خُطُورَةُ تَغْيِيبِ وَعْيِ أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ


 ((خُطُورَةُ تَغْيِيبِ وَعْيِ أَبْنَاءِ الْأُمَّةِ))

إِنَّ أَعْدَاءَنَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ يُضَيِّقُونَ عَلَيْنَا الْحَلْقَةَ، وَيَجْتَهِدُونَ فِي مَحْقِنَا وَفِي قَتْلِنَا، وَفِي إِزَالَتِنَا، وَفِي مَحْوِ تَارِيخِنَا، وَمَعَ ذَلِكَ فَنَحْنُ لَا نُبَالِي!!

وَأَخْطَرُ مِنَ الْخَطَرِ أَلَّا يُحِسَّ مَنْ هُوَ فِي خَطَرٍ أَنَّهُ فِي خَطَرٍ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ مُحِسًّا بِأَنَّهُ فِي خَطَرٍ فَسَيَسْعَى حَتْمًا لِتَلَافِي هَذَا الْخَطَرِ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ, وَأَمَّا أَلَّا يُحِسَّ مَنْ هُوَ فِي الْخَطَرِ، بَلْ فِي عَيْنِ الْخَطَرِ وَسَوَائِهِ.. أَلَّا يُحِسَّ أَنَّهُ فِي خَطَرٍ فَهَذَا أَكْبَرُ مِنَ الْخَطَرِ!

هَذِهِ مَرْحَلَةٌ فَاصِلَةٌ مِنْ تَارِيخِ هَذَا الْوَطَنِ، نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يُمَرِّرَهَا عَلَيْنَا بِأَمْنٍ وَسَلَامٍ.

إِنَّ حَرْبَ أَعْدَاءِ الْأُمَّةِ بِتَغْيِيبِ وَعْيِ أَبْنَائِهَا قَدِيمٌ، وَذَلِكَ بِقَلْبِ الْحَقَائِقِ وَكَيْلِ الِاتِّهَامَاتِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ۖ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَٰذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} [ص: 4-7].

وَعَجِبَ كُفَّارُ مَكَّةَ أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ بَشَرٌ مِنْهُمْ يُخَوِّفُهُمْ عَذَابَ اللهِ بَعْدَ أَنْ بَلَّغَهُمْ، وَبَيَّنَ لَهُمْ، وَأَقَامَ لَهُمُ الْحُجَجَ وَالْبَرَاهِينَ؛ وَقَالَ أَئِمَّةُ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ الْمُعَانِدُونَ الْمُصِرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمُ السَّاتِرُونَ لِأَدِلَّةِ الْحَقِّ وَبَرَاهِينِهِ الْوَاضِحَةِ؛ قَالُوا: هَذَا سَاحِرٌ مُمَوِّهٌ شَدِيدُ الْكَذِبِ؛ أَجَعَلَ مُحَمَّدٌ الْآلِهَةَ الْمُتَعَدِّدَةَ إِلَهًا وَاحِدًا؟!! إِنَّ هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ وَدَعَا إِلَيْهِ لَشَيْءٌ يُتَعَجَّبُ مِنْهُ أَشَدَّ التَّعَجُّبِ.

وَذَهَبَ رُؤَسَاءُ الْقَوْمِ وَكُبَرَاؤُهُمْ مِنْ مَجْلِسِهِمْ مُسْرِعِينَ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اُمْضُوا عَلَى طَرِيقَةِ آبَائِكُمْ، وَاثْبُتُوا صَابِرِينَ عَلَى عِبَادَةِ آلِهَتِكُمُ الْمُتَعَدِّدَةِ، وَلَا تَتَأَثَّرُوا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ دَعْوَةً إِلَى التَّوْحِيدِ، وَنَبْذِ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ؛ فَمَا جَاءَ بِهِ هَذَا الرَّسُولُ شَيْءٌ مُدَبَّرٌ يُقْصَدُ مِنْهُ الرِّيَاسَةُ وَالْمُلْكُ.

مَا سَمِعْنَا بِهَذَا الَّذِي يَقُولُهُ مُحَمَّدٌ مِنَ التَّوْحِيدِ فِي مِلَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ الَّتِي هِيَ آخِرُ الْمِلَلِ! مَا هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ إِلَّا كَذِبٌ وَافْتِعَالٌ.    

وَكَذَلِكَ يُغَيِّبُونَ الْوَعْيَ بِعَدَمِ إِفْسَاحِ الْمَجَالِ لِمُجَرَّدِ سَمَاعِ كَلِمَةِ الْحَقِّ؛ قَالَ -سُبْحَانَهُ- حِكَايَةً عَنْهُمْ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26].

