ذِكْرُ اللهِ وَدُعَاؤُهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ


 ((ذِكْرُ اللهِ وَدُعَاؤُهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ))

((ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ -إِنْ شَاءَ اللهُ-)): هَذَا هُوَ الدُّعَاءُ الَّذِي يُقَالُ عِنْدَ إِفْطَارِ الصَّائِمِ.

هَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((صَحِيحِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ)).

وَلَفْظُهُ: عَنْ مَرْوَانَ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: ((ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ -إِنْ شَاءَ اللهُ-)).

وَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى تَمْرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَمْرَاتٌ؛ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ)) . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((الْإِرْوَاءِ)).

((ذَهَبَ الظَّمَأُ)): الظَّمَأُ: الْعَطَشُ النَّاتِجُ عَنِ الصِّيَامِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((الظَّمَأُ مَهْمُوزُ الْآخِرِ مَقْصُورٌ: هُوَ الْعَطَشُ)).

((ابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ)): بِالرِّيِّ بَعْدَمَا كَانَ فِيهَا مِنَ الْيُبُوسَةِ.

((وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ)): خَصَّ ذَهَابَ الظَّمَأِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ الْجُوعُ؛ لِأَنَّ الِالْتِذَاذَ بِالْمَاءِ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ -كَالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ- أَشَدُّ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يُفْطِرُونَ بِهِ، وَالْإِخْبَارُ بِذَلِكَ؛ شُكْرًا عَلَى النِّعْمَةِ بِإِنَالَةِ الْمُسْتَلَذِّ بَعْدَ الْمَنْعِ عَنْهُ شَرْعًا.

((وَثَبَتَ الْأَجْرُ)): أَيْ: حَصَلَ الثَّوَابُ الَّذِي يَرْجُوهُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ؛ فَضْلًا مِنْهُ وَنِعْمَةً، وَهُوَ اسْتِبْشَارٌ مِنْهُمْ بِأَنَّ مَنْ فَازَ بِبُغْيَتِهِ، وَنَالَ مَطْلُوبَهُ بَعْدَ التَّعَبِ وَالنَّصَبِ، وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَلِذَّ بِمَا أَدْرَكَهُ مَزِيدَ اسْتِلْذَاذٍ؛ ذَكَرَ تِلْكَ الْمَشَقَّةَ، وَمِنْ ثَمَّ حَمِدَ أَهْلُ السَّعَادَةِ فِي الْجَنَّةِ بَعْدَمَا أَفْلَحُوا.

قَوْلُهُ: ((إِنْ شَاءَ اللهُ)): لِأَنَّ قَبُولَ الصِّيَامِ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى، وَثُبُوتُ الْأَجْرِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى مَشِيئَةِ الرَّبِّ؛ لِهَذَا قَالَ: ((إِنْ شَاءَ اللهُ)).

أَوْ لِأَنَّهُ سَلَكَ طَرِيقَةَ التَّرَقِّي، وَفِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَثِقُ وَلَا يَقْطَعُ بِحُصُولِ الْأَجْرِ عَلَى فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ الْبِرِّ، يُحْتَمَلُ أَنَّ التَّقْيِيدَ لِلثُّبُوتِ، لَا لِنَفْسِ حُصُولِ الْأَجْرِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ، ثُمَّ يَعْقُبُهُ مَا يُبْطِلُهُ.

فَفِي الْحَدِيثِ: مَشْرُوعِيَّةُ قَوْلِ هَذَا الدُّعَاءِ عِنْدَ الْإِفْطَارِ؛ لِقَوْلِ الرَّاوِي: ((كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: ((ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ -إِنْ شَاءَ اللهُ-)).

وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ بَعْدَ التَّحَقُّقِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ ﷺ -كَمَا فِي ((صَحِيحِ مُسْلِمٍ))-: ((لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ)).

هَذَا بِخِلَافِ السُّحُورِ الَّذِي يُسْتَحَبُّ فِيهِ التَّأْخِيرُ إِلَى مَا قُبَيْلِ الْفَجْرِ؛ لِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلَاةِ، فَسَأَلَهُ أَنَسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا؟

قَالَ: خَمْسِينَ آيَةً)) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَلَا يُجْزَمُ لِأَحَدٍ بِقَبُولِ صِيَامِهِ، وَثُبُوتِ أَجْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا دُعَاءٌ عَامٌّ، وَهَذَا هُوَ مُعْتَقَدُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، بِخِلَافِ الْمُعْتَزِلَةِ؛ فَإِنَّهُمْ يُوجِبُونَ عَلَى اللهِ الثَّوَابَ لِلْعَبْدِ.

قَالَ ابْنُ عُثَيْمِينَ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((ذَهَابُ الظَّمَأِ بِالشُّرْبِ وَاضِحٌ، وَابْتِلَالُ الْعُرُوقِ بِذَلِكَ وَاضِحٌ، فَالْإِنْسَانُ إِذَا شَرِبَ وَهُوَ عَطْشَانُ؛ يُحِسُّ بِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ حِينَ وُصُولِهِ إِلَى الْمَعِدَةِ يَتَفَرَّقُ فِي الْبَدَنِ.

وَيُحِسُّ بِهِ إِحْسَاسًا ظَاهِرًا، فَيَقُولُ لِقَلْبِهِ: سُبْحَانَ اللهِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ الَّذِي فَرَّقَهُ بِهَذِهِ السُّرْعَةِ!!

وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ: أَنَّ هَذَا الذِّكْرَ فِيمَا إِذَا كَانَ الصَّائِمُ ظَمْآنَ، وَالْعُرُوقُ يَابِسَةً)).

وَأَمَّا حَدِيثُ: ((بِسْمِ اللهِ، اللهم لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ.. ))؛ فَفِي ثُبُوتِهِ نَظَرٌ.

رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي ((سُنَنِهِ))، وَفِي ((الْمَرَاسِيلِ)) لَهُ، وَضَعَّفَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((الْإِرْوَاءِ))، وَغَيْرِهِ.

فَالْأَوْلَى قَوْلُ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ: ((ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ -إِنْ شَاءَ اللهُ-)).

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ- : ((وَفِي فِطْرِ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ الصَّوْمِ عَلَيْهِ -يَعْنِي: عَلَى الرُّطَبِ-، أَوْ عَلَى التَّمْرِ، أَوِ الْمَاءِ تَدْبِيرٌ لَطِيفٌ جِدًّا؛ فَإِنَّ الصَّوْمَ يُخْلِي الْمَعِدَةَ مِنَ الْغِذَاءِ، فَلَا تَجِدُ الْكَبِدُ فِيهَا مَا تَجْذِبُهُ وَتُرْسِلُهُ إِلَى الْقُوَى وَالْأَعْضَاءِ، وَالْحُلْوُ أَسْرَعُ شَيْءٍ وُصُولًا إِلَى الْكَبِدِ، وَأَحَبُّهُ إِلَيْهَا، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ رُطَبًا، فَيَشْتَدُّ قَبُولُهُا لَهُ، فَتَنْتَفِعُ بِهِ هِيَ وَالْقُوَى.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؛ فَالتَّمْرُ؛ لِحَلَاوَتِهِ، وَتَغْذِيَتِهِ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ؛ فَحَسَوَاتُ الْمَاءِ تُطْفِئُ لَهِيبَ الْمَعِدَةِ، وَحَرَارَةَ الصَّوْمِ، فَتَتَنَبَّهُ بَعْدَهُ لِلطَّعَامِ، وَتَأْخُذُهُ بِشَهْوَةٍ».

«وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَحُضُّ عَلَى الْفِطْرِ بِالتَّمْرِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ، وَهَذَا مِنْ كَمَالِ شَفَقَتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ، وَنُصْحِهِ لَهُمْ؛ فَإِنَّ إِعْطَاءَ الطَّبِيعَةِ الشَّيْءَ الْحُلْوَ مَعَ خُلُوِّ الْمَعِدَةِ أَدْعَى إِلَى قَبُولِهِ، وَانْتِفَاعِ الْقُوَى بِهِ؛ خَاصَّةً الْقُوَّةُ الْبَاصِرَةُ.

أَمَّا الْمَاءُ؛ فَإِنَّهُ يُرَطِّبُ الْكَبِدَ بَعْدَ نَوْعٍ مِنَ الْيُبُوسِ؛ فَإِنَّ التَّمْرَ وَالْمَاءَ لَهُمَا تَأْثِيرٌ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا أَطِبَّاءُ الْقُلُوبِ)) .

وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ)) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي ((صَحِيحِهِ)).

وَقَالَ ﷺ: ((بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ كَالْبَيْتِ لَا طَعَامَ فِيهِ)) . أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَه فِي ((سُنَنِهِ))، وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي ((السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ)).

فَالَّذِي ثَبَتَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ: هُوَ مَا مَرَّ مِنَ الْحَدِيثِ، وَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي أَنْ يَدْعُوَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَأَنْ يَذْكُرَهُ بِمَا عَلَّمَهُ نَبِيُّهُ ﷺ، وَبِمَا ثَبَتَ عَنْهُ ﷺ.

 

المصدر:ذِكْرُ اللهِ فِي رَمَضَانَ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  النَّبِيُّ ﷺ الْأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ فِي الْعَفْوِ وَالصَّفْحِ
  الْأَثَرُ الْمُدَمِّرُ لِأَكْلِ الْحَرَامِ في الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  انْحِرَافِ الشَّبَابِ.. الْوَاقِعُ وَالْعِلَاجُ
  مُحَمَّدٌ ﷺ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَدِينُهُ دِينُ الرَّحْمَةِ
  الدرس الثالث: «الرَّحْمَةُ»
  مِنْ سُبُلِ الْحِفَاظِ عَلَى الْمِيثَاقِ الْغَلِيظِ: مَعْرِفَةُ حُقُوقِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَمُرَاعَاتُهَا
  بَدْأُ التَّأْرِيخِ الْهِجْرِيِّ
  المَصْلَحَةُ العُلْيَا لِلْأُمَّةِ
  الْوَعْيُ بِالتَّحَدِّيَّاتِ الِاقْتِصَادِيَّةِ وَسُبُلِ مُوَاجَهَتِهَا
  فَضْلُ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فِي الْقُرْآنِ
  بَعْضُ عِلَاجَاتِ ظَاهِرَةِ الْإِرْهَابِ
  تَزْكِيَةُ النَّفْسِ سَبِيلُ الْفَلَاحِ وَالنَّجَاحِ
  نِعْمَةُ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ
  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: رِعَايَتُهُ صِحِّيًّا
  إِسْهَامَاتُ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِي فِي خِدْمَةِ الْمُجْتَمَعِ
  • شارك