الشهامةُ وإغاثةُ المَلْهُوفِ

الشهامةُ وإغاثةُ المَلْهُوفِ

«الشهامةُ وإغاثةُ المَلْهُوفِ»

((جمع وترتيب من محاضرات الشيخ العلامة محمد سعيد رسلان -حفظه الله-))

 

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

 

«وسائلُ سلامةِ القلبِ»

فإنه لا تتم سلامةُ القلبِ حتى يسلمَ مِن خمسةِ أشياءٍ:

*من شركٍ يناقضُ التوحيدَ.

*وبدعةٍ تناقضُ السُّنةَ.

*وشهوةٍ تخالفُ الأمرَ.

*وغفلةٍ تناقضُ الذِّكرَ.

*وهوى نفسٍ يناقضُ التجردَ مِن شهواتِ الدنيا.

وهذه الخمسةُ حُجُبٌ عن اللهِ تباركَ وتعالى- لا بدَّ للمسلمِ مِن التخلُّصِ منها بالاستعانةِ باللهِ -عز وجل-.

وإنَّ مما ينفعُ بعَوْنِ اللهِ -تبارك وتعالى- ومَعونتِهِ مِن التخلُّصِ من مفرداتِ هذه الأشياء؛ أنْ ينظرَ الإنسانُ في أحاديثِ رسولِ اللهِ ﷺ؛ لأنَّ اللهَ -تبارك وتعالى- جعلَ مُحمدًا ﷺ مَعْلمَ النورِ ومنارةَ الهدايةِ، وجعلَهُ ﷺ قائمًا على صراطِ الحقِّ يهدي الخلقَ بإذنِهِ إلى صراطٍ مستقيمٍ.

وقد بيَّنَ لنا نبيُّنَا ﷺ أمرًا جعلَ للهِ -تبارك وتعالى- فيه مُشارطة، فكما أنعم اللهُ -تبارك وتعالى- على عبدِهِ؛ ينبغي على عبدِهِ أنْ يُنعِمَ على خلقِهِ، وكما أكرمَ اللهُ -تبارك وتعالى- عبدَهُ؛ ينبغي على عبدِهِ أنْ يُكرِمَ خلقَهُ، فإنْ لم يفعل فإنه يتعرضُ للسلبِ مِن بعد العطاءِ.

«ترغيبُ النبيِّ ﷺ في قَضَاءِ حَوَائِجِ المُسلمينَ وإغاثةِ الملهوفِ»

والرسولُ ﷺ يُرَغِّبُ في قضاءِ حوائجِ المسلمين، وفي إدخالِ السرورِ عليهم، ويُبيِّنُ النبيُّ ﷺ أنَّ الإنسانَ إذا أحسنَ إلى أخيه؛ أحسنَ اللهُ إليه، وإذا ما سعى في حاجةِ أخيه؛ فإنَّ اللهَ -تبارك وتعالى- يقضي حوائجَهُ، وإذا ما شفعَ لأخٍ مِن إخوانِهِ في أمرٍ مِن الأمورِ التي يتحصلُ مِن ورائِهَا على نَفْعٍ، أو يستدفعُ بها ضُرًّا؛ فإنه لا يجوزُ له أنْ يتحصَّلَ مِن أخيه على نفعٍ ولو بهديةٍ يُهديهَا إليه، فإذا شفعَ لأخيه، فأهدى أخوهُ إليه بعد الشفاعةِ المقبولةِ؛ فإنه يكونُ قد ولَجَ في بابٍ مِن أوسعِ أبوابِ الربا.

«أَجْرٌ عظيمٌ لِمَنْ فَرَّجَ كُرُبَاتِ المسلمين»

عن ابن عُمَرَ -رضي الله عنهما- أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: «المسلمُ أخو المسلمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يُسْلِمُهُ، مَن كان في حاجةِ أخيه كان اللهُ في حاجتِهِ، ومَن فرَّجَ عن مسلمٍ كُرْبَةً؛ فرَّجَ اللهُ عنه بها كُرْبَةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ»، وشتَّان ما بين كُربةِ الدنيا وكُربَةِ الآخرةِ، فهذا عطاءٌ مِن صاحبِ العطاءِ والفضلِ: «فرَّجَ الله عنه بها كُرْبَةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومَن سَتَرَ مسلمًا سَتَرَهُ اللهُ يومَ القيامةِ». هذا حديثٌ متفقٌ على صحتِهِ.

