الخَوْفُ مِن اللهِ وَثَمَرَاتُهُ وآثَارُهُ عَلَى الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ

الخَوْفُ مِن اللهِ وَثَمَرَاتُهُ وآثَارُهُ عَلَى الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ

«الخَوْفُ مِن اللهِ وَثَمَرَاتُهُ وآثَارُهُ عَلَى الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ»

جمعٌ وترتيبٌ مِن خُطَبِ الشيخ العلَّامة محمد سعيد رسلان -حفظه اللهُ-.

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

«مقاماتُ العَابِدينَ الثَّلاثَة: الخوفُ والرَّجَاءُ والمَحَبَّةُ»

فالخوفُ أَحَدُ أركانِ الإيمانِ والإحسانِ.

والثَّلَاثَةُ التي عَلَيْهَا مَدَارُ مَقَامَاتِ السَّالِكِينَ جَمِيعِها؛ هي: الخوفُ والرجاءُ والمَحَبَّةُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ -سبحانهُ وَتَعَالَى- في قولِهِ: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ [الإسراء: 57،56].

فَجَمَعَ بَيْنَ المَقَامَاتِ الثلاثة، فَإِنَّ ابتغاءَ الوسيلةِ إليه هو التقرُّبُ إليه بِحُبِّهِ وفِعْلِ مَا يُحِبُّهُ، ثم يقول: ﴿وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾، فَذَكَرَ الحُبَّ والخَوْفَ والرَّجَاءَ.

والمعنى: إنَّ الذينَ تَدْعُونَهُم مِن دونِ اللهِ مِن المَلائكةِ والأنبياءِ والصَّالِحينَ يَتَقَرَّبُونَ إلى رَبِّهِم ويخافونَهُ ويرجونَهُ، فَهُم عَبِيدُهُ كَمَا أَنَّكُم عَبِيدُهُ، فَلِمَاذَا تَعْبُدُونَهُم مِن دُونِهِ وَأَنْتُم وَهُم عَبِيدٌ له؟!

وَقَد أَمَرَ سبحانهُ بالخوفِ منه في قولِهِ جل وعلا-: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 175].

فَالْخَوْفُ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْجَلِيلَةِ، وَالْخَوْفُ وَالذُّعْرُ هُوَ انْفِعَالٌ يَحْصُلُ بِتَوَقُّعِ مَا فِيهِ هَلَاكٌ أَوْ ضَرَرٌ أَوْ أَذًى.

«ثَنَاءُ اللهِ عَلَى الخَائِفِينَ مِنْهُ»

وَقَد أَثْنَى سبحانهُ على أَقْرَبِ عِبَادِهِ إليه بِالخَوْفِ مِنْهُ؛ فَقَالَ عن أنبيائِهِ بعد أنْ أَثْنَى عَلَيْهِم وَمَدَحَهُم: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾ [الأنبياء: 90].

فالرَّغَبُ: الرَّجَاءُ والرَّغْبَةُ، والرَّهَبُ: الخَوْفُ والخَشْيَةُ.

وقالَ عن ملائكتِهِ الذين قد أَمَّنَهُم مِن عَذَابِهِ: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [النحل: 50].

«أَعْرَفُ الخَلْقِ بِاللهِ أَشَدُّهُم لَهُ خَشْيَةً»

وفي «الصحيحين» عن النبي ﷺ أنه قال: «إِنِّي أَعْلَمُكُم بِاللهِ وَأَشَدُّكُم لَهُ خَشْيَةً»، وفي لَفْظٍ آخر في روايةٍ لِمُسْلِمٍ: «إِنِّي أَخْوَفُكُم للهِ وَأَعْلَمُكُم بِمَا أَتَّقِي».

وكان يُصَلِّي ولِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كأزيزِ المِرْجَلِ مِن البُكَاءِ، وَقَد قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28]، فَكُلَّمَا كان العبدُ باللهِ أعلمَ كان له أَخْوَفَ، قال ابنُ مَسْعُودٍ رضي اللهُ عنه-: «وَكَفَى بِخَشْيَةِ اللهِ عِلْمًا».

وَنُقْصَانُ الخوفِ مِن اللهِ إِنَّمَا هو لِنُقْصَانِ معرفةِ العبدِ به، فَأَعْرَفُ النَّاسِ بِاللهِ أَخْشَاهُم له، ومَنْ عَرَفَ اللهَ اشْتَدَّ حياؤهُ منه وَخَوْفُهُ له وَحُبُّهُ له، وَكُلَّمَا ازدادَ معرفةً ازدادَ حَيَاءً وَخَوْفًا وَحُبًّا، فالخوفُ مِن أَجَلِّ مَنَازِلِ الطريقِ، وَخَوْفُ الخاصة أعظمُ مِن خَوْفِ العَامَّةِ، وَهُم إليه أَحْوَجُ، وَهُم بهم أَليَق وَهُم له أَلْزَم، فَإِنَّ العبدَ إِمَّا أنْ يكونَ مَسْتَقِيمًا أو مَائِلًا عن الاستقامة، فإنْ كان مَائِلًا عن الاستقامةِ فَخَوْفُهُ مِن العقوبةِ على مَيْلِهِ، ولا يَصِحُّ الإيمانُ إلَّا بهذا الخَوْفِ.

والخَوْفُ يَنْشَأُ مِن ثلاثةِ أمورٍ:

*أحدُهَا: مَعرِفَتُهُ بِالجِنَايَةِ وَقُبْحِهَا.

*والثَّانِي: تَصْدِيقُ الوعيدِ وَأَنَّ اللهَ رَتَّبَ على المعصيةِ عقوبتَهَا.

