لَنْ تُوَفِّيَ أُمَّكَ حَقَّهَا!!


((لَنْ تُوَفِّيَ أُمَّكَ حَقَّهَا!!))

فَإِنَّ الْوَلَدَ مَهْمَا أَسْدَى مِنْ مَعْرُوفٍ وَقَدَّمَ مِنْ جَمِيلٍ لِوَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُوَفِّيَ حَقَّهُمَا؛ وَلَكِنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «سَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا».

عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ أَنَّهُ شَهِدَ ابْنَ عُمَرَ، وَرَجُلٌ يَمَانِيٌّ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَمَلَ أُمَّهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ يَقُولُ:

إِنِّي لَهَا بَعِيرُهَا الْمُذَلَّلْ

 

 

إِنْ أُذْعِرَتْ رِكَابُهَا لَمْ أُذْعَرْ

ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ، أَتَرَانِي جَزَيْتُهَا؟

قَالَ: «لَا، وَلَا بِزَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ».

ثُمَّ طَافَ ابْنُ عُمَرَ فَأَتَى الْمَقَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: يا ابْنَ أَبِي مُوسَى، «إِنَّ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ تُكَفِّرَانِ مَا أَمَامَهُمَا» وَالْحَدِيثُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ((الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ))، وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي «مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ»، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي «الشُّعَبِ».

قَالَ: «سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ أَنَّهُ شَهِدَ ابْنَ عُمَرَ، وَرَجُلٌ يَمَانِيٌّ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ»، يَحْمِلُ أُمَّهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَيَطُوفُ بِهَا، فَقَالَ أَثْنَاءَ طَوَافِهِ بِهَا: «إِنِّي لَهَا بَعِيرُهَا الْمُذَلَّلْ»؛ أَيِ: السَّهْلُ الْمُرَوَّضُ الَّذِي لَا يَنْفِرُ وَلَا يُهَمْلِجُ، وَإِنَّمَا يَمْشِي فِي سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ.

«إِنْ أُذْعِرَتْ»؛ الذُّعْرُ: الْخَوْفُ وَالْفَزَعُ.

«إِنْ أُذْعِرَتْ رِكَابُهَا»؛ أَيْ: إِنْ نَفَرَتْ دَابَّتُهَا الَّتِي تَرْكَبُهَا لَمْ أُذْعَرْ.

بَعْدَ هَذَا الْبَيْتِ بَيْتٌ آخَرُ هُوَ:

حَمَلْتُهَا أَكْثَرَ مِمَّا حَمَلَتْ

 

 

فَهَلْ تُرَى جَازَيْتُهَا يَا ابْنَ عُمَرْ؟

قَوْلهُ: «لَمْ أُذْعَرْ» كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ الطَّاعَةِ وَالْحِرْصِ عَلَى الْبِرِّ، مَعَ عَدَمِ التَّأَفُّفِ وَالتَّضَجُّرِ مِنْ خِدْمَتِهَا.

قَالَ: «يَا ابْنَ عُمَرَ، أَتَرَانِي جَزَيْتُهَا؟»؛ يَعْنِي: بِهَذَا الْبِرِّ الْعَظِيمِ، وَهُوَ يَحْمِلُهَا عَلَى ظَهْرِهِ وَيَطُوفُ بِهَا.

قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «لَا، وَلَا بِزَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ»؛ الزَّفْرَةُ: الْمَرَّةُ مِنَ الزَّفِيرِ، وَهُوَ تَرَدُّدُ النَّفَسِ حَتَّى تَخْتَلِفَ الْأَضْلَاعُ، وَهَذَا يَعْرِضُ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ الْوَضْعِ وَالْوِلَادَةِ.

قَوْلُهُ: «كُلُّ رَكْعَتَيْنِ تُكَفِّرَانِ مَا أَمَامَهُمَا»؛ أَيْ: مِنَ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ.

فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْعَظِيمِ: الْحَثُّ عَلَى خِدْمَةِ الْأُمِّ مَهْمَا بَلَغَتِ الْمَشَقَّةُ، وَعِظَمُ حَقِّ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الْأَوْلَادِ.

 

 

المصدر:بِرُّ الْأُمِّ سَبِيلُ الْبَرَكَةِ فِي الدُّنْيَا وَالرَّحْمَةِ فِي الْآخِرَةِ

التعليقات


فوائد مفرغة قد تعجبك


  مِنْ مَظَاهِرِ الْإِيجَابِيَّةِ: رِعَايَةُ الْأَهْلِ وَتَعْلِيمُهُمْ
  ثُبُوتُ سُنَّةِ صِيَامِ التِّسْعِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
  مَبْنَى الْحَيَاةِ عَلَى الِابْتِلَاءِ
  مِنْ حُقُوقِ الطِّفْلِ فِي الْإِسْلَامِ: الْعَدْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِخْوَتِهِ
  حُرْمَةُ قَتْلِ الْمُسْتَأْمَنِينَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ
  عَامٌ شَهِيدٌ وَعَامٌ جَدِيدٌ
  الْجَمَاعَاتُ الْخَارِجِيَّةُ الْإِرْهَابِيَّةُ وَإِضْعَافُ الْأُمَّةِ
  اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- لَكَ كَمَا تَكُونُ أَنْتَ لَهُ وَلِعِبَادِهِ
  وَقْفَةٌ مَعَ النَّفْسِ فِي غَمْرَةِ الْفِتَنِ الْحَالَّةِ
  اثْبُتُوا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- أَمَامَ هَذِهِ الْفِتَنِ
  مِنْ أَعْظَمِ صِفَاتِ النَّبِيِّ ﷺ وَأُمَّتِهِ الرَّحْمَةُ
  الْمُسْلِمُونَ جَسَدٌ وَاحِدٌ بِالْأُخُوَّةِ وَالتَّكَافُلِ
  اسْتِقْبَالُ الْعَشْرِ بِالِاجْتِهَادِ فِي أَدَاءِ الْحُقُوقِ وَسَدَادِ الدُّيُونِ
  إِدْمَانُ الْإِنْتَرْنِت وَمَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ!!-الشيخ محمد سعيد رسلان
  الْمُؤَامَرَةُ عَلَى مِيَاهِ الْمِصْرِيِّينَ!!
  • شارك