لَا يُجزِئُ إِخرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ قِيمَةِ الطَّعَامِ


((لَا يُجزِئُ إِخرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ قِيمَةِ الطَّعَامِ))

 *وَلَا يُجزِئُ إِخرَاجُ قِيمَةِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَقَد ثَبَتَ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: «مَن عَمِلَ عَمَلًا لَيسَ عَلَيهِ أَمرُنَا فَهُوَ رَدٌّ». أخرَجَهُ مُسلِمٌ فِي «الصَّحِيحِ».

 وَرَدٌّ أَي: مَردُودٌ؛ لِأَنَّ إِخرَاجَ القِيمَة مُخَالِفٌ لِرَسُولِ اللهِ، وَمُخَالِفٌ لِأَصحَابِ رَسُولِ اللهِ؛ فَقَد كَانُوا يُخرِجُونَهَا صَاعًا مِن طَعَامٍ، وَقَد قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «عَلَيكُم بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهدِيِّينَ مِن بَعدِي».

 وَلِأَنَّ زَكَاةَ الفِطرِ عِبَادَةٌ مَفرُوضَةٌ مِنْ جِنسٍ مُعَيَّنٍ؛ فَلَا يُجزِئُ إِخرَاجُهَا مِنْ غَيرِ الجِنسِ المُعَيَّنِ، كمَا لَا يُجزِئُ إِخرَاجُهَا فِي غَيرِ الوَقتِ المُعَيَّنِ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَيَّنَهَا مِن أَجنَاسٍ مُختَلِفَةٍ، وَأَقيَامُهَا مُختَلِفَةٌ غَالِبًا؛ فَلَو كَانَت القِيمَةُ مُعتَبَرَةً لَكَانَ الوَاجِبُ صَاعًا مِنْ جِنسٍ وَمَا يُقَابِلُ قِيمَتُهُ مِنَ الأَجنَاسِ الأُخرَى.

وَلِأَنَّ إِخرَاجَ القِيمَة يُخرِجُ الفِطرَةَ عَن كَونِهَا شَعِيرَةً ظَاهِرَةً إِلَى كَونِهَا صَدَقَةً خَفِيَّةً؛ فَإِنَّ إِخرَاجُهَا صَاعًا مِن طَعَامٍ يَجعَلُهَا ظَاهِرَةً بَينَ المُسلِمِينَ، مَعلُومَةً لِلصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، يُشَاهِدُونَ كَيلَهَا وَتَوزِيعَهَا، وَيَتَبَادَلُونَهَا بِينَهُم، بِخِلَافِ مَا لَو كَانَت دَرَاهِمَ يُخرِجُهَا الإِنسَانُ خُفيَةً بَينَهُ وَبَينَ الآخِذ.

وَالأَحْنَافُ يَقُولُونَ -فِي زَكَاةِ الفِطْرِ- بِالقِيمَةِ، وَلَمْ يُخَالِف إِلَّا أَبُو حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-، وَهُوَ إِمَامٌ مُعْتَبَرٌ مُتَّبَعٌ لَا خِلَافَ عَلَى هَذَا-، وَلَيسَ مِنَ الحَطِّ مِنْ شَأْنِ أَيِّ إِمَامٍ مِنَ الأَئِمَّةِ إِذَا مَا خَالَفَ سُنَّةَ الرَّسُولِ ﷺ أَنْ يُقَالَ خَالَفَ، هَذَا لَا يَحُطُّ مِنْ قَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُمْ جَمِيعًا قَولُهُمْ: ((إِذَا صَحَّ الحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي))، فَالأَئِمَّةُ الأَرْبَعَةُ صَحَّ عَنْهُمْ هَذَا القَولُ العَظِيمُ، وَكَمَا قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: ((إِذَا جَاءَكَ القَولُ مِنْ قَولِي مُخَالِفًا لِمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ فَاضْرِبْ بِقَولِي عَرْضَ الحَائِطِ، وَلَا تَلتَفِتْ إِلَى قَولِي)). وَمَنْ يَكُونُ المَرْءُ حَتَّى يُخَالِفَ رَسُولَ اللهِ ﷺ؟!!

