صَيْحَةُ نَذِيرٍ مُتَجَدِّدَةٌ لِجُمُوعِ الْمِصْرِيِّينَ..


((صَيْحَةُ نَذِيرٍ مُتَجَدِّدَةٌ لِجُمُوعِ الْمِصْرِيِّينَ.. ))

مِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلذَّاكِرَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ أَنَّهَا مَلَكَةٌ مُسْتَبِدَّةٌ، وَمِنَ اسْتِبْدَادِهَا بِالْعَقْلِ الْبَشَرِيِّ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتَذَكَّرُ أُمُورًا مَرَّتْ عَلَيْهَا سَنَوَاتٌ بَلْ عُقُودٌ تَذَكُّرًا تَامًّا وَاضِحًا، كَأَنَّهُ يَحْيَاهَا، يَرَاهَا وَيَسْمَعُهَا، وَتَغِيمُ عَنْهُ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ أُمُورٌ قَرِيبَةٌ أَوْ حَاضِرَةٌ تَتَوَارَى ظِلَالُهَا فِي آفَاقِ النِّسْيَانِ، فَلَا يَعْرِفُهَا وَلَا يَتَعَرَّفُ عَلَيْهَا.

أَتَذَكَّرُ الْآنَ أَمْرًا مَرَّ عَلَيْهِ رُبُعُ قَرْنٍ مِنَ الزَّمَانِ، أَتَذَكَّرُهُ الْآنَ كَأَنِّي حَاضِرُهُ، رَائِيهِ وَسَامِعُهُ، كَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَتِسْعِ مِائَةٍ مِنَ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ (1992م) إِبَّانَ مَا عُرِفَ بِحَرْبِ الْخَلِيجِ.

وَقَدْ كَانَ مِمَّا بُثَّ وَنُشِرَ أَنَّ مِنْ أَسَالِيبِ الْحَرْبِ وَوَسَائِلِهَا الْمُسْتَخْدَمَةِ تَسْلِيطَ حُزَمٍ مِنَ الْمَوْجَاتِ الْكَهْرُومَغْنَاطِيسِيَّةِ بِقُوَّةٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى مُدَنِ فِي دُوَلٍ، أَوْ عَلَى قِطَاعَاتٍ مِنْهَا، أَوْ حَتَّى عَلَى دُوَلٍ بِكَامِلِهَا، مِنْ أَقْمَارٍ اصْطِنَاعِيَّةٍ فِي مَدَارَاتِهَا.

فَتُؤَثِّرُ هَذِهِ الْمَوْجَاتُ الْكَهْرُومَغْنَاطِيسِيَّةُ عَلَى أَنْمَاطِ التَّفْكِيرِ، وَوَسَائِلِ الْإِدْرَاكِ، وَطَرَائِقِ الْحُكْمِ عَلَى الْأُمُورِ وَالْأَشْيَاءِ تَأْثِيرًا عُضْوِيًّا مُبَاشِرًا، يَرْجِعُ إِلَى التَّأْثِيرِ الْعُضْوِيِّ الْمُبَاشِرِ عَلَى خَلَايَا الْمُخِّ وَالْأَعْصَابِ.

وَيَقَعُ تَبَعًا لِهَذَا التَّأْثِيرِ اضْطِرَابَاتٌ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْمُقَدِّمَاتِ وَالنَّتَائِجِ، وَاخْتِلَافَاتٌ فِي الْأَنْمَاطِ الْعَصَبِيَّةِ وَالْفِكْرِيَّةِ، وَتَحَوُّلَاتٌ عَقْلِيَّةٌ وَنَفْسِيَّةٌ.

وَهَذِهِ النَّتَائِجُ كُلُّهَا هِيَ بِعَيْنِهَا الْمُسْتَهْدَفُ الْوُصُولُ إِلَيْهَا بِحُرُوبِ الْجِيلِ الرَّابِعِ، وَتَأْثِيرَاتِ وَسَائِلِ الِاتِّصَالِ الِاجْتِمَاعِيِّ، وَبَثِّ الْفَوْضَى الْفِكْرِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ وَالْمَعْلُومَاتِيَّةِ فِيمَا يُعْرَفُ بِـ(السُّوشْيَال مِيْدِيَا)؛ لِبَلْبَلَةِ أَفْكَارِ الْمُجْتَمَعِ الْوَاحِدِ، وَخَلْخَلَةِ تَمَاسُكِهِ فِكْرِيًّا وَعَقَدِيًّا، وَأَخْلَاقِيَّا وَسُلُوكِيًّا.

