مَاذَا بَعْدَ رَمَضَانَ؟


 ((مَاذَا بَعْدَ رَمَضَانَ؟))

إِنَّهُ وَإِنِ انْقَضَىٰ شَهْرُ رَمَضَانَ فَإِنَّ عَمَلَ المُؤْمِنِ لا يَنْقَضِي قَبْلَ المَوْتِ، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]، وَقَالَ تَعَالىٰ: «يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

وَقَالَ النَّبِيُّ : «إِذَا مَاتَ الْعَبْدُ اِنْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ»، فَلَمْ يَجْعَلْ لِانْقِطَاعِ الْعَمَلِ غَايَةً إِلَّا المَوْتَ.

فَلَئِنِ انْقَضَىٰ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّ المُؤْمِنَ لَنْ يَنْقَطِعَ عَنْ عِبَادَةِ الصِّيَامِ بِذَلِكَ.

فَالصِّيَامُ لا يَزَالُ مَشْرُوعًا، وَللهِ الحَمْدُ، فِي الْعَامِ كُلِّهِ.

فَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ».

وَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ : «ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إِلَىٰ رَمَضَانَ، فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ.

وَقَالَ أَبُو هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ -وَذَكَرَ مِنْهَا-: صِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ».

وَالأَوْلَىٰ أَنْ تَكُونَ أَيَّامَ الْبِيضِ، وَهِيَ: الثَّالِثَ عَشَرَ، وَالرَّابِعَ عَشَرَ، وَالخَامِسَ عَشَرَ؛ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ! إِذَا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ».

وَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» أَنَّ النَّبِيَّ سُئِلَ عَنْ صَومِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟

فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ».

وَسُئِلَ عَنْ صِيَامِ عَاشُورَاءَ؟

فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ».

وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ؟

فَقَالَ: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ».

وَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ سُئِلَ: أَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟

قَالَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللهِ الْمُحَرَّمِ».

وفي «الصَّحِيحَينِ» عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ»، وَفِي لَفْظٍ: «كَانَ يَصُومُهُ إِلَّا قَلِيلاً».

وَعَنْهَا -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ يَتَحَرَّى صِيَامَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ».

وَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي الصَّحِيحِ.

فَلَئِنِ انْقَضَىٰ قِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنَّ القِيَامَ لا يَزَالُ مَشْرُوعًا، وَللهِ الحَمْدُ، فِي كُلِّ لَيلَةٍ مِنْ لَيَالِي السَّنَةِ، ثَابِتًا مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللهِ وَقَولِهِ.

فَفِي «صَحِيحِ البُخَارِيِّ» عَنِ المُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ لَيَقُومُ؛ لِيُصَلِّيَ حَتَّىٰ تَرِمُ قَدَمَاهُ أَوْ سَاقَاهُ، فَيُقَالُ لَهُ فَيَقُولُ: «أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا».

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ! أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ».

وَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلَاةُ اللَّيْلِ».

وَصَلاةُ اللَّيِلِ تَشْمَلُ التَّطَوُّعَ كُلَّهُ وَالْوِتْرَ، فَيُصَلِّي مَثْنَىٰ، مَثْنَىٰ، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّىٰ وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ مَا صَلَّىٰ.

 وَإِنْ شَاءَ صَلَّىٰ عَلىٰ مَا ذُكِرَ عَنِ النَّبِيِّ وَهُوَ السُّنَّةُ، كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَنَّهُ «مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً».

وَفِي «صَحِيحِ البُخَارِيِّ» عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَىٰ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ».

وَالرَّوَاتِبُ التَّابِعَةُ لِلْفَرِائِضِ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً: أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهُ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ العِشَاءِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاةِ الفَجْرِ.

فَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي للهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً؛ تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ، إِلَّا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ».

وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ صَلَّىٰ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَالذِّكْرُ أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، أَمَرَ اللهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ، وَحَثَّ عَليهِ رَسُولُهُ ؛ قَالَ تَعَالىٰ: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النِّسَاء: 103].

وَكَانَ النَّبِيُّ إِذَا سَلَّمَ اسْتَغْفَرَ ثَلاثًا، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ».

وَقَالَ النَّبِيُّ : «مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ: تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ». رَوَاهُ مْسْلِمٌ.

المصدرخطبة تَزْكِيَةُ النَّفْسِ، وَالْفَرَحُ الشَّرْعِيُّ فِي الْعِيدَيْنِ 

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الْمَوْعِظَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : ((رَمَضَانُ مَدْرَسَةُ تَعْلِيمٍ وَتَهْذِيبٍ))
  الِاسْتِغَاثَةُ الْمَشْرُوعَةُ وَالِاسْتِغَاثَةُ الْمَمْنُوعَةُ
  رَمَضَانُ شَهْرُ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ
  رَحْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ فِي السِّلْمِ وَالْحَرْبِ
  مِنَ الثَّمَرَاتِ الْعَظِيمَةِ لِلزَّكَاةِ: تَحْقِيقُ التَّكَافُلِ وَالتَّوَازُنِ الْمُجْتَمَعِيِّ
  التَّحْذِيرُ مِنْ خُطَّةِ رَدِّ الِاعْتِدَاءِ الْقُطْبِيَّةِ الْإِخْوَانِيَّةِ
  السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ
  الْحَثُّ عَلَى الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ الْمَشْرُوعِ فِي الْإِسْلَامِ
  مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ: رِعَايَةُ حُقُوقِ إِخْوَانِهِ
  مِنْ أَعْظَمِ سُبُلِ مُوَاجَهَةِ إِدْمَانِ الْمُخَدِّرَاتِ: إِدْمَانُ ذِكْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
  الْعَمَلُ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ سَبِيلُ الْفَلَاحِ
  نَمَاذِجُ مِنْ قَضَاءِ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- حَوَائِجَ الْمُحْتَاجِينَ
  الصِّيَامُ تَدْرِيبٌ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى
  أُصُولُ الشَّرِيعَةِ سَبِيلُ صَلَاحِ النَّاسِ
  مَعْنَى مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ وَحَقِيقَتُهَا
  • شارك