حُرْمَةُ الْخَمْرِ وَالْمُخَدِّرَاتِ وَأَدِلَّتُهَا


((حُرْمَةُ الْخَمْرِ وَالْمُخَدِّرَاتِ وَأَدِلَّتُهَا))

الْخَمْرُ: مَا خَامَرَ الْعَقْلَ وَأَبْطَلَهُ، فَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ ﷺ: ((كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)) .

((وَكُلُّ شَيْءٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ)) ، وَذَلِكَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ الْمُوصِلَةِ إِلَى السُّكْرِ.

كُلُّ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْعِنَبِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَقَدْ كَانَتِ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- تَحْتَجُّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ : ((كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)) عَلَى تَحْرِيمِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمُسْكِرَاتِ مَا كَانَ مَوْجُودًا مِنْهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ، وَمَا حَدَثَ بَعْدَهُ.

كَمَا سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ الْبَاذَقِ -وَهُوَ الْخَمْرُ إِذَا طُبِخَ-، فَقَالَ: ((سَبَقَ مُحَمَّدٌ ﷺ الْبَاذَقَ، فَمَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ)). خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ.

فَكُلُّ مَا اسْتُجِدَّ مِمَّا يَخْمُرُ الْعَقْلَ -أَيْ يُغَيِّبُهُ وَيَسْتُرُهُ يَعْنِي مِمَّا يُسْكِرُ- فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ إِذَا كَانَ كَثِيرُهُ مُسْكِرًا كَمَا قَالَ الرَّسُولُ ﷺ  فَحَرَامٌ قَلِيلُ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ.

وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: هَذِهِ الْأَنْوَاعُ مِنَ الْخُمُورِ وَالْأَشْرِبَةِ لَمْ تَكُنْ عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِ ﷺ، فَعِنْدَنَا هَاهُنَا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ الَّذِي سُئِلَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ الْبَاذَقِ -وَهُوَ الْخَمْرُ إِذَا طُبِخَ-، قَالَ: ((سَبَقَ مُحَمَّدٌ ﷺ الْبَاذَقَ، فَمَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ)).

قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: ((وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْمُسْكِرُ جَامِدًا أَوْ مَائِعًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مَطْعُومًا أَوْ مَشْرُوبًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ أَوْ لَبَنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَدْخَلُوا فِي ذَلِكَ الْحَشِيشَةَ الَّتِي تُعْمَلُ مِنْ وَرَقِ الْقِنَّبِ -وَبِالضَّمِّ أَيْضَا- تُعْمَلُ مِنْ وَرَقِ الْقُنَّبِ، وَالْقُنَّبُ: نَبَاتٌ حَوْلِيٌّ زِرَاعِيٌّ لَيْفِيٌّ مِنَ الْفَصِيلَةِ الْقُنَّبِيَّةِ، تُفْتَلُ لِحَاؤُهُ حِبَالًا، وَالْقُنَّبُ الْهِنْدِيُّ نَوْعٌ مِنَ الْقُنَّبِ يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ الْمُخَدِّرُ الضَّارُّ الْمَعْرُوفُ بِالْحَشِيشِ وَالْحَشِيشَةِ)) .

لَقَدْ نَهَى اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَنِ الْخَمْرِ، وَيَشْمَلُ ذَلِكَ الْمُفَتِّرَاتِ كَمَا أَنَّه يَشْمَلُ الْمُخَدِّرَاتِ؛ لَأَنَّ ذَلِكَ يُغَيِّبُ الْعَقْلَ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِحِفْظِ الْعَقْلِ، وَهُوَ مِنَ الضَّرُورَاتِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِلْإِنْسَانِ فِي الْحَيَاةِ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعِيشَ بِسِوَاهَا.

