إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ


 ((إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ))

((يَا مَنْ عَزَمَ السَّفَرَ إِلَى اللهِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ, قَدْ رُفِعَ لَكَ عَلَمٌ فَشَمِّرْ إِلَيْهِ فَقَدْ أَمْكَنَ التَّشْمِيرُ، وَاجْعَلْ سَيْرَكَ بَيْنَ مُطَالَعَةِ مِنَّتِهِ وَمُشَاهَدَةِ عَيْبِ النَّفْسِ وَالْعَمَلِ وَالتَّقْصِيرِ، فَمَا أَبْقَى مَشْهَدُ النِّعْمَةِ وَالذَّنْبِ لِلْعَارِفِ مِنْ حَسَنَةٍ يَقُولُ: هَذِهِ مُنْجِيَتِي مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ، مَا الْمُعَوَّلُ إِلَّا عَلَى عَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ، فَكُلُّ أَحَدٍ إِلَيْهِمَا فَقِيرٌ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ, وَأَبُوءُ بِذَنْبِي, فَاغْفِرْ لِي, أَنَا الْمُذْنِبُ الْمِسْكِينُ وَأَنْتَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ.

مَا تُسَاوِي أَعْمَالُكَ لَوْ سَلِمَتْ مِمَّا يُبْطِلُهَا أَدْنَى نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْكَ، وَأَنْتَ مُرْتَهَنٌ بِشُكْرِهَا مِنْ حِينَ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْكَ؛ فَهَلْ رَعَيْتَهَا -بِاللهِ- حَقَّ رِعَايَتِهَا وَهِيَ فِي تَصْرِيفِكَ وَطَوْعُ يَدَيْكَ؟!!

فَتَعَلَّقْ بِحَبْلِ الرَّجَاءِ، وَادْخُلْ مِنْ بَابِ التَّوْبَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ.

نَهَجَ لِلْعَبْدِ طَرِيقَ النَّجَاةِ وَفَتَحَ لَهُ أَبْوَابَهَا، وَعَرَّفَهُ طُرُقَ تَحْصِيلِ السَّعَادَةِ وَأَعْطَاهُ أَسْبَابَهَا، وَحَذَّرَهُ مِنْ وَبَالِ مَعْصِيَتِهِ، وَأَشْهَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ شُؤْمَهَا وَعِقَابَهَا، وَقَالَ: إِنْ أَطَعْتَ فَبِفَضْلِي وَأَنَا أَشْكُرُ، وَإِنْ عَصَيْتُ فَبِقَضَائِي وَأَنَا أَغْفِرُ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

وَأَزَاحَ عَنِ الْعَبْدِ الْعِلَلَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِهِ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَوَعَدَهُ أَنْ يَشْكُرَ لَهُ الْقَلِيلَ مِنَ الْعَمَلِ، وَيَغْفِرَ لَهُ الْكَثِيرَ مِنَ الزَّلَلِ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

أَعْطَاهُ مَا يَشْكُرُ عَلَيْهِ, ثُمَّ شَكَرَهُ عَلَى إِحْسَانِهِ إِلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى إِحْسَانِهِ إِلَيْهِ، وَوَعَدَهُ عَلَى إِحْسَانِهِ لِنَفْسِهِ أَنْ يُحْسِنَ جَزَاءَهُ وَيُقَرِّبَهُ لَدَيْهِ، وَأَنْ يَغْفِرَ لَهُ خَطَايَاهُ إِذَا تَابَ مِنْهَا وَلَا يَفْضَحَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

وَثِقَتْ بِعَفْوِهِ هَفَوَاتُ الْمُذْنِبِينَ فَوَسِعَتْهَا، وَعَكَفَتْ بِكَرَمِهِ آمَالُ الْمُحْسِنِينَ فَمَا قَطَعَ طَمَعَهَا، وَخَرَّقَتِ السَّبْعَ الطِّبَاقَ دَعَوَاتُ التَّائِبِينَ وَالسَّائِلِينَ فَسَمِعَهَا، وَوَسِعَ الْخَلَائِقَ عَفْوُهُ وَمَغْفِرَتُهُ وَرِزْقُهُ, فَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا، وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

