مَسْئُولِيَّةُ الْمُسْلِمِ تِجَاهَ أَخِيهِ


النَّبِيُّ صلى الله وعليه وسلم أَمَرَكُمْ بِالتَّوَادِّ؛ قَالَ تعالى: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى).

ثَبَتَ فِى (صَحِيحِ مُسْلِمٍ)، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِى (الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ) أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله وعليه وسلم قَالَ: (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ).

فَفِى هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ عِدَّةِ حُقُوقٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ:

الحقُّ الأوَّلُ: السَّلامُ:

فَالسَّلَامُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ تَآلُفِ الْمُسْلِمِينَ وَتَوَادِّهِمْ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ، وَكَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله وعليه وسلم: (وَاللهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَينَكُمْ). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِى (صَحِيحِهِ).

وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله وعليه وسلم يَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلَامِ، وَيُسَلِّمُ عَلَى الصِّبْيَانِ إِذَا مَرَّ بِهِمْ، كَمَا فِى (الصَّحِيحَيْنِ).

  الْحَقُّ الثَّانِى: إِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ

 أَيْ: إِذَا دَعَاكَ إِلَى مَنْزِلِهِ؛ لِتَنَاوُلِ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَجِبْهُ، وَالْإِجَابَةُ

إِلَى الدَّعْوَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ جَبْرِ قَلْبِ الدَّاعِى، وَجَلْبِ الْمَوَدَّةِ وَالْأُلْفَةِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله وعليه وسلم: (وَمَنْ لَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

  الْحَقُّ الثَّالِثُ: إِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْهُ:

يَعْنِى: إِذَا جَاءَ إِلَيْكَ يَطْلُبُ نَصِيحَتَكَ لَهُ فِى شَيْءٍ فَانْصَحْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنَ الدِّينِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله وعليه وسلم: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ: لِلَّهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَأْتِ إِلَيْكَ يَطْلُبُ النَّصِيحَةَ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ أَوْ إِثْمٌ فِيمَا سَيُقْدِمُ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْكَ أَنْ تَنْصَحَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ إِلَيْكَ.

  الْحَقُّ الرَّابِعُ: إِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَشَمِّتْهُ:

أَيْ قُلْ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ؛ شُكْرًا لَهُ عَلَى حَمْدِهِ لِرَبِّهِ عِنْدَ الْعُطَاسِ، أَمَّا إِذَا عَطَسَ وَلَمْ يَحْمَدِ اللهَ؛ فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ، فَلَا يُشَمَّتُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَحْمَدِ اللهَ كَانَ جَزَاؤُهُ أَنْ لَا يُشَمَّتَ.

وتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ فَرْضٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ، فَيَقُولُ: (يَهْدِيكُمُ اللهُ ويُصْلِحُ بَالَكُمْ).

  الْحَقُّ الْخَامِسُ: إِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ:

وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ: زِيَارَتُهُ، وَهِيَ حَقٌّ لَهُ عَلَى إِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَجِبُ عَلَيهِمُ الْقِيَامُ بِهَا، وَكُلَّمَا كَانَ لِلْمَرِيضِ حَقٌّ عَلَيْكَ مِنْ قَرَابَةٍ أَوْ صُحْبَةٍ أَوْ جِوَارٍ كَانَتْ عِيَادَتُهُ آكدَاً.

وَالْعِيَادَةُ بِحَسَبِ حَالِ الْمَرِيضِ، وَبِحَسَبِ حَالِ مَرَضِهِ، فَقَدْ تَتَطَلَّبُ الْحَالُ كَثْرَةَ التَّرَدُّدِ إِلَيْهِ، وَقَدْ تَتَطَلَّبُ الْحَالُ قِلَّةَ التَّرَدُّدِ إِلَيْهِ؛ فَالْأَوْلَى مُرَاعاةُ الْأَحْوَالِ.

وَالسُّنَّةُ لِمَنْ عَادَ مَرِيضًا: أَنْ يَسْأَلَ عَنْ حَالِهِ، وَيَدْعُوَ لَهُ، وَيَفْتَحَ لَهُ بَابَ الْفَرَجِ وَالرَّجَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ الصِّحَّةِ وَالشِّفَاءِ، وَيَنْبَغِى أَنْ يُذَكِّرَهُ التَّوْبَةَ بِأُسْلُوبٍ لَا يُرَوِّعُهُ.

  الْحَقُّ السَّادِسُ: إِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ:

فَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ, وَفِيهِ أَجْرٌ كَبِيرٌ؛ فَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله وعليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ تَبِعَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ).

قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟

قَالَ: (مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ).

*الْحَقُّ السَّابِعُ: وَمِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ: كَفُّ الْأَذَى عَنْهُ:

فَإِنَّ فِى أَذِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِثْمًا عَظِيمًا، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} «الأَحزاب: 58».

وَحُقُوقُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ كَثِيرَةٌ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْجَامِعُ لِهَذِهِ الْحُقُوقِ كُلِّهَا قَوْلُ الرَّسُولِ صلى الله وعليه وسلم: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ)، فَإِنَّهُ مَتَى قَامَ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْأُخُوَّةِ اجْتَهَدَ أَنْ يَتَحَرَّى لَهُ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَأَنْ يَجْتَنِبَ كُلَّ مَا يَضُرُّهُ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِين.

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  فَسَادُ الْمُجْتَمَعَاتِ يَكُونُ بِسَبَبِ فَسَادِ الْأَفْرَادِ وَالْأُسَرِ
  وُجُوهُ وَأَدِلَّةُ خَيْرِيَّةِ النَّبِيِّ ﷺ
  النَّهْيُ عَنِ الْإِسْرَافِ وَالْحَثُّ عَلَى الِاعْتِدَالِ فِي السُّنَّةِ
  اِنْتِصَارَاتُ الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ فِي الْعَصْرِ الْحَاضِرِ، وَتَحَدِّيَاتُ الْمُسْتَقْبَلِ
  تَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِي اجْتِمَاعِ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ
  الْأَمَلُ وَالتَّفَاؤُلُ فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ
  أَسْبَابُ التَّطَرُّفِ الْفِكْرِيِّ
  مَفْهُومُ الْجِهَادِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالِادِّعَاءِ
  قَضَاءُ حَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ سَبَبٌ فِي تَقْيِيدِ النِّعَمِ عِنْدَ الْعَبْدِ
  الْعِلْمُ وَالْقُوَّةُ الْعَسْكَرِيَّةُ مِنْ سُبُلِ بِنَاءِ الْأُمَمِ
  مَعْنَى الْعِيدِ
  الْجُودُ وَالْإِيثَارُ فِي رَمَضَانَ
  أَكْلُ الْحَرَامِ مِنْ أَعْظَمِ قَوَاطِعِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ
  التَّرْشِيدُ فِي حَيَاتِنَا وَالْإِنْفَاقُ فِي رَمَضَانَ مِثَالٌ!!
  التَّعْلِيمُ وَاجِبٌ شَرْعِيٌّ لِرَفْعِ شَأْنِ الْوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ
  • شارك