سُبُلُ صَلَاحِ الْقَلْبِ وَثَمَرَتُهُ


 ((سُبُلُ صَلَاحِ الْقَلْبِ وَثَمَرَتُهُ))

كَيْفَ يَصْلُحُ الْقَلْبُ؟

يَصْلُحُ الْقَلْبُ بِالْخُلُوصِ مِنَ الشِّرْكِ، وَالْبِدْعَةِ، وَالْحِقْدِ، وَمَذْمُومِ الْخِصَالِ.. هَذَا صَلَاحُ الْقَلْبِ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ رَتَّبَ الْجَزَاءَ عَلَى الشَّرْطِ: «إِذَا صَلَحَتْ؛ صَلَحَ»، «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً»: قِطْعَةٌ مِنَ اللَّحْمِ بِمِقْدَارِ مَا يُمْضَغُ -صَغِيرَةٌ هِيَ-، «إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».

هُنَا جَزَاءٌ قَدْ رُتِّبَ عَلَى شَرْطِهِ؛ فَلَا صَلَاحَ إِلَّا بِصَلَاحٍ، لَا صَلَاحَ لِلْجَسَدِ لَا صَلَاحَ لِلْحَيَاةِ إِلَّا بِصَلَاحِ الْقَلْبِ -كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ-، وَإِذَا فَسَدَ الْقَلْبُ فَسَدَ الْجَسَدُ وَفَسَدَتِ الْحَيَاةُ.

كَيْفَ صَلَاحُ الْقَلْبِ -إِذَنْ-؟

بِخُلُوصِهِ مِنَ الشِّرْكِ، وَخُلُوصِهِ مِنَ الْبِدْعَةِ، وَخُلُوصِهِ مِنَ الْحِقْدِ وَمَذْمُومِ الْخِصَالِ.

النَّبِيُّ ﷺ رَتَّبَ الْغُفْرَانَ عَلَى هَذِهِ الْخِصَالِ فِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ -وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ- أَنَّهُ: «إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ اطَّلَعَ اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ إِلَى خَلْقِهِ، فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ».

وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَرْوِيِّ عَنْ جُمْلَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «يَطَّلِعُ اللَّـهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَى خِلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».

فَهَذِهِ هِيَ الْخِصَالُ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَبْرَأَ مِنْهَا الْقَلْبُ؛ لِيَتَحَصَّلَ عَلَى الْغُفْرَانِ، قَبْلَ دُنُوِّ النِّهَايَةِ الَّتِي لَا تُعْلَمُ، الَّتِي تَقُولُ الشَّوَاهِدُ إِنَّهَا دَانِيَةٌ -وَإِنْ غَفَلَ عَنْ دُنُوِّهَا الْغَافِلُونَ-، الَّتِي تَقُولُ الظَّوَاهِرُ إِنَّهَا قَرِيبَةٌ -وَإِنِ اسْتَبْعَدَتْهَا الظُّنُونُ وَاسْتَبْعَدَتْهَا الْأَوْهَامُ-.

قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ النِّهَايَةُ، مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَحَصَّلَ عَلَى الْغُفْرَانِ فَدُونَهُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّـهِ ﷺ.

إِنَّ اللَّـهَ -جَلَّ وَعَلَا- لَا يَغْفِرُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ، لَا يَغْفِرُ إِلَّا لِلْمُوَحِّدِينَ، لَا يَغْفِرُ إِلَّا لِأَصْحَابِ طَهَارَةِ الْقَلْبِ، وَنَقَاءِ الرُّوحِ، وَصَفَاءِ النُّفُوسِ.

أَمَّا الَّذِينَ يَتَلَوَّثُونَ بِالْأَحْقَادِ وَالْأَحْسَادِ.. أَمَّا الَّذِينَ تَجْرِي فِي عُرُوقِهِمْ تِلْكَ الْأُمُورُ مِنْ مَذْمُومِ الْخِصَالِ؛ فَهُمْ عَنِ الْغُفْرَانِ بِمَبْعَدَةٍ!!