*والثَّالِثُ: أنه لا يَعْلَمُ لَعَلَّهُ يُمْنَعُ مِن التَّوْبَةِ وَيُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إذا ارتكبَ الذَّنْبَ.

مَن استقرَّ في قلبِهِ ذِكْرُ الدارِ الآخرة وجزائها وذِكْرُ المعصيةِ والتَّوعد عليها وعدم الوثوق بإتيانِهِ بالتوبةِ النَّصُوح؛ هَاجَ في قلبِهِ مِن الخَوْفِ ما لا يَمْلكُهُ ولا يُفَارِقُهُ حتى يَنْجُو، وأَمَّا إنْ كانَ مُسْتَقِيمًا مع اللهِ؛ فَخَوْفُهُ يكونُ مع جريانِ الأنْفَاسِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ اللهَ مُقَلِّبُ القلوبِ، وَمَا مِن قَلْبٍ إلَّا وهو بين إصبعيْن مِن أصابع الرحمن عَزَّ وَجَلَّ- فَإِنَّ شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ وإنْ شَاءَ أنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ كَمَا ثَبَتَ عن النبيِّ ﷺ: «كَانِت أَكْثَرُ يَمِينِهِ لَا وَمُقَلِّب القُلُوبِ لَا وَمُقَلِّب القُلُوبِ».

«الخَوْفُ فَرْضٌ عَلَى كلِّ أَحَدٍ»

والخَوْفُ فَرْضٌ على كلِّ أَحَدٍ، قالَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا-: ﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾[آل عمران: 175]، يَعْنِي يُخَوِّفُكُمْ أَوْلِيَاءَهُ، يُخَوِّفُكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ، يُخَوِّفُكُمْ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، وَيُعَظِّمُهُمْ فِي صُدُورِكُمْ، وَيُكَبِّرُهُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ.

 ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْخَوْفَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِيمَانِ ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾؛ فَأَتَى بِهَذَا الشَّرْطِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ نَفْيَ هَذَا الْخَوْفِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْإِيمَانِ ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [النحل: 51].

وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْن﴾ [المائدة:  44](1).

«الخَوْفُ المَحْمُودُ الصَّادِقُ وَالخَوْفُ المَذْمُومُ»

الْخَوْفُ مِنَ اللهِ تَعَالَى يَكُونُ مَحْمُودًا، وَيَكُونُ غَيْرَ مَحْمُودٍ.

 مَتَى يَكُونُ الْخَوْفُ مِنَ اللهِ مَحْمُودًا؟ وَمَتَى يَكُونُ الْخَوْفُ مِنَ اللهِ غَيْرَ مَحْمُودٍ؟

*الخوفُ الْمَحْمُودُ: مَا كَانَتْ غَايَتُهُ أَنْ يَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَعْصِيَةِ اللهِ، الْخَوْفُ مِنَ اللهِ الَّذِي يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَعْصِيَةِ اللهِ بِحَيْثُ يَحْمِلُكَ عَلَى فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ؛ فَهَذَا خَوْفٌ مِنَ اللهِ مَحْمُودٌ؛ فَإِذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْغَايَةُ سَكَنَ الْقَلْبُ وَاطْمَأَنَّ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ الْفَرَحُ بِنِعْمَةِ اللهِ، وَرَجَاءٌ لِثَوَابِهِ ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]، فَهَذَا هُوَ الْخَوْفُ الْمَحْمُودُ مِنَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.

___________________

(1) «باختصارٍ من خطبة: مَقَامَات الخَائِفِينَ والصَّائِمِينَ - خطبة الجمعة 5 من رمضان 1437هـ الموافق 10/6/2016م».

*وَأَمَّا الْخَوْفُ غَيْرُ الْمَحْمُودِ: فَهُوَ مَا يَحْمِلُ الْعَبْدُ عَلَى الْيَأْسِ مِنْ رَوْحِ اللهِ وَالْقُنُوطِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَحِينَئِذٍ يَتَحَسَّرُ الْعَبْدُ وَيَنْكَمِشُ، وَيَتَمَادَى فِي الْمَعْصِيَةِ بِقُوَّةِ يَأْسِهِ ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87]؛ فَالْخَوْفُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْيَأْسِ لَيْسَ مَحْمُودًا.

الْخَوْفُ الْمَحْمُودُ مِنَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هُوَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ، وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَإِذَا فَعَلَ الْإِنْسَانُ ذَلِكَ اطْمَأَنَّ قَلْبُهُ، وَسَكَنَتْ رُوحُهُ، وَزَالَ خَوْفُهُ.

 وَأَمَّا الْخَوْفُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْيَأْسِ، فَلَيْسَ مَحْمُودًا.

«أنواعُ الخَوْفِ»

*وَالْخَوْفُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:

*النَّوْعُ الْأَوَّلُ: خَوْفٌ طَبْعِيٌّ غَرِيزِيٌّ: كَخَوْفِ الْإِنْسَانِ مِنَ السَّبُعِ، وَخَوْفِ الْإِنْسَانِ مِنَ النَّارِ وَالْغَرَقِ؛ هَذَا لَا يُلَامُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ.

 الْخَوْفُ الطَّبْعِيُّ الَّذِي هُوَ مَرْكُوزٌ فِي النَّفْسِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَفِي الْجِبِلَّةِ الْبَشَرِيَّةِ، هَذَا لَا يُلَامُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْ مُوسَى -عليه الصلاة والسلام-: ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: 18].