فَأَنْتَ إِذَا مَا خَالَفْتَ الإِمَامَ فِيمَا خَالَفَ فِيهِ، لِأَنَّ السُّنَّةَ لَمْ تَصِلُهُ، أَو لِأَنَّ الحَدِيثَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِمَّا يُعْمَلُ بِهِ، كَأَنْ يَكُونَ مُعَارَضًا بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فِي نَظَرِهِ، أَو أَنْ يَرَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، أَو لَا تَتَبَيَّنُ لَهُ الدَّلَالَةُ مِنْهُ، إِلَى غَيرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعْرِضُ لِلأَئِمَّةِ، لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ أَنْ يُخَالِفَ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ سُنَّةَ النَّبِيِّ الأَمِينِ ﷺ، وَلَكِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ- خَالَفَ فِي هَذَا الأَمْرِ، كَمَا خَالَفَ فِي مَسْأَلَةِ الوَلِّيِّ، وَلِذَلِكَ نَقولُ لِلذِّينَ يَقُولُونَ بِالقِيمَةِ قَولًا وَاحِدًا -وَيَقُولُونَ لَنَا إِمَامٌ مُعْتَبَرٌ، هُوَ مُعْتَبَرٌ وَهُوَ إِمَامٌ، وَلَكِنَّهُ خَالَفَ فِي هَذَا الأَمْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَثْبُتْ عَن النَّبِيِّ ﷺ وَلَا عَن الصَّحَابَةِ، وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى عَصْرِهِ.

وَالأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ أَلَيسُوا بِمُعْتَبَرِينَ؟! الإِمَامُ مَالِكٌ وَالإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَالإِمَامُ أَحْمَد كُلُّهُمْ عَلَى عَدَمِ إِجْزَاءِ القِيمَةِ قَولًا وَاحِدًا، فَالمَسْأَلَةُ لَيسَتْ انْتِقَاءً، يَعْنِي أَنْتَ تَنْتَقِي، لِأَنَّكَ إِذَا أَخَذْتَ بِرُخْصَةِ كُلِّ إِمَامٍ تَجَمَّعَ فِيكَ الشَّرُّ كُلُّهُ.

فَنَقُولُ لِلذِّينَ يَقُولُونَ إِنَّمَا هِيَ القِيمَةُ قَولًا وَاحِدًا -أَخْذًا بِقَولِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، نَقُولُ: وَقَدْ رَأَى أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ المَرْأَةَ تُزَوِّجُ نَفْسَهَا، فَهَل تَقْبَلُ أَنْ تُزَوِّجَ ابْنَتَكَ نَفْسَهَا، ثُمَّ تَأْتِي بِزَوجِهَا وَتَدْخُلُ بِهِ عَلَيكَ؟!!

هُوَ يَقُولُ إِنَّ هَذَا لَا شَيءَ فِيهِ، هَل تَقْبَلُ هَذَا لِابْنَتِكَ أَو لِأُخْتِكَ؟!!

نَحْنُ نَسْأَلُ لِمَاذَا تَقْبَلُ هَذَا وَلَا تَقْبَلُ هَذَا؟

فَإِذَا خَالَفَ الإِمَامُ فِي مَسْأَلَةٍ مِنَ المَسَائِلِ؛ نَعُودُ إِلَى مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَلَا يَنْقُصُ هَذَا مِنْ قَدْرِ الإِمَامِ فِي شَيءٍ؛ لِأَنَّنِي عِنْدَ مُخَالِفَتِهِ أَكُونُ مُتَّبِعًا لَهُ، كَيفَ أَكُونُ مُتَّبِعًا لَهُ عِنْدَ مُخَالَفَتِي إِيَّاهُ؟

لِقَولِهِ هُوَ، فَكُلُّهُمْ صَحَّ عَنْهُمْ: ((إِذَا صَحَّ الحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي))، فَإِذَنْ؛ أَنَا إِذَا أَخَذْتُ بِالحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَكُونُ مُتَّبِعًا لِلإِمَامِ عِنْدَ مُخَالَفَةِ الإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَمَرَنِي، قَالَ: ((إِذَا صَحَّ الحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي)).

