مِنْ فَضَائِلِ شَهْرِ شَعْبَانَ


((مِنْ فَضَائِلِ شَهْرِ شَعْبَانَ))

فَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ، عَنِ الحِبِّ بْنِ الْحِبِّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أُمِّهِ أُمِّ أَيْمَنَ حَاضِنَةِ رَسُولِ اللهِ ، وَأَيْمَنُ هُوَ أَخُو أُسَامَةَ لِأُمِّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَنْ أُمِّهِ وَعَنْ أَبِيهِ-.

قَالَ: «قُلْتُ لِلنَّبِيِّ : مَا لِي أَرَاكَ تَصُومُ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ مَا لَا تَصُومُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ -يَعْنِي خَلَا رَمَضَانَ-؟!!

فَقَالَ النَّبِيُّ : «هَذَا شَهْرٌ يَغْفُلُ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ, تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي فِيهِ وَأَنَا صَائِمٌ».

هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ يُوَضِّحُ فِيهِ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ الْأَعْمَالَ تُرْفَعُ الرَّفْعَ السَّنَوِيَّ.

تُرْفَعُ الْأَعْمَالُ رَفْعًا يَوْمِيًّا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ؛ إِذْ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَلَائِكَةٌ كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ ﷺ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَفِي صَلَاةِ الْعَصْرِ.

تُرْفَعُ الْأَعْمَالُ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هَكَذَا يَوْمِيًّا, ثُمَّ ((تُعْرَضُ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ -كَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ-, وَيَغْفِرُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ إِلَّا لِمُشْرِكٍ، وَرَجُلٍ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيَقُولُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: أَجِّلَا هَذَيْنِ -أَنْظِرَا هَذَيْنِ- حَتَّى يَصْطَلِحَا)).

فَهَذَا عَرْضٌ أُسْبُوعِيٌّ فِي كُلِّ يَوْمِ اثْنَيْن وَخَمِيس.

ثُمَّ يَأْتِي الْعَرْضُ السَّنَوِيُّ عَلَى رَبِّ الْعِزَّةِ بِأَعْمَالِ خَلْقِهِ -جَلَّ وَعَلَا- فِي شَهْرِ شَعْبَانَ كَمَا أَخْبَرَ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدٌ ﷺ: ((هَذَا شَهْرٌ يَغْفُلُ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ))؛ إِذْ إنَّهُ يَقَعُ بَيْنَ رَجَبٍ -وَهُوَ شَهْرٌ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ, وَالْعَرَبُ كَانَتْ -حَتَّى فِي جَاهِلِيَّتِهَا- تُقَدِّسُ وَتَحْتَرِمُ الْأَشْهُرَ الحُرُمَ؛ فَكَيْفَ وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ نَصَّ عَلَى أَنَّهَا حُرُمٌ بِحُرْمَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلَى أَنْ يَرِثَ اللهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا؟!!

فَالْعَرَبُ كَانَتْ تُقَدِّسُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ, وَالْمُسْلِمُونَ أَشَدُّ مَعْرِفَةً لِقَدْرِ الْأَشْهُرِ الحُرُمِ فِي هَذَا الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ, فَالنَّاسُ يَعْرِفُونَ قَدْرَ شَهْرِ رَجَبٍ.

وَأَمَّا شَهْرُ رَمَضَانَ؛ فَإِنَّهُ شَهْرُ الْقُرْآنِ, وَشَهْرُ الْقِيَامِ وَالذِّكْرِ, وَشَهْرُ الصِّيَامِ, وَهُوَ شَهْرٌ مَعْلُومُ الْفَضِيلَةِ عِنْدَ النَّاسِ كَافَّةً.

