تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ امْتِحَانٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ


 ((تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ امْتِحَانٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ))

قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [سورة البقرة: 143].

قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا}: وَهِيَ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوَّلًا {إِلا لِنَعْلَمَ} أَيْ: عِلْمًا يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ؛ وَإِلَّا فَهُوَ تَعَالَى عَالِمٌ بِكُلِّ الْأُمُورِ قَبْلَ وُجُودِهَا؛ وَلَكِنَّ هَذَا الْعِلْمَ لَا يُعَلِّقُ عَلَيْهِ ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا؛ لِتَمَامِ عَدْلِهِ، وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى عِبَادِهِ.

بَلْ إِذَا وُجِدَتْ أَعْمَالُهُمْ؛ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، أَيْ: شَرَعْنَا تِلْكَ الْقِبْلَةَ؛ لِنَعْلَمَ وَنَمْتَحِنَ {مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} وَيُؤْمِنُ بِهِ، فَيَتِّبَعُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَأْمُورٌ مُدَبَّرٌ، وَلِأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَتِ الْكُتُبُ الْمُتَقَدِّمَةُ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ، فَالْمُنْصِفُ الَّذِي مَقْصُودُهُ الْحَقُّ؛ مِمَّا يَزِيدُهُ ذَلِكَ إِيمَانًا وَطَاعَةً لِلرَّسُولِ.

وَأَمَّا مَنِ انْقَلَبَ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَأَعْرَضَ عَنِ الْحَقِّ، وَاتَّبَعَ هَوَاهُ؛ فَإِنَّهُ يَزْدَادُ كُفْرًا إِلَى كُفْرِهِ، وَحَيْرَةً إِلَى حَيْرَتِهِ، وَيُدْلِي بِالْحُجَّةِ الْبَاطِلَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى شُبْهَةٍ لَا حَقِيقةَ لَهَا.

{وَإِنْ كَانَتْ} أَيْ: صَرْفَكَ عَنْهَا {لَكَبِيرَةً} أَيْ: شَاقَّةً {إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ}، فَعَرَفُوا بِذَلِكَ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَشَكَرُوا، وَأَقَرُّوا لَهُ بِالْإِحْسَانِ)).

فِي رِسَالَةِ ((الْقِبْلَةِ)) :

كَانَ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ امْتِحَانًا امْتَحَنَ اللهُ بِهِ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْمُنَافِقِينَ، وَأَهْلَ الْكِتَابِ، وَالْمُشْرِكِينَ.

وَكَثُرَ لَغَطُ السُّفَهَاءِ مِنَ النَّاسِ، وَخَاضُوا فِي لَغْوٍ كَثِيرٍ؛ مِصْدَاقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [سورة البقرة: 142].

وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ الْقِبْلَةُ؛ بِدَلِيلِ حَرْفِ الِاسْتِقْبَالِ الَّذِي صُدِّرَتْ بِهِ الْآيَةُ ﴿سَيَقُولُ؛ لِيُثَبِّتَ بِهَا أَقْدَامَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَيُهَيِّئَهُمْ لِاسْتِقْبَالِ هَذَا الْإِرْجَافِ بِالصَّبْرِ وَالِاحْتِمَالِ، وَيَلَقِّنَهُمُ الْجَوَابَ الَّذِي يَدْفَعُونَ بِهِ فِي صُدُورِ هَؤُلَاءِ الْمَارِقِينَ.

 

المصدر:تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ.. دُرُوسٌ وَعِبَرٌ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مَعَالِمُ عَمَلِيَّةٌ لِلنِّظَامِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ
  مَاذَا يَصْنَعُ الْمُسْلِمُونَ لَوْ هُدِمَ الْأَقْصَى؟!!
  النَّفْسُ مَعَ صَاحِبِهَا كَالشَّرِيكِ فِي الْمَالِ!!
  تَزْكِيَةُ النَّفْسِ سَبِيلُ الْفَلَاحِ وَالنَّجَاحِ
  الْمُؤَامَرَةُ عَلَى مِيَاهِ الْمِصْرِيِّينَ!!
  تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ
  الْحِكْمَةُ مِنَ الِابْتِلَاءِ
  دِينُ الِاسْتِقَامَةِ وَالتَّوَازُنِ
  مُرَاعَاةُ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- لِلْمَصْلَحَةِ الْعُلْيَا لِلْأُمَّةِ
  مِنْ مُوجِبَاتِ الْعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ: قِرَاءَةُ وَتَدَبُّرُ الْقُرْآنِ وَالْعَمَلُ بِهِ
  فَضْلُ تَعْلِيمِ الْعِلْمِ
  فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَنْ يَتَعَلَّمَ كَيْفَ يَحُجُّ
  بَيَانُ جُمْلَةٍ مِنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  نَبْذُ وَهَدْمُ الْإِسْلَامِ لِلْعُنْصُرِيَّةِ وَالْعَصَبِيَّةِ
  سُنَّةُ التَّكْبِيرِ مُنْفَرِدًا فِي الطَّرِيقِ وَالْمُصَلَّى بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ
  • شارك