«فمَن سَتَرَ مسلمًا سَتَرَهُ اللهُ يومَ القيامةِ، ومَن فَضَحَ مسلمًا أو سَعَى في فضوحِهِ؛ فَضَحَهُ اللهُ -تبارك وتعالى- في الدنيا وعلى رؤوسِ الأشهادِ يوم القيامة».

«يا معشرَ مَن آمنَ بلسانِهِ ولم يدخل الإيمانُ في قلبِهِ، لا تَغْتَابُوا المُسْلِمِينَ، ولا تَتَبَّعُوا عَوْرَاتِهِم، فإنَّ مَنْ تَتَبَّعَ عورةَ أخيه تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ، ومَنْ تَتَبَّعَ اللهُ عورتَهُ؛ فضحَهُ ولو في جَوْفِ بيتِهِ».

ويُبيِّنُ لنا النبيُّ ﷺ في حديثٍ حسنٍ، فيقولُ: «ومَن مَشَى مع مظلومٍ حتى يُثبِتَ لهُ حقَّهُ؛ ثَبَّتَ اللهُ قدَمَيْهِ على الصراطِ يومَ تزولُ الأقدامُ».

وعن أبي هريرةَ -رضي اللهُ عنه- كما في «صحيحِ مسلمٍ» وغيرِهِ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا؛ نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ فِي الدُّنْيَا؛ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي الدُّنْيَا؛ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».

«قضاءُ حوائِجِ المسلمينَ سَبَبٌ في تقييدِ النِّعَمِ لَدى العَبْدِ»

وعن عبد الله بن عمروٍ -رضي اللهُ عنهما- قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ للهِ عندَ أقوامٍ نِعَمًا أقرَّهَا عندَهُم -يعني: جعلَهَا ثابتةً عندَهُم-؛ ما كانُوا في حوائِجِ المسلمينَ ما لم يَمَلُّوهُم، فإذا مَلُّوهُم نقلَهَا اللهُ إلى غيرِهِم». وهذا حديثٌ حَسَنٌ أخرجَهُ الطبرانيُّ في «المُعجمِ الكبيرِ».

 

 

وهو حديثٌ مهمٌّ جدًّا: «إنَّ للهِ عندَ أقوامٍ نِعَمًا أقرَّهَا عندَهُم؛ ما كانُوا في حوائِجِ المسلمينَ ما لم يَمَلُّوهُم»: فهذه النِّعَمُ التي جعلَهَا اللهُ -تبارك وتعالى- عند أقوامٍ إنما جعلَهَا مِن أجلِ أنْ يَقْضُوا بها حوائِجَ المسلمينَ، بشرطِ: ألَّا يَمَلُّوا مِن المسلمينَ ومِن طلبِهِم، وألَّا يُصيبَهُم المَلَلُ في قضاءِ حوائِجِ إخوانِهِم بِنِعَمِ اللهِ التي عندَهُم؛ لأنَّ اللهَ إنما جعلَ تلك النِّعَمَ عندَ أولئك الأقوام مِن أجلِ أنْ يَقْضُوا بها حوائِجَ المُسلمين «ما لم يَمَلُّوهُم، فإذا مَلُّوهُم نقلَهَا اللهُ إلى غيرِهِم».

وعن عبد الله بن عُمَرَ -رضي اللهُ عنهما- قال، قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ للهِ أقوامًا اختَصَّهُم بالنِّعَمِ لمنافعِ العبادِ، يُقِرُّهُم فيها ما بذلوهَا، فإذا منعُوهَا نَزَعَهَا منهم فحَوَّلَهَا إلى غيرِهِم». وهذا حديثٌ حَسَنٌ.

وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ لنا نبيُّنَا ﷺ أنَّ أقوامًا اختَصَّهُم اللهُ -تبارك وتعالى- بالنِّعَمِ ليكونوا ساعينَ في منافعِ عبادِهِ في أرضِهِ، ويُقِرُّ اللهُ -تبارك وتعالى- هؤلاء القومَ في تلك النِّعَمِ ما بذلُوهَا لعبادِهِ في أرضِهِ، فإذا منعُوا النِّعَمَ أنْ تُبْذَلَ لأصحابِ الحاجاتِ وفي قضاءِ حوائِجِ المُسلمينَ؛ نَزَعَ اللهُ -تبارك وتعالى- النِّعَمَ عن أولئك القومِ الذين اختصَّهُم بالنِّعَمِ لمنافعِ العبادِ فحَولَّهَا إلى غيرِهِم.

