الْوَفَاءُ بِعَهْدِ اللهِ وَمِيثَاقِهِ


  ((الْوَفَاءُ بِعَهْدِ اللهِ وَمِيثَاقِهِ))

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ أَوَّلَ الْعُهُودِ وَالْعُقُودِ مَا كَانَ بَيْنَ الْعِبَادِ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بِأَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا؛ قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [يس: 60-61].

أَلَمْ آمَرُكُمْ وَأُوصِيكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَلَّا تُطِيعُوا الشَّيْطَانَ فِيمَا يُوَسْوِسُ وَيُزَيِّنُ لَكُمْ مِنَ الْكُفْرِ بِرَبِّكُمْ وَمَعْصِيَتِهِ، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ ظَاهِرُ الْعَدَاوَةِ.

وَأَنْ حَقِّقُوا مَطْلُوبِي مِنْكُمْ؛ فَأَطِيعُونِي وَوَحِّدُونِي، هَذَا الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ هُوَ طَرِيقٌ مُسْتَقِيمٌ يُوصِلُكُمْ إِلَى الْخُلُودِ فِي دَارِ النَّعِيمِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [الحديد: 8].

وَأَيُّ عُذْرٍ لَكُمْ فِي تَرْكِ الْإِيمَانِ بِاللهِ؛ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ، وَيَتْلُو عَلَيْكُمُ الْكِتَابَ النَّاطِقَ بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ، وَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَكُمْ حِينَ أَخْرَجَكُمْ مِنْ ظَهْرِ أَبِيكُمْ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِأَنَّ اللهَ رَبَّكُمْ لَا إِلَهَ سِوَاهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يَوْمًا مَا، فَالْآنَ أَحْرَى الْأَوْقَاتِ أَنْ تُؤْمِنُوا لِقِيَامِ الْحُجَجِ وَالْإِعْلَامِ بِبِعْثَةِ الرَّسُولِ ﷺ.

إِنَّ التَّوْحِيدَ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَشَرِ تَارِيخًا؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ مِنْ خَلْقِ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَذُرِّيَّتِهِ هِيَ: عِبَادَةُ اللهِ وَحْدَهُ؛ كَمَا قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].

وَآدَمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَبُو الْبَشَرِ وَحَوَّاءُ أُمُّهُمْ، وَقَدْ كَانَا عَلَى التَّوْحِيدِ، وَحِينَ أَكَلَا مِنَ الشَّجَرَةِ عَلِمَا أَنَّ لَهُمَا رَبًّا يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ؛ فَتَضَرَّعَا إِلَيْهِ قَائِلَيْنِ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23].

وَقَدْ أَخَذَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- عَلَى آدَمَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، وَكَذَا عَلَى ذُرِّيَّتِهِ وَهُمْ فِي صُلْبِ أَبِيهِمْ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-.. أَنَّهُ رَبُّهُمْ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ؛ كَمَا قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف: 172-173].

وَذُرِّيَّةُ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنْ بَعْدِهِ كَانُوا يَدِينُونَ بِالتَّوْحِيدِ الْخَالِصِ طِيلَةَ عَشَرَةِ قُرُونٍ، حَتَّى حَدَثَ الشِّرْكُ فِي قَوْمِ نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، فَبَعَثَ اللهُ -تَعَالَى- إِلَيْهِمْ نُوحًا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَدْعُوهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ؛ قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 59].

وَكُلَّمَا انْحَرَفَتِ الْبَشَرِيَّةُ عَنِ التَّوْحِيدِ أَرْسَلَ اللهُ الرُّسُلَ تَدْعُو إِلَى عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ، وَتَدْعُو إِلَى نَبْذِ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ؛ كَمَا قَالَ -تَعَالَى- مُخَاطِبًا رَسُولَهُ ﷺ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].

