الْحِكْمَةُ مِنَ الِابْتِلَاءِ


 ((الْحِكْمَةُ مِنَ الِابْتِلَاءِ))

إِنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَبْتَلِي النَّاسَ فِي الْحَيَاةِ لِيَرَى صَبْرَهُمْ، وَلِيَرَى صِدْقَهُمْ، جَعَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْفِتْنَةَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِ كَالنَّارِ بِالنِّسْبَةِ لِلذَّهَبِ، يَدْخُلُ الذَّهَبُ النَّارَ حَتَّى يَخْرُجَ خَالِصًا مُخَلَّصًا مِنْ شَوَائِبِهِ وَمَا عَلِقَ بِهِ.

وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ يَبْتَلِيهِ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِالْفِتَنِ، وَيُدْخِلُهُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- نَارَ الْمِحَنِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنْ شَوَائِبِهِ، وَمِنْ أَجْلِ أَنْ يَصِيرَ إِلَى كَمَالِ الْعَقْلِ وَالصَّبْرِ حَتَّى يَدْفَعَ فِتْنَةَ الشَّهْوَةِ، وَحَتَّى يَصِيرَ إِلَى كَمَالِ الْبَصِيرَةِ وَالْيَقِينِ حَتَّى يَدْفَعَ فِتْنَةَ الشُّبْهَةِ.

فَاللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- جَعَلَ هَذَا الْمَحَكَّ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَرَى اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- صِدْقَ الْإِنْسَانِ وَصَبْرَهُ.

قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1-3].

أَظَنَّ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ: آمَنَّا بِاللهِ، وَهُمْ لَا يُخْتَبَرُونَ وَيُمْتَحَنُونَ بِمَشَاقِّ التَّكَالِيفِ وَوَظَائِفِ الطَّاعَاتِ، وَأَنْوَاعِ الْمَصَائِبِ فِي الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ؟!!

كَلَّا.. لَنَخْتَبِرَنَّهُمْ؛ لِنُبَيِّنَ الْمُخْلِصَ مِنَ الْمُنَافِقَ، وَالصَّادِقَ مِنَ الْكَاذِبِ، وَالصَّابِرَ مِنَ الْجَزُوعِ.

وَنُؤَكِّدُ مُقْسِمِينَ أَنَّنَا اخْتَبَرْنَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ بِضُرُوبِ الْفِتَنِ وَأَنْوَاعِ الْمِحَنِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ نُشِرَ بِالْمِنْشَارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ.. فَصَبَرُوا، فَمَا لَهُمْ لَا يَصْبِرُونَ مِثْلَهُمْ؟!!

فَلَيُظْهِرَنَّ اللهُ الصَّادِقِينَ فِي الْإِيمَانِ مِنَ الْكَاذِبِينَ فِيهِ بِاخْتِبَارِهِمُ اخْتِبَارًا عَمَلِيًّا يَكْشِفُ صِدْقَ الصَّادِقِينَ وَكَذِبَ الْكَاذِبِينَ.

 ((يَبْتَلِي اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْإِنْسَانَ عَلَى الْمُسْتَوَى الشَّخْصِيِّ فِيمَا يُصِيبُهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ فِيمَنْ يُهِمُّهُ، فَيُنْزِلُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى النَّاسِ مَا يَشَاءُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنْ ضُرُوبِ الْفِتَنِ وَالْمِحَنِ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَبْتَلِيَ صَبْرَهُمْ، وَمِنْ أَجْلِ أَنْ يَعْلَمَ صِدْقَهُمْ.

وَيَأْتِي الِابْتِلَاءُ الِاجْتِمَاعِيُّ فِي هَذَا التَّفَاعُلِ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ الْكَائِنِ الْإِنْسَانِيِّ وَالْكَوَائِنِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْأُخْرَى مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي يُعَاشِرُهَا وَيُعَالِجُهَا وَيُخَالِطُهَا، فَيَأْتِي مَا يَأْتِي مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الْبَشَرُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْيَانِ.

