السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ


 ((السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ حُقُوقَ الْإِمَامِ حُقُوقٌ نَصَّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهَا فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَنَصَّ عَلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ.

وَذَلِكَ لِيَعْلَمَ الْمُسْلِمُ أَنَّ هَذِهِ الْحُقُوقَ مِنَ الْأَهَمِّيَّةِ فِي غَايَةٍ، وَمِنَ الْخُطُورَةِ فِي نِهَايَةٍ، فَالْقِيَامُ بِهَا حَتْمٌ؛ لَا يُسْمَحُ بِالتَّقْصِيرِ فِيهَا، وَمَنْ قَصَّرَ؛ فَقَدْ رَتَّبَ الشَّرْعُ الْمُطَهَّرُ لَهُ عُقُوبَاتٍ زَاجِرَةً؛ مِنْهَا عُقُوبَاتٌ تَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا، وَمِنْهَا عُقُوبَاتٌ فِي الْآخِرَةِ.

وَمِنْ هَذِهِ الْحُقُوقِ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-:

وَهَذَا الْحَقُّ أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَأَوْدَعُوهُ فِي كُتُبِ الْعَقَائِدِ الَّتِي يُرَبُّونَ عَلَيْهَا النَّاسَ؛ صِغَارًا وَكِبَارًا، ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا.

وَهُوَ حَقٌّ لَمْ يَتْرُكِ الشَّارِعُ اسْتِنْبَاطَهُ لِلنَّاسِ، بَلْ نَصَّ عَلَيْهِ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الرَّسُولُ ﷺ فِي سُنَّتِهِ؛ حَتَّى لَا يَبْقَى مَجَالٌ لِلْخِلَافِ فِيهِ.

قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].

وَهُمُ الْوُلَاةُ وَالْأُمَرَاءُ، ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ جَمَاهِيرُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْمُفَسِّرِينَ وَالْفُقَهَاءِ، وَذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ غَيْرُهم أَيْضًا.

وَهَذَا الْأَمْرُ بِطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الطَّاعَةِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْصِيَةِ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: ((عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ؛ إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

قَالَ الْإِمَامُ حَرْبٌ الْكِرْمَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي الْعَقِيدَةِ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ جَمِيعِ السَّلَفِ: ((وَإِنْ أَمَرَكَ السُّلْطَانُ بِأَمْرٍ فِيهِ للهِ مَعْصِيَةٌ؛ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُطِيعَهُ الْبَتَّةَ، وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَخْرُجَ عَلَيْهِ، وَلَا تَمْنَعَهُ حَقَّهُ)).

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِلْأَنْصَارِ: ((إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً -أَيْ: اسْتِئْثَارًا بِالْمَالِ، وَالدُّنْيَا، وَالْمُلْكِ، وَالْإِمَارَةِ- إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً؛ فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي، وَمَوْعِدُكُمُ الْحَوْضُ)). أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا)).

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ؟

قَالَ: ((تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ)). أَخْرَجَاهُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) .

قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- : ((هَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ، وَقَدْ وَقَعَ الْإِخْبَارُ مُتَكَرِّرًا، وَوُجِدَ مَخْبَرُهُ مُتَكَرِّرًا.

وَفِي الْحَدِيثِ: الْحَثُّ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ؛ وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَلِّي ظَالِمًا عَسُوفًا، فَيُعْطَى حَقَّهُ مِنَ الطَّاعَةِ، وَلَا يُخْرَجُ عَلَيْهِ، وَلَا يُخْلَعُ؛ بَلْ يُتَضَرَّعُ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي كَشْفِ أَذَاهُ، وَدَفْعِ شَرِّهِ، وَإِصْلَاحِهِ)).

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا؛ فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)). أَخْرَجَاهُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) .

وَالْمُرَادُ بِـ ((خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا)): كِنَايَةٌ عَنْ مَعْصِيَةِ السُّلْطَانِ، وَمُحَارَبَتِهِ.

وَالْمُرَادُ بِـ ((الْخُرُوجِ)): السَّعْيُ فِي حَلِّ عَقْدِ الْبَيْعَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لِذَلِكَ الْحَاكِمِ؛ وَلَوْ بِأَدْنَى شَيْءٍ، فَكَنَّى عَنْهَا بِمِقْدَارِ الشِّبْرِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي ذَلِكَ يَؤُولُ إِلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقٍّ.

 

المصدر:حُرْمَةُ الْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ وَالْإِفْسَادِ وَإِشَاعَةِ الْفَوْضَى

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  كِبَارُ السِّنِّ -الْمُسِنُّونَ- الصَّالِحُونُ خَيْرُ النَّاسِ
  الشَّهَادَةُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالِادِّعَاءِ
  مِنْ دُرُوسِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ: خُطَبَاءُ الْفِتْنَةِ.. عِقَابُهُمْ وَخَطَرُهُمْ
  كَيْفَ نُحَاسِبُ أَنْفُسَنَا؟
  أَعْلَى دَرَجَاتِ الْعَطَاءِ لِلْوَطَنِ: الدَّعْوَةُ إِلَى التَّوْحِيدِ
  المَصْلَحَةُ العُلْيَا لِلْأُمَّةِ
  تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ
  ذِكْرُ اللهِ وَدُعَاؤُهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ
  آدَابُ الْحِوَارِ فِي الْإِسْلَامِ
  الْمَعْنَى الْحَقُّ لِاسْتِفْتَاءِ الْقَلْبِ
  ثَمَرَاتُ الْمَاءِ الْعَظِيمَةُ فِي الْحَيَاةِ
  رِسَالَةُ نَبِيِّنَا ﷺ عَلَّمَتِ الْعَالَمَ السَّلَامَ وَالْقِيَمَ
  تَيَّقَظْ وَانْتَبِهْ!!
  أَنْوَاعُ الْهِجْرَةِ
  حُكْمُ الشَّائِعَاتِ فِي الْإِسْلَامِ
  • شارك