وَأَمَّا هَذَا الشَّهْرُ شَهْرُ شَعْبَانَ؛ وَمَا سُمِّيَ شَعْبَانَ إِلَّا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَشَعَّبُونَ فِيهِ فِي أَمْرِ الْغَزْوِ؛ إِذْ يَخْرُجُونَ مِنَ الشَّهْرِ الحَرَامِ مُتَعَطِّشِينَ إِلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ، كَمَا كَانَ الشَّأْنُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ فَسُمِّيَ شَعْبَانَ لِهَذَا الْأَمْرِ الَّذِي مَرَّ ذِكْرُهُ.

فَيَقُولُ نَبِيُّنَا : إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ يَقَعُ بَيْنَ شَهْرَيْنِ مَعْلُومَيِ الْقَدْرِ, مَعْرُوفَيِ الْفَضْلِ عِنْدَ النَّاسِ كَافَّةً؛ وَعَلَيْهِ فَيَغْفُلُ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ, ثُمَّ إِنَّهُ تُعْرَضُ فِيهِ الْأَعْمَالُ وَتُرْفَعُ, وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ. هَذَا كَلَامُهُ .

*اسْتِعْدَادُ النَّبِيِّ ﷺ لِرَمَضَانَ بِكَثْرَةِ الصَّوْمِ فِي شَعْبَانَ:

إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَسْتَعِدُّ لِلدُّخُولِ عَلَى رَمَضَانَ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَصُومُ فِي شَهْرٍ قَطُّ خَلَا رَمَضَانَ مَا كَانَ يَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، وَإِنْ كَانَ لَيَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا».

وَفِي رِوَايَةٍ: «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ».

فَكَانَ الرَّسُولُ  يَأْتِي إِلَى هَذَا الشَّهْرِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ لَا يَتْرُكُ الصِّيَامَ، وَإِنَّمَا كَانَ يَصُومُ حَتَّى يُقَالَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى يُقَالَ: لَا يَصُومُ، يُمَرِّنُ الْأُمَّةَ وَيُعَلِّمُهَا وَيُعَوِّدُهَا عَلَى هَذَا الْإِخْلَاصِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا الصِّيَامَ يُنْتِجُ التَّقْوَى، كَمَا أَخْبَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِي عِلَّةِ فَرْضِ هَذَا الشَّهْرِ عَلَى الْأُمَّةِ؛ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فَتُحَصِّلُونَ التَّقْوَى للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِهَذِهِ الْمُرَاقَبَةِ للهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ إِذْ هُوَ سِرٌّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ.

المصدر: شَعْبَانُ وَحَصَادُ الْعَامِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مُحَمَّدٌ ﷺ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَدِينُهُ دِينُ الرَّحْمَةِ
  رَمَضَانُ شَهْرُ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ
  مَظَاهِرُ النِّظَامِ فِي عِبَادَةِ الصَّلَاةِ
  الْوَعْيُ بِتَحَدِّيَّاتِ الْوَطَنِ الرَّاهِنَةِ وَسُبُلِ مُوَاجَهَتِهَا
  أَخْطَرُ الشَّائِعَاتِ فِي تَارِيخِ الْمُسْلِمِينَ وَآثَارُهَا
  دَرَجَاتُ الْعَطَاءِ لِلْوَطَنِ
  إِكْرَامُ ذِي الشَّيْبَةِ فِي الْإِسْلَامِ
  جُمْلَةٌ مُخْتَصَرَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأُضْحِيَّةِ
  آثَارُ التَّفْرِيطِ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  نَصِيحَةٌ غَالِيَةٌ بَيْنَ يَدَيِ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
  اصْدُقُوا! فَالْكَلِمَةُ أَمَانَةٌ
  الْعُلُومُ وَالْأَعْمَالُ النَّافِعَةُ الْعَصْرِيَّةُ دَاخِلَةٌ فِي الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ
  أَحْكَامُ زَكَاةِ الفِطْرِ
  رَمَضَانُ شَهْرُ التَّرْبِيَةِ عَلَى الْمُرَاقَبَةِ الذَّاتِيَّةِ وَرِعَايَةِ الضَّمِيرِ
  الْبِرُّ الْحَقِيقِيُّ بِالْأَبَوَيْنِ
  • شارك