمَّرْتُ وَاجْتَهَدْتُ.

قَالَ: فَتِلْكَ التَّقْوَى.

وَالتَّامُّ الْمُرُوءَةِ: مَنْ أَصْلَحَ مَالَهُ، وَأَنْفَقَ مِنْ فَضْلِهِ: فَإِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- سَوَّى بَيْنَ الْمُرْسَلِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي وُجُوبِ الْأَكْلِ مِنَ الْحَلَالِ وَاجْتِنَابِ الْحَرَامِ؛ فَقَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المُؤْمِنُون: 51].

وَعَلَى الْمُسْلِمِ إِنْفَاقُ الْمَالِ فِي الْحَلَالِ: كإِطْعَامِ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَالْخَادِمِ، فَعَنِ الْمِقْدَامِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: ((مَا أَطْعَمْتَ نَفْسَكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ وَلَدَكَ وَزَوْجَتَكَ وَخَادِمَكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ))، وَأَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ فِي ((الْكُبْرَى))، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ)).

هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى بَيَانِ شَيْءٍ مِنْ فَضَائِلِ الْإِسْلَامِ وَمَحَاسِنِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا أَنْفَقْتَهُ عَلَى نَفْسِكَ مِنَ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تَنْتَفِعُ بِهِ؛ يَكُونُ لَكَ فِيهِ صَدَقَةٌ، وَهَكَذَا مَا أَنْفَقْتَهُ عَلَى مَنْ تَحْتَ يَدِكَ مِنْ زَوْجَةٍ، وَابْنٍ، وَخَادِمٍ وَمَمْلُوكٍ لَكَ فِيهِ صَدَقَاتٌ، وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ.

*وَالرَّجُلُ كَامِلُ الْمُرُوءَةِ -أَيْضًا-: مَنْ حَسَّنَ لِسَانَهُ، وَلَزِمَ بَيْتَهُ:

عِبَادَ اللهِ! خُذُوا بَنَصِيحَةِ رَسُولِ اللهِ لِعَبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: ((الْزَمْ بَيْتَكَ, وَامْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ, وَخُذْ مَا تَعْرِفُ, وَدَعْ مَا تُنْكِرُ, وَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ, وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ عَامَّتِهِمْ)).

كَانَ الْوَاحِدُ مِنْ سَلِفِكُمْ إِذَا أَحْرَمَ كَأَنَّهُ حَيَّةٌ صَمَّاءٌ, لَا يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ سِوَى ذِكْرِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- حَتَّى يُحِلَّ.

لَا تُضَيِّعُوا أَعْمَارَكُمْ..

لَا تُضَيِّعُوا رَأْسَ مَالِكُمْ, فَإنَّ كُلَّ ثَانِيَةٍ تَمُرُّ لَا عِوَضَ لَهَا وَلَا بَدَلَ, وَسَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ مَرَّ مَا مَرَّ فِي اللَّغْوِ الَّذِي لَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ, كَمَثَلِ الَّذِي يَمُرُّ فِي الطَّرِيقِ فَيَرَى دُرَّةً وَبَعْرَةً, فَيَنْحَنِي لِيَلْتَقِطَ الْبَعْرَةَ تَارِكًا الدُّرَّةَ، لَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ!!

لَيْسَ هَذَا مِن شَأْنِ الْمُسْلِمِ الْحَقِّ, وَلَا الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ, وَإِنَّمَا هُوَ حَرِيصٌ عَلَى ثَوَانِيهِ لَا عَلَى دَقَائِقِهِ، لَا عَلَى أَيَّامِهِ وَلَيَالِيهِ.

عَاهِدُوا رَبَّكُمْ أَنْ تُقْلِعُوا عَنْ ذُنُوبِكُمْ وَمَعَاصِيكُمْ, كُونُوا كَمَا أَرَادَكُمُ اللهُ, لَا تَكُونُوا مُزيَّفِينَ عَلَى الْإِنْسَانِ, فَإِنَّ الْإِنْسَانَ الْحَقَّ خُلِقَ لِيَكُونَ عَابِدًا لِرَبِّهِ.

فَمَهْمَا خَرَجَ عَنْ هَذَا الْخَطِّ فَهُوَ مُزَيَّفٌ عَنِ الْإِنْسَانِ الْحَقِّ.

لَا تَكُونُوا مُزَيَّفِينَ -عِبَادَ اللهِ-, وَكُونُوا مُسْلِمِينَ حَقًّا, مُؤْمِنِينَ صِدْقًا, وَأَقبِلُوا حَرِيصِينَ عَلَى مَا يَنْفَعُكُمْ.

*كُنْ رَجُلًا مُسْلِمًا ذَا مُرُوءَةٍ:

أَيْنَ أَنْتَ مِنْ أَخْلَاقِ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟!!