وهذا أَمْرٌ يتعلقُ بقدرةِ اللهِ -تبارك وتعالى- ومشيئتِهِ؛ لأنَّ الذي يُعْطَى اليوم يُمكِنُ أنْ يكونَ مُعْطيًا غدًا، والذي يأخذُ اليوم يُمكِنُ أنْ يكونَ مُعطيًا في غَد، والذي يكونُ له اليدُ العُليَا في يومٍ يُمكِنُ أنْ تكونَ يدُهُ السُّفْلَى في يومٍ؛ لأنَّ اللهَ -تبارك وتعالى- يرفعُ ويَخفِضُ، واللهُ ربُّ العالمين يُعِزُّ ويُذِلُّ.

وليس أحَدٌ بمُستحقٍّ لنِعمةٍ يُوَصِّلُهَا اللهُ -تبارك وتعالى- إليه، وإنما هو محضُ جُودٍ لا بذلُ مجهودٍ، واللهُ -تبارك وتعالى- هو الذي يُعطي، وهو الذي يُؤتِي البِرَّ مَن يشاءُ برحمتِهِ، فيجعلُ ذلك الخيرَ عند أقوامٍ، فإنْ شكروا نعمةَ اللهِ -تبارك وتعالى- عليهم؛ زادَهُم اللهُ -تبارك وتعالى- إنعامًا، وثَبَّتَ النِّعَمَ لديهِم.

وإذا ما جحَدُوها فلم يبذلوهَا في حوائِجِ المسلمين، ولم يُراعُوا أنَّ اللهَ -تبارك وتعالى- لم يختَصَّهُم بتلك النِّعَمِ لأمورٍ جعلَهَا اللهُ -تبارك وتعالى- مُتعلقةً بالمُستضعفينَ في أرضِهِ، إذا لم يُراعوا ذلك وظنُّوا أنها إنما كانت باستحقاقٍ عندَهُم؛ فشأنُهُم كشأنِ ذلك الرَّجُلِ الذي ظَنَّ أنَّ اللهَ -تبارك وتعالى- إنما آتاهُ وأعطاهُ على علمٍ عندَهُ، وأنه بقُدُرَاتِهِ قد تحصَّلَ على ما تحصَّلَ عليه، فَنَزَعَ اللهُ -تبارك وتعالى- عنه النِّعمةَ، وخَسَفَ به وبدارِهِ الأرض، فهو يتجلجلُ فيها إلى يومِ القيامة.

ويُحَذِّرُ النبيُّ ﷺ ويُنذِرُ، ويُبَيِّنُ لنا ﷺ هذا الأمرَ الكبير، فيقولُ ﷺ: «ما مِن عبدٍ أنعمَ اللهُ عليه نعمةً فأسْبَغَهَا عليه، ثم جعلَ مِن حوائِجِ الناسِ إليه فَتَبَرَّمَ؛ فقَدْ عرَّضَ تلك النعمةَ للزوالِ».

يتَبَرَّمُ مِن الناسِ ويرُدُّهُم، ولا يُحسِنُ استقبالَهُم، وإنما يُصيبُهُ المَلَلُ، فيُعرِضُ عنهم، ويُغلِظُ في الكلامِ الواصلِ إليهم، ويَخْشُنُ في معاملتِهِ مع الخلقِ في أرضِ اللهِ -جلَّ وعلا-؛ فقَدْ عرَّضَ تلك النعمةَ للزوالِ؛ لأنَّ اللهَ -تبارك وتعالى- إنما جَعَلَهُ مُوَصِّلًا للنعمةِ إلى الخلقِ في الأرضِ.

ولم يجعل اللهُ -جلَّت قدرتُهُ- ذلك على علمٍ عند ذلك العبد، وإنما جعلَ اللهُ ربُّ العالمين ذلك الأمرَ مَحْضَ بذلٍ للجودِ مِن لَدُنْهُ -جلَّ وعلا- وهو صاحبُ البرِّ، فإذا تبرَّمَ مِن حوائجِ الناسِ، وإذا ما تَمَلْمَلَ مِن قضاءِ حوائجِ الخلقِ؛ فقَدْ عرَّضَ تلك النعمةَ للزوالِ.

وعن زيْدِ بن ثابتٍ -رضي الله عنه-، عن رسولِ اللهِ ﷺ قال: «لا يزالُ اللهُ في حاجةِ العبدِ ما دامَ في حاجةِ أخيه».