 لَكِنْ إِذَا كَانَ هَذَا الْخَوْفُ سَبَبًا لِتَرْكِ وَاجِبٍ، أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ، كَانَ حَرَامًا؛ لِأَنَّ مَا كَانَ سَبَبًا لِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ؛ فَهُوَ حَرَامٌ؛ فَإِذَا كَانَ الْخَوْفُ الطَّبْعِيُّ سَبَبًا لِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ؛ فَهُوَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا فِي الْحَرَامِ، وَكُلُّ مَا كَانَ سَبَبًا فِي الْحَرَامِ؛ فَهُوَ حَرَامٌ؛ حَتَّى وَلَوْ كَانَ لَا شَيْءَ فِيهِ وَلَا يُلَامُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ فِي أَصْلِهِ، وَلَكِنْ إِذَا أَدَّى إِلَى تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ فِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ؛ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُحَرَّمًا.

قَالَ رَبُّنَا -جَلَّتْ قُدْرَتُهُ-: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ

 هَذَا هُوَ النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الْخَوْفُ الطَّبْعِيُّ.

*النَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَوْفِ: خَوْفُ الْعِبَادَةِ: أَنْ يَخَافَ أَحَدًا يَتَعَبَّدُ بِالْخَوْفِ لَهُ، أَنْ يَخَافَهُ خَوْفَ عِبَادَةٍ، وَيَتَعَبَّدُ بِالْخَوْفِ لَهُ؛ هَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا للهِ، وَصَرْفُهُ إِلَى غَيْرِ اللهِ شِرْكٌ أَكْبَرُ.

*الثَّالِثُ: خَوْفُ السِّرِّ: كَأَنْ يَخَافَ صَاحِبَ الْقبْرِ أَوْ وَلِيًّا بَعِيدًا عَنْهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، لَكِنَّهُ يَخَافُهُ مَخَافَةَ سِرٍّ؛ فَهَذَا أَيْضًا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ مِنَ الشِّرْكِ، هَذَا شَائِعٌ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عِنْدَمَا يَخْلُو بِنَفْسِهِ، يَجْتَرِئُ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ لَا يُبَالِي كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ إِنْ كَانَ عِنْدَ قَبْرٍ فَإِنَّهُ يَخْشَى صَاحِبَ الْقَبْرِ؛ لِأَنَّهُ يَطَّلِعُ عَلَى سِرِّهِ، بَلْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَمُرُّ عَلَى بَعْضِ الْخَلْقِ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ فِيهِمُ الْوِلَايَةَ- وَآيَاتُ الْوِلَايَةِ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ الَّذِي يَعْتَقِدُهُ مُحْدِثًا عَلَى نَفْسِهِ! قَدْ سَالَ مُخَاطُهُ عَلَى صَدْرِهِ، وَتَنَاثَرَ الْقُمَّلُ عَلَى ثِيَابِهِ! وَتَرَكَ الصَّلَوَاتِ، وَأَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ!! وَأَتَى الْمُحَرَّمَاتِ!! فَيَعْتَقِدُ فِيهِ الْوِلَايَةَ بِعَلَامَاتِهَا هَذِهِ عِنْدَهُ إِذَا مَرَّ بِهِ وَكَانَ قَدِ ارْتَكَبَ أَمْرًا مِنْ أُمُورِ الْمَعَاصِي؛ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى سِرِّهِ، وَيَخْشَى أَنْ يَفْضَحَهُ بَيْنَ النَّاسِ؛ فَهَذَا خَوْفُ السِّرِّ.

*هُنَاكَ نَوْعٌ رَابِعٌ: وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ الْإِنْسَانُ مَا يُحِبُّ خَوْفًا مِنَ النَّاسِ؛ كَأَنْ يَتْرُكَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ خَوْفًا مِنَ النَّاسِ؛ هَذَا خَوْفٌ مُحَرَّمٌ مَذْمُومٌ.

*وَهُنَالِكَ نَوْعٌ خَامِسٌ أَيْضًا: هُوَ الْخَوْفُ الْوَهْمِيُّ(1).

___________________

(1) «باختصار من تعليق الشيخ على «شرح الأصول الثلاثة» المحاضرة الخامسة».

«خَوْفُ الصَّالِحِينَ»

﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَة

مَدَحَ اللهُ أَهْلَ الخَوْفِ في كتابِهِ وَأَثْنَى عَلَيْهِم فَقَالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ [المؤمنون: 57-61].

في «المُسْنَدِ» والترمذي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله؛ قَوْلُ اللهِ جَلَّ وَعَلَا-: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَة﴾ [المؤمنون: 60]، أهو الذي يَزْنِي وَيَشْرَبُ الخَمْرَ وَيَسْرِقُ؟

قَالَ: «لَا يَا ابْنَةَ الصِّدِّيق، وَلَكِنَّهُ الرَّجُل يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ وَيَخَافُ أنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُ».

أَخْرَجَهُ الترمذيُّ وابنُ مَاجَه، وهو حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

 قَالَ رَسُولُ للهِ ﷺ: «وَاللهِ مَا أَدْرِي، وَأَنَا رَسُولُ الله، مَاذا يُفْعَلُ بِي».

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تَلَا قَوْلَهُ تعالى فِي إِبْرَاهِيمَ: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ [إبراهيم: 36].

وَقَالَ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَام-: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة: 118].

فَرَفَعَ يَدَيْهِ: «اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي وَبَكَى».

فَقَالَ اللَّهُ -جَلَّ وعلا-: «يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ -وَرَبُّكَ أَعْلَمُ- فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ».

فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَام- فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ.

فَقَالَ اللَّهُ: «يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَكَانَ ﷺ يُصَلِّى وَلِخَوْفِهِ في جَوْفِهِ أَزْيزٌ كأَزِيزِ المِرْجَلِ مِن البُكَاءِ.

وَرُوِّينَا عن أبي بَكر الصِّديق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ كانَ يُمْسِكُ لِسَانَهُ وَيَقُولُ: «هَذَا الذي أَوْرَدَنِي المَوَارِدَ». وَقَالَ: «يَا لَيْتَنِي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ ثُمَّ تُؤكَلُ».

