مِنْ مَعَالِمِ الرَّحْمَةِ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: إِبْطَالُ الرِّبَا الْمُدَمِّرِ لِلْمُجْتَمَعِ


 ((مِنْ مَعَالِمِ الرَّحْمَةِ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ:

إِبْطَالُ الرِّبَا الْمُدَمِّرِ لِلْمُجْتَمَعِ))

لَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعًا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَأَهْدَرَ النَّبِيُّ ﷺ دِمَاءَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَهْدَرَ النّبِيُّ ﷺ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ قَدِ اسْتَقَرَّ عَلَى قَرَارِهِ بِالشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، تَابِعَةً لِلسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فِي الْبَيَانِ وَالتَّوْضِيحِ وَالْإِرْشَادِ.

اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ذَكَرَ مِنْ أَثَرِ مَعْصِيَةِ الرِّبَا، وَالِاجْتَرَاءِ عَلَى هَذَا الْمُحَرَّمِ الْعَظِيمِ، وَأَثَرِهِ الْفَاعِلِ الْفَعَّالِ فِي الْخَلْقِ مِمَّنْ تَوَرَّطُوا فِيهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِمْ؛ فَقَالَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البَقَرَة: 279].

وَلَكَ أَنْ تَتَصَوَّرَ إِنْسَانًا دَخَلَ حَرْبًا مَعَ مَالِكِ الْقُوَى وَالْقُدَرِ!

مَعَ الَّذِي يَقُولُ لِلشَّيْءِ: كُنْ فَيَكُونُ!

مَعَ الْخَلَّاقِ الْعَظِيمِ الَّذِي أَمْرُهُ بَعْدَ الْكَافِ وَالنُّونِ، الَّذِي يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ بِمَا يُرِيدُ.

لَكَ أَنْ تَتَصَوَّرَ أَثَرَ هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي ذَكَرَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَثَرَهَا فِي الْفَرْدِ وَفِي الْمُجْتَمَعِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَفِي دُنْيَا اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ قَبْلِ الْمَمَاتِ، لَكَ أَنْ تَتَصَوَّرَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ رَبِّكَ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279].

وَالَّذِي يَدْخُلُ فِي الْحَرْبِ مَعَ اللهِ -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ- وَمَعَ رَسُولِهِ ﷺ، لَكَ أَنْ تَتَصَوَّرَ اضْطِرَابَ نَفْسِهِ، وَقَلَقَ قَلْبِهِ، وَعَدَمَ اسْتِقْرَارِ حَيَاتِهِ.

وَلَكَ أَنْ تَتَصَوَّرَ اخْتِلَافَ قَلْبِهِ عَلَيْهِ، وَتَمَرُّدَ ذَاتِهِ عَلَى وُجُودِهِ، لَكَ أَنْ تَتَصَوَّرَ كَيْفَ يَكُونُ كَالرِّيشَةِ فِي مَهَابِّ الرِّيَاحِ الْأَرْبَعِ، لَيْسَ لَهُ مِنَ اسْتِقْرَارٍ، وَلَا قَرَارٍ يَقَرُّ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ اطْمِئْنَانٍ يُمْكِنُ أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي حَرْبٍ مَعَ اللهِ وَرَسُولِهِ ﷺ.

إِنَّ الرِّبَا يُوَلِّدُ فِي النَّاسِ حُبَّ الذَّاتِ، فَلَا يَعْرِفُ الْمَرْءُ إِلَّا نَفْسَهُ، وَلَا يُهِمُّهُ إِلَّا مَصْلَحَتُهُ وَمَنْفَعَتُهُ، وَبِذَلِكَ تَنْعَدِمُ رُوحُ التَّضْحِيَةِ وَالْإِيثَارِ، وَتَنْعَدِمُ مَعَانِي حُبِّ الْخَيْرِ لِلْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ، وَتَحُلُّ مَحَلَّهَا رُوحُ حُبِّ الذَّاتِ، وَالْأَثَرَةِ، وَالْأَنَانِيَةِ، وَتَتَلَاشَى الرَّوَابِطُ الْأَخَوِيَّةُ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَأَخِيهِ الْإِنْسَانِ.

وَأَيْضًا، فَإِنَّ الرِّبَا يُوَلِّدُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغَضَاءَ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ، وَيَدْعُو إِلَى تَفْكِيكِ الرَّوَابِطِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالِاجْتَمَاعِيَّةِ بَيْنَ طَبَقَاتِ النَّاسِ، وَيَقْضِي عَلَى كُلِّ مَظَاهِرِ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَالتَّعَاوُنِ وَالْإِحْسَانِ فِي نُفُوسِ الْبَشَرِ.

 

 

المصدر:مَعَالِمُ الرَّحْمَةِ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الْحِكْمَةُ مِنَ الِابْتِلَاءِ
  فَضْلُ الْجِهَادِ الشَّرْعِيِّ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى
  مِنْ دُرُوسِ وَفَوَائِدِ قِصَّةِ الْخَلِيلِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: الِامْتِثَالُ وَالِاسْتِسْلَامُ لِأَمْرِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-
  ضَرُورَةُ مُرَاقَبَةِ السِّرِّ وَرِعَايَةِ الضَّمِيرِ
  مِصْرُ الْغَالِيَةُ صَخْرَةُ الْإِسْلَامِ
  مَعَالِمُ الرَّحْمَةِ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ
  الْحِرْصُ عَلَى الْإِخْلَاصِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فِي الْحَجِّ
  الْعِبَادَةُ لَا تَنْقَطِعُ بِانْتِهَاءِ رَمَضَانَ!!
  مَبْنَى الْعَلَاقَاتِ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى الْعَدْلِ
  كُبْرَى مُقَدَّسَاتِ الْمُسْلِمِينَ فِي خَطَرٍ عَظِيمٍ الْيَوْمَ!
  الدرس الرابع : «التَّسَامُحُ»
  دِينُ الْإِسْلَامِ دِينُ الرَّحْمَةِ وَالسَّلَامِ
  أَخْطَرُ الشَّائِعَاتِ فِي تَارِيخِ الْمُسْلِمِينَ وَآثَارُهَا
  مِنْ مُوجِبَاتِ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ فِي رَمَضَانَ: الصَّدَقَاتُ وَالْجُودُ
  الدَّعْوَةُ إِلَى اللهِ مِنْ أَهَمِّ عَوَامِلِ الْقُوَّةِ فِي بِنَاءِ الدُّوَلِ
  • شارك