يقولُ النبيُّ ﷺ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ».

قِيلَ: أَرَأيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ؟

قَالَ: «يَعْتَمِلُ بِيَدَهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ».

قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟

قَالَ: «يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ».

قَالَ: قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟

قَالَ: «يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ الخَيْرِ».

قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ؟

قَالَ: «يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ».

حتى إذا ما أمسكَ الإنسانُ عن الشرِّ؛ فقَدْ أتَى بالصدقةِ، إذا لم يستطع أنْ يأمرَ بالمعروفِ وأنْ ينهى عن المنكرِ، وإذا لم يستطِع أنْ يُعينَ ذا الحاجةِ الملهوف، وإذا لم يستطِع أنْ يعتمِلَ بيدِهِ فينفعُ اللهُ -تبارك وتعالى- به ذاتَهُ، ويتصدَّقُ على خلقِ اللهِ؛ فعليه أنْ يُمسِكَ عن الشرِّ فإنها صدقةٌ، فمَنْ أمسكَ عن الشرِّ فقَد تصدّقَ كما قالَ الرسولُ ﷺ في هذا الحديثِ المتفقِ على صحتِهِ.

«من درس: السعي في قضاءِ حاجةِ الآخرين»

«الاستغاثةُ المشروعةُ والاستغاثةُ الممنوعةُ»

الاستغاثةُ: هي طَلَبُ الغَوْثِ، وهو الإِنقَاذُ مِنَ الشِّدَّةِ والهَلَاكِ؛ وهي أَنْوَاعٌ:

الأولُ: الاِسْتِغَاثَةُ باللهِ -عز وجل-: وهذهِ مِنْ أَفْضَلِ الأعمالِ وَمِنْ أَكْمَلِ الأَعْمَالِ، قَالَ رَبُّنَا -جَلَّ وَعَلَا-: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9]، أي: مُتَتَابِعِينَ.

والثَّانِي: الاِسْتِغَاثَةُ بالأمواتِ أَوْ بِالأَحْيَاءِ غَيْرِ الحَاضِرِينَ غَيْرِ القَادِرِينَ عَلَى الإِغَاثَةِ: فَهَذَا شِرْكٌ؛ لأنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ إِلَّا مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ لِهَؤُلَاءِ تَصَرُّفًا خَفِيًّا في الكونِ، فَيَجْعَلُ لَهُمْ حَظًّا في الرُّبُوبِيَّةِ؛ وَا أَسَفَاهُ!!

الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الاِسْتِغَاثَةِ: الاِسْتِغَاثَةُ بالأحياءِ العَالِمِينَ القَادِرِينَ عَلَى الإِغَاثَةِ، فهَذَا جَائِزٌ كالاِسْتِعَانَةِ بِهِمْ؛ قال تعالى في قِصَّةِ مُوسَى: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ [القصص: 15].

الرَّابِعُ مِنْ أَنْوَاعِ الاِسْتِغَاثَةِ: الاِسْتِغَاثَةِ بِحَيٍّ غَيْرِ قَادِرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ لَهُ قُوَّةً خَفِيَّةً؛ كَمَنْ يَسْتَغِيثُ بِمَشْلُولٍ لِيُنْقِذَهُ مِنَ الغَرَقِ، فهَذَا -كَمَا مَرَّ فِي الاِسْتِعَانَةِ- لَغْوٌ وَسُخْرِيَّةٌ.

«من كتاب: شرح الجامع لعبادة الله وحده ص25»

«أفضلُ الأعمالِ إدخالُ السرورِ على المؤمنِ»

وعن النبيِّ ﷺ: «أفضلُ الأعمالِ: إدخالُ السرورِ على المؤمنِ، كَسَوْتَ عَوْرَتَهُ، أو أَشْبَعْتَ جَوْعَتَهُ، أو قَضَيْتَ له حاجةً».

النبيُّ ﷺ يجعلُ في قمةِ الأعمالِ الصالحةِ، وفي قمةِ الأعمالِ المقبولةِ عند اللهِ -تبارك وتعالى-: إدخالَ السرورِ على المؤمنِ: «كَسَوْتَ عَوْرَتَهُ، أو أَشْبَعْتَ جَوْعَتَهُ، أو قَضَيْتَ له حاجةً»، وذكرَ النبيُّ ﷺ الحاجةَ مُنَكَّرَةً ليَدُلَّ على أيِّ حاجةٍ قُضيَت، قضيتَ له حاجةً بمُطلقِ الحاجةِ.