* مِقدَارُ الفِطرَةِ -وَالفِطرَةُ هِيَ صَدَقَةُ الفِطرِ-:

صَاعٌ بِصَاعِ النَّبِيِّ ﷺ الذِي يَبلُغُ وَزنُهُ بِالمَثَاقِيلِ أَربَعَ مِئةٍ وَثَمَانِينَ مِثقَالًا مِنَ البُرِّ الجَيِّدِ، وَبِالجِرَامَاتِ يَبلُغُ كِيلُوَينِ اثنَين وَأَربَعِينَ جِرَامًا مِنَ البُرِّ الجَيِّدِ؛ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعرِفَ الصَّاعَ النَّبوِيَّ فَلَيَزِن كِيلُوَينِ وَأَربَعِينَ جِرَامًا مِنَ البُرِّ، وَيَضَعَهَا فِي إِنَاءٍ بِقَدرِهَا بِحَيثُ تَملَؤهُ ثُمَّ يَكِيلُ بِهِ.

يَكِيلُ بِهِ بَعدَ ذَلِكَ مَا يُخرِجُهُ مِنْ أُرزٍ، أَو مِنْ أَقِطٍ، أَو مِنْ دَقِيقٍ، أَو مَا أَشبَهَ مِنْ طَعَامِ بَنِي آدَم؛ المُهِم أَنَّهُ صَارَ عِندَهُ صَاعُ رَسُولِ اللهِ  ﷺ.

 * وَوَقتُ وُجوبِ الفِطرَةِ:

غُرُوبُ الشَّمسِ مِن لَيلَةِ العِيد؛ فَمَن كَانَ مِن أَهلِ الوُجُوبِ حِينَذَاك وَجَبَت عَلَيهِ، وَإِلَّا فَلَا.

وَعَلَى هَذَا فِإِذَا مَاتَ قَبْلَ الغُرُوبِ وَلَو بِدَقَائقَ؛ لَمْ تَجِب صَدَقَةُ الفِطر عَلَيهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعدَ الغُرُوبِ وَلَو بِدَقَائقَ؛ وَجَبَ إِخرَاجُ فِطرَتِه.

*وَلَو وُلِدَ شَخصٌ بَعدَ الغُرُوبِ وَلَو بِدَقَائقَ؛ لَمْ تَجِب فِطرَتُهُ، وَلَكِن يُسَنُّ إِخرَاجُهَا كَمَا فَعَلَ عُثمَانُ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - وَلَو وُلِدَ قَبلَ الغُرُوبِ وَلَو بِدَقَائقَ؛ وَجَبَ إِخرَاجُ الفِطرَةِ عَنهُ.

وَإِنَّمَا كَانَ وَقتُ وُجُوبِهَا غُرُوبَ الشَّمسِ مِن لَيلَةِ العِيدِ؛ لِأَنَّهُ الوَقتُ الذِي يَكُونُ بِهِ الفِطرُ مِنْ رَمَضَانَ، وَهِيَ مُضَافَةٌ إِلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ يُقَالُ: زَكَاةُ الفِطرِ مِنْ رَمَضَانَ؛ فَكَانَ مَنَاطُ الحُكمِ ذَلِكَ الوَقت.

* وَأَمَّا زَمَنُ دَفعِهَا: فَلَهُ وَقتَان، وَقتُ فَضِيلَةٍ، وَوَقتُ جَوَازٍ.

*أَمَّا وَقتُ الفَضِيلَة: فَهُوَ صُبحُ يَوم العِيدِ قَبلَ الصَّلَاة؛ لِمَا رُوِيَ عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-:  «كُنَّا نُخرِجُ يَومَ الفِطرِ فِي عَهدِ النَّبِيِّ ﷺ صَاعًا مِن طَعَامٍ».

وَفِيهِ أَيضًا مِن حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما-: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أمَرَ بِزَكَاةِ الفِطْرِ قَبلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ». رَوَاهُ مُسلِمٌ.