يَقُولُ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ: «فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ...»، «فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ...»؛ فَالْمُشْرِكُ لَا يُغْفَرُ لَهُ، الْمُؤْمِنُ يُغْفَرُ لَهُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ.

«فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ»، «فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».

مَذْمُومُ الْخِصَالِ، وَرَدِيءُ الصِّفَاتِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الْكَلْبِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِ السَّبُعِيَّةِ الَّتِي تَتَوَثَّبُ فِي النُّفُوسِ الْبَشَرِيَّةِ، وَالَّتِي لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ لَأَبْصَرَتْ بَصَائِرُ الْبَصَائِرِ عَنْ أَمْرٍ عَجِيبٍ؛ فَمَا بَيْنَ كَلْبٍ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ يُكَشِّرُ عَنْ أَنْيَابِهِ، وَمَا بَيْنَ سَبُعٍ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ قَدْ تَوَثَّبَ لِلِانْقِضَاضِ عَلَى فَرِيسَةٍ يَهْتَبِلُ الْفُرْصَةَ لِلِانْقِضَاضِ عَلَيْهَا، بِأَخْلَاقٍ كَلْبِيَّةٍ، وَأَخْلَاقٍ سَبُعِيَّةٍ، وَأَخْلَاقٍ خِنْزِيرِيَّةٍ.

وَأَمَّا الْأَخْلَاقُ النَّبَوِيَّةُ فَلَا تَكُونُ إِلَّا لِلْأَفْذَاذِ مِنَ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ -اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْهُمْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ-.

«فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ»؛ فَلَا بُدَّ لِمَنْ أَرَادَ الْغُفْرَانَ أَنْ يَتَخَلَّى عَنِ الشِّرْكِ، وَأَنْ يَحْذَرَهُ، وَأَنْ يُجَانِبَهُ، وَأَنْ يُحَادَّهُ، وَأَنْ يُشَاقَّهُ -ظَاهِرًا وَبَاطِنًا-.

«أَوْ مُشَاحِنٍ»؛ لِأَنَّ اللَّـهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَا يُحِبُّ الشَّحْنَاءَ، إِنَّ اللَّـهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِيمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ عَمَّا يُحِبُّهُ مِنْ خِصَالِ بَنِي آدَمَ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّ اللَّـهَ -جَلَّ وَعَلَا- يُحِبُّ مَعَالِيَ الْخِصَالِ -يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ- وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا».

تَدْرِي مَا سَفْسَافُهَا؟

قَدْ تَنْزَلِقُ فِي ذَلِكَ قَدَمُكَ، بِتِلْكَ الشَّبَكَةِ الْمَلْعُونَةِ، مِنْ تِلْكَ الشَّبَكَةِ الَّتِي تُنْصَبُ لَكَ لِتَدْخُلَ فِي فِخَاخِهَا، هِيَ شَبَكَةٌ كَشَبَكَةِ الْعَنْكَبُوتِ، تَأْتِي الذُّبَابَةُ مُؤَمِّلَةً، فَإِذَا مَا وَقَعَتْ لَا تَسْتَطِيعُ فَكَاكًا.

نَعَمْ! قَدْ تَنْزَلِقُ الْقَدَمُ، فَمَا يَزَالُ يَجُرُّكَ خُلُقٌ ذَمِيمٌ؛ لِيُوَرِطَّكَ فِي خُلِقٍ ذَمِيمٍ، لِيُقِيمَكَ عَلَى خُلُقٍ ذَمِيمٍ، لِيَنْحَدِرَ بِكَ إِلَى خُلُقٍ ذَمِيمٍ، وَلَا تَسْتَطِيعُ مِنْ ذَلِكَ فَكَاكًا، وَلَا عَنْهُ انْصِرَافًا، وَلَا مِنْهُ خَلَاصًا.

