المَوْعِظَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ : ((الْقُرْآنُ سَبِيلُ الْعِزَّةِ وَالنَّصْرِ لِلْأُمَّةِ))


المَوْعِظَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ

((الْقُرْآنُ سَبِيلُ الْعِزَّةِ وَالنَّصْرِ لِلْأُمَّةِ))

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

((عُلُوُّ الْأُمَّةِ وَرِفْعَتُهَا عَلَى قَدْرِ اعْتِنَائِهَا بِالْقُرْآنِ))

فَإِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- جَعَلَ هَذِهِ الْأُمَّةَ مَرْبُوطَةً بِقَانُونٍ لَا تَخْرُجُ عَنْهُ وَلَا تَتَعَدَّاهُ بِحَالٍ أَبَدًا، قَانُونٌ كَوْنِيٌّ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ فَمِ النَّبِيِّ فَلَا مَنَاصَ مِنْ وُقُوعِهِ فِي دُنْيَا اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: عَلَى قَدْرِ اعْتِنَاءِ الْأُمَّةِ بِالْقُرْآنِ تَكُونُ رِفْعَتُهَا وَيَكُونُ عُلُوُّهَا, وَعَلَى قَدْرِ إِهْمَالِ الْأُمَّةِ لِلْقُرْآنِ يَكُونُ انْحِطَاطُهَا وَتَكُونُ ذِلَّتُهَا.

يَقُولُ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- -فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ-: سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ: ((إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ)).

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ أَعْظَمَ مَا تَصْنَعُونَهُ لِأَبْنَائِكُمْ لِهَذَا الْجِيلِ الَّذِي نَسْأَلُ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْ يَجْعَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ جِيلِنَا وَمِنَ الْأَجْيَالِ الَّتِي مَضَتْ فِي أَزْمِنَةِ الضَّعْفِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

هَذَا الْجِيلُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جِيلًا قُرْآنِيًّا يُوَحِّدُ مَصْدَرَ التَّلَقِّي مِنْ غَيْرِ التَّقَمُّمِ عَلَى قَاذُورَاتِ وَقِمَامَاتِ الْأُمَمِ الْبَالِيَةِ وَالْأُمَمِ الْحَاضِرَةِ, مِنْ أَخْذٍ بِتِلْكَ الْأَفْكَارِ الَّتِي قَدِ اعْوَجَّتْ, وَاعْوَجَّ مَنْ قَالَ بِهَا, وَاعْوَجَّتْ حَيَوَاتُهُمْ, وَصَارُوا إِلَى الدَّرْكِ الْهَابِطِ وَالْحَضِيضِ الْأَسْفَلِ.

جِيلٌ قُرْآنِيٌّ كَمَا يُرِيدُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ؛ فَإِنَّ جِيلَ التَّكْوِينِ -عِبَادَ اللهِ- الَّذِي يَحْمِلُ الْأَمَانَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جِيلًا مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ سُوءٍ مُطَهَّرًا مِنْ كُلِّ شَائِبَةٍ, وَلَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ عِنْدِي, وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلُ رَسُولِ اللهِ, وَقَوْلُ رَسُولِ اللهِ  .

فَأَعْظَمُ مَا آتَيْتُمْ أَبْنَاءَكُمْ -عِبَادَ اللهِ مِنْ أَتْبَاعِ مُحَمَّدٍ - كِتَابُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ سَبِيلُ نَصْرِ الْمُسْلِمِينَ الْأَوَائِلِ

  لَقَدْ أَرْسَلَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مُحَمَّدًا ﷺ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَبِالسُّنَّةِ الْمُشَرَّفَةِ, وَحَمَى الْخَلْقَ مِمَّنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ ﷺ أَنْ يَتَطَفَّلُوا عَلَى مَوَائِدِ النَّاسِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى مَائِدَةِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ, وَإِلَى سُنَّةِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ  ﷺ.