أَيْنَ أَنْتَ مِنَ الْخُضُوعِ لِدِينِ رَبِّكَ؛ بِأَحْكَامِهِ وَشَرِيعَتِهِ؟!!

وَأَيْنَ أَنْتَ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ الَّتِي تَوَاضَعَتْ عَلَيْهَا الْأُمَمُ؛ حَتَّى وَلَوْ مِنْ غَيْرِ إِرْشَادٍ بِدِينٍ؟!!

إِنَّ النَّاسَ -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ- يَسْتَقْبِحُونَ أُمُورًا تُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ، وَتَضَعُ مِنَ الْقَدْرِ، وَأَصْحَابُ الْمُرُوءَةِ مِنْهُمْ يَقُولُ قَائِلُهُمْ وَالْإِمَامُ فِيهِمْ -الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ--: ((لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ شُرْبَ الْمَاءِ الْبَارِدِ يَثْلُمُ مُرُوءَتِي مَا شَرِبْتُهُ!!))

لَا يَضَعُ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ فِي مَوَاضِعِ الذِّلَّةِ وَالْهَوَانِ، وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ، كُنْ رَجُلًا مُسْلِمًا، رَجُلًا -تِلْكَ صِفَاتُ الرُّجُولَةِ- مُسْلِمًا سُبِغَتْ رُجُولَتُكَ بِإِسْلَامِكَ، فَازْدَادَتْ كَمَالًا إِلَى كَمَالِهَا، وَحُسْنًا إِلَى حُسْنِهَا.

لَا تُعْلَمُ أَخْلَاقُ الرِّجَالِ إِلَّا مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.

دَعْكَ مِنَ السَّفَاسِفِ، وَارْتَفِعْ فَوْقَهَا، وَتَأَمَّلْ فِي الْمَعَالِي -مَعَالِي الْأُمُورِ-، وَإِيَّاكَ وَالدُّونَ، وَلَا تَكُنْ آخِذًا بِمَا يَثْلُمُ مُرُوءَتَكَ، وَإِيَّاكَ وَمَوَاطِنَ الْهَوَانِ وَمَوَاضِعَ الذِّلَّةِ.

كُنْ رَجُلًا مُسْلِمًا؛ فَإِنَّ الْأُمَّةَ فِي حَاجَةٍ إِلَيْكَ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ وَحْدَهُ: أَنْ تَكُونَ مُسْلِمًا حُقِّقَتْ فِيكَ رُجُولَةُ الْمُسْلِمِ الْحَقِّ، الْأُمَّةُ تَحْتَاجُ هَؤُلَاءِ.

المصدر: الشَّهَامَةُ وَالْمُرُوءَةُ وَالتَّضْحِيَةُ فِي الْإِسْلَامِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الْأَمَلُ وَالتَّفَاؤُلُ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ
  الدرس الثالث والعشرون : «غُضُّوا أَبْصَارَكُم وَاحْذَرُوا الفَوَاحِشَ المُهْلِكَةَ»
  الذِّكْرُ هُوَ بَابُ الْفَتْحِ الْأَعْظَمِ
  جُمْلَةٌ مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ قَبْلَ وِلَادَتِهِ
  الدرس الحادي والعشرون : «الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ»
  مِنْ مَعَالِمِ الرَّحْمَةِ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: بَيَانُ حُرْمَةِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ
  رِسَالَةُ الْمُسْلِمِينَ: دَعْوَةُ الْعَالَمِ إِلَى التَّوْحِيدِ بِالرَّحْمَةِ وَالْعَدْلِ
  عِلَاجُ التَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ وَالِانْحِرَافِ الْأَخْلَاقِيِّ فِي كَلِمَتَيْنِ: عِيشُوا الْوَحْيَ الْمَعْصُومَ
  «بِدْعَةُ المَوْلِدِ النَّبَوِيِّ» لفضيلةِ الشَّيخ العلَّامة: ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله-.
  كِبَارُ السِّنِّ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  الْمَوْعِظَةُ الثَّلَاثُونَ : ((وَدَاعُ رَمَضَانَ وَسُنَنُ العِيدِ وَآدَابُهُ))
  إِيمَانُ الْأُمَّةِ وَوَحْدَتُهَا سَبِيلُ عِزَّتِهَا وَحِمَايَةِ مُقَدَّسَاتِهَا
  الْأَمْرُ بِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَالتَّحْذِيرُ مِنَ الْخِيَانَةِ
  مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ وَتَغْيِيرُهَا بِدَايَةُ طَرِيقِ إِصْلَاحِ الْأُمَّةِ
  بِنَاءُ الْوَعْيِ لِمُوَاجَهَةِ الْإِشَاعَاتِ
  • شارك