يَجُودُ عَلَى عَبِيدِهِ بِالنَّوَالِ قَبْلَ السُّؤَالِ، وَيُعْطِي سَائِلَهُ وَمُؤَمِّلَهُ فَوْقَ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ مِنْهُمُ الْآمَالُ، وَيَغْفِرُ لِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ وَلَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُهُ عَدَدَ الْأَمْوَاجِ وَالْحَصَى وَالتُّرَابِ وَالرِّمَالِ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا، وَأَفْرَحُ بِتَوْبَةِ الْعَائِدِ التَّائِبِ مِنَ الْفَاقِدِ لِرَاحِلَتِهِ الَّتِي عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فِي الْأَرْضِ الْمُهْلِكَةِ إِذَا وَجَدَهَا، وَأَشْكَرُ لِلْقَلِيلِ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ, فَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِمِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنَ الْخَيْرِ شَكَرَهَا وَحَمِدَهَا؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

تَعَرَّفَ إِلَى عِبَادِهِ بِأَسْمَائِهِ وَأَوْصَافِهِ، وَتَحَبَّبَ إِلَيْهِمْ بِحِلْمِهِ وَآلَائِهِ، وَلَمْ تَمْنَعْهُ مَعَاصِيهِمْ بِأَنْ جَادَ عَلَيْهِمْ بِآلَائِهِ، وَوَعَدَ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ وَأَحْسَنَ طَاعَتَهُ بِمَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِ يَوْمَ لِقَائِهِ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

السَّعَادَةُ كُلُّهَا فِي طَاعَتِهِ، وَالْأَرْبَاحُ كُلُّهَا فِي مُعَامَلَتِهِ، وَالْمِحَنُ وَالْبَلَايَا كُلُّهَا فِي مَعْصِيَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ؛ فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْفَعُ مِنْ شُكْرِهِ وَتَوْبَتِهِ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

أَفَاضَ عَلَى خَلْقِهِ النِّعْمَةَ، وَكَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، وَضَمَّنَ الْكِتَابَ الَّذِي كَتَبَهُ إِنَّ رَحْمَتَهُ تَغْلِبُ غَضَبَهُ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

يُطَاعُ فَيُشْكَرُ؛ وَطَاعَتُهُ مِنْ تَوْفِيقِهِ وَفَضْلِهِ، وَيُعْصَى فَيَحْلُمُ؛ وَمَعْصِيَةُ الْعَبْدِ مِنْ ظُلْمِهِ وَجَهْلِهِ، وَيَتُوبُ إِلَيْهِ فَاعِلُ الْقَبِيحِ فَيَغْفِرُ لَهُ, حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ مِنْ أَهْلِهِ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

الْحَسَنَةُ عِنْدَهُ بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا أَوْ يُضَاعِفُهَا بِلَا عَدَدٍ وَلَا حُسْبَانٍ، وَالسَّيِّئَةُ عِنْدَهُ بِوَاحِدَةٍ وَمَصِيرُهَا إِلَى الْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ، وَبَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ لَدَيْهِ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

بَابُهُ الْكَرِيمُ مُنَاخُ الْآمَالِ وَمَحَطُّ الْأَوْزَارِ، وَسَمَاءُ عَطَايَاهُ لَا تُقْلِعُ عَنِ الْغَيْثِ بَلْ هِيَ مِدْرَارٌ، وَيَمِينُهُ مَلْأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

لَا يَلْقَى وَصَايَاهُ إِلَّا الصَّابِرُونُ، وَلَا يَفُوزُ بِعَطَايَاهُ إِلَّا الشَّاكِرُونَ، وَلَا يَهْلِكُ عَلَيْهِ إِلَّا الْهَالِكُونَ، وَلَا يَشْقَى بِعَذَابِهِ إِلَّا الْمُتَمَرِّدُونَ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

فَإِيَّاكَ أَيُّهَا الْمُتَمَرِّدُ أَنْ يَأْخُذَكَ عَلَى غِرَّةٍ فَإِنَّهُ غَيُورٌ، وَإِذَا أَقَمْتَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَهُوَ يَمُدُّكَ بِنِعْمَتِهِ فَاحْذَرْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُهْمِلْكَ لَكِنَّهُ صَبُورٌ، وَبُشْرَاكَ أَيُّهَا التَّائِبُ بِمَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ؛ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ.