فيقولُ النبيُّ ﷺ: «أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ -عزَّ وجلَّ-: سرورٌ تُدْخِلُهُ على مسلمٍ، أو تَكْشِفُ عنهُ كُربَةً، أو تَطْرُدُ عنه جَزَعًا، أو تَقْضِي عنهُ دَيْنًا».

وذكَرَ الرسولُ ﷺ أمرًا عظيمًا جدًّا، لو تأملَّ الإنسانُ فيه تأمُّلًا صحيحًا؛ لَعَلِمَ أنَّ الأعمالَ تتفاوتُ مراتبُهَا عند اللهِ -تبارك وتعالى-، وأنَّ اللهَ -جلَّ وعلا- لم يجعل الأعمالَ الصالحةَ مقصورةً على أمورٍ بعَيْنِهَا، وإنما جعلَ الخيرَ شائعًا في أعمالِ البرِّ والصلاحِ.

جاءَ رجُلٌ إلى رسولِ اللهِ ﷺ، فقالَ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ الناسِ أحبُّ إلى اللهِ؟ وأيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى اللهِ؟

فقالَ ﷺ: «أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهُم للناسِ، وأحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ -عزَّ وجلَّ- سرورٌ تُدْخِلُهُ على مسلمٍ، تكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضي عنه دَيْنًا، أو تَطْرُدُ عنه جُوعًا».

«قضاءُ حوائِجِ المسلمين أفضلُ مِن اعتكافٍ في مسجدِ النبيِّ الأمين ﷺ»

يقولُ الرسولُ ﷺ: «ولأَنْ أمشي مع أخٍ في حاجةٍ أحَبُّ إليَّ مِن أنْ أعتكِفَ في هذا المسجدِ -يعني: مسجدَ النبيِّ ﷺ- شهرًا».

لَأَنْ يمشيَ النبيُّ ﷺ مع أخٍ في حاجةٍ -أي حاجةٍ- ما دامَت مما يرضَى عنه الشرعُ؛ فذلك أحَبُّ إلى رسولِ اللهِ ﷺ مِن أنْ يعتكِفَ في مسجدِهِ شهرًا، زمنٌ طويلٌ في اعتكافٍ مقبولٍ مِن النبيِّ الكريم في بُقعةٍ طاهرةٍ مباركةٍ هي مسجدُ النبيِّ ﷺ، ومع ذلك فَمَشْيُهُ في قضاءِ حاجةٍ لأخٍ مِن إخوانِهِ هي أفضلُ فضلًا، وأعظمُ قَدْرًا، وأحبُّ إلى الرسولِ ﷺ مِن أجرِ ذلك الاعتكافِ الذي طالت مُدَّتُهُ، وعَظُمَت قيمتُهُ مِن الكريمِ مُحَمَّدٍ ﷺ في مسجدِهِ المُكَرَّمِ، ومع ذلك يقولُ النبيُّ ﷺ: «ومَن كَظَمَ غَيْظَهُ ولو شَاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ؛ ملَأَ اللهُ قلبَهُ يومَ القيامةِ رِضَا، ومَن مَشَى مع أخِيهِ في حاجةٍ حتى يَقْضِيَهَا لهُ؛ ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَيْهِ يومَ تزولُ الأقدامُ».

فهذا أَمْرٌ -كما ترى- جعلَهُ النبيُّ ﷺ عظيمَ القَدْرِ جِدًّا؛ أنْ تمشيَ مع أخٍ لك في حاجةٍ مِن أجلِ أنْ تقضيَهَا له، بشرطِ أنْ تكونَ في إطارِ الشرعِ، وغيرَ خارجةٍ عن حدودِ الدينِ، وذلك خيرٌ كما بَيَّنَ الرسولُ ﷺ مِن اعتكافِ النبيِّ ﷺ؛ إذ يقضي حاجةً لأخٍ مِن إخوانِهِ؛ خيرٌ له وأحبُّ مِن اعتكافِهِ في مسجدِهِ شهرًا.

