نِعْمَةُ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ


مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ عَلَى الْعَبْدِ نِعْمَةُ الصِّحَّةِ، فَفِى نُصُوصِ الْكِتَابِ الْعَظِيمِ مَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الصِّحَّةِ وَفَضْلِ الْعَافِيَةِ، وَجَلَالِ ذَلِكَ؛ لِجَمِيلِ أَثَرِهِ، وَلِعَظِيمِ قَدْرِهِ فِى دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عِنْدَ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمُسْلِمِ.

 

لَمَّا جَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ طَالُوتَ مَلِكًا مَبْعُوثًا عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ فِى زَمَانِ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- قَالَ الْقَوْمُ: إِنَّهُ لَمْ يَتَمَيَّزْ عَلَيْنَا بِكَثِيرِ مَالٍ، ولا بِشَيْءٍ، فَقَالَ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} «البَقَرَة: 247».

 

فجَعَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ الْمَيزَةَ مَحْفُوظَةً لَدَيْهِ بِأَنْ آتَاهُ بَسْطَةً فِى الْعِلْمِ، وَبَسْطَةً فِى الْجِسْمِ.

 

فَآتَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عِلْمًا، وَآتَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَيْدًا وَقُوَّةً، آتَاهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ صِحَّةً فِى تَمَامِ إِيمَانٍ؛ فَجَعَلَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- ذَلِكَ سَبَبًا لِتَفْضِيلِهِ عَلَيْهِمْ، وَتَقْدِيمِهِ عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اعْتَرَضُوا عَلَى تَقْدِيمِهِ عَلَيْهِمْ.

وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَخْبَرَنَا -أَيْضًا- أَنَّ بِنْتَ شُعَيْبٍ لَمَّا صَحِبَتْ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِلَى أَبِيهَا، قَالَتْ فِى حَيْثِيَّاتِ تَقْدِيمِهِ مُسْتَأْجَرًا عِنْدَ أَبِيهَا؛ لِكَيْ تَتَخَلَّصَ مِنَ عَنَاءِ الرَّعْيِ وَالسَّقْيِ؛ لِأَنَّ أَبَاهَا كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، فَلِذَا خَرَجَتْ وَأُخْتُهَا؛ مِنْ أَجْلِ الرَّعْيِ وَالسَّقْيِ، وَالْقِيَامِ عَلَى أُمُورِ الْحَيَاةِ بِطَلَبِ الْمَعَاشِ.

 

أَرَادَتْ أَنْ تَرْتَاحَ، فَوَجَدَتْ فِى مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بُغْيَتَهَا، فَمَا هِيَ الْحَيْثِيَّاتُ الَّتِى قَدَّمَتْهَا لِأَبِيهَا؟

 

قَالَتْ: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} «القصص: 26».

 

فَجَاءَتِ الْقُوَّةُ، وَجَاءَتِ الصِّحَّةُ -أَيْضًا- فِى هَذِهِ الْحَيْثِيَّاتِ الْمَذْكُورَةِ فِى هَذَا الْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ الْجَلِيلِ.

 

وَفِى فَضْلِ الْعَافِيَةِ فِى سُنَّةِ النَّبِيِّ، يَقُولُ رَسُولُ اللهِ: ((نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَةُ وَالْفَرَاغُ)).

عِنْدَمَا يُنْعِمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الْعَبْدِ بِنِعْمَةِ الصِّحَّةِ فَهُوَ لَا يَجْتَهِدُ فِى الْعِبَادَةِ، وَلَا فِى الطَّاعَةِ، وَلَا فِى أَدَاءِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ، وَإِنَّمَا تَتَبَدَّدُ صِحَّتُهُ فِيمَا لَا يُفِيدُ، فَإِذَا مَا سُلِبَتْ مِنْهُ نِعْمَةُ الصِّحَّةِ، وَأَرَادَ أَمْرًا؛ لَمْ يَقْوَ عَلَيْهِ.

 

وَكَذَلِكَ إِذَا أَنْعَمَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى الْإِنْسَانِ بِالْفَرَاغِ، وَلَمْ يَشْغَلْهُ بِشَيْءٍ مِنْ هُمُومِ الدُّنْيَا، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ مِنَ الْهُمُومِ وَمِنَ الْأَحْزَانِ، فَهَذِهِ الْفَتْرَةُ مِنَ الْفَرَاغِ نِعْمَةٌ يَظْلِمُ الْعَبْدُ فِيهَا نَفْسَهُ، حَتَّى إِنَّكَ تَسْمَعُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَقُولُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ: إِنَّ الْإِنْسَانَ مِنَ الْمَلَلِ لَا يَدْرِى كَيْفَ يُمَضِّى وَقْتَهُ، وَلَا كَيْفَ يُضَيِّعُ هَذَا الْوَقْتَ!!

 

وَكَثِيرًا مَا تَسْمَعُ مِنْ زَائِرٍ يَزُورُكَ أَنَّهُ إِنَّمَا زَارَكَ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُضَيِّعَ بَعْضَ الْوَقْتِ، فَهُوَ جَاءَ لِيُضَيِّعَ وَقْتَ نَفْسِهِ!!

 

فَهَذِهِ نِعْمَةٌ هُوَ لَا يُحِسُّ بِهَا، وَلَا يَدْرِيهَا.

 

وَالرَّسُولُ يُخْبِرُنَا أَنَّهُ يَنْبَغِى عَلَيْنَا أَلَّا نَظْلِمَ أَنْفُسَنَا فِى حَالِ صِحَّتِنَا وَلَا فِى حَالِ فَرَاغِنَا وَعَدَمِ شُغُلِنَا، بَلْ عَلَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنَ الصِّحَّةِ لِلْمَرَضِ، وَأَنْ نَأْخُذَ مِنَ الْفَرَاغِ لِلشُّغُلِ.

 

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مِنْ أَعْظَمِ حِكَمِ الْعِيدِ: اجْتِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ
  بِنَاءُ الْوَعْيِ لِمُوَاجَهَةِ الْإِشَاعَاتِ
  مَبْنَى الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ عَلَى التَّيْسِيرِ
  حِكْمَةُ اللهِ فِي اسْتِخْلَافِهِ الْإِنْسَانَ فِي الْأَرْضِ
  الدرس الرابع : «التَّسَامُحُ»
  التَّحْذِيرُ مِنْ إِشَاعَةِ الْفَوْضَى
  فَضْلُ كِبَارِ السِّنِّ -الْمُسْنِّينَ- الصَّالِحِينَ
  مَعْنَى الْجِهَادِ وَنَوْعَاهُ وَشُرُوطُهُ
  الْكَذِبُ جِمَاعُ كُلِّ شَرٍّ وَأَصْلُ كُلِّ ذَمٍّ
  مِنْ مَعَالِمِ الرَّحْمَةِ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: الْإِحْسَانُ وَالرَّحْمَةُ بِكُلِّ شَيْءٍ
  الْمُسْلِمُونَ جَسَدٌ وَاحِدٌ
  حِكَمُ تَشْرِيعِ الزَّكَاةِ
  طَاعَتُكَ مِنَّةٌ مِنَ اللهِ عَلَيْكَ
  الْأَدِلَّةُ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ، وَاعْتِقَادٌ، وَعَمَلٌ وَأَنَّهُ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ
  الْعَمَلُ وَالتَّخْطِيطُ لِلْمُسْتَقْبَلِ الدِّينِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ
  • شارك