فَالتَّوْحِيدُ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَشَرِ تَارِيخًا، وَالتَّوْحِيدُ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَشَرِ فِطْرَةً؛ يَعْنِي أَصْلَ الْخِلْقَةِ، وَهِيَ مَا أَوْجَدَ اللهُ عَلَيْهِ النَّاسَ ابْتِدَاءً مِنَ الْإِيمَانِ بِهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَتَوْحِيدِهِ.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((يُقَالُ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ، أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهِ؟

قَالَ: فَيَقُولُ: نَعَمْ! فَيَقُولُ: قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ؛ قَدْ أَخَذْتُ عَلَيْكَ فِي ظَهْرِ آدَمَ أَلَّا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا، فَأَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تُشْرِكَ بِي!)). أَخْرَجَاهُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)).

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- أَخَذَ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِنَعْمَانَ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قُبُلًا؛ قَالَ تَعَالَى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً...} إِلَى قَوْلِهِ: {الْمُبْطِلُونَ})). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: ((((صَحِيحُ الْإِسْنَادِ))، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ)).

وَبَعْدَ هَذَا رُسْلَهُ قَدْ أَرْسَلَا=لَهُمْ وَبِالْحَقِّ الْكِتَابَ أَنْزَلَا

لِكَيْ بِذَا الْعَهْدِ يُذَكِّرُوهُمْ=وَيُنْذِرُوهُمْ وَيُبَشِّرُوهُمْ

كَيْ لَا يَكُونَ حُجَّةٌ لِلنَّاسِ بَلْ=لِلَّهِ أَعْلَى حُجَّةٍ -عَزَّ وَجَلَّ-

فَمَنْ يُصَدِّقْهُمْ بِلَا شِقَاقِ=فَقَدْ وَفَى بِذَلِكَ الْمِيثَاقِ

وَذَاكَ نَاجٍ مِنْ عَذَابِ النَّارِ=وَذَلِكَ الْوَارِثُ عُقْبَى الدَّارِ

وَمَنْ بِهِمْ وَبِالْكِتَابِ كَذَّبَا=وَلَازَمَ الْإِعْرَاضَ عَنْهُ وَالْإِبَا

فَذَاكَ نَاقِضٌ كِلَا الْعَهْدَيْنِ=مُسْتَوْجِبٌ لِلْخِزْيِ فِي الدَّارَيْنِ

 

المصدر:الْوَفَاءُ بِالْعُقُودِ وَالْعُهُودِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  تَعْظِيمُ الْمَسَاجِدِ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ
  حَثُّ اللهِ وَرَسُولِهِ ﷺ عَلَى عِبَادَةِ الذِّكْرِ
  فَضَائِلُ رِعَايَةِ الْبَنَاتِ
  فَضْلُ الْجِهَادِ وَمَنْزِلَةُ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-
  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: حُبُّ الْوَطَنِ الْإِسْلَامِيِّ وَالدِّفَاعُ عَنْهُ
  مِنْ دُرُوسِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ: تَأْيِيدُ اللهِ لِأَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، وَنُصْرَتُهُ لَهُمْ وَدِفَاعُهُ عَنْهُمْ
  مُؤَامَرَةُ الْيَهُودِ الْمَكْشُوفَةُ وَغَفْلَةُ الْمُسْلِمِينَ!!
  فَضْلُ مِصْرَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَأَعْلَامُهَا
  مَبْنَى حَرَكَةِ حَيَاةِ الْمُسْلِمِ عَلَى نِظَامٍ مُحْكَمٍ
  فَضَائِلُ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ
  مُوَاسَاةُ الْمُحْتَاجِينَ وَمُسَاعَدَتُهُمْ بِالصَّدَقَاتِ
  الِاسْتِقَامَةُ عَلَى شَرْعِ اللهِ سَبِيلُ بِنَاءِ الْأُمَّةِ
  مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-: هَجْرُ الْفَوَاحِشِ وَالنَّظَرِ وَالسَّمَاعِ الْمُحَرَّمِ
  سُبُلُ تَحْقِيقِ خَيْرِيَةِ الْأُمَّةِ وَاسْتِعَادَةِ رِيَادَتِهَا الْآنَ
  مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْهِجْرَةِ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ
  • شارك