 

يُحَرِّمُ أَهْلُ السُّنَّةِ الْمُسْكِرَ مِنَ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنَ الْعِنَبِ أَوِ الزَّبِيبِ أَوِ التَّمْرِ أَوِ الْعَسَلِ أَوِ الذُّرَةِ أَوِ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُسْكِرُ، يُحَرِّمُونَ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ، وَيُنَجِّسُونَهُ، وَيُوجِبُونَ بِهِ الْحَدَّ.

الْخَمْرُ مُحَرَّمَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ.

*أَدِلَّةُ تَحْرِيمِ الْخُمُورِ وَالْمُخَدِّرَاتِ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ:

*الْخَمْرُ وَالْمُخَدِّرَاتُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة: 90-91].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللهَ وَاتَّبَعُوا رَسُولَهُ {إِنَّمَا الْخَمْرُ}: وَهِيَ كُلُّ مَا خَامَرَ العَقْلَ وَغَطَّاهُ؛ مَشْرُوبًا كَانَ أَوْ مَأْكُولًا أَوْ مَشْمُومًا {وَالْمَيْسِرُ}: هُوَ الْقِمَارُ، وَيَشْمَلُ كُلَّ كَسْبٍ بِطَرِيقِ الْحَظِّ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمُصَادَفَةِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ {وَالْأَنْصَابُ}: هِيَ الْحِجَارَةُ الَّتِي كَانُوا يَنْصِبُونَهَا لِلْعِبَادَةِ، وَيَذْبَحُونَ عِنْدَهَا تَقَرُّبًا لِلْأَصْنَامِ {وَالْأَزْلَامُ}: هِيَ الْأَقْدَاحُ الَّتِي كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا قَبْلَ الْإِقْدَامِ عَلَى الشَّيْءِ أَوِ الْإِحْجَامِ عَنْهُ.

إِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ نَجَسٌ مَعْنَوِيٌّ فِي السُّلُوكِ أَوْ الْاعْتِقَادِ مِنْ دَرَكَةِ كَبَائِرِ الْإِثْمِ، أَوْ مِنْ دَرَكَةِ الْإِشْرَاكِ بِاللهِ، وَهِيَ مِنْ تَزيِينِ الشَّيْطَانِ وَإِغْوَائِهِ.

فَإِذَا كَانَ تَنَاوُلُ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ رِجْسًا وَمِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ؛ فَكُونُوا عَلَى جَانِبٍ مِنْهَا بِالْابْتِعَادِ الْكُلِيِّ عَنْ مَوَاقِعِهَا؛ رَغْبَةً أَنْ تَكُونُوا مِنَ النَّاجِينَ مِنَ النَّارِ، الْفَائِزِينَ بِالْجَنَّةِ.

{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)}

إِنَّمَا يُزَيِّنُ لَكُمُ الشَّيْطَانُ شُرْبَ الْخَمْرِ، وَلَعِبَ الْقِمَارِ؛ إِرَادَةَ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ الْمُعْلَنَةَ، وَالبَغْضَاءَ الْمُسْتَكِنَّةَ فِي الْقُلُوبِ، بِسَبَبِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقِمَارِ، وَلِيَشْغَلَكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ.

وَإِذَا كُنْتُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ مَا فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ مِنْ مَضَارَّ، وَمَا يُؤدِّيَانِ إِلَيْهِ مِنْ شَحْنَاءَ وَبَغْضَاءَ، وَمَا يُفْسِدَانِ بِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ؛ فَأَنْتُم بَعْدَ ذَلِكَ مُنْتَهُونَ عَنْهُمَا تَارِكُونَ لَهُمَا أَمْ أَنَّكُم مَا زِلْتُم فِي غَيِّكِمْ تَعْمَهُونَ سَادِرِينَ عَنْ أَمْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالمَيِنَ؟!!

فَانْتَهُوا عَمَّا أَنْتُم فِيهِ.

*مِنَ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ تَعَاطِي الْمُخَدِّرَاتِ وَالِاتِّجَارُ فِيهَا:

قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 33].

