دَوْرُ الْفَرْدِ فِي بِنَاءِ أُمَّتِهِ الْإِسْلَامِيَّةِ


 ((دَوْرُ الْفَرْدِ فِي بِنَاءِ أُمَّتِهِ الْإِسْلَامِيَّةِ))

*أَعْظَمُ مُشَارَكَةٍ لِلْمُسْلِمِ فِي بِنَاءِ أُمَّتِهِ: تَعَلُّمُ التَّوْحِيدِ، وَتَحْقِيقُهُ، وَالدَّعْوَةُ إِلَيْهِ:

فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَهْتَمَّ بِالتَّوْحِيدِ أَكْثَرَ مِنَ اهْتِمَامِهِ بِالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالنَّفَسِ، وَأَنْ يَعْتَنِيَ بِهِ عِنَايَةً تَامَّةً، يَدْرُسُهُ وَيُدَرِّسُهُ، وَيُحَاضِرُ فِيهِ -إِنِ اسْتَطَاعَ-، وَيَدْعُو إِلَيْهِ، رَضِيَ مَنْ رَضِيَ، وَسَخِطَ مَنْ سَخِطَ-.

فَالتَّوْحِيدُ أَسَاسُ دِينِنَا، وَهُوَ مَبْنَى عَقِيدَتِنَا، وَنَحْنُ أَحْوَجُ النَّاسِ إِلَى أَنْ نَتَعَلَّمَهُ، وَإِلَى أَنْ نَتَدَارَسَهُ، وَأَنْ نُبَيِّنَهُ لِلنَّاسِ، وَأَنْ نَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ.

فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَهْتَمَّ بِذَلِكَ، وَأَنْ يَدْعُوَ النَّاسَ إِلَيْهِ، وَلَا يَنْبَغِي قَطُّ أَنْ يَقُولَ الْمَرْءُ: إِنِّي آتِي بِالتَّوْحِيدِ فِي نَفْسِي، ثُمَّ يَرَى الشِّرْكَ حَوْلَهُ؛ فَلَا يُحَذِّرُ مِنْهُ، وَلَا يَتَبَرَّأُ مِنْهُ وَمِنْ أَهْلِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُوَحِّدًا حَتَّى يَأْتِيَ بِالْأَمْرَيْنِ مَعًا.

فَلَا بُدَّ مِنْ دَعْوَةِ النَّاسِ جَمِيعًا إِلَى التَّوْحِيدِ.

الْكُفَّارُ الْأَصْلِيُّونَ يُدْعَوْنَ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَمَنْ أَشْرَكَ بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ شَيْئًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ شِرْكٍ أَكْبَرَ، أَوْ شِرْكٍ أَصْغَرَ فَإِنَّهُ يُدْعَى أَيْضًا إِلَى التَّوْحِيدِ.

وَالْعَوَامُّ يُدْعَوْنَ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَيُحَذَّرُونَ مِنَ الشِّرْكِ، وَطُلَّابُ الْعِلْمِ كَذَلِكَ، وَالْعُلَمَاءُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَوْ فَسَدَتْ عَقِيدَتُهُمْ يُدْعَوْنَ إِلَى التَّوْحِيدِ.

الدُّنْيَا كُلُّهَا تَحْتَاجُ إِلَى الدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَلَا حَيَاةَ إِلَّا بِهِ، وَلَا نَجَاةَ إِلَّا بِتَحْقِيقِهِ.

الْمُسْلِمُونَ يَحْتَاجُونَ إِلَى بَيَانِ عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ.

فَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَبْدَأَ بِهَذَا الْأَمْرِ، نَدْرُسُهُ، وَنُحَقِّقُهُ، وَنَتَضَلَّعُ بِهِ، وَنَدْعُو إِلَيْهِ، وَنُحَذِّرُ مِنْ نَقِيضِهِ، وَنَتَبَرَّأُ مِنْهُ -وَهُوَ الشِّرْكُ- كَمَا نَتَبَرَّأُ مِنْ أَهْلِهِ.