وكذلكَ قَالَ طَلْحَة وأبو الدَّرْدَاء وأبو ذَر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم-.

وكان عُمَرُ بنُ الخَطَّاب -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَسْمَعُ آيةً؛ فَيَمْرَضُ؛ فَيُعَادُ أَيَّامًا، وَأَخَذَ يَوْمًا تِبْنَةً مِن الأرضِ فَقَالَ: «يَا لَيْتَنِي كُنْتُ هذه التِّبْنَةَ، يَا لَيْتَنِي لَم أَكُ شَيْئًا مَذْكُورًا، يَا لَيْتَ أُمِّي لَم تَلِدْنِي».

وكانَ في وَجْهِهِ خَطَّان أَسْوَدَانِ مِن البُكَاءِ.

وقالَ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-: «وَدِدْتُ أَنِّي إِذَا مِتُّ لَا أُبْعَثُ».

وَقَالَ أبو عُبيْدَة بن الجَرَّاح -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ كَبْشًا فَذَبَحَنِي أَهْلِي، فَأَكَلُوا لَحْمِي، وانْتَهَى أَمْرِي».

وَقَالَ عمران بن حُصَيْن: «يا لَيْتَنِي كُنْتُ رَمَادًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ».

وقال حُذيْفَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «وَدِدْتُ أنَّ لي إِنْسَانًا يكونُ في مَالِي، ثُمَّ أُغْلِقُ عَليَّ بَابِي، فَلَا يَدْخُلُ عَليَّ أَحَدٌ حَتَّى أَلْحَقَ بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-».

وكان مَجْرَى الدَّمْعِ في خَدِّ ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-كالشِّرَاكِ البَالِي.

قالت عائشةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: «يَا لَيْتَنِي كُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا»، كَمَا قَالَت مَرْيَمُ مِن قَبْل.

وقال عَليٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «والله لَقَد رَأيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَمَا أَرَى اليومَ شَيْئًا يُشْبِهُهُم، لَقَد كانوا يُصْبِحُونَ شُعْثًا غُبْرًا، بينَ أَعْيُنِهِم أَمْثَالُ رُكَبِ المَعْزَى، قَد بَاتُوا للهِ سُجَّدًا وَقِيَامًا، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ تَعَالَى، يُرَاوِحُونَ بَيْنَ جِبَاهِهِم وأقدامِهِم، فإذا أَصْبَحُوا فَذَكَرُوا اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، مَادُوا أي: اضطربُوا- كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ في يومِ الرِّيحِ، وَهَملت أَعْيُنُهُم حَتَّى تَبَلَّ ثِيَابَهُم، والله لأن القومَ كأنَّمَا بَاتُوا غَافِلِينَ»، لأنَّهُم كانوا لا يُرَاءونَ.

قال الحَسَنُ: «عَمِلُوا والله بِالطَّاعَاتِ واجتَهِدُوا فِيهَا وَخَافُوا أنْ تُرَدَّ عَلَيْهِم، إنَّ المُؤمِنَ جَمَعَ إِحْسَانًا وَخَشْيَةً، والمُنَافِقُ جَمَعَ إِسَاءَةً وَأَمْنًا».

قال أبُو حَفْص: «الخَوْفُ سَوْطُ اللهِ يُقَوِّمُ به الشَّارِدِينَ عَن بَابِهِ».

وقَالَ: «الخوفُ سِرَاجٌ في القَلْبِ به يُبْصِرُ ما فيه مِن الخيرِ والشَّرِّ، وكلُّ أَحَدٍ إذا خِفْتَهُ هَرَبْتَ مِنْهُ إِلَّا الله فَإِنَّكَ إِذا خِفْتَهُ هَرَبْتَ إِلَيْهِ»، فَالخَائِفُ هَارِبٌ مِن رَبِّهِ إلى رَبِّهِ.

قال أبو سُليمان: «مَا فَارَقَ الخَوفُ قَلْبًا إلَّا خَرِبَ».

وقال إبراهيمُ بن سُفيان: «إذا سَكَنَ الخَوْفُ القلوبَ أَحْرَقَ مَوَاضِعَ الشَّهَوَاتِ مِنْهَا وَطَرَدَ الدُّنْيَا عَنْهَا».

وَقَالَ غَيْرُهُ: «النَّاسُ عَلَى الطَّرِيقِ مَا لَم يَزُل عَنْهُم الخَوْفُ، فَإِذَا زَالَ عَنْهُم الخَوْفُ ضَلُّوا الطَّرِيقَ».

 

«فِيْمَ الرُّكُونُ إلى دَارِ الغُرُورِ؟!!»

فِيْمَ الرُّكُونُ إلى دَارٍ حَقِيْقَتُهَا                ...        كالطَّيْفِ في سِنَةٍ وَالظِّــلِّ مِنْ مُزَنِ

دَارِ الغُرورِ وَمَأْوَى كَلِّ مُرْزيَةٍ                ...        وَمَعْدِنِ البُؤسِ وَاللَّـواءِ وَالمِــحَنِ

الزُّورُ ظاهِرُهَا وَالغَدرُ حَاضِرُها             ...        وَالمُوْتُ آخِرُهــا وَالكَوْنُ في الشَّطَنِ

تُبُيدُ مَا جَمَعَتْ تُهِيْنُ مَنْ رَفَعْتَ            ...        تَضرُّ مَنْ نَفَعَتْ في سَــالِفِ الزَّمَنِ

النَّفْسُ تَعْشَقُهَا وَالعَيْنُ تَرْمُقَها            ...         لِكَوْنِ ظاهِرهَــا في صُوْرَةِ الحَسَـنِ