وَهُوَ مَا تَعِيشُهُ الْمُجْتَمَعَاتُ الْبَشَرِيَّةُ الْيَوْمَ كَنَتِيجَةٍ مُبَاشِرَةٍ لِلْحَرْبِ الْمَاسُونِيَّةِ الصُّهْيُونِيَّةِ الْعَالَمِيَّةِ عَلَى جُمُوعِ الْبَشَرِ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجُويِيمِ أَوِ الْأُمَمِيِّينَ، حَتَّى إِنَّ الْمُجْتَمَعَاتِ الْبَشَرِيَّةَ الْمُسْتَهْدَفَةَ صَارَتْ لَا تَحْتَاجُ الْيَوْمَ إِلَى أَقْمَارٍ اصْطِنَاعِيَّةٍ تَبُثُّ مَوَجَاتٍ كَهْرُومَغْنَاطِيسِيَّةً لِلتَّأْثِيرِ عَلَى عُقُولِ أَبْنَائِهَا وَأَعْصَابِهِمْ.

وَلَكِنْ مَا الَّذِي جَعَلَ ذَلِكَ الْأَمْرَ الْقَدِيمَ يَطْفُو ظَاهِرًا مِنْ بَحْرِ النِّسْيَانِ لِيَلُوحَ لِي ظَاهِرًا بَعْدَ رُبُعِ قَرْنٍ مِنَ الزَّمَانِ؟!!

هَلْ هِيَ فَقَطِ الذَّاكِرَةُ الْمُسْتَبِدَّةُ.. هَكَذَا! بِلَا تَفْسِيرٍ وَلَا تَعْلِيلٍ، وَهَلْ هُنَاكَ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْلِ الْإِنْسَانِيِّ يَأْتِي هَكَذَا بِلَا تَفْسِيرٍ وَلَا تَعْلِيلٍ؟!!

بِالْقَطْعِ لَا، وَلَكِنْ لَا شَكَّ أَنَّنَا لَا نَمْلِكُ تَرَفَ إِنْفَاقِ الْوَقْتِ فِي بَحْثٍ كَهَذَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَأَقْطَعُ بِأَنَّ هُنَاكَ سَبَبًا ظَاهِرًا، أَدَّى إِلَى تَذَكُّرِ ذَلِكَ بَعْدَ هَذِهِ الْأَعْوَامِ الطُّوَالِ، وَهُوَ وُجُودُ النَّتِيجَةِ الَّتِي كَانَ يُرَادُ الْوُصُولُ إِلَيْهَا.

وَمَا الَّذِي أَعْنِيهِ بِذَلِكَ؟

الَّذِي أَعْنِيهِ بِهَذَا هُوَ: أَنَّ الْوَاقِعَ الَّذِي تَعِيشُهُ قِطَاعَاتٌ مُغَرَّرٌ بِهَا مِنَ الْمِصْرِيِّينَ يَبْدُو فِي لَا مَعْقُولِيَّتِهِ، بَلْ فِي عَبَثِيَّتِهِ؛ شَبِيهًا بَلْ مُنْطَبِقًا عَلَى النَّتِيجَةِ السَّابِقَةِ.

قِطَاعَاتٌ مُغَرَّرٌ بِهَا مِنَ الْمِصْرِيِّينَ، تَعْبَثُ بِعُقُولِهِمْ مَقُولَاتٍ بَاطِلَةً، وَشَائِعَاتٍ كَاذِبَةً، وَتَلْعَبُ بِهِمْ لَعِبَ الصِّبْيَانِ بِالْكُرَةِ.

تَجْمُّعَاتٌ مِنَ الْخَوَنَةِ بِاسْمِ الدِّينِ تَارَةً، وَبِاسْمِ السِّيَاسَةِ تَارَةً، وَبِتَهْيِيجِ الْأَطْمَاعِ وَإِثَارَةِ الْأَحْقَادِ تَارَاتٍ.

قِطَاعَاتٌ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ تَتَعَامَى عَنِ الْمَاضِي الْقَرِيبِ، الَّذِي لَمْ تَمْضِ عَلَيْهِ عَشْرَةُ أَعْوَامٍ، بَلْ عَنِ الْحَاضِرِ الْمَنْظُورِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْمُؤَامَرَاتِ وَالْمُخَاطَرَاتِ، وَالْخُطُوبِ الْمُهْلِكَاتِ.

تَتَعَامَى هَذِهِ الْقِطَاعَاتُ الْمُغَرَّرُ بِهَا عَنْ هَذَا وَذَاكَ، وَيَتَّبِعُونَ نَاعِقِي الْبُوم وَنَاعِبِي الْغِرْبَانِ عَلَى خَرَائِبِ السِّيَاسَةِ الْفَاشِلَةِ، وَالدِّيَانَةِ الْمُحَرَّفَةِ الْبَاطِلَةِ، وَكَأَنَّ تَأْثِيرًا عُضْوِيًّا وَفِكْرِيًّا قَدْ أَلَمَّ بِعُقُولِهِمْ، وَطَرَائِقِ اسْتِيعَابِهِمْ وَتَفْكِيرِهِمْ، فَهُمْ كُتَلٌ مِنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ تُحَرَّكُ وَلَا تَتَحَرَّكُ، وَيُتَصَوَّرُ لَهَا وَلَا تَتَصَوَّرُ، وَتُسْلِمُ زِمَامَ الْفِكْرِ طَائِعَةً بِلَا تَفَكُّرٍ، وَلَا تَتَفَكَّرُ!!

