الرَّسُولُ ﷺ هُوَ إِمَامُ الصَّادِقِينَ


 ((الرَّسُولُ ﷺ هُوَ إِمَامُ الصَّادِقِينَ))

((الرَّسُولُ هُوَ إِمَامُ الصَّادِقِينَ، كَانَتْ حَيَاتُهُ أَفْضَلَ مِثَالٍ لِلْإِنْسَانِ الْكَامِلِ الَّذِي اتَّخَذَ مِنَ الصِّدْقِ فِي الْقَوْلِ وَالْأَمَانَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ خَطًّا ثَابِتًا لَا يَحِيدُ عَنْهُ قِيدَ أُنْمُلَةٍ، وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِيهِ بِمَثَابَةِ السَّجِيَّةِ وَالطَّبْعِ، فَعُرِفَ بِذَلِكَ حَتَّى قَبْلَ الْبَعْثَةِ.

وَكَانَ لِذَلِكَ يُلَقَّبُ بِالصِّادِقِ الْأَمِينِ، وَاشْتُهِرَ بِهَذَا وَعُرِفَ بِهِ بَيْنَ أَقْرَانِهِ، وَقَدِ اتَّخَذَ ﷺ مِنَ الصِّدْقِ الَّذِي اشْتُهِرَ بِهِ بَيْنَ أَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ مَدْخَلًا إِلَى الْمُجَاهَرَةِ بِالدَّعْوَةِ؛ إِذْ إِنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}؛ جَمَعَ أَهْلَهُ، وَسَأَلَهُمْ عَنْ مَدَى تَصْدِيقِهِمْ لَهُ إِذَا أَخْبَرَهُمْ بِأَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ، فَأَجَابُوا بِمَا عَرَفُوا عَنْهُ قَائِلِينَ: ((مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا الصِّدْقَ))؛ مَا عَرَفْنَا عَنْكَ إِلَّا الصِّدْقَ، وَمَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا.

رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: ((لَمَّا نَزَلَتْ {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}، صَعِدَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِي: ((يَا بَنِي فِهْرٍ! يَا بَنِي عَدِيٍّ!)) لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا.

فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: ((أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟)).

قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا.

قَالَ: ((فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ)).

فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ! أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟! فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}.

لَقَدْ كَانَ الصِّدْقُ مِنْ خَصَائِصِ أَقْوَالِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ الْإِمَامُ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ- : ((لَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ مَحْفُوظَ اللِّسَانِ مِنْ تَحْرِيفٍ فِي قَوْلٍ، وَاسْتِرْسَالٍ فِي خَبَرٍ يَكُونُ إِلَى الْكَذِبِ مَنْسُوبًا وَلِلصِّدْقِ مُجَانِبًا، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ كُلُّهَا تَعْرِفُ عَنْهُ ذَلِكَ، وَلَوْ حَفِظُوا عَلَيْهِ كِذْبَةً نَادِرَةً فِي غَيْرِ الرِّسَالَةِ لَجَعَلُوهَا دَلِيلًا عَلَى تَكْذِيبِهِ فِي الرِّسَالَةِ، وَمَنْ لَزِمَ الصِّدْقَ فِي صِغَرِهِ كَانَ لَهُ فِي الْكِبَرِ أَلْزَمَ، وَمَنْ عُصِمَ مِنْهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ كَانَ فِي حُقُوقِ اللهِ أَعْصَمَ)).

وَبَعْدَ الْبَعْثَةِ الْمُبَارَكَةِ كَانَ تَصْدِيقُ الْوَحْيِ لَهُ مَدْعَاةً لِأَنْ يُطْلِقُ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ: الصِّادِقَ الْمَصْدُوقَ ﷺ، وَصَدَقَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِذْ قَالَ: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 2-4]» .

 

المصدر: الصِّدْقُ وَأَثَرُهُ فِي صَلَاحِ الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مَعْرَكَةٌ تَارِيخِيَّةٌ لِلْجَيْشِ الْمِصْرِيِّ فِي سَيْنَاءَ ضِدَّ الْإِرْهَابِ وَالْخِيَانَةِ
  سُبُلُ مُوَاجَهَةِ الإِدْمَانِ وَالْمُخَدِّرَاتِ
  سَبَبُ النَّصْرِ الْأَعْظَمُ: تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ وَالِاتِّبَاعِ
  الْهِجْرَةُ هِجْرَتَانِ
  يَا أَبْنَاءُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ! احْمِلُوا رَحْمَةَ النَّبِيِّ ﷺ لِلْعَالَمِ أَجْمَعِ
  عِظَمُ خُلُقِ الْوَفَاءِ
  نَصِيحَةٌ غَالِيَةٌ بَيْنَ يَدَيِ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
  الْوَعْيُ بِالتَّحَدِّيَّاتِ الِاقْتِصَادِيَّةِ وَسُبُلِ مُوَاجَهَتِهَا
  خَوَارِجُ الْعَصْرِ وَتَكْفِيرُ الْمُجْتَمَعَاتِ
  فَضَائِلُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَشَرَفُ حَمَلَتِهِ
  حُسْنُ الخُلُقِ
  الْحَثُّ عَلَى الْإِيجَابِيَّةِ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ
  ضَوَابِطُ تَرْبِيَةِ الْيَتِيمِ وَتَأْدِيبِهِ
  تَعْرِيفُ النِّكَاحِ
  نَهْيُ النَّبِيِّ ﷺ عَنِ الْعُنْفِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَذِيَّتِهِمْ
  • شارك