يَدْخُلُ فِي الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَفِي الْمُحَارَبَةِ للهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ ؛ الِاتِّجَارُ فِي الْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُفَتِّرَاتِ، وَكُلُّ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُغيِّبَ الْوَعْيَ أَوْ يُذْهِبَهُ، أَوْ يُضْعِفَ الْعَقْلَ أَوْ يَحْجُبَهُ.

بَلْ يَدْخُلُ الْمُتَعَاطِي لِلْمُخَدِّرَاتِ بِأَيِّ شَكْلٍ مِنْ أَشْكَالِهَا، وَبِأَيِّ ضَرْبٍ مِنْ ضُرُوبِهَا؛ فِي الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ وَالْمُحَارَبَةِ للهِ وَرَسُولِهِ، ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُ، وَيَصِيرُ إِلَيْهِ حَالُهُ.

*حَرَّمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قَتْلَ النَّفْسِ، أَوْ إِلْقَاءَهَا إِلَى الْهَلَكَةِ، وَحَرَّمَ كُلَّ مَا يُؤَدِّي إِلَى ذَلِكَ، فَقَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانَا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا} [النساء: 29-30].

وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ بِالْبَخْعِ كَمَا تَفْعَلُهُ جَهَلَةُ الْهِنْدِ، أَوْ بِإِلْقَاءِ النَّفْسِ إِلَى الْهَلَكَةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا وَرَدَ صَحِيحًا أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاص تَأَوَّلَهُ فِي التَّيَمُّمِ لِخَوْفِ الْبَرْدِ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ﷺ .

{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} بِارْتِكَابِ مَا يُؤَدِّي إِلَى قَتْلِهَا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَنْفُسِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ دِيْنِهِمْ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ.

{إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}: أَي أَمَرَ بِمَا أَمَرَ وَنَهَى عَمَّا نَهَى؛ لِفَرْطِ رَحْمَتِهِ بِكُمْ.

{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ}: أَيْ لَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا؛ لِأَنَّكُمْ أَهلُ دِينٍ وَاحِدٍ، فَأَنْتُمْ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- .

وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ هَذَا نَهْيٌ عَنْ قَتْلِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا أَنَّ عَمْرَو بنَ الْعَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ أَنْ أَغْتَسِلَ فَأَهْلِكَ، فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ)).

فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: ((يَا عَمْرُو! صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟))

الْمَاءُ حَاضِرٌ وَهُوَ عَلَيْهِ قَادِرٌ، وَلَكِنَّهُ خَشِيَ الْمَرَضَ أَوِ الْمَوْتَ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ، فَتَيَمَّمَ، وَصَلَّى بِهِمْ إِمَامًا.

فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((يَا عَمْرُو! صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟!))

قَالَ: ((فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الِاغْتِسَالِ، فَأَشْفَقْتُ أَنْ أَغْتَسِلَ فَأَهْلِكَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ، وَقُلْتُ -أَيْ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ بِالَّذِي مَنَعَهُ مِنَ الِاغْتِسَالِ- وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].

فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا)).

هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَانْفَرَدَ بِه،  وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ دَلَّ عَلَى أَنَّ عَمْرًا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- تَأَوَّلَ هَذِهِ الْآيَةَ هَلَاكَ نَفْسِهِ، لَا نَفْسِ غَيْرِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ .

*أَدِلَّةُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ -وَمَا فِي حُكْمِهَا مِنَ الْمُخَدِّرَاتِ- مِنَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ:

مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي التَّرْهِيبِ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَبَيْعِهَا وَشِرَائِهَا، وَعَصْرِهَا، وَحَمْلِهَا، وَأَكْلِ ثَمَنِهَا، مَعَ التَّشْدِيدِ فِي ذَلِكَ، وَمَعَ التَّرْغِيبِ فِي تَرْكِهِ، وَالتَّوْبَةِ مِنْهُ:

مَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)) .