قَالَ ابنُ عُيَينَةَ فِي تَفسِيرِهِ:

عَن عَمرِو بنِ دِينَارٍ عَن عِكرِمَةَ قَالَ: يُقَدِّمُ الرَّجُلُ زَكَاتَهُ يَومَ الفِطرِ بَينَ يَدَي صَلَاتِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى15،14]، وَلِذَلِكَ كَانَ مِنَ الأَفضَلِ تَأخِيرُ صَلَاةِ العِيدِ يَومَ الفِطر؛ لِيَتَّسِعَ الوَقتُ لِإِخرَاجِ الفِطرَةِ؛ فَهَذَا وَقتُ الفَضِيلَة.

*وَأَمَّا وَقتُ الجَوَازِ: فَهُوَ قَبلَ العِيدِ بَيَومٍ أَو يَومَين.

 عِندَ البُخَارِيِّ فِي «الصَّحِيحِ» عَن نَافعٍ قَال: «كَانَ ابنُ عُمَرَ يُعطِي عَنِ الصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُعطِي عَن بَنِيَّ،  وَكَانَ يُعطِيهَا الَّذِينَ يَقبَلُونَهَا، وَكَانُوا يُعطُونَ قَبلَ الفِطرِ بِيَومٍ أَو بِيَومَين».

 وَلَا يَجُوزُ تَأخِيرُهَا عَن صَلَاةِ العِيد؛ فَإِنْ أَخَّرَهَا عَن صَلَاةِ العِيدِ بِلَا عُذرٍ لَمْ تُقبَل مِنهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ  -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: «مَن أَدَّاهَا قَبلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقبُولَةٌ، وَمَن أَدَّاهَا بَعدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ».

إِنْ أَخَّرَهَا لِعُذرٍ فَلَا بَأَس، كَأَنْ يُصَادِفَهُ العِيدُ لَيسَ عِندَهُ مَا يَدفَعُ مِنهُ، أَو لَيسَ عِندَهُ مَنْ يَدْفَعُ إِلَيهِ، أَو يَأتِي خَبَرُ ثُبُوتِ العِيدِ مُفَاجِئًا بِحَيثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِن إِخرَاجِهَا قَبلَ الصَّلَاةِ, أَو أَنْ يَكُونَ مُعتَمِدًا عَلَى شَخصٍ فِي إِخرَاجِهَا فَيَنْسَى أَنْ يُخْرِجَهَا؛ فَلَا بَأسَ أَنْ يُخرِجَهَا وَلَو بَعدَ العِيدِ؛ لِأَنَّهُ مَعذُورٌ فِي ذَلِكَ، وَالوَاجِبُ أَنْ تَصِلَ إِلَى مُستَحِقِّهَا أَو وَكِيلِهِ فِي وَقتِهَا قَبلَ الصَّلَاةِ.

وَقَتْ الجَوَازِ -كَمَا مَرَّ لِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الفِطْرِ- قَبْلَ العِيدِ بِيَومٍ أَو بِيَومَينِ.

الأَحْنَافُ يَرَوْنَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُخْرَجَ زَكَاةُ الفِطْرِ مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ، فَكَيفَ تَكُونُ طُعْمَةً لِلمَسَاكِينَ فِي يَومِ العِيدِ، وَكَيفَ تَكُونُ إِغْنَاءً؟!!

هَذَا مُصَادِمٌ لِلحِكْمَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا فُرِضَتْ، ثُمَّ إِنَّهَا تَكُونُ إِظْهَارًا لِنِعْمَةِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى العَبْدِ بِتَوفِيقِ الرَّبِّ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لَهُ بِأَدَاءِ فَرْضِ الصِّيَامِ وَسُنَّةِ القِيَامِ وَمَا تَيَسَّرَ مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَكُلُّ هَذَا يَنْتَفِي عِنْدَمَا نَقُولُ نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ مِنْ أَوَّلِ يَومٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَإِنَّمَا نَتَّبِعُ الوَارِدَ عَن الرَّسُولِ ﷺ وَعَنْ صَحَابَتِهِ.

