خُطُورَةُ الْكَذِبَةِ تَبْلُغُ الْآفَاقَ


 ((خُطُورَةُ الْكَذِبَةِ تَبْلُغُ الْآفَاقَ))

إِنَّ مِنْ أَدَلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى قِيمَةِ الْكَلِمَةِ فِي الْإِسْلَامِ؛ ذَلِكَ الْجُزءُ مِنْ حَدِيثِ الْمَنَامِ الطَّوِيلِ, الَّذِي بَيَّنَ فِيهِ جِبْرِيلُ لِلنَّبيِّ ﷺ جَزَاءَ الرَّجُلِ يَكذِبُ الْكِذبَةَ فَتَطِيرُ كُلَّ مَطَارٍ، وَتَسِيرُ كُلَّ مَسَارٍ, وَيَظُنُّ الْمِسكِينُ أَنَّهُ بِمَنأَى مِنْ عَذَابِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-, وَأَنَّ الْكَلِمَةَ لَا قِيمَةَ لهَا وَلَا وَزَنَ, وَهِيَ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الذِّنُوبِ وَالْآثَامِ.

أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي ((صَحِيحِهِ))  عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ, فَقَالَ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟))

قَالَ: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ، قَصَّهَا، فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَسَأَلَنَا يَوْمًا, فَقَالَ: ((هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟))

قُلْنَا: لَا.

قَالَ: ((لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي، فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ -وَالْكَلُّوبُ: الْحَدِيدَةُ الَّتِي يُنْشَلُ بِهَا اللَّحْمُ وَيُعَلَّقُ- يُدْخِلُه فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُه بِشِدْقِهِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ, وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ، قُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَا: انْطَلِقْ.. )).

ثُمَّ تَعَدَّدَتِ الْمَرَائِي، وَجَاءَ التَّأوِيلُ.

 قَالَ ﷺ: ((قُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ، قَالَا: نَعَمْ، أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ، فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذِبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ, فَيُصْنَعُ بِهِ مَا رَأيتَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)).

((رَجُلٌ جَالِسٌ وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ يُدْخِلُه فِي شِدْقِهِ حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، ثُمَّ يَفْعَلُه بِشِدْقِهِ الْآخَرِ مِثْلَ ذَلِكَ, وَيَلْتَئِمُ شِدْقُهُ هَذَا فَيَعُودُ فَيَصْنَعُ مِثْلَهُ)).

هَذَا جَزَاءُ الْكَذَّابِ، يُحَدِّثُ بِالْكَذِبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ, فَيُصْنَعُ بِهِ مَا رَأَيْتَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، يَعنِى: هَذَا هُوَ عَذَابُهُ فِي الْبَرزَخِ.

فَانْظُر إِلَى هَذَا الْعَذَابِ -هُدِيتَ-, كَيْفَ تَنَاوَلَ مِنَ الْكَذَّابِ آلَةَ كَذِبِه وَمَوْضِعَ إِفْكِهِ؟!! وَكَيْفَ يُشَقُّ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ, ثُمَّ يُثَنَّى بِالْآخَرِ، فَيَلْتَئِمُ الْأَوَّلُ, فَيُعَادُ عَلَيْهِ بِالشَّقِّ كَمَا صُنِعَ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَهَكَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ!!

وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ : ((فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ, وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ, وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ, وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ, وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ, ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الْأَوَّلِ, فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ, ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ في الْمَرَّةَ الْأُولَى..)).

وَفِي تَأوِيلِهَا: ((أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ, وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ, وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ, فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذِبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ)).

هَذَا جَزَاءُ مَنْ كَذَبَ الْكَذِبَةَ تُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ، هَذَا جَزَاءُ مَا أَتَى, وَكِفَاءُ مَا صَنَعَ, فَمَنْ لَا يَقْدُرُ الْكَلِمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْرَهَا؟!!

وَمَنْ لَا يَعْرِفُ لِلْكَلِمَةِ بَعْدَ ذَلِكَ شَأْنَهَا؟!!

«وَأَكْثَرُ الَّذِينَ يَتَعَامَلُونَ مَعَ الشَّبَكَةِ الْعَنْكَبُوتِيَّةِ هُمْ دَاخِلُونَ -إِنْ شَاءَ اللهُ- فِي هَذَا الْوَعِيدِ إِلَّا أَنْ يَتُوبُوا إِلَى اللهِ تَعَالَى.

وَأَكْثَرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ، بَلْ جُلُّهُمْ -إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا--؛ لِأَنَّهُ يَنْدُرُ أَنْ تَجِدَ رَجُلًا صَادِقًا يَتَعَامَلُ مَعَ شَبَكَةِ الْمَعْلُومَاتِ تَعَامُلًا يُرْضِي اللهَ تَعَالَى، لَا تَنْزَلِقُ قَدَمُهُ، وَلَا يَزِلُّ بَصَرُهُ وَلَا سَمْعُهُ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ» .

  

المصدر: خُطُورَةُ الشَّائِعَاتِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الْإِسْلَامُ العَظِيمَ لَمْ يُبِحْ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَى أَحَدٍ
  مِنْ مَعَالِمِ الرَّحْمَةِ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: الْإِحْسَانُ وَالرَّحْمَةُ بِكُلِّ شَيْءٍ
  التَّثَبُّتُ فِي الْأَخْبَارِ وَخُطُورَةُ إِذَاعَةِ الْكَذِبِ
  شَهَادَاتُ الْمُنْصِفِينَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ بِالرَّحْمَةِ
  الْحَثُّ عَلَى الْمُرُوءَةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  مَنْزِلَةُ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ وَفَضَائِلُ الشُّهَدَاءِ
  ثَمَرَاتُ الْمَاءِ الْعَظِيمَةُ فِي الْحَيَاةِ
  مَظَاهِرُ الِابْتِلَاءِ
  الدرس الخامس عشر : «الوَفَاءُ بِالعَهْدِ»
  مِنْ سُبُلِ الْحِفَاظِ عَلَى الْمِيثَاقِ الْغَلِيظِ: مَعْرِفَةُ حُقُوقِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَمُرَاعَاتُهَا
  نِدَاءٌ إِلَى الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ: كُونُوا عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ
  تَفَاعُلُ الْمَخْلُوقَاتِ مَعَ الْقُرْآنِ الكريم
  عَوَاقِبُ التَّعَدِّي عَلَى النِّظَامِ الْعَامِّ
  مِنْ أَبْوَابِ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ: زِرَاعَةُ الْأَشْجَارِ، وَسَقْيُ الْمَاءِ
  المَوْعِظَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ : ((غَزْوَةُ بَدْرٍ فُرْقَانٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ))
  • شارك