بَرَاءَةُ الْإِسْلَامِ مِنْ جَرَائِمِ الْجَمَاعَاتِ الْمُتَطَرِّفَةِ


 

((بَرَاءَةُ الْإِسْلَامِ مِنْ جَرَائِمِ الْجَمَاعَاتِ الْمُتَطَرِّفَةِ))

إِنَّ مِمَّا يُبْنَى عَلَيْهِ دِينُ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ الْمُعَامَلَةَ الْمُسْتَقِيمَةَ لِخَلْقِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَا تَكُونُ إِلَّا دَائِرَةً عَلَى فَلَكِ الْإِحْسَانِ لِلْخَلْقِ أَجْمَعِينَ.

وَاللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَمَرَ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، فَالْإِحْسَانُ -إِذَنْ- فَرْضٌ مَفْرُوضٌ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ.

وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُرِحْ أَحَدُكُمْ ذَبِيحَتَهُ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ)) .

فَالرَّسُولُ ﷺ يُبَيِّنُ أَنَّهُ حَتَّى فِي هَذَا الْأَمْرِ كَتَبَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَفَرَضَ عَلَى الْإِنْسَانِ إِذَا مَا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ الشَّاةَ، أَوْ مَا مَلَّكَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَدَيْهِ إِيَّاهُ مِمَّا أَفَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِ مِنْ نِعَمِهِ، إِذَا مَا أَرَادَ أَنْ يَكُونَ ذَابِحًا فَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((فَلْيُرِحْ أَحَدُكُمْ ذَبِيحَتَهُ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ)).

وَإِنَّ مِنَ السُّنَّةِ أَلَّا يُظْهِرَ الْإِنْسَانُ الْمُدْيَةَ -أَيِ السِّكِّينَ- أَمَامَ عَيْنَيْ ذَبِيحَتِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ يَسُوقُهَا إِلَى الْمَوْتِ سَوْقًا رَفِيقًا، كَمَا قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لِرَجُلٍ كَانَ يَجُرُّ شَاةً لِيَذْبَحَهَا جَرًّا عَنِيفًا، فَقَالَ: ((سُقْهَا إِلَى الْمَوْتِ سَوْقًا رَفِيقًا؛ لِأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ)).

وَالنَّبِيُّ ﷺ أَمَرَ بِذَلِكَ.

وَمَا ضَرَبَ النَّبِيُّ ﷺ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

عَقِيدَةٌ صَحِيحَةٌ ثَابِتَةٌ، وَعِبَادَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ مَبْنَاهَا عَلَى النَّصِّ وَالتَّوْقِيفِ، وَمُعَامَلَةٌ لِلْخَلْقِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْإِحْسَانِ وَالْإِنْصَافِ، وَأَخْلَاقٌ قَوِيمَةٌ كَمَا جَاءَ بِهَا مُحَمَّدٌ ﷺ.

الْإسْلَامُ دِينُ الرَّحْمَةِ حَتَّى بِالْحَيَوَانَاتِ مَهْمَا صَغُرَتْ؛ فَإنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَقْبَل أَنْ تُحْرَقَ قَرْيَةُ النَّمْلِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ «لَا يُعَذِّبُ بِعَذَابِ اللهِ إِلَّا اللهُ».

إنَّ النَّبيَّ ﷺ لَمْ يَقْبَلْ أَنْ يَنْزِلَ الْعِقَابُ بِغَيْرِ النَّمْلَةِ الْجَانِيَةِ، فَأَخْبَرَ: «أَنَّ نَبيًّا نَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَقَرَصَتْهُ نَمْلَةٌ، فَأَمَرَ بِمَتَاعِهِ أنْ يُنْقَلَ، ثُمَّ أَمَرَ بِحَرْقِ قَرْيَةِ النَّمْلِ، فَقَالَ: فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً!! -يَعْنِي: عَاقِبْ الَّتِي قَرَصَتْكَ-. أَهْلَكْتَ أُمَّةً تُسَبِّحُ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- لأنَّ نَمْلَةً قَرَصَتْكَ».

هَذَا هُوَ نَّبِيُّكُمْ ﷺ.