لَا يَصِحُّ لَنَا تَوْحِيدٌ إِلَّا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ، وَهَذِهِ هِيَ الْعَقِيدَةُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي هِيَ أَسَاسُ الدِّينِ وَقَاعِدَةُ الشَّرِيعَةِ، وَلَا يَصِحُّ عَمَلٌ إِلَّا بِتَصْحِيحِهَا مَهْمَا كَانَ ذَلِكَ الْعَمَلُ.

وَاللهُ -جَلَّ وَعَلَا- قَالَ فِي الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِنْ غَيْرِ عَقِيدَةٍ صَحِيحَةٍ: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} [الفرقان: 23].

وَالْهَبَاءُ: هُوَ الْغُبَارُ الَّذِي يُرَى فِي شُعَاعِ الشَّمْسِ.

فَأَعْمَالُ الْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَبَاءٌ؛ لِأَنَّهَا مَا بُنِيَتْ عَلَى الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ.

وَاللهُ -جَلَّ وَعَلَا- يَقُولُ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النور: 39].

الرَّجُلُ الَّذِي يُصِيبُهُ الْعَطَشُ إِذَا نَظَرَ السَّرَابَ فَجَاءَهُ؛ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا، وَتَلْحَقُهُ الْحَسْرَةُ، وَكَذَلِكَ الْكُفَّارُ؛ أَعْمَالُهُمْ وَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً إِلَّا أَنَّهَا لَا تُؤَسَّسُ عَلَى الْعَقِيدَةِ وَالْإِسْلَامِ وَالتَّوْحِيدِ، وَلِذَلِكَ جَعَلَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ هَبَاءً مَنْثُورًا، وَجَعَلَهَا كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهَا الظَّمْآنُ مَاءً.

الْمُشْرِكُ وَالْكَافِرُ -وَالْعِيَاذُ بِاللهِ- إِذَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ بِحَاجَةٍ إِلَى الْحَسَنَاتِ، وِبِحَاجَةٍ إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا، {وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39].

يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَجْتَهِدَ فِي تَعَلُّمِ التَّوْحِيدِ، وَأَلَّا نُقَدِّمَ عَلَى تَعَلُّمِهِ شَيْئًا.

وَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَتَحَقَّقَ بِالتَّوْحِيدِ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ رُبَّمَا عَرَفَ التَّوْحِيدَ مَعْرِفَةً، وَحَصَّلَهُ تَحْصِيلًا، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ بِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعِلْمَ إِنَّمَا شُرِّفَ لِأَجْلِ الْعَمَلِ بِهِ.

فَعَلَيْنَا أَنْ نَجْتَهِدَ فِي تَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الشِّرْكِ.

وَعَلَيْنَا أَنْ نَجْتَهِدَ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّ دُعَاةَ التَّوْحِيدِ قَلِيلٌ، وَلِذَلِكَ عَمَّ الْخَرَابُ وَالدَّمَارُ، وَانْتَشَرَتِ الْفَوْضَى وَالْبَوَارُ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ عُزُوفِ مَنْ يَدْعُونَ إِلَى اللهِ -بِزَعْمِهِمْ- عَنْ دَعْوَةِ أَقْوَامِهِمْ إِلَى أَوَّلِ أَمْرٍ بَدَأَتْ بِهِ الرُّسُلُ أَقْوَامَهُمْ عِنْدَ دَعْوَتِهِمْ إِلَى الدِّينِ وَهُوَ تَوْحِيدُ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

كُلُّ مَا عَدَاهُ فَهُوَ تَابِعٌ لَهُ، وَمُكَمِّلٌ لَهُ.

نَدْعُو إِلَى تَصْحِيحِ الْعَقِيدَةِ وَالْعِنَايَةِ بِهَا، نَدْعُو إِلَى تَعَلُّمِهَا، وَتَعْلِيمِهَا، وَنَشْرِ كُتُبِهَا، وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا، وَالْبَرَاءَةِ مِمَّا يُضَادُّهَا وَيُخَالِفُهَا، ثُمَّ يَتْبَعُ بَعْدَ ذَلِكَ بَقِيَّةُ أَوَامِرِ الدِّينِ وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ.

