حُرْمَةُ قَتْلِ الْمَدَنِيِّينَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ


((حُرْمَةُ قَتْلِ الْمَدَنِيِّينَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ))

إِذَا تَأَمَّلْتَ مَوْقِفَ الْإِسْلَامِ مِنَ امْتِدَادِ الْحَرْبِ، وَالْقِتَالِ لِغَيْرِ الْمُقَاتِلِينَ أَدْرَكْتَ عَظَمَةَ هَذَا الدِّينِ وَعُمْقَ سَمَاحَتِهِ، فَعِنْدَمَا يَأْتِي النَّهِيُ الْقَاطِعُ مِنْ رَسُولِ اللهِ وَمِنْ خُلَفَائِهِ عَنِ اسْتِهْدَافِ: «النِّسَاءِ، وَالْوُلْدَانِ، وَالشُّيُوخِ، وَالزَّمْنَى -يَعْنِي: أَصْحَابَ الْعَاهَاتِ-، وَالرُّهْبَانَ، وَالْفَلَّاحِينَ، وَالْأُجَرَاءَ» ؛ تَعْلَمُ عِنْدَئِذٍ الْمَوْقفَ الْحَقِيقِيَّ لِلْإِسْلَامِ مِنَ اِسْتِهْدَافِ «الْمَدَنِيِّينَ» بِالْمُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ.

إِذَا تَأَمَّلْتَ هَذِهِ الْأَصْنَافَ: «النِّسَاءَ، الْوِلْدَانَ، الشُّيُوخَ، الْمَعْتُوهِينَ، الْأُجَرَاءَ، الْفَلَّاحِينَ، الرُّهْبَانَ، الْعَبِيدَ، الْوُصَفَاءَ»، إِذَا تَأَمَّلْتَ هَذِهِ الْأَصْنَافَ؛ أَدْرَكْتَ أَنَّ هَؤُلَاءِ فِي مَجْمُوعِهِمْ يُمَثِّلُونَ مَنْ لَا يَنْتَصِبُونَ لِلْقِتَالِ، وَلَا يُشَارِكُونَ فِي وَقَائِعِهِ؛ وَهَلْ تَعْبِيرُ «الْمَدَنِيِّينَ» الْيَوْمَ لَهُ دَلَالَةٌ سِوَى هَذَا؟!

وَمِنْ هُنَا جَاءَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ بِحُرْمَةِ قَتْلِ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمُقَاتَلَةِ وَالْمُمَانَعَةِ، أَوْ كَانَ مِنَ الْمَدَنِيِّينَ بِالْمُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ.

 وَهَذَا النَّهْيُ عَنِ اسْتِهَدَافِ الْمَدَنِيِّينَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمُقَاتَلةِ وَالْمُمَانَعَةِ لَمْ يَأْتِ نَتِيجَةَ اخْتِيَارٍ فِقْهِيٍّ، وَلَا تَرْجِيحٍ مَصْلَحِيٍّ، وَإِنَّمَا جَاءَ النَّصُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ اسْتِهَدَافِ أَغْلَبِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ بِبَيَانٍ نَبَوِيٍّ وَوَحْيٍّ إِلَهِيٍّ، مِمَّا يَرْفَعُ دَرَجَةَ هَذَا النَّهْيِ فِي نَفْسِ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ إِلَى أَعْلَى دَرَجَاتِ الْحَذَرِ مِنْ مُخَالَفَتِهِ.

عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «وُجِدَتْ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ». أَخْرَجَاهُ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» .

وَعَنِ ابْنِ رَبَاحِ بْنِ رَبِيعٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي غَزْوَةٍ، فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَيْءٍ؛ فَبَعَثَ رَجُلًا، فَقَالَ: «انْظُرْ: عَلَامَ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ؟», فَقَالَ: عَلَى امْرَأَةٍ قَتِيلٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ».

قَالَ: وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-. قَالَ: فَبَعَثَ رَجُلًا فَقَالَ: «قُلْ لِخَالِدٍ: لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلا عَسِيفًا» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ: قَالَ: «حَسَنٌ صَحِيحٌ».

وَالْعَسِيفُ: هُوَ الْأَجِيرُ .

فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا -عِبَادَ اللهِ- أَنْ نَجْتَهِدَ فِي نُصْرَةِ دِينِنَا، لَا فِي خِذْلَانِهِ، لَا فِي مُحَارَبَتِهِ، يَنْبَغِي أَنْ نَكُونَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ، وَمِنْ أَوْلِيَاءِ رَسُولِ اللهِ، وَأَلَّا نَكُونَ مِنْ أَعْدَاءِ اللهِ، وَلَا مِنْ أَعْدَاءِ رَسُولِهِ، وَأَلَّا نَصُدَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ.

 

 المصدر: حُقُوقُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَحُرْمَةُ قَتْلِ السَّائِحِينَ وَالْمَدَنِيِّينَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الصِّدْقُ وَأَثَرُهُ فِي صَلَاحِ الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  الدرس السابع والعشرون : «الْعَفْوُ وَكَظْمُ الغَيْظِ»
  تُوبُوا وَأَنِيبُوا وَأَسْلِمُوا إِلَى رَبِّكُمْ!
  طُولُ الْأَمَلِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  رَحْمَةُ الْإِسْلْامِ فِي فُتُوحَاتِهِ وَنَبْذُهُ لِلْعُنْفِ وَالْعُنْصُرِيَّةِ
  ذِكْرُ اللهِ حَيَاةٌ..
  خُطُورَةُ الشَّائِعَاتِ عَلَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ
  خُطُورَةُ الْكَذِبَةِ تَبْلُغُ الْآفَاقَ
  خُلُقُ التَّوَاضُعِ فِي الْحَجِّ، وَالنَّبِيُّ ﷺ سَيِّدُ الْمُتَوَاضِعِينَ
  المَوْعِظَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ ((رَمَضَانُ شَهْرُ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ))
  تَمْكِينُ اللهِ لِلْأَنْبِيَاءِ بِتَحْقِيقِهِمُ التَّوْحِيدَ
  مَعَالِمُ عَمَلِيَّةٌ لِلنِّظَامِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ
  تَقْدِيمُ مَصَالِحِ النَّاسِ الْعَامَّةِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْخَاصَّةِ
  مَخَاطِرُ الِانْحِلَالِ الْأَخْلَاقِيِّ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  الِاسْتِسْلَامُ للهِ -جَلَّ وَعَلَا- شَاخِصًا فِي قِصَّةِ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-
  • شارك