 فَكَانَ مَاذَا؟

لَا تَجِدُ فِي تَارِيخِ الْإِسْلَامِ فِي نُصُوعِهِ وَسُطُوعِهِ, وَإِشْرَاقِهِ وَوُضُوحِهِ, فِي الْفَتْرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَالَّتِي تَلَتْهَا فِي أَيَّامِ الْعِزِّ الْأَكْبَرِ, وَفِي أَيَّامِ الْإِقْبَالِ الْأَعْظَمِ, مَا تَجِدُ مَوْقِعَةً مِنَ الْمَوَاقِعِ وَلَا غَزْوَةً مِنَ الْغَزَوَاتِ كَانَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا يَزِيدُ عَلَى عَدَدِ الْكَافِرِينَ,  وَلَا تَجِدُ مَوْقِعَةً وَلَا غَزْوَةً كَانَ عَتَادُ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا يَرْبُو عَلَى عَتَادِ الْمُخَالِفِينَ.

فِي أَوَّلِ وَقْعَةٍ أَعَزَّ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فِيهَا الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ, وَأَظْهَرَ فِيهَا فَضْلَهُ, فِي ((مَوْقِعَةِ بَدْرٍ)) كَانَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ ثُلُثَ عَدَدِ الْكَافِرِينَ.

وَأَمَّا الْمَتَاعُ فَفِي قِلَّتِهِ, وَأَمَّا الزَّادُ فَفِي نُدْرَتِهِ عَلَى أَمْرٍ غَيْرِ مَعْهُودٍ, فِي حُرُوبِ الدُّنْيَا سَابِقًا وَلَاحِقًا, وَالْقَوْمُ لَمْ يَخْرُجُوا مُهَيَّئِينَ لِقِتَالٍ وَلَا لِجِهَادٍ وَلَا لِصِرَاعٍ, وَإِنَّمَا كَانُوا كَمَا وَصَفَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} [الأنفال: ٧ ]

فَهُمْ قَدْ خَرَجُوا لِلْعِيرِ لَا لِلنَّفِيرِ, وَخَرَجُوا لِلْغَنِيمَةِ الْبَارِدَةِ يُسْلِمُهَا لَهُمْ رَبُّهُمْ -جَلَّ وَعَلَا- مِنْ غَيْرِ جِلَادٍ وَلَا صِرَاعٍ, فَفُوجِئُوا بِالْمَعْرَكَةِ قَائِمَةً سَالِحَةً, مُشَمِّرَةً عَنْ بَدَنِهَا وَجَسَدِهَا, مُتَبَرِّجَةً لِكُلِّ ذِي عَيْنَيْنِ.

وَجَدُوا هَذَا الْأَمْرَ قَائِمًا مِنْ حَيْثُ لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ, ثَلَاثُمِئَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فِي مُقَابِلِ قَرَابَةِ الْأَلْفِ, وَزَادٌ وَعَتَادٌ نَذْرٌ يَسِيرٌ لَا يَقُومُ فِي مَوْقِعَةٍ يَفْصِلُ فِيهَا الْأَمْرُ فِي يَوْمٍ سَمَّاهُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- ((يَوْمَ الْفُرْقَانِ)) فِي يَوْمٍ يَفْرِقُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ, وَبَيْنَ الْهُدَى وَالرَّشَادِ.

وَتَبْدَأُ فِيهِ صَفْحَةٌ جَدِيدَةٌ مِنْ صَفَحَاتِ كِتَابِ الْكَوْنِ الْمَنْظُورِ، صَفْحَةٌ فِي تَارِيخِ الْبَشَرِيَّةِ, هِيَ أَنْصَعُ مَا يَكُونُ نُصُوعًا, حَدٌّ فَارِقٌ, وَأَمَدٌ فَاصِلٌ بَيْنَ مَا كَانَ وَمَا هُوَ آتٍ, كُلُّ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ الْيَسِيرِ.

الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ سَبِيلُ النَّصْرِ وَالْعِزَّةِ

عِبَادَ اللهِ! عَلَى قَدْرِ أَخْذِكَ بِنَصِيبٍ وَافٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ عَلَى قَدْرِ مَعْرِفَتِكَ بِاللَّهِ, وَمَعْرِفَتِكَ بِرَسُولِ اللهِ, وَمَعْرِفَتِكَ بِدِينِ اللهِ, وَمُرَاعَاتِكَ لِحُدُودِ اللهِ, وَأَخْذِكَ بِأَوَامِرِ اللهِ, وَانْتِهَائِكَ عَنْ مَسَاخِطِ اللهِ, وَأَخْذِكَ بِأَسْبَابِ النَّصْرِ وَالْعِزَّةِ.