الْعَقِيدَةُ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ.

عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي لِأَجْلِهِ خَلَقَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَلَا يَكْتَفِي بِتَعَلُّمِهِ حَتَّى يُحَقِّقَهُ، وَلَا يَكْتَفِي بِتَعَلُّمِهِ وَتَحْقِيقِهِ حَتَّى يَدْعُوَ إِلَيْهِ، وَحَتَّى يَتَبَرَّأَ مِنْ نَقِيضِهِ، وَمِمَّنْ أَخَذَ بِنَقِيضِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

وَاللهُ -جَلَّ وَعَلَا- بَيَّنَ أَنَّ النَّاجِينَ مِنَ الْخَسَارِ هُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ، وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ.

وَهَذِهِ هِيَ دَعْوَةُ الْمُوَحِّدِينَ؛ لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَلْحَقُهُمْ خُسْرَانٌ.

{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا}: هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ عَرَفُوا الْحَقَّ بِدَلِيلِهِ، {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}: وَعَمِلُوا بِهِ، {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ}: وَدَعَوْا إِلَيْهِ، {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}: فَصَبَرُوا عَلَى الْأَذَى فِيهِ.

وَهَذِهِ السُّورَةُ -كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ- يَقُولُ الشَّافِعِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِيهَا: ((لَوْ مَا أَنْزَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِلَّا هَذِهِ السُّورَةَ لِلنَّاسِ لَوَسِعَتْهُمْ)) . وَتَلَا سُورَةَ الْعَصْرِ.

وَهِيَ مِنْهَاجُ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: ((إِيمَانٌ، وَعَمَلٌ صَالِحٌ، وَدَعْوَةٌ إِلَى ذَلِكَ، وَصَبْرٌ عَلَى الْأَذَى فِيهِ)).

دِينُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مُؤَسَّسٌ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الْكَبِيرِ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ.

التَّوْحِيدُ: هُوَ إِفْرَادُ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَالْأُلُوهِيَّةِ، وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.

وَإِذَا حَقَّقْنَا ذَلِكَ، وَدَعَوْنَا إِلَيْهِ، وَصَبَرْنَا عَلَى الْأَذَى فِي تِلْكَ الدَّعْوَةِ إِلَى هَذَا التَّوْحِيدِ الْعَظِيمِ؛ أَنْقَذَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَأَنْقَذَ أُمَّتَنَا، وَحَقَّقَ لَنَا وَلَهَا سَعَادَتَنَا.

نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الْمُوَحِّدِينَ.

*طَلَبُ الْمُسْلِمِ الْعِلْمَ النَّافِعَ مِنْ سُبُلِ بِنَاءِ أُمَّتِهِ:

عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَعْتَصِمَ بِاللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَأَنْ يَسْلُكَ سَبِيلَ طَلَبِ الْعِلْمِ عَلَى نَهْجِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، فَفِي هَذَا النَّجَاةُ، وَلَا نَجَاةَ إِلَّا فِيهِ.

فَإِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- جَعَلَ النَّجَاةَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهُمَا مَعْدِنُ الْعِلْمِ وَأَصْلُهُ، فَمَهْمَا تَرَكَ الْإِنْسَانُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَتَنَكَّبَهُمَا وَاسْتَدْبَرَهُمَا وَجَعَلَهُمَا دَبْرَ أُذُنَيْهِ وَخَلْفَ ظَهْرِهِ؛ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا.

فَمَنْ أَرَادَ النَّجَاةَ حَقًّا وَصِدْقًا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا -الَّتِي تَمُوجُ بِالْفِتَنِ مَوْجَ الْبَحْرِ- مَنْ أَرَادَ النَّجَاةَ؛ فَعَلَيْهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

*دَعْوَةُ الْمُسْلِمِ إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ سُبُلِ بِنَاءِ أُمَّتِهِ:

إِنَّ كُلَّ مُكَلَّفٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّعْوَةُ إِلَى اللهِ، كَمَا قَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108].