وجعلَ الرسولُ ﷺ القاعدةَ التي يقولُهَا الناسُ، والتي هي مِن شرعِ اللهِ مِن أنَّ الجزاءَ مِن جِنسِ العملِ، جعلَ النبيُّ ﷺ الأمرَ في هذه الجُزئيةِ واضحًا: «مَن كَظَمَ غَيْظَهُ ولو شَاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاه» فامتلأَ قلبُهُ غَيْظًا كان يُمكِنُ أنْ يُنْفِذَهُ، وأنْ يُفَرِّجَ عن ثَوَرَانِهِ في فؤادِهِ، وأنْ يُمْضِيَهُ لِمَن قد غاظَهُ، ومَن كَادَهُ، ومَن اعتدَى عليه؛ «ملَأَ اللهُ قلبَهُ -في المُقابِلِ- يومَ القيامةِ رِضَا، ومَن مَشَى مع أخِيهِ في حاجةٍ حتى يَقْضِيَهَا لهُ؛ ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَيْهِ يومَ تزولُ الأقدامُ».

وعن أبي أُمامَةَ -رضي الله عنه-، أنَّ رسولَ للهِ ﷺ قالَ: «مَنْ شَفَعَ شَفَاعَةً لِأَحَدٍ فَأُهْدِيَ لَهُ هَدَيَّةٌ عَلَيْهَا -يعني: على تلكَ الشفاعةفَقَبِلَهَا؛ فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِن أَبَوابِ الرِّبَا».

وهذا حديثٌ صحيح يُبَيِّنُ فيه النبيُّ ﷺ أنه ينبغي علينا أنْ تكونَ أعمالُنَا خالصةً لوجهِهِ الكريمِ، فإذا شَفَعَ إنسانٌ لأخٍ شفاعةً فَقُبِلَت، فأَهْدَى إليه هذا الرَّجُلُ هديةً فأخذَهَا على تلك الشفاعةِ التي شَفَعَهَا؛ فَقَدْ أتَى بابًا عظيمًا مِن أبوابِ الرِّبَا.

ألَا إنَّ الرسولَ ﷺ يعالجُ آفاتِ القلوب، وإنَّ النفسَ البشريةَ بكلِّ ما تنطوي عليه مِن تلك المثالبِ والعيوبِ يُعالِجُهَا الحبيبُ المحبوبُ ﷺ، مِن أجلِ أنْ يكونَ الإنسانُ سويًّا، ومِن أجلِ أنْ يخرُجَ الإنسانُ ممَّا هو فيه مِن تلك الأعمالِ الهابطةِ وتلك الأخلاقِ المرذولةِ.

«حكمُ العودةِ في الهبةِ أو التَّعْيِيرِ بها»

وها هو مُحَمَّدٌ ﷺ كما في الحديثِ المتفقِ على صحتِهِ مِن روايةِ ابنِ عباسٍ يُرْشِدُنَا إلى أنَّ الإنسانَ متى ما جادَت نَفْسُهُ بأمرٍ مِن أمورِ الخيرِ؛ فليسَ له أنْ يعودَ فيه، فإذا عادَ فَمَثَلُهُ الذي ضَرَبَهُ لنا نبيُّنَا ﷺ مَثَلٌ عظيمٌ جدًّا، يقولُ النبيُّ ﷺ: «الَّذِي يَرْجِعُ في هِبَتِهِ كَالكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئهِ».

ويقولُ ﷺ: «مَثَلُ الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَمَثَلِ الكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ في قَيْئِهِ فيَأكُلُهُ»، حتى ينتبهَ الذين يُعيِّرونَ الناسَ بما أسلفوهُ إليهِم مِن خيرٍ، وما أَوْصَلُوهُ إليهِم مِن بِرٍّ، فإنهم في مُعَايَرَاتِهِم، وفي كلامِهِم على هِباتِهِم وصدقاتِهِم إذا ما عادُوا فيها؛ فَمَثَلَهُم كَمَثَلِ الكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ في قَيْئِهِ فيَأكُلُهُ.

يقولُ النبيُّ ﷺ لِعُمَرَ -رضوانُ اللهِ عليه- وقد سألَهُ، فقالَ عُمَرُ: حَمَلْتُ على فَرَسٍ في سبيلِ اللهِ، فأَضَاعَهُ الذي كان عندَهُ، فأرَدْتُ أنْ أشتَريَهُ، فَظَنَنْتُ أنه يبيعُهُ بِرُخْصٍ، فسألْتُ النبيَّ ﷺ، فقال: «لا تَشْتَرِهِ، ولا تَعُدْ في صَدَقَتِكَ وإنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرهمٍ، فَإِنَّ العَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالعَائِدِ فِي قَيْئِهِ».