سَحَّارَةٌ تُحْكِمُ التَّخْيِيْلَ حتى يُرَى       ...         كَأَنَّهُ الحَــقُّ إذْ كانَتْ مِنَ الفِـــتَنِ

إِنَّ الإِلهَ بَرَاهَـــا كَيْ يُمَيّزَ بِهَـــا          ...         بَيْنَ الفَريقينِ أَهْلِ الحُمْقِ وَالفِـطَنِ

فَذُو الحَماقَةِ مَنْ قد ظَلَّ يَجْمَعُها           ...         يُعَانِي السَّعْيَ مِنْ شَامٍ إلى يَمَــنِ

وَذُو الحِجَا يَقْلِهَا زُهْدًا وَيَنْبُذُهَا            ...         وَرَاءَه نَبْذَةَ الأقْــذَارِ في الدِّمَـنِ

يَرْميْ بِقَلْبٍ بَصِيْرٍ في مَصَائِرِهَا              ...         فلَا يُصَادِفُ غَيْرَ الهَمِّ وَالحَـزَنِ

يَجُولُ بالفِكْرِ في تَذْكَارِ مَنْ صَرَعَتْ       ...         مِنْ مُؤْثِريْهَا بِسَعْي القَلْبِ وَالبَدَنِ

رَقَوْا مَنَابِرَهَا قادُوا عَسَاكِرَهَا                ...         بِقُوَّةٍ وَابْتَنَوا الآثَارَ بِالمُــــدُنِ

وَعَبَّدُوا النَّاسَ حَتَّى أَصْبَحُوا ذُلُلاً         ...        لأَمْرِهِمْ بَيْنَ مَغْلُوبٍ وَمُمْتَهَنِ

وَجَمَّعُوا المَالَ وَاسْتصْفَوا نَفَائِسَهُ            ...         لِمُتْعَةِ النَّفْس في مُسْتَقْبَلِ الزَّمَنِ

حَتَّى إِذَا امْتَلَئُوا بِشْرًا بِمَا ظَفِرُوا            ...         وَمُكِّنُوا مِنْ عُلاهَا أَبْلَغَ المِكَنِ

نَادَاهُمُوا هَادِمُ اللذَّاتِ فاقتَحَمُوا            ...         سُبُلَ المَمَاتِ فأضْحَوا عِبْرَةَ الفِطَنِ

تِلْكَ القُبُورُ وَقَدْ صَارُوا بِهَا رِمَمًا          ...          بَعْدَ الضَّخَامَةِ في الأَجْسَامِ وَالسِّمَنِ

بَعْدَ التَّشَهِّي وَأَكْلِ الطَّيِّبَاتِ غَدَا          ...          يَأْكلْهُم الدُّودُ تَحْتَ التُرْبِ وَاللَّبِنِ

تَغَيَّرتْ مِنْهُمُ الألْوَانُ وَانْمَحَقَتْ           ...          مَحَاسِنُ الوَجْهِ وَالعَيْنَيْنِ وَالوُجَنِ

خَلَتْ مَسَاكِنُهُم عَنْهُم وَأَسْلَمَهُم          ...          مَنْ كَانَ يَنْصُرُهُمْ في السِّرِّ وَالعَلَنِ

وَعَافَهُم كُلُّ مَنْ قَدْ كانَ يَأْلَفُهم              ...          مِنَ الأَقارِبِ وَالأَهْلِيْنَ وَالخِدَنِ

مَا كَانَ حَظُّهُمُ مِنْ عَرْضِ مَا اكتَسَبُوا    ...          غَيْرَ الحَنُوطِ وغيرَ القُطْنِ وَالكَفَنِ

تِلكَ القُصُورُ وَتْلكَ الدُّورُ خَاوِيَةٌ          ...          يَصِيْحُ فِيْهَا غُرَابُ البَيْنِ بالوَهَنِ

فَلَوْ مَرَرْتَ بِهَا وَالبُومُ يَنْدُبُهَـــا            ...          في ظُلْمَةِ الليْلِ لم تَلْتَذَّ بالوَسَنِ

وَلا تَجَمَّلَت بِالأَرياشِ مُفتَخِرًا              ...          وَلا افتَتَنتَ بِحُبِّ الأَهلِ وَالسَكَنِ.

وَلا تَلَذَّذتُ بِالمَطعومِ مُنهَمِكًا                ...          وَلا سَعَيتَ لَدَينا سَعيَ مُفتَتَنِ

وَلاَ اعْتَبَرْتَ إِذَا شَاهَدْتَ مُعْتَبَرًا            ...          تَرَاهُ بالعَينِ أو تَسْمَعْهُ بالأُذُنِ

إِنَّ المَواعِظَ لا تُغْنِي أَسِيْرَ هَوَى             ...         مُقْفَلَ القَلْبِ في حَيْدٍ عَنْ السُّنَنِ

مُسْتَكْبِرًا يَبْطُرُ الحَقَّ الصَّرِيْحَ إِذَا            ...         يُلْقَى إِليْهِ لِفَرْطِ الجَهْلِ وَالشَّنَنِ

يُمَنِّيُ النَّفْسَ أَمْرًا لَيْسَ يُدْرِكُهُ               ...         إِنَّ الأمَانِيَّ مِقْطَاعٌ عَنْ المِنَنِ

يَكْفِي اللَّبِيْبَ كِتَابُ اللهِ مَوْعِظَةً          ...         كَمَا أَتَى في حَدِيْثِ السَّيِّدِ الحَسَنِ

مُحَمَّدٍ خَيْرِ خَلْقِ اللهِ قُدْوَتِنا                   ...         مُطَهَّرِ الحَبْبِ عَنْ عَيْبٍ وَعَنْ دَرَنِ

عَلَيْهِ مَنَّا صَلاًةُ اللهِ دَائِمَـــةً                 ...         مَا سَارَتْ الرِّيْحُ بالأَمْطَارِ والسُّفُنِ

وَالآلِ وَالصَّحْبِ مَا غَنَّتْ مُطَوَّقَةٌ           ...         وَمَا بَكَتْ عَيْنُ مُشْتَاقِ إِلَى وَطَنِ

صلى الله وسلم وبارك عليه وألهمنا اللهُ تبارك وتعالى- محبتَهُ وحُسْنَ صُحبةِ سُنَّتِهِ؛ إنه على كل شيءٍ قدير.