* وَمَكَانُ دَفعِهَا:

تُدفَعُ إِلَى فُقَرَاءِ المَكَانِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَقتَ الإِخرَاجِ؛ سَوَاءٌ كَانَ مَحَلّ إِقَامَتِهِ أَو غَيرهِ مِنْ بِلَادِ المُسلِمِينَ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مَكَانًا فَاضِلًا كَمَكَّةَ وَالمَدِينَةَ، أَو كَانَ فُقَرَاؤُهُ أَشَدَّ حَاجَةً؛ فَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَيسَ فِيهِ مَنْ يَدفَعُ إِلَيهِ، أَو كَانَ لَا يَعرِفُ المُستَحِقِّينَ فِيهِ؛ وَكَّلَ مَنْ يَدفَعُهَا عَنهُ فِي مَكَانٍ فِيهِ مُستَحِق.

*وَالمُستَحِقُّونَ لِزَكَاةِ الفِطرِ:

هُم الفُقَرَاءُ -الفقراءُ المَسَاكِينُ كَمَا بَيَّنَهُم رَسُولُ اللهِ فَقَالَ: «طُعمَةً لِلمَسَاكِين»، فَلَا تُدفَعُ عَلَى حَسَبِ مَصَارِفِ زَكَاةِ المَالِ، وَإِنَّمَا لَهَا مَصرِفٌ وَاحِدٌ وَهُمْ المَسَاكِينُ وَالفُقَرَاءُ؛ فَيَدفَعُ زَكَاةَ الفِطرِ إِلَيهِم.                                                                      

مُجْتَمَعٌ مُتَكَافِلٌ، هَذَا هُوَ الْمُجْتَمَعُ الَّذِي أَرَادَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِإِنْشَاءِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَبِبَعْثَةِ رَسُولِ اللهِ، لَوْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَا وُجِدَ فِي الْأَرْضِ مُحْتَاجٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَتَكَافَلُوا وَتَنَاصَرُوا، وَتَآزَرُوا وَتَعَاطَفُوا، وَتَسَانَدُوا وَتَعَاضَدُوا، كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى، وَلَكِنَّ النُّفَوسَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْآفَاتِ وَالْأَمْرَاضِ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَنَا أَجْمَعِينَ.

هَذَا هُوَ مُلَخَّصُ- مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ الَّتِي فَرَضَهَا الرَّسُولُ ﷺ.

وَأَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْمُثْلَى أَنْ يُعَلِّمَنَا مَا يَنْفَعُنَا وَأَنْ يَنْفَعَنَا بِمَا عَلَّمَنَا وَأَنْ يَزِيدَنَا عِلْمًا.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

المصدر:فَضْلُ العَشْرِ الأَوَاخِرِ ولَيلَةِ القَدْرِ وَأَحْكَامُ زَكَاةِ الفِطْرِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مِنْ سِمَاتِ الشَّخْصِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ: حُبُّ الْخَيْرِ لِلنَّاسِ وَنَفْعُهُمْ
  الدرس الخامس : «الصِّدْقُ»
  الْكَذِبُ جِمَاعُ كُلِّ شَرٍّ وَأَصْلُ كُلِّ ذَمٍّ
  تَعْظِيمُ الْمَسَاجِدِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
  فَضَائِلُ وَثَمَرَاتُ الزَّكَاةِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ
  تَحْرِيمُ اللهِ عَلَى الْإِنْسَانِ كُلَّ الْخَبَائِثِ
  رَحْمَةُ الْإِسْلَامِ بِالْعَالَمِ بِشَهَادَةِ الْغَرْبِيِّينَ
  مَعَالِمُ عَمَلِيَّةٌ لِلنِّظَامِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ
  الْوَسَائِلُ الْمُعِينَةُ عَلَى الصَّبْرِ عِنْدَ الْبَلَاءِ
  نَصَائِحُ مُهِمَّةٌ لِطُلَّابِ الْعِلْمِ
  تَعْرِيفُ الْمُسْكِرِ لُغَةً وَشَرْعً
  مَعَانِي الْوَفَاءِ
  فِقْهُ الْمَقَاصِدِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ الْجَلِيلَاتِ
  وُجُوبُ الْتِزَامِ النِّظَامِ الْعَامِّ وَحُرْمَةُ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ
  أَدِلَّةُ تَحْرِيمِ الْمُسْكِرَاتِ وَالْمُخَدِّرَاتِ
  • شارك