فَمَنِ اتَّبَعَ رَسُولَ اللهِ ﷺ دَعَا إِلَى اللهِ، وَأَتْبَاعُ النَّبِيِّ ﷺ دُعَاةٌ إِلَى اللهِ، كُلٌّ بِحَسَبِهِ، عَلَى حَسَبِ عِلْمِهِ، لَا يَتَزَيَّدُ، وَإِلَّا كَانَ دَاعِيًا إِلَى غَيْرِ رَبِّهِ، وَإِلَى غَيْرِ صِرَاطِهِ، وَإِلَى غَيْرِ دِينِهِ، قَائِلًا عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ، وَإِنَّمَا يَدْعُو إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى قَدْرِ عِلْمِهِ وَعَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ، فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَفِي كُلِّ مَجَالٍ.

إِنَّ مَسْئُولِيَّةَ الْمُسْلِمِ عَظِيمَةٌ، وَمَعَكَ طَوْقُ النَّجَاةِ، وَالنَّاسُ يَغْرَقُونَ تَحْتَ عَيْنِكَ وَأَنْتَ تَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا تَمُدُّ لَهُمْ يَدًا بِعَوْنٍ؟!!

دِينُ اللهِ يَسْتَنْقِذُ الْبَشَرِيَّةَ مِمَّا تَرَدَّتْ فِيهِ.

دِينُ اللهِ -وَحْدَهُ- يُنْقِذُ النَّاسَ فِي الْأَرْضِ مِمَّا بَلَغُوهُ مِنْ هَذَا الِانْحِطَاطِ الْهَابِطِ.

دِينُ اللهِ، عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُبَلِّغُوهُ خَلْقَ اللهِ، فِي أَرْضِ اللهِ، عَلَى مِنْهَاجِ رَسُولِ اللهِﷺ؛ لِإِنْقَاذِ الْبَشَرِيَّةِ مِنْ دَمَارٍ تَبْدُو عَلَائِمُهُ، وَخَرَابٍ تَتَّضِحُ مَعَالِمُهُ.

*مِنْ سُبُلِ مُشَارَكَةِ الْمُسْلِمِ فِي بِنَاءِ أُمَّتِهِ: عَمَلُهُ بِجِدٍّ وَاجْتِهَادٍ وَأَمَانَةٍ:

إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَمَرَ بِأَدَاءِ الْأَمَانَاتِ، وَأَدَاءُ الْأَمَانَاتِ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْحَيَاةِ، فَالْعِبَادَاتُ أَمَانَةٌ، وَالْخِيَانَةُ فِيهَا أَنْ تُنْتَقَصَ، فَإِذَا انْتَقَصَ الْإِنْسَانُ مِنَ الْعِبَادَةِ فَهُوَ خَائِنٌ.

وَالْمُعَامَلَاتُ أَمَانَةٌ، وَمَا يُسْتَأْمَنُ عَلَيْهِ الْمَرْءُ أَمَانَةٌ، وَالسِّرُّ أَمَانَةٌ، وَكُلُّ أَمْرٍ تَعَلَّقَ بِهِ أَمْرٌ وَنَهْيٌ فِي دِينِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فَهُوَ أَمَانَةٌ، وَالْخِيَانَةُ فِيهِ أَلَّا يُؤْتَى بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ الْمَطْلُوبِ.

فَإِذَا كَانَ إِنْسَانٌ فِي عَمَلٍ، فَالْعَمَلُ الَّذِي اسْتُؤْمِنَ عَلَيْهِ أَمَانَةٌ، فَإِذَا خَانَ فِيهِ فَهُوَ خَائِنٌ، وَجَزَاءُ الْخَائِنِ مَعْلُومٌ.

عِبَادَ اللهِ! اعْمَلُوا، وَاجْتَهِدُوا فِي الْعَمَلِ، فَإِنَّهُ لَا خُرُوجَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ أَزْمَةٍ إِلَّا بِكَلِمَتَيْنِ:

أَنْ يَعْمَلَ كُلُّ مِنَّا عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ، لَا عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ حَتَّى هَذِهِ لَا يَعْمَلُونَهَا، يَعْنِي هُمْ لَا يَعْمَلُونَ أَصْلًا، لَا عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ وَلَا عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ!!