ثُمَّ يَأْتِي الِابْتِلَاءُ الْجَمَاعِيُّ الْأُمَمِيُّ عِنْدَمَا يُنْزِلُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى بَعْضِ الْأُمَمِ أَوْ عَلَى بَعْضِ الْجَمَاعَاتِ مِنْ تَجَمُّعَاتِ الْبَشَرِ.. يُنْزِلُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَيْهِمْ نِقْمَتَهُ وَسَخَطَهُ عِنْدَمَا يَخْرُجُونَ عَنْ أَمْرِهِ؛ لِيَرُدَّهُمُ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِلَى الْحَقِّ، أَوْ لِيُعَاقِبَهُمْ عَلَى مَا أَسْلَفُوا مِنَ الْإِسَاءَةِ.

إِنَّ حِكْمَةَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي خَلْقِهِ اقْتَضَتْ أَنْ يَبْتَلِيَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- النَّاسَ بِالضَّرَّاءِ وَالسَّرَّاءِ؛ لِأَنَّ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عِنْدَمَا يَبْتَلِي الْإِنْسَانَ بِالضُّرِّ وَالشَّرِّ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ تَقْوِيَةً لِلْإِيمَانِ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ.

وَيَكُونُ ذَلِكَ الِابْتِلَاءُ جِسْرًا يُوصِلُ إِلَى أَكْمَلِ الْغَايَاتِ، وَهُوَ وَسِيلَةٌ لِلتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ تَمْحِيصٌ لِلْمُؤْمِنِ وَتَخْلِيصٌ لَهُ مِنَ الشَّوَائِبِ الْمُنَافِيَةِ لِلْإِيمَانِ.

وَهُوَ رَدْعٌ وَتَحْذِيرٌ مِنَ الْغُرُورِ، وَهُوَ رَحْمَةٌ بِالْعُصَاةِ وَتَخْفِيفٌ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَيْضًا هُوَ إِقَامَةُ حُجَّةِ الْعَدْلِ عَلَى الْخَلْقِ فِي الْأَرْضِ وَعَلَى الْعِبَادِ)) .

 

المصدر:الِابْتِلَاءُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  الدَّعْوَةُ إِلَى التَّوْحِيدِ دَعْوَةُ الْمُرْسَلِينَ أَجْمَعِينَ
  مِنْ دُرُوسِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ: أَنَّ قُدْرَةَ اللهِ لَا حَدَّ لَهَا
  الصَّائِمُونَ الْمُفْلِسُونَ
  الدرس الرابع والعشرون : «سَلَامَةُ الصَّدْرِ»
  الْجُودُ وَالْإِيثَارُ فِي رَمَضَانَ
  رَمَضَانُ شَهْرُ التَّرْبِيَةِ عَلَى الْمُرَاقَبَةِ الذَّاتِيَّةِ وَرِعَايَةِ الضَّمِيرِ
  نَصِيحَةٌ لِجَمَاعَاتٍ ضَالَّةٍ تُكَفِّرُ أَهْلَ الْقِبْلَةِ!!
  النِّفَاقُ دَاءٌ خَطِيرٌ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ
  التَّوْحِيدُ سَبِيلُ بِنَاءِ الْأُمَّةِ وَعِزَّتِهَا
  الْهَدَفُ مِنْ خَلْقِ الْخَلْقِ وَإِقَامَةِ الْمُجْتَمَعَاتِ عِبَادَةُ اللهِ وَتَوْحِيدُهُ
  لَا تَقْنَطُوا مَهْمَا اشْتَدَّتْ بِكُمُ الْمِحَنُ!
  مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: هَجْرُ الْفَوَاحِشِ وَالنَّظَرِ وَالسَّمَاعِ الْمُحَرَّمِ
  مِنْ دُرُوسِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ: بَيَانُ مَكَانَةِ الْقُدْسِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فِي الْإِسْلَامِ
  مِنْ سُبُلِ التَّنْمِيَةِ الِاقْتِصَادِيَّةِ: الِاجْتِهَادُ فِي الْعَمَلِ وَالْإِنْتَاجِ
  رَمَضَانُ.. كَيْفَ نَحْيَاهُ؟
  • شارك