التَّحْذِيرُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى


 ((التَّحْذِيرُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى))

لَقَدْ حَذَّرَ اللهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى ظُلْمًا، وَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ، وَأَمَرَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بِأَلَّا يَقْرَبَ النَّاسُ مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ، قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10].

إِنَّ الَّذِينَ يَعْتَدُونَ عَلَى أَمْوَالِ الْيَتَامَى بِسَائِرِ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ الرَّدِيئَةِ، الْمُتْلِفَةِ لِلْمَالِ؛ حَرَامًا بِغَيْرِ حَقٍّ، سَيَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارًا، تَحْرِقُ بُطُونَهُمْ، وَتَشْوِي أَحْشَاءَهُمْ، وَسَيَدْخُلُونَ نَارًا هَائِلَةً مُشْتَعِلَةً، يَحْتَرِقُونَ فِيهَا؛ جَزَاءَ أَكْلِهِمْ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا.

وَقَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [ الْأَنْعَامِ: 152].

مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ: الِاقْتِرَابُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ الْحُلُمِ، فَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ الَّذِي أَنْتُمْ أَوْلِيَاءُ أَوْ أَوْصِيَاءُ عَلَيْهِ، إِلَّا بِالْخَصْلَةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ؛ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْأَمْوَالِ الثَّابِتَةِ كَالْأَرَاضِينَ وَالدُّورِ وَالْأَغْرَاسِ، وَتَثْمِيرِ الْمَنْقُولِ، وَتَحْصِيلِ الرِّبْحِ فِيهِ.

فَاحْفَظُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْحُلُمَ، مَعَ إِينَاسِ الرُّشْدِ، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَادْفَعُوا إِلَيْهِ مَالَهُ.

وَقَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 220].

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الْإِسْرَاءِ: 34]، وَ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النِّسَاءِ: 10]، انْطَلَقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ فَعَزَلَ طَعَامَهُ عَنْ طَعَامِهِ، وَشَرَابَهُ عَنْ شَرَابِهِ، فَجَعَلَ يَفْضُلُ لَهُ الشَّيْءُ مِنْ طَعَامِهِ، فَيُحْبَسُ لَهُ حَتَّى يَأْكُلَهُ أَوْ يَفْسَدَ.

فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}، فَخَلَطُوا طَعَامَهُمْ بِطَعَامِهِمْ، وَشَرَابَهُمْ بِشَرَابِهِمْ».

 

وَرَوَى وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ : عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: «إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْيَتِيمِ عِنْدِي عُرَّةً -وَالْعُرَّةُ: الْقَدَرُ، تُرِيدُ أَنْ تَتَجَّنَبَهُ تَجَنُّبَ الْقَدَرِ-(وَفِي رِوَايَةٍ: أَنْ يَكُونَ مَالُ الْيَتِيمِ عِنْدِي عَلَى حِدَةٍ)، حَتَّى أَخْلُطَ طَعَامَهُ بِطَعَامِي وَشَرَابَهُ بِشَرَابِي».                                                                                                                     

فَقَوْلُهُ: {قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} أَيْ : عَلَى حِدَةٍ.

{وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} أَيْ: وَإِنْ خَلَطْتُمْ طَعَامَكُمْ بِطَعَامِهِمْ وَشَرَابَكُمْ بِشَرَابِهِمْ، فَلَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ; لِأَنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ; وَلِهَذَا قَالَ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} أَيْ: يَعْلَمُ مَنْ قَصْدُهُ وَنِيَّتُهُ الْإِصْلَاحُ أَوْ الْإِفْسَادُ.

وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} أَيْ: وَلَوْ شَاءَ لَضَيَّقَ عَلَيْكُمْ وَأَحْرَجَكُمْ، وَلَكِنَّهُ وَسَّعَ عَلَيْكُمْ، وَخَفَّفَ عَنْكُمْ، وَأَبَاحَ لَكُمْ مُخَالَطَتَهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، كَمَا قَالَ تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [ الْأَنْعَامِ : 152 ]، بَلْ قَدْ جَوَّزَ الْأَكْلَ مِنْهُ لِلْفَقِيرِ بِالْمَعْرُوفِ، إِمَّا بِشَرْطِ ضَمَانِ الْبَدَلِ لِمَنْ أَيْسَرَ، أَوْ مَجَّانًا.

  

المصدر:رِعَايَةُ الْأَيْتَامِ وَاجِبٌ دِينِيٌّ وَمُجْتَمَعِيٌّ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الْفَرَحُ يَوْمَ الْعِيدِ وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ
  أَنْوَاعُ النِّفَاقِ
  ضَرُورَةُ مُرَاقَبَةِ السِّرِّ وَرِعَايَةِ الضَّمِيرِ
  الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ أَعْظَمُ الْأَعْمَالِ وَأَزْكَاهَا
  مِنْ دُرُوسِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ: أَنَّ أَشْرَفَ مَقَامٍ وَأَعْلَاهُ مَقَامُ الْعُبُودِيَّةِ
  الْجَيْشُ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ كُلُّ الْأُمَّةِ
  أُمَّةٌ مُتَمَيِّزَةٌ مَتْبُوعَةٌ لَا تَابِعَةٌ
  الْإِسْلَامُ دِينُ الْعَمَلِ الْجَادِّ
  ذِكْرُ الْعَبْدِ للهِ مَحْفُوفٌ بِذِكْرَينِ مِنَ اللهِ
  لِمَنْ تَكُونُ الْبَيْعَةُ وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ؟
  مَعْرَكَةُ الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ ضِدَّ الْإِرْهَابِ
  مَنْزِلَةُ الزَّكَاةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  مَنَاسِكُ الْحَجِّ كَأَنَّكَ تَرَاهَا
  خُلُقُ النَّبِيِّ ﷺ وَهَدْيُهُ فِي بَيْتِهِ مَعَ أَهْلِهِ
  حَثُّ الْإِسْلَامِ عَلَى التَّرَقِّي فِي الْعُلُومِ الْمَادِّيَّةِ
  • شارك