لأنه كان قد حَمَلَ رجُلًا على فرَسٍ في سبيلِ اللهِ فأضاعَهُ، قال: فأرَدْتُ أنْ أشتَريَهُ، فَظَنَنْتُ أنه يبيعُهُ بِرُخْصٍ، فسألْتُ النبيُّ ﷺ، فقال: «لا تَشْتَرِهِ، ولا تَعُدْ في صَدَقَتِكَ وإنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرهمٍ، فإنَّ العائدَ في صدقتِهِ كالعائدِ في قَيْئِهِ».

وإذا تأمَّلْتَ هذا المَثَلَ لرَجُلٍ قد امتلأَت بطنُهُ طعامًا، ثم قاءَ طعامَهُ ين يديْهِ، ثُمَّ أقبلَ على طعامِهِ يتناثَرُ على فَمِهِ وعلى وجهِهِ ويكادُ يُغَطِّي عَيْنَيْهِ، ثُمَّ هو يَتَتبعُ قَيْئَهُ فيأكُلُه!! فالذي يعودُ في صدقتِهِ كالذي يعودُ في قيئِهِ كما أخبرَ الرسولُ ﷺ في هذا الحديثِ المتفقِ على صحتِهِ.

وعن ابنِ عُمَرَ وابنِ عباسٍ -رضي اللهُ عنهم- أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ لرجل عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً ثم يَرْجِعُ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ، وَمَثَلُ الَّذِي يَرْجِعُ في عَطِيَّتِهِ أَوْ هِبَتِهِ كالْكَلْبِ يَأْكُلُ، فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ، ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ». رواهُ أصحابُ السُّنَنِ، وهو حديثٌ صحيحٌ.

وعن عمرو بن شُعيبٍ عن أبيه عن عبدِ اللهِ بن عمرو -رضي الله عنهما- عن رسول اللهِ ﷺ قال: «مَثَلُ الَّذِي يَسْتَرِدُّ مَا وَهَبَ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَقِيءُ فَيَأْكُلُ قَيْئَهُ، فَإِذَا اسْتَرَدَّ الْوَاهِبُ فَلْيُوقِفْ فَلْيَعْرِفْ بِمَا اسْتَرَدَّ ثُمَّ لْيَدْفَعْ إِلَيْهِ مَا وَهَبَ».

رواهُ أبو داود، والنسائيُّ، وابنُ ماجه، وهو حديثٌ حَسَنٌ.

فهذا خُلُقٌ ذميمٌ مِن الأخلاقِ التي ينبغي أن يترفعَ عنها كلُّ مسلمٍ كريمٍ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

«من درس: السعي في قضاءِ حاجةِ الآخرين»

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-, صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

«شهامةُ عثمان بن مظعون مع أُمِّ سلمَة عند هجرتِهَا رضي الله عنها-»

فإنَّ أُمَّ سَلَمَةَ لمَّا خَرَجَت على بعيرٍ ومعها ولدُهَا في حِجرها وليس لها مِن حمايةٍ إلَّا حمايةُ اللهِ ربِّ العالمين وَحْدَهُ، وَلَقِيَهَا عند التنعيمِ وهو موضعٌ معروفٌ الآن لكلِّ مَن حجَّ أو اعتمر على بُعْدِ ثلاثةِ أميالٍ مِن بلدِ اللهِ الحرام، لَقِيَهَا عثمانُ بنُ مظعونٍ رضوان الله عليه- وكان مشركًا لم يُسلِم بعدُ، لقيَهَا؛ فقال: إلى أين يا بنتَ زادِ الراكبِ؟

فقالت: خرجتُ مُهَاجِرَةً إلى اللهِ ورسولِهِ -صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم-.

فقال: ومِثْلُكِ تخرجُ وَحْدَهَا.

فصَحِبَهَا عثمان بن مظعونٍ رضوان الله عليه-، حتى إذا ما كانت هناك عند قُبَاءٍ بقريتِها؛ قال: إنَّ زَوْجَكِ بهذه القريةِ، فَدُونَكِ، ثُمَّ عَادَ رَاجِعًا إلى مَكَّةَ المُكَرَّمَة زَادَهَا اللهُ ربُّ العالمين كَرَمًا وَتَشْرِيفًا-.

«من خطبة: دروس من الهجرة - 16-05-1997م»

«اللهُ لا يُخْزِي مَن يُساعِدُ الناسَ»

عندما رَجَعَ النَّبيُّ ﷺ وَقَد أُوحِيَ إليه أَوَّل مَرَّةٍ، وَرَجَعَ يقولُ:  «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي»، قالَ: «إنِّي أَخْشَى أنْ يَكُونَ قَد أَصَابَنِي شَيءٌ».