لَا شَكَّ أَنَّ الرَّبْطَ بَيْنَ الدِّينِ وَالْإِرْهَابِ سَبَبُهُ الْجَهْلُ بِالدِّينِ، كَيْفَ لِدِينٍ يَجْعَلُ فِي كِتَابِهِ الْخَالِدِ عُقُوبَةً وَحَدًّا لِلْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ أَنْ يَأْمُرَ بِالْإرْهَابِ؟!!

كَيْفَ لِدِينٍ جَاءَ رَحْمَةً لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ كَمَا قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} أَنْ يُقِرَّ تَرْوِيعَ الْآمِنِينَ أَوْ الِاعْتِدَاءَ عَلَى الْمَدَنِيِّينَ؟!!

قَالَ ﷺ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ: «إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ»، إنَّهُ دِينُ الرَّحْمَةِ، الرَّحْمَةِ الشَّامِلَةِ التي تَشْمَلُ كُلَّ الْأَحْيَاءِ.

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا -أَيْ: خُفَّهَا- فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ -أَيْ: بِالْخُفِّ-، فَسَقَتْهُ -أَيْ: فسَقَتِ الْكَلْبَ- فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ، فَغُفِرَ لَهَا بِهِ».

فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْ دِينٍ يَرْحَمُ رَبُّهُ مَنْ رَحِمَتْ كَلْبًا، وَهِيَ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْ دِينٍ يَرْحَمُ مَنْ أَنْزَلَهُ مَنْ كَانَتْ كَذَلِكَ لِرَحْمَتِهَا كَلْبًا أَنَّ يُتَّهَمَ بِأَنَّهُ لَا يَحُثُّ عَلَى رَحْمَةِ الْإنْسَانِ؟!!

لَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ كَثِيرًا مِنْ صِفَاتِ الْخَوَارِجِ؛ حَتَّى لَا يَشْتَبِهَ أَمْرُهُمْ عَلَى مَنْ أَرَادَ الْحَقَّ وَهُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

وَمِنْ أَبْرَزِ صِفَاتِهِمْ: أَنَّهُمْ جُهَّالٌ, سُفَهَاءُ, أَحِدَّاءُ أَشِدَّاءُ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِيمَانِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ.

رَوَى الْبُخَارِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: ((سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ -يَعْنِي صِغَارُ السِّنِّ- سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ -أَيِ: الْعُقُولِ- يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ)) .

مِنْ سَفَاهَةِ الْخَوَارِجِ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ الْأَشْيَاءَ بِغَيْرِ اسْمِهَا؛ فَالْعَيْثُ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا, وَسَفْكُ الدَّمِ الْحَرَامِ, وَقَتْلُ الْأَبْرِيَاءِ بِغَيْرِ حَقٍّ, وَقَطْعُ الطُّرُقِ, وَتَخْرِيبُ الْمُنْشَآتِ, وَاسْتِنْزَافُ ثَرْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ, وَغَيْرُ ذَلِكَ هُوَ مِمَّا يُسَمُّونَهُ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ!!

وَهَذِهِ السَّبِيلُ هِيَ سَبِيلُ الشَّيْطَانِ فِي الْحَقِيقَةِ؛ فَإِنَّ تَغْيِيرَ الْأَسْمَاءِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ وَتَسْمِيَةَ مَا حَرَّمَ اللهُ بِأَسْمَاءٍ حَسَنَةٍ مِنْ حِيَلِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ, فَقَدْ أَغْوَى الشَّيْطَانُ آدَمَ وَزَوْجَهُ، وَزَعَمَ لَهُمَا أَنَّ الشَّجَرَةَ الْمُحَرَّمَةَ هِيَ شَجَرَةُ الْخُلْدِ، وَسَمَّى مَا حَرَّمَ اللهُ بِاسْمٍ تَهْفُو إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَتَجْنْحُ إِلَيْهِ الْقُلُوبُ، قَالَ: {قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى} [طه: 120]، فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الْخَوَارِجُ.

