عِظَمُ أَمَلِ الصَّادِقِ الْمُخْلِصِ فِي تَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ


((عِظَمُ أَمَلِ الصَّادِقِ الْمُخْلِصِ فِي تَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ))

*كُلَّمَا عَظُمَ صِدْقُ الْعَبْدِ وَإِخْلَاصُهُ؛ زَادَ أَمَلُهُ فِي تَفْرِيجِ كُرُبَاتِهِ، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: ((انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَتَّى آوَاهُمُ الْمَبِيتُ إِلَى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ, فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ.

فَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ.

فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ, وَكُنْتُ لَا أَغْبُقُ قبْلَهُمَا أَهلًا وَلَا مَالًا, فَنَأَى بِي طَلَبُ شَجَرٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا, فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا -وَالْغَبُوقُ: الشَّرَابُ الَّذِي يُشْرَبُ بِالْعَشِيِّ-. قَالَ: فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ, فَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبُقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلَا مَالًا, فَلَبِثْتُ -أَيْ: بَقِيتُ- وَالْقَدَحُ عَلَى يَدِي أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ)).

زَادَ بَعْضُ الرُّوَاةِ: ((وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمِي -يَعْنِي: أنَّ أوْلَادَهُ كَانَ يَصِيحُونَ مِنَ الْجُوعِ عِنْدَ قَدَمَيهِ، فَلَمْ يُقَدِّمْهُمْ عَلَى أَبَوَيْهِ- قَالَ: فَاسْتَيْقَظَا -يعْنِي: أَبَوَيْهِ- فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا, اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذهِ الصَّخْرةِ, فَانْفَرجَتْ شَيْئًا لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ)).

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((قَالَ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي ابْنَةُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ, فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ -وَالسَّنَةُ: الْقَحْطُ وَمَا يَكُونُ مَعَهُ مِنَ الْحَاجَةِ وَالْجُوعِ وَالْفَقْرِ-.

قَالَ: فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِئَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ, حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ: لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ.

قَالَ: فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا, فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ, وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا, اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ, فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا)).

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ وَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ, تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ, فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الْأَمْوَالُ, فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ, فَقَالَ لِي: يَا عَبْدَ اللهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي.

فَقُلْتُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِك؛ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ, فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ لَا تَسْتَهزِئْ بِي.

فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ, فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا, اللَّهُمَ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ, فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ)).

وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ:((بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ وَأَصَابَهُمْ مَطَرٌ, فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ, فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ, فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلَاءِ لَا يُنْجِيكُمْ إِلَّا الصِّدْقُ، فَليَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ.

فَقَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَجِيرٌ عَمِلَ لِي عَلَى فَرَقٍ مِنْ أَرُزٍّ -وَالْفَرَقُ: مِكْيَالٌ مَعْلُومٌ- فَذَهَبَ وَتَرَكَهُ، وَإِنِّي عَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ، فَصَارَ مِنْ أَمْرِهِ إِلَى أَنِ اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا, وَأَنَّهُ أَتَانِي يَطْلُبُ أَجْرَهُ.

فَقُلْتُ لَهُ: اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ فَإِنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْفَرَقِ فَسَاقَهَا, فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا، فَانْسَاحَتْ عَنْهُمُ الصَّخْرَةُ.. )). فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَرِيبًا مِنَ الْأَوَّلِ, وَالْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحَينِ)) .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى عِظَمِ الصِّدْقِ عِنْدَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-, وَعَلَى أَنَّ الأعْمَالَ لَيْسَتْ بِكَثْرَتِهَا, وَإنَّمَا بِالصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ فِيهَا, بِتَخْلِيصِهَا مِنَ الشَّوَائِبِ وَمِمَّا يُحْبِطُهَا.  

فَمَهْمَا حَاوَلَ الْإِنْسَانُ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللهِ بِعَمَلٍ لَمْ يَصْدُقْ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ للهِ مُخْلِصًا؛ فَإِنِّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يُحْبِطُ عَمَلَهُ وَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مُشْرِكًا فِيهِ عَذَّبَهُ عَلَيْهِ.

 

المصدر:الْأَمَلُ

 

 

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  حِكَمُ تَشْرِيعِ الزَّكَاةِ
  نَمَاذِجُ لِلْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ الْمَشْرُوعِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  شَهَادَاتُ الْمُنْصِفِينَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِرَحْمَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَالْإِسْلَامِ
  الدرس الحادي عشر : «الشُّكْرُ»
  الْمَوْعِظَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : ((رَمَضَانُ مَدْرَسَةُ تَعْلِيمٍ وَتَهْذِيبٍ))
  مِنْ مَعَالِمِ الرَّحْمَةِ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: نَبْذُ وَهَدْمُ الْعُنْصُرِيَّةِ وَالْعَصَبِيَّةِ
  التَّوْحِيدُ سَبِيلُ بِنَاءِ الْأُمَّةِ وَعِزَّتِهَا
  دِينُ اللهِ هُوَ دِينُ الْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ
  مِنْ دُرُوسِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ: عِظَمُ قَدْرِ الصَّلَاةِ فِي الْإِسْلَامِ وَعُلُوُّ مَنْزِلَتِهَا
  مِنْ أَعْظَمِ الْبِرِّ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ
  مَسْئُولِيَّةُ الْمُسْلِمِ تِجَاهَ وَطَنِهِ الْإِسْلَامِيِّ
  اسْتِقْبَالُ رَمَضَانَ بِالْفَرْحَةِ
  الْإِخْلَاصُ هُوَ قُطْبُ رَحَى الْعِبَادَةِ
  فَهْمُ مَقَاصِدِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ
  أَسْبَابُ التَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ
  • شارك