قالت خديجةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: «لا والله، لا يُصِيبُكَ شَرٌّ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، واللهِ لا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا».

عندنا دلالتان:

*الدلالةُ الأُولى: أنَّ النبيَّ ﷺ كانت أَخْلَاقُهُ لا تَصَنُّعَ فيها، لأنَّ اللهَ تبارك وتعالى- كما أخبرَ عن أخلاقِهِ، جَعَلَهَا في الذِّرْوَةِ العُلْيَا مِن سمُوِّ الأخلاقِ، وجلالِهَا وكمالِهَا وبهائِهَا: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]، والتعبيرُ بـ «عَلَى» وَهِيَ الاسْتِعْلَاءُ، فهو على الخُلُقِ العظيمِ ﷺ، كأنه يَعْلُوهُ وَيَفُوقُهُ، ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ﷺ، فَكَانَ هَذَا مِمَّا طَبَعَ اللهُ على نَبِيِّهِ ﷺ، وَكَمَّلَهُ به، فَكَانَ في بيتِهِ وفي البيتِ تَبْدُو أَخْلَاقُ الرَّجُلِ- كان على أَحْسَنِ مَا يَكُونُ مِن الخُلُقِ، فهذه دلالةٌ.

*والدلالةُ الثانية: أنَّ صَنَائِعَ المَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وأنَّ الإنسانَ إذا كانَ مُحْسِنًا قَوْلًا وَفِعْلًا واعتقادًا؛ حَفِظَهُ اللهُ رَبُّ العَالمين عند نزولِ المُلِمَّاتِ،  فَصَنَائِعُ المعروفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ.

قَالَت: «لا والله، لا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا»، ثُمَّ ذَكَرَت العِلَّةَ: «إِنَّكَ لَتَحْمَل الكَلَّ، وَتَكْسِب المَعْدُومَ، وَتَصِل الرَّحِمَ، وتُعِين على نَوَائِبِ الدَّهْرِ»، إذن؛ ما دُمْتَ كذلك؛ فإنه لا يُمْكِنُ بِحَالٍ أَبَدًا أنْ يُصِيبكَ شيءٌ، أو أنْ يُخْزِيكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ-، أو أنْ يَتَخَلَّى عَنْكَ، ﷺ.

«شرح معارج القبول: محاضرة: 77»

«لو أخَذْنَا بتعاليمِ النبيِّ ﷺ وأخلاقِهِ لاستقامَت الحياة»

النبيُّ ﷺ يُرشِدُنَا إلى أمثالِ هذه التعاليم، مِن أجلِ أنْ تنضبطَ العلاقاتُ بين المسلمين، وحتى نخرُجَ إذا ما أخَذْنا بها مِن هذه الحَيْرَةِ المُظلمةِ، ومِن هذا الجُلمودِ الأصَمِّ مِن الهَمِّ، حتى نستطيعَ أنْ نعودَ بَشَرًا أسوياءَ كما خَلَقَنَا اللهُ -تبارك وتعالى-، وحتى تعودَ العلاقاتُ السويَّةُ بَيْنَنَا كما ينبغي أنْ تكونَ بَيْنَنَا العلاقاتُ السويَّةُ على مُقتضى المحبةِ الدينيةِ والمودةِ الإسلاميةِ التي جاء بها خيرُ البريةِ ﷺ.

نسألُ اللهَ -جَلَّت قدرتُهُ وتقدَّسَت أسماؤُهُ- أنْ يهديَنَا لأحسنِ الأخلاقِ لا يهدي لأحسنِهَا إلَّا هو، وأنْ يُجَنِّبَنَا ويصرفَ عنَّا سيِّءَ الأخلاقِ لا يصرفُ عنَّا سيِّئَهَا إلَّا هو، إنه على كلِّ شيءٍ قديرٍ، وبالإجابةِ جديرٍ.

«من درس: السعي في قضاءِ حاجةِ الآخرين»

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ.

**********************

صفحة تفريغات خطب الجمعة كاملة للعلَّامة رسلان -حفظهُ اللهُ-.

موقع تفريغات العلامة رسلان -حفظهُ اللهُ-.

www.rslantext.com

موقع تفريغ خطب علماء أهلِ السُّنة.

www.khotabtext.com 

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  • شارك