 هَذِهِ الْأَفْعَالُ الْمَذْمُومَةُ فِي هَذِهِ الْحَدِيثِ لَا تُزِيلُ إِيمَانًا وَلَا تُوجِبُ كُفْرًا، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَاهَا التَّغْلِيظُ؛ لِيَهَابَ اَلنَّاسُ الْأَفْعَالَ الَّتِي ذَكَرَ الْحَدِيثُ أَنَّهَا تَنْفِي الْإِيمَانَ وَتُجَانِبُهُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَرَادُ بِهَا أَنَّهَا تَنْفِي مِنَ الْإِيمَانِ حَقِيقَتَهُ وَإِخْلَاصَهُ، فَلَا يَكُونُ إِيمَانُ مَنْ يَرْتَكِبُ هَذِهِ الْمَعَاصِيَ خَالِصًا حَقِيقِيًّا كَحَقِيقَةِ إِيمَانِ مَنْ لَا يَرْتَكِبُهَا.

لِأَهْلِ الْإِيمَانِ عَلَامَةٌ يُعْرَفُونَ بِهَا، وَشُرُوطٌ أُلْزِمُوهَا، يَنْطِقُ بِهَا الْقُرْآنُ وَالْآثَارُ، فَإِذَا نُظِرَ إِلَى مَنْ خَالَطَ إِيمَانَهُ هَذِهِ الْمَعَاصِي، قِيلَ: لَيْسَ مِمَّا وُصِفَ بِهِ أَهْلُ الْإِيمَانِ، فَنُفِيَتْ  عَنْهُ حِينَئِذٍ حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ وَتَمَامُهُ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَشْبَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَفْيُ الْإِيمَانِ بِالذُّنُوبِ، إِمَّا لِغَرَضِ التَّغْلِيظِ، وَإِمَّا لِبَيَانِ أَنَّ النَّفْيَ لِكَمَالِ الْإِيمَانِ، لَا لِأَصْلِهِ.

فَحِينَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ.. )) . الْحَدِيثَ. فَإِنَّهُ لَا يُرِيدُ نَفْيَ أَصْلِ الْإِيمَانِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ نَفْيَ كَمَالِ الْإِيمَانِ حَالَ وُقُوعِهِ فِي هَذَا الذَّنْبِ.

وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَجْرِي مَجْرَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَالَّتِي تَكُونُ لِنَفْيِ تَمَامِ الْإِيمَانِ وَكَمَالِهِ، أَوْ لِلتَّغْلِيظِ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِيَرْتَدِعَ النَّاسُ عَنِ الْوُقُوعِ فِي تِلْكَ الْأَفْعَالِ الْمَذْمُومَةِ وَالْأَقْوَالِ الْبَغِيضَةِ الَّتِي لَا تُزِيلُ الْإِيمَانَ بِالْكُلِيَّةِ، وَلَا تُوجِبُ كُفْرًا مُخْرِجًا مِنَ الْمِلَّةِ.

فَإِنَّ الْكُفْرَ الْوَارِدَ فِي النُّصُوصِ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَكْبَرُ وَأَصْغَرُ.

وَالْإِيمَانُ عَلَى نَوْعَيْنِ: كَامِلٌ وَهُوَ الْإِيمَانُ الْمُطْلَقُ، وَنَاقِصٌ وَهُوَ مُطْلَقُ الْإِيمَانِ.

فَهُمْ يَنْفُونَ عَنْهُ إِذَا وَقَعَ فِي الزِّنَا أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَمَا أَشْبَهَ، يَنْفُونَ عَنْهُ الْإِيمَانَ الْمُطْلَقَ، وَلَا يَنْفُونَ عَنْهُ مُطْلَقَ الْإِيمَانِ.

يَجْتَمِعَانِ -يَعْنِي الْإِيمَانَ الْمُطْلَقَ وَمُطْلَقَ الْإِيمَانِ- فِي حَقِّ كَامِلِ الْإِيمَانِ، وَيَنْفَرِدُ مُطْلَقُ الْإِيمَانِ فِي حَقِّ نَاقِصِ الْإِيمَانِ.

