وُجُوبُ شُكْرِ نِعْمَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ


((وُجُوبُ شُكْرِ نِعْمَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ))

اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِنِعَمٍ كَثِيرَةٍ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى، وَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُحْصَى وَلَا تُسْتَقْصَى.

فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْنَا، وَلَا يَكُونُ الشُّكْرُ مِنَّا وَاقِعًا إِلَّا إِذَا أَتَيْنَا بِأَرْكَانِهِ، وَحِينَئِذٍ نَكُونُ للهِ عَلَى نِعَمِهِ -وَإِنْ قَصَّرْنَا- شَاكِرِينَ، وَذَلِكَ:

*بِأَنْ نَعْتَرِفَ بِنِعَمِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَيْنَا بَاطِنًا.

*وَنُقِرَّ بِاللِّسَانِ بِهَا ظَاهِرًا.

*وَأَنْ نُصَرِّفَ تِلْكَ النِّعَمَ فِي مَرْضَاةِ الَّذِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا وَأَسْدَاهَا إِلَيْنَا.

فإنْ فَعَلْنَا ذلك؛ كُنَّا شاكرِينَ وإنْ كُنَّا مُقَصِّرِين.

وَكَثِيرٌ مِنْ نِعَمِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ تَمُرُّ عَلَيْنَا مَرًّا، وَقَدْ نَجْحَدُهَا جَحْدًا، وَلَا نُقِرُّ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِهَا لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا.

عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَعْرِفَ نِعَمَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ نِعَمَ اللهِ الَّتِي تَتَوَاتَرُ مُتَنَزِّلَةً عَلَيْهِ، لَا يُمْكِنُ بِحَالٍ أَنْ تُحْصَى، وَإِنَّمَا هِيَ فِي كَثْرَتِهَا فَوْقَ أَنْ تُسْتَقْصَى، فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ يَقِينًا، وَأَنْ يُقِرَّ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِذَلِكَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، أَنْ يَعْلَمَ بَاطِنًا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْهِ، وَمَا أَسْدَاهُ اللهُ إِلَيْهِ، وَأَنْ يَلْهَجَ بِالثَّنَاءِ عَلَى رَبِّهِ الَّذِي أَنْعَمَ إِلَيْهِ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ نِعَمِهِ الْكَثِيرَةِ بِلِسَانِهِ ظَاهِرًا، وَأَنْ يُصَرِّفَ تِلْكَ النِّعَمَ فِي مَرْضَاةِ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

*النِّعْمَةُ صَيْدٌ، وَالشُّكْرُ قَيْدٌ:

عِبَادَ اللهِ! لَقَدْ جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَاعِدَةً مِنَ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ فِي دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ دَلَّنَا عَلَيْهَا فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ؛ لِيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَلِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَلِيَكُونَ الْأَمْرُ وَاضِحًا بِحَيْثُ لَا يَشْتَبِهُ عَلَى أَحَدٍ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].

{تَأَذَّنَ} كَأَذِنَ، أيْ: أَعْلَمَ ووَعَدَ، {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ}: أَعْلَمَكُمْ ربُّكُمْ وَوَعَدَكُمْ: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ} بِنِعَمِي الَّتِي أُوصِلُهَا إِلَيْكُمْ {إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}، إِنْ كَفَرْتُمْ بِنِعْمَتِي عَلَيْكُمْ، فَجَحَدْتُمُوهَا وَلَمْ تُؤَدُّوا شُكْرَهَا؛ فَإِنَّهَا عَنْكُمْ تَزُولُ، وَيَقَعُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَذَابِ مَا هَذَا وَصْفُهُ {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.

وَتَأَمَّلْ فِي هَذَا التَّهْدِيدِ الشَّدِيدِ وَالْوَعِيدِ الْأَكِيدِ فِي قَوْلِ رَبِّكَ: {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}، فَأَتَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِاللَّامِ، وَأَتَى بِالْقَسَم -جَلَّ وَعَلَا-، ثُمَّ إِنَّهُ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمُقَابِلِ {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}، فَيَأْتِي بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ مُؤَكَّدَةً بِهَذَا الْمُؤَكِّدِ الظَّاهِرِ {إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.

وَلَكَ أَنْ تَتَصَوَّرَ كَيْفَ يَكُونُ عَذَابُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هُوَ مَالِكُ الْقُوَى، يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ بِمَا يُرِيدُ، فَهَذَا التَّهْدِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ زَاجِرًا.

{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، فَإِذَا أَرَادَ الْعَبْدُ الزِّيَادَةَ مِنْ نِعَمِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ للهِ شَاكِرًا، وَالشُّكْرُ عَلَى حَسَبِ الْأَرْكَانِ الَّتِي لَا يَكُونُ الشُّكْرُ شُكْرًا إِلَّا بِاسْتِيفَائِهَا.

المصدر:التَّرْشِيدُ فِي حَيَاتِنَا مَوْضُوعَا الْمِيَاهِ، وَالْإِنْفَاقِ فِي رَمَضَانَ أُنْمُوذَجًا

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  آدَابُ النَّظَافَةِ
  الْوَعْيُ بِالتَّحَدِّيَّاتِ الِاقْتِصَادِيَّةِ وَسُبُلِ مُوَاجَهَتِهَا
  مِنْ مَنَافِعِ الْحَجِّ وَثَمَرَاتِهِ
  حُكْمُ الْعَوْدَةِ فِي الْهِبَةِ أَوِ التَّعْيِيرِ بِهَا
  مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى: هَجْرُ أَكْلِ الْحَرَامِ
  اثْبُتُوا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- أَمَامَ هَذِهِ الْفِتَنِ
  مَخَاطِرُ الِانْحِلَالِ الْأَخْلَاقِيِّ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  رَمَضَانُ شَهْرُ الْمَغْفِرَةِ وَوَحْدَةِ الْمُسْلِمِينَ
  اسْتِخْلَافُ اللهِ الْإِنْسَانَ فِي الْأَرْضِ
  ضَرُورَةُ مُرَاقَبَةِ السِّرِّ وَرِعَايَةِ الضَّمِيرِ
  مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ: اسْتِقَامَةُ الْعَقِيدَةِ
  أَنْوَاعُ الْوَفَاءِ
  وِقَايَةُ الْأَوْلَادِ مِنَ النَّارِ بِتَعْلِيمِهِمُ الِاعْتِقَادَ الصَّحِيحَ
  الدرس السادس : «الأَمَانَةُ»
  الْفَرَحُ الشَّرْعِيُّ فِي عِيدِ الْمُسْلِمِينَ
  • شارك