وصلى اللهُ وسَلَّم على نبيِّنا مُحمد وعلى آله وأصحابِهِ أجمعين(1).

 

 

 

 

 

     ________________________

(1) «باختصارٍ من خطبة: مَقَامَات الخَائِفِينَ والصَّائِمِينَ - خطبة الجمعة 5 من رمضان 1437هـ الموافق 10/6/2016م».

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللهُ عَليه وآلهِ وسَلَّم- صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:

«الخَوْفُ يَمْنَعُكَ مِنْ مَعْصيَةِ اللهِ وَقِصَّةٌ رَائِعَةٌ»

فإنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا لَمْ يَخَفْ مِنَ اللهِ اتَّبَعَ هَوَاهُ، وَلَاسِيَّمَا إِذَا كَانَ طَالِبًا مَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ، وَهُوَ يَطْلُبُ مَا لَا يَحْصُلُ لَهُ وَلَمْ يُحَصِّلْهُ، وَلَا يَخَافُ رَبَّهُ فِي طَلَبِهِ، وَيَتَّبِعُ هَوَاهُ؛ هَذَا تَبْقَى نَفْسُهُ طَالِبَةً لِمَا تَسْتَرِيحُ بِهِ، وَتَدْفَعُ بِهِ الْغَمَّ وَالْحُزْنَ عَنْهَا وَلَيْسَ عِنْدَهَا مِنْ ذِكْرِ اللهِ وَعِبَادَتِهِ مَا تَسْتَرِيحُ إِلَيْهِ وَبِهِ، وَيَسْتَرِيحُ إِلَى الْمُحَرَّمَاتِ حِينَئِذٍ مِنْ فِعْلِ الْفَوَاحِشِ وَشُرْبِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُغْضِبُ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا-.

الْإِنْسَانُ إِذَا لَمْ يَخَفْ رَبَّهُ اتَّبَعَ هَوَاهُ، وَأَمَّا إِذَا خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى؛ كَمَا قَالَ اللهُ(1).

والزُّهادُ مِن أُمةِ مُحمَّدٍ ﷺ كان منهم مَن كان شفيفَ البصيرةِ جدًّا، وكان له في الدعوةِ باعٌ لا يُنكر، إبراهيمُ بن أدهم رحمة الله عليه-، فإنَّ رجُلًا مِمن أسرفَ على نفسِهِ جاء إليه، فقالَ يا أبا إسحاق: إنِّي قد أسرفتُ على نفسي، فعِظْنِي بمَوعظةٍ لعلَّ اللهَ تبارك وتعالى- أنْ ينفعني بها.

فقال: نعم، هي خمسةُ أمورٍ، إنْ أَخَذْتَ بها وقَدِرْتَ عليها؛ نفعكَ اللهُ تبارك وتعالى- بها.

قال: هات يا أبا إسحاق.

_______________________

(1) «من تعليق الشيخ على «شرح الأصول الثلاثة» المحاضرة الخامسة».

قال إبراهيمُ -رحمهُ الله-: إنْ أردْتَ أنْ تعصيَ اللهَ تبارك وتعالى- فلا تأكُل رزقَهُ.

قال: وكيف ذلك يا أبا إسحاق، وكلُّ ما في الأرضِ إنما هو رزقُهُ؟

قال: أويَجْمُلُ أنْ تأكُلَ رزقَهُ وتعصيَ أمرَهُ؟!!

قال: لا، هات الثانيةَ يا أبا إسحاق.

فقالَ إبراهيمُ -رحمهُ اللهُ-: إنْ أرَدْتَ أنْ تعصيَ أمرَهُ فلا تسكُن أرضَهُ، ولا تكُن مُقيمًا في بلدٍ مِن بلادِهِ.

قال: هذه أَعْسَرُ مِن الأولى يا أبا إسحاق، وما بينَ المشرقِ والمغربِ وما فوقَ ذلك وما دونَهُ إنما هو مُلْكُهُ!

قال إبراهيمُ -رحمهُ اللهُ-: أويَجْمُلُ أنْ تأكلَ رزقَهُ وتسكنَ أرضَهُ وتعصيَ أمرَهُ؟!!

قال: لا، هات الثالثة يا أبا إسحاق.

قال: إنْ أرَدْتَ إلَّا أنْ تأكُلَ رزقَهُ وتسكُنَ بلدَهُ وتعصيَ أمرَهُ؛ فاعْصِهِ في مكانٍ لا يطَّلِعُ عليك فيه.

قال: وكيف ذلك وهو يعلمُ السِّرَّ وأَخْفَى، وهو مُطَّلِعٌ على البواطنِ ويعلمُ الهواجسَ ولا يخْفَى عليه شيء؟!!

قال: يا هذا أَويَجْمُلُ بك أنْ تأكُلَ رزقَهُ، وتسكُنَ أرضَهُ، ثمَّ تأتي بالمعصيةِ كِفاحًا بحيثُ يطَّلِعُ عليك؟!!

قال: لا والله يا أبا إسحاق، هات الرابعة.