فَلَا يَجُوزُ لَكَ أَنْ تَخْلِطَ بَيْنَ نَوْعَيِ الْكُفْرِ، وَتُعْطِيهُمَا حُكْمًا وَاحِدًا، وَلَا بَيْنَ نَوْعَيِ الْإِيمَانِ، فَتُعْطِيهُمَا حُكْمًا وَاحِدًا، بَلِ التَّفْصِيلُ عَلَى مَا رَأَيْتَ هُوَ طَرِيقُ الْإِنْصَافِ وَالصَّوَابِ فِي الْبَحْثِ، وَذَلِكَ بِتَنْزِيلِ النُّصُوصِ فِي مَنَازِلِهَا الَّتِي تَلِيقُ بِهَا.

فَالْإِيمَانُ الْمَنْفِيُّ هَاهُنَا لَيْسَ مُطْلَقَ الْإِيمَانِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْإِيمَانُ الْمُطْلَقُ.

الَّذِي نُفِيَ هَاهُنَا لَيْسَ بِأَصْلِ الْإِيمَانِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَمَالُ الْإِيمَانِ.

وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَمَا فِي حُكْمِهَا مِنَ الْمُخَدِّرَاتِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)) عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ)) .

وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: ((وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)).

وَخَرَّجَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْبِتْعِ: ((كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ)) .

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: ((كُلُّ شَرَابٍ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)).

عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا، فَقَالَ: ((وَمَا هِيَ؟))

قَالَ: ((الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ)).

فَقِيلَ لِأَبِي بُرْدَةَ: ((مَا الْبِتْعُ؟))

قَالَ: ((نَبِيذُ الْعَسَلِ، وَالْمِزْرُ: نَبِيذُ الشَّعِيرِ)).

فَقَالَ: ((كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ)) .

خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَخَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ: ((قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنَا وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ شَرَابًا يَصْنَعُ بِأَرْضِنَا يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ مِنَ الشَّعِيرِ، وَشَرَابٌ يُقَالُ لَهُ الْبِتْعُ مِنَ الْعَسَلِ)).

وَالنَّبِيُّ ﷺ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: ((لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَبَائِعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ)) .

وَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَاجَه، وَالتِّرْمِذِيِّ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَهُوَ إِسْنَادٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: مِثْلَ مَا قَالَ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: ((لَعَنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً: عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالْمُشْتَرِيَ لَهَا وَالْمُشْتَرَى لَهُ)) .

فَلَعَنَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً؛ الَّذِي يَشْرَبُ وَاحِدٌ مِنْ عَشْرَةٍ، وَلَكِنَّ الْعَاصِرَ، وَالْمُعْتَصِرَ، وَالْحَامِلَ، وَالسَّاقِي، وَالْبَائِعَ، وَآكِلَ الثَّمَنِ، وَالْمَحْمُولَةَ لَهُ، وَالْمُشْتَرِي، وَالْمُشْتَرَى لَهُ.

كُلُّ أُولَئِكَ لَعَنَهُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ، وَالَّذِي يَشْرَبُ وَاحِدٌ -أَيْ مِنَ الْعَشْرَةِ- وَلَكِنَّ الْخَمْرَ لُعِنَ فِيهَا عَشْرَةٌ.

فَكُلُّ مَا كَانَ وَسِيلَةً لِشَيْءٍ فَإِنَّهُ كَمِثْلِهِ، فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَجْتَهِدَ فِي مَعْرِفَةِ هَذَا الْأَمْرِ، فَكُلُّ مَا أَفْضَى إِلَى شَيْءٍ فَلَهُ حُكْمُ الْمَقْصِدِ، الْوَسَائِلُ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ.

فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَلْتَفِتَ إِلَى هَذَا، وَأَنْ نَتَوَسَّلَ بِالْوَسِيلَةِ الصَّحِيحَةِ إِلَى الْغَايَةِ الصَّحِيحَةِ، لَا يَكْفِي أَنْ نَقُولَ: إِنَّ الْغَايَةَ الَّتِي نَنْشُدُهَا غَايَةٌ شَرِيفَةٌ، وَإِنَّنَا مَا دُمْنَا نَسْعَى إِلَى غَايَةٍ شَرِيفَةٍ فَلَيْسَ مُهِمًّا أَنْ نَسْلُكَ إِلَيْهَا غَايَةً غَيْرَ شَرِيفَةٍ!!

هَذَا لَيْسَ مِنْ دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَلَا مِنْ طَرِيقَةِ الْمُرْسَلِينَ، هَذَا مَذْهَبُ مِيكَافِيلِّي، وَهَذِهِ هِيَ النَّفْعِيَّةُ أَوِ الْبَرَجْمَاتِيَّةُ كَمَا يَقُولُونَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُحَصِّلُ مَا يُحَصِّلُهُ مِنْ أَيِّ وَسِيلَةٍ، كَانَتْ حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ مِمَّا لَعَنَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَاعِلَهَا!! وَلْنَعْلَمْ جَمِيعًا قَوْلَ النَّبِيِّ ﷺ: ((مَا عِنْدَ اللهِ لَا يُنَالُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ)) .

فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي اتِّخَاذِ الْوَسِيلَةِ الصَّحِيحَةِ إِلَى الْغَايَةِ الصَّحِيحَةِ الشَّرِيفَةِ، وَاللهُ ضَبَطَ لَنَا الْوَسِيلَةَ كَمَا ضَبَطَ لَنَا الْغَايَةَ، وَلَمْ يَجْعَلِ الْوَسَائِلَ الْمُوصِلَةَ إِلَى الْغَايَاتِ إِلَى أَهْوَائِنَا وَلَا إِلَى اجْتِهَادَاتِنَا مِنْ غَيْرِ ضَبْطٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

النَّبِيُّ ﷺ لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً، وَالَّذِي تُصِيبُهُ الْخَمْرُ بِالسُّكْرِ وَاحِدٌ مِنَ الْعَشْرَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَسَائِرُهُمْ مَلْعُونٌ؛ لِأَنَّهُمْ جَمِيعًا إِنَّمَا اشْتَرَكُوا فِي هَذِهِ الْعَمَلِيَّةِ.

فَكُلُّ مَنْ كَانَ جُزْءًا فِيهَا وَرُكْنًا مِنْ أَرْكَانِهَا فَهُوَ مَلْعُونٌ، كَمَا لَعَنَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الرِّبَا كَذَلِكَ حَتَّى الْكَاتِبَ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ كَتَبَ الصَّكَّ بَيْنَ الْآخِذِ وَالْمُعْطِي فِي الرِّبَا كَتَبَهُ حِسْبَةً!! يَتَقَرَّبُ بِذَلِكَ -بِزَعْمِهِ- إِلَى اللهِ، وَيَحْسَبُهُ عَمَلًا صَالِحًا، وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مَلْعُونٌ، بَلْ إِنَّ الشَّاهِدَ عَلَى ذَلِكَ مَلْعُونٌ كَمَا لَعَنَهُ الرَّسُولُ  ﷺ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ: ((يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْخَمْرَ، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَمُسْقَاهَا -أَيْ الَّذِي يُسْقَى تِلْكَ الْخَمْرُ-)) .

كُلُّ أُولَئِكَ مَلْعُونُونَ بِلَعْنَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَعَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي ((الْكَبِيرِ)) بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لِغَيْرِهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَشْرَبِ الْخَمْرَ، مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ)) ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَارِبًا، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ  أَنْ يَزُولَ الْإِنْسَانُ عَنِ الْمُنْكَرِ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُزِيلَهُ.

وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ: ((إِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُزِيلَ الْمُنْكَرَ فَزُلْ عَنْهُ))، يَعْنِي لَا يَكْفِي أَنْ تَبْقَى وَتَقُولُ: أَنَا مُنْكِرٌ لَهُ بِقَلْبِي، وَتَبْقَى فِي مَجْلِسِ الْمُنْكَرِ، إِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُغَيِّرَهُ بِيَدِكَ -إِنْ كَانَ لَكَ تَغْيِيرٌ بِالْيَدِ- فَغَيِّرْ بِلِسَانِكَ إِنِ اسْتَطَعْتَ.

فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُغَيِّرَ بِلِسَانِكَ فَغَيِّرْ بِقَلْبِكَ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مُغَيِّرًا لِلْمُنْكَرِ بِقَلْبِكَ وَأَنْتَ بَيْنَ الَّذِينَ يَأْتُونَ الْمُنْكَرَ إِذَا كُنْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَزُولَ عَنِ الْمَكَانِ -يَعْنِي أَنْ تَتْرُكَهُمْ فِي مُنْكَرِهِمْ وَأَنْ تَذْهَبَ عَنْهُمْ، أَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَطِيعًا فَأَنْتَ حِينَئِذٍ يُكْتَفَى مِنْكَ أَنْ تَكُونَ مُنْكِرًا بِقَلْبِك، وَإِنْ لَمْ تَزُلْ عَنْ أَهْلِ الْمُنْكَرِ.

وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا، ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ)).

*حَرَّمَ النَّبِيُّ ﷺ ثَمَنَ الْخَمْرِ وَالِاتِّجَارَ فِيهَا: فَعَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ يَقُولُ: ((إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ)).

فَقِيلَ: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟))

قَالَ: ((لَا، هُوَ حَرَامٌ)).

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ ذَلِكَ: ((قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ، فَأَجْمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ)). خَرَّجَاهُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) .

وَأَجْمَلَ الشَّحْمَ وَجَمَّلَهُ: أَيْ أَذَابَهُ.

وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ اللهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَثَمَنَهَا، وَحَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَثَمَنَهَا، وَحَرَّمَ الْخِنْزِيرَ وَثَمَنَهُ)).

كُلُّ مَا حَرَّمَهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَثَمَنُهُ حَرَامٌ، لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَا شِرَاؤُهُ، وَلَا الِاتِّجَارُ فِيهِ.

أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((لَعَنَ اللهُ الْيَهُودَ -ثَلَاثًا-، إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ فَبَاعُوهَا، فَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا، إِنَّ اللهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ)).

وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ؛ فَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ.

 

 

المصدر: مَخَاطِرُ الْإِدْمَانِ وَالْمُخَدِّرَاتِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  أَدِلَّةُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَحُكْمُ مَانِعِهَا
  الْإِسْلَامُ دِينُ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ
  حُسْنُ الْخَاتِمَةِ بَيْنَ اجْتِهَادِ الْعَبْدِ وَتَوْفِيقِ الرَّبِّ -جَلَّ وَعَلَا-
  الْحُبُّ الْفِطْرِيُّ لِلْأَوْطَانِ
  بَيَانُ مَخَاطِرِ التَّدْخِينِ وَوُجُوهُ تَحْرِيمِهِ
  فَضَائِلُ ذِكْرِ اللهِ وَثَمَرَاتُهُ
  الرَّسُولُ ﷺ هُوَ إِمَامُ الصَّادِقِينَ
  حُبُّ الوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ مِنْ تَقْوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
  بَيَانُ جُمْلَةٍ مِنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  التَّرْهِيبُ مِنَ الْعُقُوقِ
  مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ: حُسْنُ الْخُلُقِ
  ذِكْرُ اللهِ وَدُعَاؤُهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ
  أَسْبَابُ تَحْصِيلِ مَعِيَّةِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْخَاصَّةِ
  مَفْهُومُ الْحَيَاةِ وَالِابْتِلَاءِ
  مَسْئُولِيَّةُ الْمُسْلِمِ تِجَاهَ أَخِيهِ
  • شارك