وَيَزَالُ الْمَرْءُ فِي تِلْكَ الدَّوَّامَةِ الْمَلْعُونَةِ مِنْ حَطِيطِ وَسَافِلِ الْخِصَالِ، لَا يَسْتَطِيعُ وَإِنَّهُ لَيُؤَمِّلُ، لَا يَسْتَطِيعُ وَإِنَّهُ لَيَرْجُو، لَا يَسْتَطِيعُ وَإِنَّهُ لَيُحَاوِلُ؛ لِأَنَّهُ فَقَدَ الطَّرِيقَ، وَمَنْ فَقَدَ الطَّرِيقَ وَأَضَلَّهُ الطَّرِيقُ فَلَيْسَ عَلَى طَرِيقٍ؛ وَإِنَّمَا هُوَ حَائِرٌ تَائِهٌ فِي الْمَتَاهَةِ لَا يُفِيقُ، وَإِنَّمَا عَلَى الْآخِرَةِ يُفِيقُ.

وَيْحَ ابْنَ آدَمَ؛ مَا أَغْفَلَهُ!

وَيْحَ ابْنَ آدَمَ! وَإِنَّهُ لَعَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ يَتَلَدَّدُ؛ لِأَنَّهُ يَهْتَبِلُ الْفُرْصَةَ لِاقْتِنَاصِ لَذَّةٍ، وَالتَّوَثُّبِ لِلْحُصُولِ عَلَى شَهْوَةٍ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَى مَنْطِقِ الذُّبَابِ, الْمِسْكِينُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَلَى مَنْطِقِ الذُّبَابِ؛ يَقِفُ عَلَى حَافَةِ الْإِنَاءِ فِيهِ الْعَسَلُ يَقُولُ: مَنْ يُوَصِّلُنِي إِلَيْهِ وَلَهُ دِرْهَمَانِ؟!!

فَإِذَا وَقَعَ فِيهِ قَالَ: مَنْ يُخْرِجُنِي مِنْهُ وَلَهُ أَرْبَعَةٌ؟!!

فَيَا أَصْحَابَ الْمَنْطِقِ الذُّبَابِيِّ! حَنَانَيْكُمْ!! دُونَكُمُ الطَّرِيقَ، دَلَّكُمْ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ بِكُمْ شَفِيقٌ، وَبِكُمْ رَحِيمٌ رَفِيقٌ ﷺ: «إِنَّ اللَّـهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا».

السَّفْسَافُ كَالْعَسَلِ فِي ظَاهِرِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِيهِ فَهُوَ كَالذُّبَابِ فِي ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُ وَلَا أَنْ يَنْفَكَّ عَنْهُ.

فَحَذَارِ، فَحَذَارِ.. فَحَذَارِ أَنْ تَتَوَرَّطَ فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْعُمُرَ قَصِيرٌ!!

كُنْ عَلَى عَقِيدَةٍ صَحِيحَةٍ، كَمَا قَالَ الرَّسُولُ: «فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ»، «وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَى يَدَعُوهُ»؛ فَعَلَيْكَ أَنْ تَتَخَلَّصَ فِي عُبُودِيَّةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ: مِنَ الشِّرْكِ، وَمِنَ الْبِدْعَةِ، وَمِنَ الْحِقْدِ خَاصَّةً -فَإِنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ-: «وَيَدَعُ -يَتْرُكُ- أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ».

الْحِقْدُ مَا هُوَ؟

الْإِنْسَانُ إِذَا مَا اسْتُغْضِبَ فَلَمْ يَغْضَبْ فَهُوَ حِمَارٌ -كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ-، وَلَكِنْ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ فَيَجْعَلُ غَضَبَهُ عَلَى مِقْيَاسِ الشَّرْعِ نَافِذًا، وَيَجْعَلُ أَثَرَهُ بِمِقْيَاسِ الشَّرْعِ فَاعِلًا، الَّذِي يَكُونُ كَذَلِكَ هُوَ الرَّجُلُ حَقًّا.

«لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ...» يَعْنِي: الَّذِي يَصْرَعُ النَّاسَ وَلَا يَصْرَعُونَهُ؛ «وَإِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ»، فَهَذَا هُوَ الشَّدِيدُ حَقًّا.

فَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَا يَتَمَاسَكُ، مُتَهَالِكَ الْبُنْيَانِ، تَنْخَرُ فِي جَسَدِهِ الْأَمْرَاضُ، نَعَمْ! تَأْكُلُ حِينًا كَبِدَهُ حَتَّى لَا تَدَعَ فِيهِ خَلِيَّةً فَاعِلَةً لَا يَسْتَقِيمُ بِعَمَلِهَا حَيَاةٌ، وَيَعْدُو أَحْيَانًا عَلَى قَلْبِهِ فَيَأكُلُهُ أَكْلًا حَتَّى لَا يَدَعَ فِيهِ شَيْئًا.

النَّاسُ لَا تَحْيَا بِالْأَجْسَادِ؛ تَحْيَا بِالْقُلُوبِ.. بِالْأَرْوَاحِ.

إِنَّمَا هِيَ الْأَرْوَاحُ وَحَيَاةُ الْقُلُوبِ، بِرَصِيدٍ يَحْيَا بِهِ الْمَرْءُ، يَبْذُلُ بِهِ الْمَرْءُ، بِكَلِمَةٍ صَالِحَةٍ، وَعَمَلٍ مُطْمَئِنٍّ عَلَى قَرَارٍ، بِعَقِيدَةٍ ثَابِتَةٍ، فَإِذَا جَاءَ الْمَوْتُ جَاءَتِ الشَّهَادَةُ -إِنْ شَاءَ اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ-، وَالْأَمْرُ بَعْدُ بِيَدِ اللـَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمُنْتَهى، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ.

فَاللَّهُمَّ مُنَّ بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ، مُنَّ بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ، مُنَّ بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ؛ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

يَكْرَهُ السَّفَاسِفَ، وَهَذَا الْحِقْدُ مَا هُوَ؟

الْغَضَبُ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْمَرْءُ لَهُ إِنْفَاذًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُخْرِجًا؛ كُظِمَ -لَا دِينًا؛ وَإِنَّمَا عَجْزًا-؛ يَصِيرُ حِقْدًا، يَسْتَثْقِلُ بِهِ الْمَرْءُ الْمَحْقُودَ عَلَيْهِ -يَسْتَثْقِلُهُ-، يَكْرَهُ النِّعْمَةَ الْوَاصِلَةَ إِلَيْهِ، يَتَمَنَّى لَهُ الْهَلَاكَ، وَيَكْرَهُ لَهُ الْخَيْرَ، يَحْقِدُ عَلَيْهِ، كَالْجَمَلِ إِذَا أَنْفَذَ غَضَبَهُ مِنْ بَعْدِ كَظْمِهِ -وَكَانَ قَبْلُ كَظِيمًا-، فَإِذَا أُطْلِقَ -فَإِذَا أُطْلِقَ- فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُنْفِذُ غَضَبَهُ حِقْدًا مَسْمُومًا.

يُقَالُ فِي الْمَثَلِ: ((فُلَانٌ أَحْقَدُ مِنْ جَمَلٍ))؛ فَيُنْفِذُ حِقْدَهُ بِغَيْرِ وَعْيٍ، حِقْدٌ مَجْنُونٌ.

يَقُولُ الْمَأْمُونُ ﷺ: «وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ»، نَعَمْ! لَيْسُوا أَهْلًا لِلْمَغْفِرَةِ، لَيْسُوا أَهْلًا لِلِاطِّلَاعِ عَلَيْهِمْ؛ «يَطَّلِعُ اللَّـهُ إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».

وَفِي الْحَدِيثِ -حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ-: «إِنَّ اللَّـهَ -عَزَّ وَجَلَّ- إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ اطَّلَعِ إِلَى خَلْقِهِ، فَيْغَفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ».

يَطَّلِعُ وَيَتْرُكُ، يَتْرُكُ أَهْلَ الْحِقْدِ، مَحَلٌّ نَجِسٌ بِقَلْبٍ نَجِسٍ حَوَى زِبَالَةَ الصِّفَاتِ، وَقُمَامَةَ الْعَادَاتِ, وَأَتَى بِأَحَطِّ دَرَكَاتِ الْأَخْلَاقِ وَالْخِصَالِ وَالشِّيَاتِ.

«فَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ».

أَيَّتُهَا الْقُلُوبُ الشَّارِدَةُ وَالْأَرْوَاحُ النَّافِرَةُ! إِلَى أَيْنَ.. إِلَى أَيْنَ؟!!

إِنَّ الصَّفْحَ وَالتَّسَامُحَ، وَالصَّبْرَ وَالْوَفَاءَ وَالْبَذْلَ -كُلُّ أُولَئِكَ- خِصَالٌ مَحْمُودَةٌ وَشِيَاتٌ مَرْمُوقَةٌ، كُلُّ أُولَئِكَ غَايَاتٌ تَتَقَطَّعُ دُونَ بُلُوغِهَا الْأَعْنَاقُ.

قَدْ يَعْلَمُ الْمَرْءُ فِي نَفْسِهِ خَلَلًا بِاخْتِلَالِ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْخَيْرِ فِيهِ، نَعَمْ! بِاخْتِلَالِ صِفَةٍ يَضَعُ الْيَدَ عَلَيْهَا عِنْدَ تَفْتِيشِهِ فِي أَطْوَاءِ قَلْبِهِ وَمَطَاوِيهِ، فيَضَعُ الْيَدَ عَلَيْهَا هُنَا، هُنَا خَلَلٌ يَحْتَاجُ إِصْلَاحًا، وَلَا يُصْلِحُ الْقُلُوبَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَهَا.

هُنَا, هَذَا الْخَلَلُ قَدْ يَلْتَهِمُ الْحَيَاةَ وَلَا يُصْلَحُ، قَدْ يُمْضِي الْمَرْءُ عُمْرَهُ فِي إِصْلَاحِ خَلَلٍ وَاحِدٍ فِي مَنْظُومَةِ الْأَخْلَاقِ.

 

المصدر:مَا صَحَّ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
  تَمْكِينُ اللهِ لِلْأَنْبِيَاءِ بِتَحْقِيقِهِمُ التَّوْحِيدَ
  الْمُعَامَلَةُ بِالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، وَالْعَدْلِ مَعَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَالِمِينَ
  الصِّدْقُ مِنْ صِفَاتِ اللهِ، وَمِنْ صِفَاتِ الْمُرْسَلِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ
  مِنْ مَعَالِمِ الْبِرِّ بِالْأَوْطَانِ: الْعَمَلُ عَلَى رِفْعَتِهَا وَإِعْمَارِهَا وَتَقَدُّمِهَا
  الْأَطْفَالُ هِبَةٌ مِنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَقُرَّةُ عَيْنٍ لِلْأَبَوَيْنِ
  مِصْرُ أُمَّةٌ لَهَا تَارِيخٌ فِي الدِّفَاعِ عَنِ الْإِسْلَامِ
  بَرَاءَةُ الْإِسْلَامِ مِنْ جَرَائِمِ الْجَمَاعَاتِ الْمُتَطَرِّفَةِ
  حُرْمَةُ قَتْلِ السَّائِحِينَ وَالْأَجَانِبِ الْمُسْتَأْمَنِينَ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ
  الصِّفَاتُ الْوَاجِبُ تَوْفُّرِهَا فِي الشَّبَابِ لِبِنَاءِ الْأُمَّةِ
  رَحْمَةُ الْإِسْلْامِ فِي فُتُوحَاتِهِ وَنَبْذُهُ لِلْعُنْفِ وَالْعُنْصُرِيَّةِ
  عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ
  مِنْ دُرُوسِ الْهِجْرَةِ: الْأَخْذُ بِالْأَسْبَابِ مَعَ الْيَقِينِ فِي تَوْفِيقِ اللهِ
  مِنْ دُرُوسِ وَفَوَائِدِ قِصَّةِ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: الِامْتِثَالُ وَالِاسْتِسْلَامُ لِأَمْرِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-
  التَّحْذِيرُ مِنْ خُطَّةِ رَدِّ الِاعْتِدَاءِ الْقُطْبِيَّةِ الْإِخْوَانِيَّةِ
  • شارك