الْخَوَارِجُ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ, ضِعَافُ الْفُهُومِ, يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ, يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ، فَهُمْ جُهَّالٌ بِدِينِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

فِي هَذَا الْعَصْرِ؛ الْقُوَى الْمَحَلِيَّةُ مِنْ دَاخِلِيَّةٍ مُجْرِمَةٍ, وَكَذَا الْقُوَى الْخَارِجِيَّةُ مِنَ الصُّهْيُونِيَّةِ وَالصَّلِيبِيَّةِ وَالْمَاسُونِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ قُوَى الشَّيْطَانِ وَالشَّرِّ؛ كُلُّ أُولَئِكَ يَقِفُونَ أَمَامَ سَيْلِ الْإِسْلَامِ الْهَادِرِ بِمَا اسْتَطَاعُوا وَمَا وَجَدُوا، وَالْقَوْمُ يَا صَاحِبِي ضِعَافٌ لَا يَمْتَلِكُونَ أَنْ يُقَاوِمُوا تِلْكَ الْقُوَى الْعُظْمَى كَمَا يَقُولُونَ!! وَلَا أَنْ يَقِفُوا فِي وُجُوهِهِمْ، فَمَاذَا يَصْنَعُونَ؟!!

إِنَّ الَّذِي يَذْبَحُ النَّاسَ هُمُ الْخَوَارِجُ، لَمَّا فَرُّوا إِلَى النَّهْرَوَانِ وَأَخَذُوا عَبْدَ اللهِ بْنَ خَبَّابٍ فَذَبَحُوهُ، وَأَخَذُوا امْرَأَتَهُ فَبَقَرُوا بَطْنَهَا, وَاسْتَخْرَجُوا جَنِينَهَا مِنْ رَحِمِهَا -وَكَانَتْ حَامِلًا مُتِّمًا- فَذَبَحُوهُ!!

الَّذِينَ يَذْبَحُونَ الْيَوْمَ مِنَ الْمُجْرِمِينَ.. يَذْبَحُونَ النَّاسَ, فِعْلُ الْخَوَارِجِ الْمُجْرِمِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ, فَيُنَفِّرُونَ النَّاسَ مِنَ الدِّينِ، يُنَفِّرُونَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ دِينِ رَبِّ الْعَالَمِينَ!!

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُحْسِنَ خِتَامَنَا أَجْمَعِينَ.

المصدر:حَاجَتُنَا إِلَى الدِّينِ الرَّشِيدِ وَمُحَاسَبَةُ النَّفْسِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  المَوْعِظَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ : ((رَمَضَانُ شَهْرُ الْأَحْدَاثِ وَالِانْتِصَارَاتِ الْعَظِيمَةِ))
  الْحِكْمَةُ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الْحَجِّ
  الرَّدُّ عَلَى شُبُهَاتِ الطَّاعِنِينَ فِي رَحْمَةِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ ﷺ
  الدرس السابع والعشرون : «الْعَفْوُ وَكَظْمُ الغَيْظِ»
  مَعْنَى الْكَلِمَةِ وَبَيَانُ أَصْلِهَا وَمَعْدِنِهَا
  إِدْمَانُ الْإِنْتَرْنِت وَمَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ!!-الشيخ محمد سعيد رسلان
  عِظَمُ أَمَلِ الصَّادِقِ الْمُخْلِصِ فِي تَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ
  «حُكْمُ الاحتفالِ بِالمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ» الإمام العلامة المُحدِّثُ: مُقبل بن هادي الوادعي -رحمهُ اللهُ-.
  أَخْطَرُ الشَّائِعَاتِ فِي تَارِيخِ الْمُسْلِمِينَ وَآثَارُهَا
  الْأَمَلُ وَأَسْرَارُهُ اللَّطِيفَةُ
  مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى: هَجْرُ أَكْلِ الْحَرَامِ
  الْفُرُوقُ بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالضَّرِيبَةِ
  الدَّعْوَةُ إِلَى اللهِ مِنْ أَهَمِّ عَوَامِلِ الْقُوَّةِ فِي بِنَاءِ الدُّوَلِ
  أَدِلَّةُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَحُكْمُ مَانِعِهَا
  التَّعْلِيمُ وَاجِبٌ شَرْعِيٌّ لِرَفْعِ شَأْنِ الْوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ
  • شارك