فقالَ: إذا أَتَاكَ مَلَكُ الموتِ، فقُل له: أَجِّلْنِي حتى أتوبَ.

قال: إنه لا يُمَكِّنُنِي يا أبا إسحاق.

قال: فأين النجاةُ إذن إذا كان لا يُؤجِّلُكَ؟!!

قال: هات الخامسةَ يا أبا إسحاق.

فقالَ له إبراهيمُ -رحمه الله-: إذا ما أخذَ الزبانيةُ بيَديْكَ ورِجليْكَ لكي يُلقُوكَ في النارِ؛ فاستعصِ عليهم ولا تُطَاوِعُهُم.

قال: وكيف لي بذلك يا أبا إسحاق؟! حَسْبي فقَدْ فَطِنْتُ(1).

«مَنْ خَافَ اللهَ خَافَهُ كُلُّ شَيْءٍ»

قالَ بعضُ السلفِ: «مَن خافَ اللهَ خافَهُ كلُّ شيءٍ، ومَن لم يَخَف اللهَ أخافَهُ اللهُ مِن كلِّ شيءٍ».

ولذلك كان السلفُ رحمةُ اللهِ عليهم- لمَّا حقَّقُوا التوحيدَ لا يَرْهَبُونَ أَحَدًا، لا يَرْهَبُونَ إلَّا الله.

شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية رحمهُ اللهُ تعالى-، وكان للهِ خالِصًا رحمةُ اللهِ عليه-، فما باعَ ولا اشترى في حياتِهِ، وكان زاهِدًا في الدنيا جملةً، لم يُقْبِل عَلَيْهَا في أيِّ صورةٍ مِن صورِهَا، وإنما كانَ مُقْبِلًا على اللهِ، على العِلْمِ والعِبَادَةِ والتصنيفِ والدعوةِ والجهادِ في سبيلِ اللهِ رحمةُ اللهِ عليه.

 

_________________________

(1) «مقطع بعنوان: موعظةٌ رائعةٌ لكل مَن يريدُ معصيةَ اللهِ».

لمَّا أراد الفقهاءُ في دمشق أنْ يذهبوا مع الأعيانِ للقاءِ (غازان)، وكانَ مَلِكًا للتتارِ، ذَهَبَ مَعَهُم شيخُ الإسلامِ رَحِمَهُ اللهُ- فساروا معًا حتى كانوا عند (غازان)، وكان جَبَّارًا مُتَسَلِّطًا ومعه حَاشيَةٌ مُجرِمَةٌ، وكان قد أَعْلَنَ الإسلامَ ظَاهِرًا، فَلَمَّا رَأَى الشَّيْخَ رَحِمَهُ اللهُ- قادِمًا مِن بعيدٍ، قال لِمَن حولَهُ: مَن هذا الشَّيْخ؟

فقالوا: فلان، وذكروا له مِن حالِهِ، لأنَّ وَصْفَ حالِهِ كان مُنْطَبِقًا على حَقِيقةِ قلبِهِ، فَانْعَكَسَ ذلك على ذلك، فَلَمَّا رَآهُ ولا يعرِفُهُ، بل إنه لا يعرِفُ العربيةَ، قال: مَن هذا الرَّجُل؟ في وَسَطِ هؤلاء جُمْلَةً.

قالوا: هو فلان، وذكروا مِن حالِهِ.

فَلَمَّا وَقَفُوا بين يَديْه، أَقْبَلَ شيخُ الإسلامِ عليه وَاعِظًا ومُبَكِّتًا، قال: إنَّ جَدَّكَ كان كافرًا، وأنت ادَّعيْتَ الإسلام، ومع ذلك تفعلُ ما لم يَفْعَلْهُ جَدُّكَ وكان كافرًا! وأخذَ يَعِظُهُ بكلامٍ شديدٍ.

فلمَّا فَرَغَ مِن موعظتِهِ، قال له غازان عن طريقِ التَّرجُمان-: ادعُ لي.

فأخذَ يدعو، ويُؤمِّنُ غازانُ على دعاءِ شيخِ الإسلامِ، فكان مِن دعائِهِ: اللهم إنْ كان عبدُكَ غازان يفعلُ ما يفعلُ ابتغاءَ مرضاتِك وطلبًا لرضوانِك فوَفِّقْهُ لكلِّ خيرٍ، وإنْ كان إنما يفعلُ ما يفعلُ لغيرِ ذلك؛ فَافْعَل به وَافْعَل، فكان يدعو عليه، وهو يُؤمِّنُ على دعائِهِ، والفقهاءُ والأعيانُ يَجْمَعُونَ ثيابَهُم خَشْيَةَ أنْ يَأْمُرَ بضَربِ عُنُقِهِ، فيُطَرْطَسُ عليهم أي على ثِيابِهِم- مِن دِمَاه، فلمَّا فرغَ من الدعاءِ وانصرفوا، قالوا: والله لا نَمْضِي مَعَكَ في طَرِيقٍ، فَقَالَ: مَا بَدَى لكم، ومضى هو في طريقِهِ إلى دمشق، فما دخلَ دمشق إلَّا في موكبٍ عظيم، واجتمع عليه جُمْلَةٌ عظيمةٌ مِن الخَلقِ.

فإذا خَافَ الإنسانُ ربَّهُ تبارك وتعالى- أخافَ اللهُ منه كلَّ شيءٍ، وأمَّا إذا لم يَخَفِ اللهَ تبارك وتعالى- أخافَهُ اللهُ مِن كلِّ شيءٍ حتى مِن ظِلِّهِ، وَعَدَمُ الخوفِ مِن الخَلقِ لا يعني أنْ تَكُونَ مُتَهَوِّرًا؛ لأنَّ بعضَ الناسِ يكونُ مُتَهَوِّرًا بحُجَّةِ أنه لا يخافُ إلَّا الله، هذا أحمقٌ! إنما المسائلُ مضبوطةٌ بالشرعِ، كلُّ أمرٍ ينبغي أنْ يكونَ محكومًا بقواعدِ الكتابِ والسُّنةِ(1).