وَاحَسْرَتَاهُ!!

أَيُّهَا الْمِصْرِيُّونَ! اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا، وَاحْذَرُوا أَنْ تُفْلِتَ فُرْصَتُكُمُ الدَّانِيَةُ الْقَرِيبَةُ، فَإِنَّكُمْ إِنْ فَقَدْتُمُوهَا لَنْ تُدْرِكُوهَا!!

فَلَا تَتَّبِعُوا كلَّ مُخرِّبٍ خَائِنٍ، يُرِيدُ أَنْ يَنْقُضَ عُرَى دَوْلَتِكُمْ، وَأَنْ يُشَتِّتَ جُمُوعَكُمْ، تَتَكَفَّفُونَ الدُّوَلَ وَالْمُنَظَمَّاتِ الَّتِي تَرْعَى الْحَيَوَانَاتِ، وَلَا تَرْعَى الْبَشَرَ، وَتَأْسَى عَلَى الْكِلَابِ الضَّالَّةِ وَالْقِطَطِ الشَّارِدَةِ، فَتُوَفِّرُ مَأْوًى وَغِذَاءً وَدَوَاءً، وَتُبِيدُ فِي الْوَقْتِ عَيْنِهِ مُدُنًا بَلْ دُوَلًا؛ قَتْلًا بِدَمٍ بَارِدٍ، أَوْ وَأْدًا لِلنَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي رِمَالِ الِاحْتِقَارِ، وَصَحْرَوَاتِ النَّفْيِ مِنْ حَيَاةِ الْبَشَرِ؛ لِيُعَامَلَ الْمَرْءُ أَدْنَى مِنْ مُعَامَلَةِ الْحَيَوَانِ!!

أَيُّهَا الْمِصْرِيُّونَ! اتَّقُوا اللهَ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ.

تَمَاسَكُوا، وَتَعَاضَدُوا، وَاجْعَلُوا الْغَايَاتِ الصَّغِيرَةَ، وَالْأَهْدَافَ الرَّخِيصَةَ، وَالِاهْتِمَامَاتِ الزَّائِفَةَ تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ، وَاحْرِصُوا عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْعُلْيَا لِوَطَنِكُمْ.

فَاسْتِقْرَارُ وَطَنِكُمْ اسْتِقْرَارٌ لِدِينِكُمْ، وَتَقَدُّمُهُ تَمْكِينٌ لِأُصُولِهِ وَمَبَادِئِهِ؛ لِيُعْبَدَ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَيَنْعَمَ النَّاسُ بِالْحَيَاةِ الْحَقَّةِ فِي أَفْيَائِهِ وَشَرَائِعِهِ.

 

المصدر:الْبِرُّ وَالْوَفَاءُ وَرِسَالَةٌ هَامَّةٌ وَمُتَجَدِّدَةٌ إِلَى الْمِصْرِيِّينَ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  لَا تَغْتَرَّ بِالظَّاهِرِ وَاسْأَلْ رَبَّكَ الْإِخْلَاصَ
  أَقْبِلُوا عَلَى ذِكْرِ اللهِ!
  فَضْلُ الْجِهَادِ وَمَنْزِلَةُ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
  دِينُ الْإِسْلَامِ هُوَ دِينُ الْفِطْرَةِ والطَّهَارَةِ
  الْحَثُّ عَلَى الْإِيجَابِيَّةِ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ
  المَصْلَحَةُ العُلْيَا لِلْأُمَّةِ
  قَضِيَّةُ الْأُمَّةِ وَفَوَائِدُ الْكَلَامِ عَنْهَا
  النَّبِيُّ ﷺ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي الْبِرِّ وَالْوَفَاءِ
  دِينُ اللهِ مُحَارَبٌ، وَلَكِنَّهُ دِينٌ مَنْصُورٌ عَزِيزٌ
  نَبِيُّ الرَّحْمَةِ ﷺ، وَدِينُهُ دِينُ الرَّحْمَةِ
  الْمُعَامَلَةُ بِالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، وَالْعَدْلِ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَالِمِينَ
  الْحِرْصُ عَلَى الْإِخْلَاصِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فِي الْحَجِّ
  أَكْلُ الْحَرَامِ مِنْ أَعْظَمِ قَوَاطِعِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ
  المَوْعِظَةُ الخَامِسَةَ عَشْرَةَ : ((جُمْلَةٌ مِنْ أُصُولِ الْعَقِيدَةِ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ (2) ))
  الْوَعْيُ بِالتَّحَدِّيَّاتِ الِاقْتِصَادِيَّةِ وَسُبُلِ مُوَاجَهَتِهَا
  • شارك