سُنَنُ العِيدِ وَآدَابُهُ


((سُنَنُ العِيدِ وَآدَابُهُ))

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُه، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّم.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَقَدْ شَرَعَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي خِتَامِ شَهْرِكُمْ هَذَا عِبَادَاتٍ تَزِيدُكُمْ مِنَ اللهِ قُرْبًا، وَتَزِيدُ فِي إِيمَانِكُمْ قُوَّةً، وَفِي سِجِلِّ أَعْمَالِكُمْ حَسَنَاتٍ.

فَشَرَعَ اللهُ لَكُمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ.

وَشَرَعَ لَكُمُ التَّكْبِيرَ عِنْدَ إِكْمَالِ الْعِدَّةِ، وَيَبْدَأُ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْعِيدِ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ.

قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البَقَرَة: 185].

التَّكْبِيرُ فِي الْعِيدِ، وَصِفَتُهُ:

وَالتَّكْبِيرُ شَعِيرَةٌ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فِي الْعِيدَيْنِ، وَصِفَتُهُ أَنْ يَقُولَ المسْلِمُ: ((اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الْحَمْدُ)) .

وَقَدْ وَرَدَتْ صِيَغٌ لِلتَّكْبِيرِ سِوَى هَذِهِ الصِّيغَةِ.

وَيُسَنُّ جَهْرُ الرِّجَالِ بِالتَّكْبِيرِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَالْبُيُوتِ؛ إِعْلَانًا بِتَعْظِيمِ اللهِ، وَإِظْهَارًا لِعِبَادَتِهِ وَشُكْرِهِ وَحَمْدِهِ.

وَيُسِرُّ بِهِ النِّسَاءُ؛ لِأَنَّهُنَّ مَأْمُورَاتٌ بِالتَّسَتُّرِ، وَالْإِسْرَارِ بِالصَّوْتِ.

وَمَا أَجْمَلَ حَالَ النَّاسِ وَهُمْ يُكَبِّرُونَ اللهَ تَعْظِيمًا وَإِجْلَالًا فِي كُلِّ مَكَانٍ عِنْدَ انْتِهَاءِ شَهْرِ صَوْمِهِمْ!!

يَمْلَؤُونَ الْآفَاقَ تَكْبِيرًا، وَتَحْمِيدًا، وَتَهْلِيلًا، يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ!

فَتُكَبِّرُ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ, وَأَنْتَ سَائِرٌ فِي الطَّرِيقِ إِلَى أَنْ تَجْلِسَ فِي الْمُصَلَّى.

وَإِذَا مَا جَلَسَ الْإِنْسَانُ فِي الْمُصَلَّى عَلَيْهِ أَنْ يُكَبِّرَ وَحْدَهُ.

وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ قَائِدٌ يَأْخُذُ الْمُكَبِّرَ -مُكَبِّرَ الصَّوْتِ- وَيَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ... وَهُمْ يَسِيرُونَ خَلْفَهُ مِثْلَ الْمَايسْتِرُو مَعَ فِرْقَتِهِ!! فَهَذَا غَيْرُ وَارِدٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَلَا عَنْ صَحَابَتِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-.

فَلَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ هَذَا الْفِعْلُ، وَلَا نَنْسَى أَنَّ هَذَا التَّكْبِيرَ عِبَادَةٌ مَبْنَاهَا عَلَى التَّوْقِيفِ؛ فَحَتَّى نَزْدَادَ بِهَا مِنَ اللهِ قُرْبًا لَا بُعْدًا يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَفْعَلَهَا كَمَا فَعَلَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ.

فَالتَّكْبِيرُ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، عَلَى نِظَامٍ وَاحِدٍ، فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ، بِصَوْتٍ وَاحِدٍ بِدْعَةٌ.  

صَلَاةُ الْعِيدِ:

وَشَرَعَ اللهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ صَلَاةَ الْعِيدِ يَوْمَ الْعِيدِ.

وَهِيَ مِنْ تَمَامِ ذِكْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، أَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِهَا أُمَّتَهُ رِجَالًا وَنِسَاءً، وَأَمْرُهُ مُطَاعٌ ﷺ؛ لِقَوْلِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمَّد: 33].

أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ النِّسَاءَ أَنْ يَخْرُجْنَ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ:

وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ النِّسَاءَ أَنْ يَخْرُجْنَ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ، مَعَ أَنَّ الْبُيُوتَ خَيْرٌ لَهُنَّ فِيمَا عَدَا هَذِهِ الصَّلَاةَ.

وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَأَكُّدِهَا، قَالَتْ أَمُّ عَطِيَّةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى؛ الْعَوَاتِقَ وَالحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى، وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ، وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ.

قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِحْدَانَا لَا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ.

قَالَ: ((لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا)). مُتَّفَقٌّ عَلَيْهِ.

وَالْجِلْبَابُ لِبَاسٌ تَلْتَحِفُ فِيهِ الْمَرْأَةُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبَاءَةِ.

