مُحَارَبَةُ الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ


 ((مُحَارَبَةُ الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ))

لَقَدْ عَالَجَ الْإِسْلَامُ الْإِرْهَابَ بِعِلَاجٍ حَاسِمٍ، وَآخِرُ الطِّبِّ الْكَيُّ، فَشَرَعَ حَدَّ الْحِرَابَةِ، وَهُوَ حَدٌّ شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى لِلْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ، وَلِلْقَضَاءِ عَلَى جَرِيمَةِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، الَّتِي تُرَوِّعُ الْأَبْرِيَاءَ وَتَقْتُلُهُمْ، وَتُخِيفُ سُبُلَهُمْ، وَتُضْعِفُ أَمْنَهُمْ، وَتُفَجِّرُ دُورَهُمْ وَمُنْشَآتِهِمْ، وَتُبَدِّدُ ثَرْوَاتِهِمْ، وَتُضَيِّعُ أَوْطَانَ الْمُسْلِمِينَ، فَشَرَعَ لِذَلِكَ كُلِّهِ حَدًّا، وَآخِرُ الطِّبِّ الْكَيُّ.

قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 33].

الْمُحَارِبُونَ للهِ وَرَسُولِهِ هُمُ الَّذِينَ بَارَزُوهُ بِالْعَدَاوَةِ، وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ؛ بِالْكُفْرِ، وَالْقَتْلِ، وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ، وَإِخَافَةِ السُّبُلِ.

وَالْمَشْهُورُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ فِي أَحْكَامِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ الَّذِينَ يَعْرِضُونَ لِلنَّاسِ فِي الْقُرَى وَالْبَوَادِي، فَيَغْصِبُونَهُمْ أَمْوَالَهُمْ، وَيَقْتُلُونَهُمْ، وَيُخِيفُونَهُمْ فَيَمْتَنِعُ النَّاسُ مِنْ سُلُوكِ الطَّرِيقِ الَّتِي هُمْ بِهَا، فَتَنْقَطِعُ بِذَلِكَ.

فَأَخْبَرَ اللهُ أنَّ جَزَاءَهُمْ وَنَكَالَهُمْ عِنْدَ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُفْعَلَ بِهِمْ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ.

وَالْعُقُوبَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ هِيَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ:

مَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ: قُتِلَ وَصُلِبَ.

وَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ: قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ.

وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا: نُفِيَ فِي الْأَرْضِ.

وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَهَذَا هُوَ الْحَسْمُ الْقَاطِعُ، وَهَذَا هُوَ الْعِلَاجُ النَّاجِعُ، وَآخِرُ الطِّبِّ الْكَيُّ، وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ.

عِبَادَ اللهِ! قَطْعُ الطَّرِيقِ، وَتَرْوِيعُ الْآمِنِينَ وَالسَّابِلَةِ، وَإِخَافَةُ النَّاسِ، وَتَخْرِيبُ الْمُنْشَآتِ، وَتَفْجِيرُ الْأَبْرَاجِ الْكَهْرُبَائِيَّةِ وَالْأَكْشَاكِ، وَالِاعْتِدَاءُ عَلَى الْمُمْتَلَكَاتِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ؛ كُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْحِرَابَةِ؛ مِنَ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ، مِمَّا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ الْعَارَ وَالشَّنَارَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا لَهُ مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ الْعَظِيمِ فِي الْآخِرَةِ.

وَيَدْخُلُ فِي الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ وَفِي الْمُحَارَبَةِ للهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ تَخْرِيبُ الْمُنْشَآتِ وَتَحْرِيقُ الْمُمْتَلَكَاتِ، وَالِاعْتِدَاءُ عَلَى الْحُرُمَاتِ، وَتَبْدِيدُ ثَرْوَاتِ الْأُمَّةِ وَمُقَدَّرَاتِهَا.

كُلُّ هَذَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَ حَدُّ الْحِرَابَةِ وَالْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ كَمَا بَيَّنَهُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَكَمَا طَبَّقَهُ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى مَنِ اسْتَحَقَّهُ.

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُسَلِّمَ وَطَنَنَا وَجَمِيعَ أَوْطَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يُؤَلِّفَ بَيْنَ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَأَنْ يَرُدَّ الشَّارِدِينَ، وَأَنْ يُعَلِّمَ الْجَاهِلِينَ، وَأَنْ يَحْفَظَ الدَّاعِينَ إِلَى دِينِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، إِنَّهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

المصدر: مَنْزِلَةُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَالْمُؤَامَرَةُ عَلَى مِصْرَ الْآنَ!!

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مَظَاهِرُ النِّظَامِ فِي كَوْنِ الرَّحْمَنِ
  وُجُوهُ وَأَدِلَّةُ خَيْرِيَّةِ النَّبِيِّ ﷺ
  نِظَامٌ مُحْكَمٌ لِلْمُعَامَلَاتِ الِاقْتِصَادِيَّةِ فِي الْإِسْلَامِ
  الْبِرُّ الْحَقِيقِيُّ بِالْأَبَوَيْنِ
  الصِّفَاتُ الْوَاجِبُ تَوْفُّرِهَا فِي الشَّبَابِ لِبِنَاءِ الْأُمَّةِ
  مَظَاهِرُ خُطُورَةِ الْمُخَدِّرَاتِ وَالْإِدْمَانِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  الدرس الرابع عشر : «المُسَارَعَةُ فِي الخَيْرَاتِ»
  فَضْلُ الصِّدْقِ وَذَمُّ الْكَذِبِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
  مِنْ سُبُلِ التَّنْمِيَةِ الِاقْتِصَادِيَّةِ: الِاجْتِهَادُ فِي الْعَمَلِ وَالْإِنْتَاجِ
  خُطُورَةُ التَّسَتُّرِ عَلَى الْإِرْهَابِيِّينَ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْعَصِيبِ
  حَثُّ السُّنَّةِ عَلَى الْعِلْمِ الْمَادِّيِّ وَالْعَمَلِ الْجَادِّ
  سُوءُ عَاقِبَةِ آكِلِ السُّحْتِ فِي الْآخِرَةِ
  مِنْ أَعْظَمِ الْبِرِّ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ
  فَضْلُ صَوْمِ عَاشُوَرَاءَ
  الْوَعْيُ بِتَحَدِّيَّاتِ الشَّيْطَانِ
  • شارك