حُكْمُ الْعَوْدَةِ فِي الْهِبَةِ أَوِ التَّعْيِيرِ بِهَا


«حُكْمُ الْعَوْدَةِ فِي الْهِبَةِ أَوِ التَّعْيِيرِ بِهَا»

هَا هُوَ مُحَمَّدٌ ﷺ -كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-- يُرْشِدُنَا إِلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ مَتَى مَا جَادَتْ نَفْسُهُ بِأَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الْخَيْرِ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعُودَ فِيهِ، فَإِذَا عَادَ فَمَثَلُهُ الَّذِي ضَرَبَهُ لَنَا نَبِيُّنَا ﷺ مَثَلٌ عَظِيمٌ جِدًّا، يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: «الَّذِي يَرْجِعُ فِي هِبَتِهِ كَالكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ».

وَيَقُولُ ﷺ: «مَثَلُ الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَمَثَلِ الكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ فَيَأكُلُهُ». حَتَّى يَنْتَبِهَ الَّذِينَ يُعَيِّرونَ النَّاسَ بِمَا أَسْلَفُوهُ إِلَيْهِمْ مِنْ خَيْرٍ، وَمَا أَوْصَلُوهُ إِلَيْهِمْ مِنْ بِرٍّ، فَإِنَّهُمْ فِي مُعَايَرَاتِهِمْ، وَفِي كَلَامِهِمْ عَلَى هِبَاتِهِمْ وَصَدَقَاتِهِمْ إِذَا مَا عَادُوا فِيهَا؛ فَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ في قَيْئِهِ فيَأكُلُهُ.

يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ لِعُمَر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَقَدْ سَأَلَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: «لَا تَشْتَرِهِ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالعَائِدِ فِي قَيْئِهِ».

لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ حَمَلَ رَجُلًا عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ فَأَضَاعَهُ، قَالَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَريَهُ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: «لَا تَشْتَرِهِ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ ِفي قَيْئِهِ».

وَإِذَا تَأَمَّلْتَ هَذَا الْمَثَلَ لِرَجُلٍ قَدِ امْتَلَأَتْ بَطْنُهُ طَعَامًا، ثُمَّ قَاءَ طَعَامَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى طَعَامِهِ يَتَنَاثَرُ عَلَى فَمِهِ وَعَلَى وَجْهِهِ وَيَكَادُ يُغَطِّي عَيْنَيْهِ، ثُمَّ هُوَ يَتَتَبَّعُ قَيْئَهُ فَيَأْكُلُهُ!!

فَالَّذِي يَعُودُ فِي صَدَقَتِهِ كَالَّذِي يَعُودُ فِي قَيْئِهِ كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ ﷺ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ.

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ لِرَجُلٍ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً، ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ، وَمَثَلُ الَّذِي يَرْجِعُ فِي عَطِيَّتِهِ أَوْ هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَأْكُلُ، فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ، ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ». رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَثَلُ الَّذِي يَسْتَرِدُّ مَا وَهَبَ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَقِيءُ فَيَأْكُلُ قَيْئَهُ، فَإِذَا اسْتَرَدَّ الْوَاهِبُ فَلْيُوقِفْ، فَلْيَعْرِفْ بِمَا اسْتَرَدَّ، ثُمَّ لْيَدْفَعْ إِلَيْهِ مَا وَهَبَ». رَوَاهُ أُبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَه، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.

فَهَذَا خُلُقٌ ذَمِيمٌ مِنَ الْأَخْلَاقِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَتَرَفَّعَ عَنْهَا كُلُّ مُسْلِمٍ كَرِيمٍ.

 

المصدر:قَضَاءُ حَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ مِنْ نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  صِدْقُ الْعَزِيمَةِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ
  فَوَائِدُ الزَّوَاجِ الْعَظِيمَةُ وَثَمَرَاتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
  حَالُ أُمَّةِ الْعَرَبِ قَبْلَ دَعْوَةِ التَّوْحِيدِ وَبَعْدَهَا
  الْعَالَمُ الْيَوْمَ فِي حَاجَةٍ إِلَى دِينِ مُحَمَّدٍ ﷺ
  الْوَعْيُ بِتَحَدِّيِ الْإِرْهَابِ وَكَيْفِيَّةِ مُوَاجَهَتِهِ
  عِبَادَةُ النَّبِيِّ ﷺ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ
  الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ مِنَّةُ اللهِ عَلَى كُلِّ الْبَشَرِيَّةِ
  أَهَمِّيَّةُ اِغْتِنَامِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
  رَحْمَةُ اللهِ بِمَنْ يَقْضِي حَاجَةَ كَلْبٍ؛ فَكَيْفَ بِإِخْوَانِكُمْ؟!!
  نَمَاذِجُ لِلْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ الْمَشْرُوعِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ
  لِمَنْ تَكُونُ الْبَيْعَةُ وَالسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ؟
  خُطُورَةُ التَّسَتُّرِ عَلَى الْإِرْهَابِيِّينَ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْعَصِيبِ
  مْلَةٌ مِنْ أَخْلَاقِ النَّبِيِّ ﷺ الْكَرِيمَةِ وَصِفَاتِهِ النَّبِيلَةِ
  الْمُؤَامَرَةُ عَلَى مِيَاهِ الْمِصْرِيِّينَ!!
  حَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ!!
  • شارك