وَقَالَ أَئِمَّةُ الشِّرْكِ فِي مَكَّةَ لِجَمَاهِيرِ قَوْمِهِمْ لَمَّا انْقَطَعَتْ حُجَّتُهُمْ حَوْلَ الْقُرْآنِ، وَرَأَوا تَأْثِيرَهُ الْعَجِيبَ عَلَى قُلُوبِ النَّاسِ؛ قَالُوا لَهُمْ: لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ؛ لِئَلَّا تَشْغَلُوا أَفْكَارَكُمْ بِدَلَالَاتِ آيَاتِهِ، وَارْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ بِالصِّيَاحِ وَالصَّفِيرِ وَالتَّخْلِيطِ عَلَى مُحَمَّدٍ فَلَا يَسْتَمِعُ لِتِلَاوِتَهَ أَحَدٌ، وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ بِتَشْوِيشِكُمْ بَيَانَاتِ الْقُرْآنِ وَتَأْثِيرَهُ فِي قُلُوبِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْهِ.

لَجَأَ الْكَافِرُونَ فِي جِدَالِهِمْ إِلَى أُسْلُوبِ الْمُشَاغَبَةِ رَجَاءَ أَنْ يَغْلِبُوا الْحَقَّ؛ وَهَذَا الْأُسْلُوبُ الْغَوْغَائِيُّ أَتْقَنَهُ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ، وَأَحْزَابُ الْفِتْنَةِ وَالتَّخْرِيبِ فِي كُلِّ زَمَانٍ.

وَاللُّجُوءُ إِلَى خُطَّةِ الْمُشَاغَبَةِ يُقَدِّمُ الدَّلِيلَ ضِدَّ الْمُشَاغِبِينَ بِأَنَّهُمْ قَدْ غَدَوْا خَائِبِينَ مَغْلُوبِينَ مُنْهَزِمِينَ فِي مَعْرَكَةِ الْبَيَانِ وَالْقُرْآنِ، وَمُتَحَوِّلِينَ إِلَى مَعْرَكَةِ اللَّغَطِ وَالضَّجِيجِ وَالْغَوْغَائِيَّةِ.    

أَيُّهَا الْمِصْرِيُّونَ! مَا أَشَدَّ جُرْمَ مَنْ يَسْعَى لِإِحْدَاثِ الْفَوْضَى، وَإِطْلَاقِ الْغَرَائِزِ مِنْ قُيُودِهَا!!

وَمَا أَكْبَرَ إِثْمَ مَنْ سَعْيُهُ لِإِضَاعَةِ مَكَاسِبِ الْإِسْلَامِ فِي بَلَدٍ يُنَعَّمُ بِنِعْمَةِ اللهِ عَلَيْهِ بِهَذَا الدِّينِ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَرْنًا مِنَ الزَّمَانِ.

فَمِصْرُ أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَهَا، وَأَنْ يَحْفَظَ أَهْلَهَا، وَأَنْ يُدِيمَ عَلَيْهَا أَمْنَهَا وَأَمَانَهَا، وَسَلَامَهَا وَإِسْلَامَهَا، وَأَنْ يَكْبِتَ أَعْدَاءَهَا، وَأَنْ يُسَلِّمَهَا وَجَمِيعَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

المصدر: بِنَاءُ الْوَعْيِ وَأَثَرُهُ فِي مُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَّاتِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  تَرْبِيَةُ النَّبِيِّ ﷺ الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- عَلَى الْجُودِ
  الْفَرَحُ الشَّرْعِيُّ فِي الْعِيدَيْنِ
  الدرس الحادي عشر : «الشُّكْرُ»
  وُجُوبُ مُحَاسَبَةِ النَّفْسِ
  التَّوْحِيدُ أَكْبَرُ عَوَامِلِ الْقُوَّةِ فِي بِنَاءِ الدُّوَلِ وَعِزَّتِهَا وَنَصْرِهَا
  اللهُ هُوَ الْعَفُوُّ الْكَرِيمُ
  ثَمَرَاتُ الْعَمَلِ الْجَمَاعِيِّ الْمَشْرُوعِ وَفَوَائِدُهُ
  عَلَامَاتُ النِّفَاقِ، وَصِفَاتُ الْمُنَافِقِينَ
  أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ: سَلَامَةُ الصُّدُورِ وَبَذْلُ النَّفْسِ لِلْمُسْلِمِينَ
  الْمِعْرَاجُ وَبَذْلُ الْحُبِّ وَالْوُدِّ
  جُمْلَةٌ مُخْتَصَرَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأُضْحِيَّةِ
  الْحَثُّ عَلَى الْمُرُوءَةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ أَعْظَمُ الْأَعْمَالِ وَأَزْكَاهَا
  عِيدُكُمْ السَّعِيدُ بِالتَّطَهُّرِ مِنَ الشِّرْكِ، وَالْبِدَعِ وَالْمَعَاصِي
  جُمْلَةٌ مِنْ سُنَنِ الْعِيدِ
  • شارك