اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هُوَ الْحَلِيمُ الْوَدُودُ


 ((اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هُوَ الْحَلِيمُ الْوَدُودُ))

عِبَادَ اللهِ! مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْحُسْنَى: الْحَلِيمُ؛ وَالْحَلِيمُ ذُو الصَّفْحِ وَالْأَنَاةِ، الَّذِي لَا يَسْتَفِزُّهُ غَضَبٌ، وَلَا يَسْتَخِفُّهُ جَهْلُ جَاهِلٍ وَلَا عِصْيَانُ عَاصٍ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الصَّافِحُ مَعَ الْعَجْزِ اسْمَ الْحَلِيمِ، إِنَّمَا الْحَلِيمُ هُوَ الصَّفُوحُ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَذُو الْأَنَاةِ الَّذِي لَا يَعْجَلُ بِالْعُقُوبَةِ.

الْحَلِيمُ الَّذِي يُدِرُّ عَلَى خَلْقِهِ النِّعَمَ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ مَعَ مَعَاصِيهِمْ وَكَثْرَةِ زَلَّاتِهِمْ، فَيَحْلُمُ عَنْ مُقَابَلَةِ الْعَاصِينَ بِعِصْيَانِهِمْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إِنْفَاذِ الْعُقُوبَةِ فِيهِمْ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَعْتِبُهُمْ كَيْ يَتُوبُوا، وَيُمْهِلُهُمْ كَيْ يُنِيبُوا.

وَهُوَ الَّذِي لَهُ الْحِلْمُ الْكَامِلُ الَّذِي وَسِعَ أَهْلَ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ حَيْثُ أَمْهَلَهُمْ وَلَمْ يُعَاجِلْهُمْ بِالْعُقُوبَةِ لِيَتُوبُوا، وَلَوْ شَاءَ لَأَخَذَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ فَوْرَ صُدُورِهَا مِنْهُمْ؛ فَإِنَّ الذُّنُوبَ تَقْتَضِي تَرَتُّبَ آثَارِهَا عَلَيْهَا مِنَ الْعُقُوبَاتِ الْعَاجِلَةِ الْمُتَنَوِّعَةِ، وَلَكِنَّ حِلْمَهُ -سُبْحَانَهُ- هُوَ الَّذِي اقْتَضَى إِمْهَالَهُمْ؛ كَمَا قَالَ رَبُّنَا جَلَّتْ قُدْرَتُهُ: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} [فاطر: 45].

{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل: 61].

وَالْوَدُودُ: اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الْوُدِّ، وَفِيهِ وَجْهَانِ:

بِمَعْنَى الْمَوْدُودِ فِي قُلُوبِ أَوْلِيَائِهِ؛ لِمَا يَتَعَرَّفُونَهُ مِنْ إِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ وَكَثْرَةِ عَوَائِدِهِ لَدَيْهِمْ؛ فَهَذَا وَجْهٌ.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْوَدُودُ بِمَعْنَى الْوَادِّ؛ أَيْ أَنَّهُ يَوَدُّ عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ، بِمَعْنَى أَنْ يَرْضَى عَنْهُمْ وَيَتَقَبَّلَ أَعْمَالَهُمْ.

وَقَدْ يَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُ يُوَدِّدُهُمْ إِلَى خَلْقِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا} [مريم: 96]؛ يَعْنِي مَحَبَّةً فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ.

قَالَ رَبُّنَا جَلَّتْ قُدْرَتُهُ: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود: 90].

وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج: 14].

فَالْوَدُودُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْوُدِّ بِمَعْنَى خَالِصِ الْمَحَبَّةِ، فَالْوَدُودُ هُوَ الْمُحِبُّ الْمَحْبُوبُ؛ بِمَعْنَى وَادٍّ، فَهُوَ مَوْدُودٌ، فَهُوَ الْوَادُّ لِأَنْبِيَائِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ الْمَحْبُوبُ لَهُمْ، بَلْ لَا شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْهُ.

فَهَذَانِ مَعْنَيَانِ لِهَذَا الِاسْمِ الشَّرِيفِ مِنْ أَسْمَاءِ رَبِّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْحُسْنَى.

وَهُوَ الْوَدُودُ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّهُ          = أَحْبَابُهُ  وَالْفَضْلُ لِلْمَنَّانِ

هَذَا الَّذِي جَعَلَ الْمَحَبَّةَ فِي قُلُو  =  بِهِمُ وَجَازَاهُمْ بِحُبٍّ ثَانِ

هَذَا هُوَ الْإِحْسَانُ حَقًّا لَا مُعَا   =  وَضَةً وَلَا لِتَوَقُّعِ الشُّكْرَانِ

لَكِنْ يُحِبُّ شَكُورَهُمْ وَشُكُورَهُمْ  =   لَا لِاحْتِيَاجٍ مِنْهُ لِلشُّكْرَانِ

وَهُوَ الشَّكُورُ فَلَنْ يُضَيِّعَ سَعْيَهُمْ    =   لَكِنْ يُضَاعِفُهُ بِلَا حُسْبَانِ

مَا لِلْعِبَادِ عَلَيْهِ حَقٌّ وَاجِبٌ    =   هُوَ أَوْجَبَ الْأَجْرَ الْعَظِيمَ الشَّانِ

كَلَّا وَلَا عَمَلٌ لَدَيْهِ ضَائِعٌ    =  إِنْ كَانَ بِالْإِخْلَاصِ وَالْإِحْسَانِ

إِنْ عُذِّبُوا فَبِعَدْلِهِ أَوْ نُعِّمُوا   = فَبِفَضْلِهِ وَالْحَمْدُ لِلْمَنَّانِ

 

المصدر: عَفْوُ اللهِ الْكَرِيمِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  فَارِقٌ بَيْنَ الْفَهْمِ الصَّحِيحِ لِلدِّينِ وَتَجْدِيدِ الدِّينِ!!
  الْجَيْشُ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ كُلُّ الْأُمَّةِ
  الدرس التاسع : «المُرَاقَبَةُ»
  فَضْلُ الْجِهَادِ وَمَنْزِلَةُ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
  أَنْوَاعُ الْوَفَاءِ
  بَادِرُوا إِلَى طَلَبِ الْعِلْمِ
  تَعَلُّقُ الْخِيَانَةِ بِالضَّمِيرِ
  آدَابُ الِاسْتِئْذَانِ
  فَوَائِدُ الزَّوَاجِ الْعَظِيمَةُ وَثَمَرَاتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
  نَصَائِحُ مُهِمَّةٌ لِطُلَّابِ الْعِلْمِ
  التَّرْشِيدُ فِي حَيَاتِنَا وَالْإِنْفَاقُ فِي رَمَضَانَ مِثَالٌ!!
  لَا يُجزِئُ إِخرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ قِيمَةِ الطَّعَامِ
  مَعَالِمُ الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ فِي الْعِبَادَاتِ
  الدرس العاشر : «الجُودُ وَالكَرَمُ في رَمَضَانَ»
  مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: هَجْرُ الْفَوَاحِشِ وَالنَّظَرِ وَالسَّمَاعِ الْمُحَرَّمِ
  • شارك