لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ


((لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ))

أَمَا وَالَّذِي حَجَّ الْمُحِبُّونَ بَيْتَهُ          ***     وَلَبَّوْا لَهُ عِنْدَ الْمُهَلِّ وَأَحْرَمُوا

وَقَدْ كَشَفُوا تِلْكَ الرُّؤُوسَ تَوَاضُعا   ***     لِعِزَّةِ مَنْ تَعْنُو الْوُجُوهُ وَتُسْلِمُ

يُهِلُّونَ بِالْبَيْدَاءِ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا       ***    لَكَ الْمُلْكُ وَالْحَمْدُ الَّذِي أَنْتَ تَعْلَمُ

دَعَاهُمْ فَلَبَّوْهُ؛ رِضًا وَمَحَبةً         ***    فَلَمَّا دَعَوْهُ كَانَ أَقْرَبَ مِنْهُــــــمُ

تَرَاهُمْ عَلَى الْأَنْضَاءِ شُعْثًا رُؤُوسُهُمْ *** وَغُبْرًا وَهُمْ فِيهَا أَسَرُّ وَأَنْعَـــمُ

وَقَدْ فَارَقُوا الْأَوْطَانَ وَالْأَهْلَ رَغْبَةً  *** وَلَمْ تُثْنِهِمْ لَذَّاتُهُمْ وَالتَّنَعُّمُ

يَسِيرُونَ مِنْ أَقْطَارِهَا وَفِجَاجِهَا *** رِجَالًا وَرُكْبَانًا وَللهِ أَسْلَمُوا

((رُؤْيَةُ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ))

وَلَمَّا رَأَتْ أَبْصَارُهُمْ بَيْتَهُ الَّذِي *** قُلُوبُ الْوَرَى شَوْقًا إِلَيْهِ تَضَرَّمُ

كَأَنَّهُمْ لَمْ يَنْصَبُوا قَطُّ قَبْلَهُ ***    لِأَنَّ شَقَاهُمْ قَدْ تَرَحَّلَ عَنْهُمُ

فَلِلهِ كَمْ مِنْ عَبْرَةٍ مُهْرَاقَةٍ! *** وَأُخْرَى عَلَى آثَارِهَا لَا تَقَدَّمُ

وَقَدْ شَرِقَتْ عَيْنُ الْمُحِبِّ بِدَمْعِهَا *** فَيَنْظُرُ مِنْ بَيْنِ الدُّمُوعِ وَيُسْجِمُ

إِذَا عَايَنَتْهُ الْعَيْنُ زَالَ ظَلَامُهَا *** وَزَالَ عَنِ الْقَلْبِ الْكَئِيبِ التَّأَلُّمُ

وَلَا يَعْرِفُ الطَّرْفُ الْمُعَايِنُ حُسْنَهُ *** إِلَى أَنْ يَعُودَ الطَّرْفُ وَالشَّوْقُ أَعْظَمُ

وَلَا عَجَبٌ مِنْ ذَا فَحِينَ أَضَافَهُ *** إِلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَنُ؛ فَهْوَ الْمُعَظَّمُ

كَسَاهُ مِنَ الْإجْلَالِ أَعْظَمَ حُلَّةٍ *** عَلَيْهَا طِرَازٌ بِالْمَلَاحَةِ مُعْلِمُ

فَمِنْ أَجْلِ ذَا كُلُّ الْقُلُوبِ تُحِبُّهُ *** وَتَخْضَعُ إِجْلَالًا لَهُ وَتُعَظِّمُ

((الذَّهَابُ إِلَى عَرَفَةَ))

وَرَاحُوا إِلَى التَّعْريفِ يَرْجُونَ رَحْمَةً *** وَمَغْفِرَةً مِمَّنْ يَجُودُ وَيُكْرِمُ

فَلِلهِ ذَاكَ الْمَوْقِفُ الْأَعْظَمُ الَّذِي  *** كَمَوْقِفِ يَوْمِ الْعَرْضِ بَلْ ذَاكَ أَعْظَمُ

وَيَدْنُو بِهِ الْجَبَّارُ جَلَّ جَلَالُهُ *** يُبَاهِي بِهِمْ أَمْلَاكَهُ فَهْوَ أَكْرَمُ