مِنْ سُنَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْعِيدِ:

وَمِنَ السُّنَّةِ فِي الْعِيدِ:

- أَنْ يَأْكُلَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى الصَّلَاةِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ تَمَرَاتٍ وِتْرًا؛ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، يَقْطَعُهَا عَلَى وِتْرٍ؛ لِقَوْلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: ((كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمْرَاتٍ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

- وَيَخْرُجُ مَاشِيًا، لَا رَاكِبًا إِلَّا مِنْ عُذْرٍ كَعَجْزٍ وَبُعْدٍ.

- وَكَانَ الرَّسُولُ ﷺ إِذَا خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى يَذْهَبُ مِنْ طَرِيقٍ، وَيَعُودُ مِنْ طَرِيقٍ؛ قَالَ العُلَمَاءُ -رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ-: ((إِنَّهُ أَرَادَ تَكْثيرَ الشُّهُودِ يَومَ الْقِيَامَةِ)).

وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: ((إِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى أَهْلِ الطَّرِيقَيْنِ)).

- وَيُسَنُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَجَمَّلَ، وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ الثِّيَابِ؛ لِمَا فِي ((صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ))  عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ -أَيْ: مِنْ حَرِيرٍ- تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْتَعْ هَذِهِ -يعني: اِشْتَرِهَا-، تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ، وَالْوُفُودِ.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ)).

وَإِنَّمَا قَالَﷺ ذَلِكَ؛ لِكَوْنِهَا حَرِيرًا.

وَأَمَّا التَّجَمُّلُ فَإِنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا رَدَّ عَلَيْهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنَ الْحَرِيرِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَى الذُّكُورِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَكَذَا الذَّهَبُ.

فَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَلْبَسَ شَيْئًا مِنَ الْحَرِيرِ، أَوْ شَيْئًا مِنَ الذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُمَا حَرَامٌ عَلَى الذُّكُورِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ.

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ؛ لَا مُتَجَمِّلَةً وَلَا مُتَطَيِّبَةً، وَلَا مُتَبَرِّجَةً وَلَا سَافِرَةً؛ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالتَّسَتُّرِ، مَنْهِيَّةٌ عَنِ التَّبَرُّجِ بِالزِّينَةِ، وَعَنِ التَّطَيُّبِ حَالَ الْخُرُوجِ.

تَذَكَّرْ بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِي الْمُصَلَّى اجْتِمَاعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:

وَمِنَ السُّنَّةِ الَّتِي لَا خِلَافَ عَلَيْهَا أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْعِيدِ فِي الْمُصَلَّى، وَلَمْ يُصَلِّهَا الرَّسُولُ ﷺ فِي الْمَسْجِدِ قَطُّ، لَا فِي عِيدِ فِطْرٍ وَلَا أَضْحَى، مَعَ أَنَّ مَسْجِدَ النَّبيِّ ﷺ الصَّلَاةُ فِيهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ.

فَيُؤَدِّي الْمُسْلِمُ الصَّلَاةَ بِخُشُوعٍ وَحُضُورِ قَلْبٍ، وَيُكْثِرُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ وَدُعَائِهِ، وَيَرْجُو رَحْمَتَهُ وَيَخَافُ عَذَابَهُ، وَيَتَذَكَّرُ بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْمُصَلَّى اجْتِمَاعَهُمْ فِي الْمَقَامِ الْأَعْظَمِ بَيْنَ يَدَيْ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي صَعِيدِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَيَرَى إِلَى تَفَاضُلِهِمْ فِي هَذَا الْمُجْتَمَعِ -يَعْنِي إِذَا اجْتَمَعُوا لِصَلَاةِ الْعِيدِ-، فَيَتَذَكَّرُ بِهِ التَّفَاضُلَ الْأَكْبَرَ فِي الْآخِرَةِ، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} [الإِسْرَاء: 21].

 

المصدر:سُنَنُ العِيدِ وَآدَابُهُ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  حُقُوقُ الْمُسِنِّينَ فِي دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-
  وَاجِبُنَا عِنْدَ سَمَاعِ الْبَاطِلِ وَالزُّورِ
  ضَرُورَةُ مَعْرِفَةِ الْبُيُوعِ الْمُحَرَّمَةِ
  تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى حَمْلِ أَمَانَةِ دِينِهِ وَأُمَّتِهِ
  حَادِثَةُ الْإِفْكِ أَخْطَرُ شَائِعَةٍ فِي تَارِيخِ الْإِسْلَامِ
  الْهِجْرَةُ هِجْرَتَانِ
  مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ: هَجْرُ الْمَعَاصِي وَالْآثَامِ
  رِقَابَةُ السِّرِّ وَالضَّمِيرِ مِنْ سُبُلِ تَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: الِاجْتِهَادُ فِي الطَّاعَاتِ وَمُجَانَبَةِ الْمَعَاصِي
  الْأُضْحِيَّةُ سُنَّةُ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ وَسُنَّةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ
  أَوْلَى الْكِبَارِ بِالْبِرِّ الْوَالِدَانِ
  اِنْتِصَارَاتُ الْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ فِي الْعَصْرِ الْحَاضِرِ، وَتَحَدِّيَاتُ الْمُسْتَقْبَلِ
  الدرس الأول : «رَمَضاَنُ شَهْرُ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ»
  مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: هَجْرُ آفَاتِ الْقُلُوبِ وَاللِّسَانِ
  مَعَالِمُ الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ فِي الْعِبَادَاتِ
  • شارك