هُمْ تَعَوَّدُوا عَلَى الْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ عَطَاءٍ -إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ-، وَهَذَا لَا يَرْضَاهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَلَا يَرْضَاهُ هَذَا الدِّينُ الْحَنِيفُ.

*مِنْ سُبُلِ بِنَاءِ الْمُسْلِمِ لِأُمَّتِهِ: أَنْ يُغَيِّرَ مِنْ نَفْسِهِ:

قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].

إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ أُخْرَى مُنَاقِضَةٍ لِلْأُولَى حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنْ غَيَّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ سَيِّئٍ إِلَى حَسَنٍ؛ غَيَّرَ اللهُ أَحْوَالَهُمْ مِنْ سَيِّئٍ إِلَى حَسَنٍ، وَإِنْ غَيَّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ مِنْ حَسَنٍ إِلَى قَبِيحٍ؛ غَيَّرَ اللهُ أَحْوَالَهُمْ، وَأَحَلَّ بِهِمْ نِقْمَتَهُ.

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يُرِيدُ مِنَّا أَنْ نَتَغَيَّرَ، أَنْ نَتَحَرَّرَ مِنْ أَسْرِ الْعَادَاتِ وَمِنْ قَيْدِ التَّقَالِيدِ الَّتِي قَدْ أَوْثَقَتْ أَرْجُلَنَا فِي الْأَرْضِ بِسَلَاسِلَ تَمِيدُ الْأَرْضُ وَلَا تَمِيدُ.

يُرِيدُ مِنَّا رَبُّنَا أَنْ نَتَغَيَّرَ، وَأَنْ نَتَحَرَّرَ مِنْ أَسْرِ الْهَوَى، وَأَنْ نَخْرُجَ مِنْ قَبْضَةِ الْعَادَاتِ إِلَى مَرْضَاةِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ عَلَى مُقْتَضَى سُنَّةِ سَيِّدِ الْخَلْقِ ﷺ.

المصدر:سُبُلُ بِنَاءِ الْأُمَمِ وَدَوْرُ الْفَرْدِ فِيهَا

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  جُمْلَةٌ مِنْ مَظَاهِرِ تَعْظِيمِ اللهِ لِلنَّبِيِّ ﷺ
  الْأَمَلُ وَأَسْرَارُهُ اللَّطِيفَةُ
  نَمَاذِجُ مِنْ مِحَنِ وَابْتِلَاءَاتِ خَيْرِ الْبَشَرِ
  اللهُ لَا يُخْزِي الشَّهْمَ ذَا الْمُرُوءَةِ
  الدرس العاشر : «الجُودُ وَالكَرَمُ في رَمَضَانَ»
  مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: هَجْرُ آفَاتِ الْقُلُوبِ وَاللِّسَانِ
  أَمَانَةُ الْكَلِمَةِ وَرِسَالَةٌ قَوِيَّةٌ إِلَى الْإِعْلَامِيِّينَ!!
  الْمُسْلِمُ الْحَقُّ نَظِيفٌ طَاهِرٌ وَمَظَاهِرُ حَثِّ النَّبِّي ﷺ عَلَى النَّظَافَةِ
  دِينُ الْإِسْلَامِ دِينُ الرَّحْمَةِ وَالسَّلَامِ
  الْمِيثَاقُ الْغَلِيظُ -الزَّوَاجُ- فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  دَلَائِلُ عَدْلِ وَرَحْمَةِ الْإِسْلَامِ بِالْعَالَمِ
  مُحَاسَبَةُ النَّفْسِ دَوَاءُ الْقَلْبِ الْمَرِيضِ وَالنَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ
  عِيدُكُمْ السَّعِيدُ بِالتَّطَهُّرِ مِنَ الشِّرْكِ، وَالْبِدَعِ وَالْمَعَاصِي
  الْوَعْيُ بِتَحَدِّيَّاتِ الْوَطَنِ الرَّاهِنَةِ وَسُبُلِ مُوَاجَهَتِهَا
  الدرس التاسع : «المُرَاقَبَةُ»
  • شارك