مَنْ عَلِمَ أَنَّ الرَّبَّ شَكُورٌ تَنَوَّعَ فِي مُعَامَلَتِهِ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ تَعَلَّقَ بِأَذْيَالِ مَغْفِرَتِهِ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ رَحْمَتَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ لَمْ يَيْأَسْ مِنْ رَحْمَتِهِ؛ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.

مَنْ تَعَلَّقَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ أَخَذَتْهُ بِيَدِهِ حَتَّى تُدْخِلَهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَارَ إِلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصَلَ إِلَيْهِ، وَمَنْ أَحَبَّهُ أَحَبَّ أَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ وَكَانَتْ آثَرَ شَيْءٍ لَدَيْهِ.

حَيَاةُ الْقُلُوبِ فِي مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَكَمَالُ الْجَوَارِحِ فِي التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ, وَالْقِيَامِ بِخِدْمَتِهِ، وَكَمَالُ الْأَلْسِنَةِ بِذِكْرِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِأَوْصَافِ مَدْحِهِ، فَأَهْلُ شُكْرِهِ أَهْلُ زِيَادَتِهِ، وَأَهْلُ ذِكْرِهِ أَهْلُ مُجَالَسَتِهِ، وَأَهْلُ طَاعَتِهِ أَهْلُ كَرَامَتِهِ، وَأَهْلُ مَعْصِيَتِهِ لَا يُقَنِّطُهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، إِنْ تَابُوا فَهُوَ حَبِيبُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا فَهُوَ طَبِيبُهُمْ، يَبْتَلِيهِمْ بِأَنْوَاعِ الْمَصَائِبِ لِيُكَفِّرَ عَنْهُمُ الْخَطَايَا وَيُطَهِّرَهُمْ مِنَ الْمَعَائِبِ؛ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)) .

 

المصدر: عَفْوُ اللهِ الْكَرِيمِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  رَحْمَةُ الْإِسْلَامِ بِالْمُسِنِّينَ
  مُوجِبَاتُ الْعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ فِي رَمَضَانَ
  الدُّرُوسُ العَظِيمَةُ مِنْ تَحْوِيلِ القِبْلَةِ
  وَسَائِلُ لِتَحْقِيقِ الْإِيجَابِيَّةِ فِي حَيَاةِ الْمُسْلِمِ
  مِنْ أَعْظَمِ الْبِرِّ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ
  حَدِيثُ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ
  اسْتِقْبَالُ الْعَشْرِ بِالِاجْتِهَادِ فِي أَدَاءِ الْحُقُوقِ وَسَدَادِ الدُّيُونِ
  الِاجْتِهَادُ فِي تَحْصِيلِ أَسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ فِي رَمَضَانَ
  الْأَثَرُ الْمُدَمِّرُ لِأَكْلِ الْحَرَامِ في الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ
  مَثَلٌ عَجِيبٌ فِي رِقَابَةِ السِّرِّ وَرِعَايَةِ الضَّمِيرِ
  مِنْ سُبُلِ بِنَاءِ الْأُمَّةِ: الْعَمَلُ الْجَادُّ
  الْمُسْلِمُونَ جَسَدٌ وَاحِدٌ بِالْأُخُوَّةِ وَالتَّكَافُلِ
  مَحَبَّةُ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلُهُ وَهُوَ صَائِمٌ
  نِدَاءٌ إِلَى طُلَّابِ الْعِلْمِ
  الِاتِّجَارُ فِي الْمُخَدِّرَاتِ وَالْإِدْمَانُ إِفْسَادٌ فِي الْأَرْضِ
  • شارك