يَقُولُ عِبَادِي قَدْ أَتَوْنِي مَحَبَّةً *** وَإنِّي بِهِمْ بَرٌّ أَجُودُ وَأَرْحَمُ

فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي غَفَرْتُ ذُنُوبَهُمْ *** وَأَعْطَيْتُهُمْ مَا أَمَّلُوهُ وَأُنْعِمُ

فَبُشْرَاكُمُ يَا أَهْلَ ذَا الْمَوْقِفِ الَّذِي *** بِهِ يَغْفِرُ اللهُ الذُّنُوبَ وَيَرْحَمُ

فَكَمْ مِنْ عَتِيقٍ فِيهِ كُمِّلَ عِتْقُهُ! *** وَآخَرُ يَسْتَسْعَى وَرَبُّكَ أَرْحَمُ

وَمَا رُؤِيَ الشَّيْطَانُ أَغْيَظَ فِي الْوَرَى *** وَأَحْقَرَ مِنْهُ عِنْدَهَا وَهْوَ أَلْأَمُ

وَذَاكَ لِأَمْرٍ قَدْ رَآهُ فَغَاظَهُ *** فَأَقْبَلَ يَحْثُو التُّرْبَ غَيْظًا وَيَلْطِمُ

وَقَدْ عَايَنَتْ عَيْنَاهُ مِنْ رَحْمَةٍ أَتَتْ *** وَمَغْفِرَةٍ مِنْ عِنْدِ ذِي الْعَرْشِ تُقْسَمُ

بَنَى مَا بَنَى حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ *** تَمَكَّنَ مِنْ بُنْيَانِهِ فَهْوَ مُحْكَمُ

أَتَى اللهُ بُنْيَانًا لَهُ مِنْ أَسَاسِهِ *** فَخَرَّ عَلَيْهِ سَاقِطًا يَتَهَدَّمُ

وَكَمْ قَدْرُ مَا يَعْلُو الْبِنَاءُ وَيَنْتَهِي *** إِذَا كَانَ يَبْنِيهِ وَذُو الْعَرْشِ يَهْدِمُ؟!

نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عُتَقَائِهِ مِنَ النَّارِ وَإِخْوَانَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغارِبِهَا؛ إِنَّهُ هُوَ الْجَوادُ الْكَرِيمُ، وَالْبَرُّ الرَّحِيمُ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

المصدر : فضل يوم عرفة، والدروس المستفادة من خطبة حجة الوداع

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الدُّنْيَا دَارُ بَلَاءٍ وَابْتِلَاءٍ!
  مِنْ مَعَالِمِ الرَّحْمَةِ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ: الْإِحْسَانُ وَالرَّحْمَةُ بِكُلِّ شَيْءٍ
  الحُبُّ الفِطْرِيُّ لِلْأَوْطَانِ
  تَقَرَّبُوا إِلَى اللهِ وَافْرَحُوا فِي عِيدِكُمْ
  تَرْبِيَةُ الطِّفْلِ عَلَى التَّوْحِيدِ
  جُمْلَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ
  تَحْرِيمُ اللهِ عَلَى الْإِنْسَانِ كُلَّ الْخَبَائِثِ
  أَعْلَى دَرَجَاتِ الْعَطَاءِ لِلْوَطَنِ: الدَّعْوَةُ إِلَى التَّوْحِيدِ
  اصْدُقُوا! فَالْكَلِمَةُ أَمَانَةٌ
  شَرَعَ اللهُ الزَّوَاجَ لِتَكْوِينِ أُسَرٍ يَخْرُجُ مِنْهَا نَشْءٌ مُوَحِّدٌ للهِ
  الْعَالَمُ الْيَوْمَ فِي حَاجَةٍ إِلَى دِينِ مُحَمَّدٍ ﷺ
  فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَنْ يَتَعَلَّمَ كَيْفَ يَحُجُّ
  الْجَمْعُ بَيْنَ أَحَادِيثِ الصَّوْمِ، وَعَدَمِهِ في الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
  مَظَاهِرُ النِّظَامِ فِي الْعِبَادَاتِ
  رَمَضَانُ شَهْرُ التَّرْبِيَةِ عَلَى الْمُرَاقَبَةِ الذَّاتِيَّةِ وَرِعَايَةِ الضَّمِيرِ
  • شارك