عِبَادَ اللهِ! اعْلَمُوا أَنَّهُ لَا نَصْرَ إِلَّا بَعْدَ الِالْتِفَافِ حَوْلَ مَائِدَةِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ, وَاعْلَمُوا - عِبَادَ اللهِ - أَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ لَوْ تَمَالَأَ عَلَى أَهْلِ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ, فَلَا بُدَّ أَنْ يُخْذَلَ الْعَالَمُ كُلُّهُ, وَلَا بُدَّ أَنْ يُنْصَرَ أَهْلُ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ؛ لِأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ أَنَّ الْكَافِرِينَ -بَعْدَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ أَجْلَى بَيَانٍ فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ- لَوْ أَنْفَقُوا مَا أَنْفَقُوا, وَلَوْ أَنَّهُمْ بَذَلُوا مِنَ الْوُسْعِ مَا بَذَلُوا؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَدْحَرُوا  الْمُسْلِمِينَ, وَمِنْ أَجْلِ أَنْ يَضَعُوا رَايَةَ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ, فَإِنَّهُمْ لَنْ يَبْلُغُوا مِنْ هَذَا الْأَمْرِ شَيْئًا.

هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ الْمُجْرِمُونَ فَاعِلِينَ مَا فَعَلُوا, لَنْ يَبْلُغُوا مِنَ الْأَمْرِ شَيْئًا.

وَلَكِنَّ الشَّأْنَ كُلَّ الشَّأْنِ فِيكُمْ أَنْتُمْ كَمَا قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [محمد: ٣٨].

اللَّهُمَّ اسْتَعْمِلْنَا وَلَا تَسْتَبْدِلْنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ, اللَّهُمَّ اسْتَخْدِمْنَا وَلَا تَسْتَبْدِلْنَا يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ.

قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [ الأنفال: ٣٦ ]

الْقُرْآنُ يَدُلُّنَا عَلَى ذَلِكَ؛ لَوِ الْتَفَفْنَا حَوْلَ كِتَابِ رَبِّنَا -جَلَّ وَعَلَا- فَقَدْ بَدَأْنَا أُولَى خُطُوَاتِنَا إِلَى نَصْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَنَا.

نَسْأَلُ اللهَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ- أَنْ يُبَارِكَ لَنَا فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.

وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

 

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الدرس الحادي عشر : «الشُّكْرُ»
  تَقَرَّبُوا إِلَى اللهِ وَافْرَحُوا فِي عِيدِكُمْ
  الْعِلَاجَاتُ النَاجِعَةُ لِلتَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ وَمَا نَتَجَ عَنْهُ مِنْ إِرْهَابٍ وَتَدْمِيرٍ وَإِلْحَادٍ
  جُمْلَةٌ جَامِعَةٌ مِنْ سُبُلِ تَحْقِيقِ خَيْرِيَّةِ الْأُمَّةِ
  عَاقِبَةُ نَقْضِ الْعُقُودِ وَالْعُهُودِ
  الْأُخُوَّةُ الْإِيمَانِيَّةُ وَرَحِمُ الْإِسْلَامِ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ
  عَقِيدَتُنَا فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
  تَعَلَّمُوا مِنْ دُرُوسِ التَّارِيخِ!
  الْحَثُّ عَلَى الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ الْمَشْرُوعِ فِي الْإِسْلَامِ
  ضَرُورَةُ مَعْرِفَةِ الْبُيُوعِ الْمُحَرَّمَةِ
  أَهَمِّيَّةُ الْفَهْمِ وَالْوَعْيِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  مِنْ أَبْوَابِ الْعَمَلِ التَّطَوُّعِيِّ: زِرَاعَةُ الْأَشْجَارِ، وَسَقْيُ الْمَاءِ
  مِنْ أَسْمَى الْخِصَالِ الشَّهَامَةُ وَالْمُرُوءَةُ وَالتَّضْحِيَةِ
  لَا يُفِيدُ الصِّيَامُ شَيْئًا مَعَ كَثْرَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ
  فَضْلُ شَهْرِ اللهِ الْمُحَرَّمِ
  • شارك