«ثَمَرَاتُ الخَوْفِ مِن اللهِ وَاتِّبَاعِ الوَحْي وَآثَارُهُمَا عَلَى الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ»

مِن ثَمَرَاتِ الخَوْفِ: أَنَّهُ يَقْمَعُ الشَّهَوَات ويُكَدِّرُ اللَّذَات؛ فَتَصِيرُ المَعَاصِي المَحبوبةُ عندهُ مكروهةً كما يَصِيرُ العَسَلُ مَكْرُوهًا عند مَن يَشْتهيه إذا عَلِمَ أنَّ فيه سُمًّا، فَتَحْتَرِقُ الشَّهَوَاتُ بِالخَوْفِ، وتَتَأَدَّبُ الجَوَارِحُ به، وَيَذِلُّ القَلْبُ ويَسْتَكِينُ، ويُفَارِقُهُ الكِبْرُ والحِقْدُ والحَسَدُ، وَيَصِيرُ مُسْتَوعِبَ الهَمِّ لِخَوْفِهِ، والنَّظَرَ في خَطَرِ عَاقبتِهِ، فلا يَتَفَرَّغُ لِغَيْرِهِ، ولا يكونُ له شُغْلٌ إلَّا المُرَاقَبَةَ والمُحَاسَبَةَ والمُجَاهَدَةَ والضِّنَّةَ بالأنْفَاسِ واللحَظَاتِ، ومُؤاخذة النَّفْسِ في الخَطَرَاتِ والخطوَاتِ والكلِمَاتِ(2).

الخَوْفُ فَرْضٌ على كلِّ أَحَدٍ، وَالوَحْيُ هُوَ نُورُ العَالَم وَحَيَاتُهُ وَهِدَايَتُهُ, وَعَلَى قَدْرِ تَمَسُّكِ الإِنْسَانِ بِهَذَا النُّورِ وَالحَيَاةِ وَالهُدَى يَكُونُ تَحْقِيقُهُ لِلْقَصْدِ الَّذِي لِأَجْلِهِ خَلَقَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى-, فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى- خَلَقَنَا لِغَايَةٍ, وَهَذِهِ الغَايَةُ مُبَيَّنَةٌ فِي الوَحْيِ المَعْصُومِ, وَإِذَا مَا عَاشَ النَّاسُ بِهَذَا الوَحْيِ؛ سَعِدُوا فِي الحَيَاةِ, وَتَجَنَّبُوا سُبُلَ الشَّقَاءِ فِي الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ, وَلَا حَيَاةَ لِهَذَا العَالَمِ إِلَّا بِأَنْ يَتَمَسَّكَ بِالوَحْيِ.

__________________

(1) «مقطع بعنوان: الخوف من الله قصة شيخ الإسلامِ ابن تيمية وغازان».

(2) «باختصارٍ من خطبة: مَقَامَات الخَائِفِينَ والصَّائِمِينَ - خطبة الجمعة 5 من رمضان 1437هـ الموافق 10/6/2016م».

وَالَّذِي يُرِيدُهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِنَّا هُوَ: «أَنْ نَحْيَا بِالوَحْيِ», وَهَذِهِ الجُمْلَة لَوْ أَنَّكَ أَخَذْتَ مَعْنَاهَا الصَّحِيح, وَجَعَلْتَهُ فِي حَيَاتِكِ نِبْرَاسًا وَمَنْهَاجًا, وَحَقَّقْتَهُ فِي ذَاتِكَ وَفِي رُوحِكَ وَفِي نَفْسِكَ وَفِي جَسَدِكَ وَفِي مَنْ حَوْلَكَ, هَذِهِ الجُمْلَةُ تُورِثُكَ السَّعَادَةَ دُنْيَا وَآخِرَة, وَتُجَنِّبُكَ الشَّقَاءَ وَالتَّعَاسَةَ دُنْيَا وَآخِرَة، وَهِيَ: عِشْ بِالوَحْيِ(1).

ولو أنَّ الناسَ أطاعوا الرسولَ -صَلَّى اللـهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ظاهرًا وباطنًا ما وُجِدَ في الدنيا شرٌّ قَطُّ، وإنَّمَا يُوجَد الشَّرُّ في المَكَانِ على قَدْرِ مُخَالفةِ النبي -صَلَّى اللـهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، والناسُ أحوجُ إلى الرسالةِ منهم إلى الطعامِ والشَّرَابِ، بل إلى النَّفَسِ؛ لأنَّ الجسدَ إذا حُرِمَ النَّفَسَ مَاتَ، وأمَّا القلبُ فإذا مَا حُرِمَ الرسالةَ هَلَكَ، وهلاكُ القلوبِ هَلَاكُ الآخرةِ وضياعُهَا، وهذا أكبرُ وأعظمُ مِن هلاكِ الأبدانِ وضياعِ الدنيا(2).

«نَصِيحَةٌ جَامِعَةٌ نَافِعَةٌ: كُنْ بَيْنَ الخَوْفِ وَالرَّجَاءِ...»

فاعلم أيها الأخُ الحبيب أنَّ الخوفَ واجبٌ، يجبُ عليك أنْ تخافَ مِنْ الله، والخوفُ المحمودُ الصادق مَا حَجَزَكَ عن محارمِ الله، إنْ لم تأتِ بهذا الخوف على هذا النَّحو عُوقبتَ؛ لأنك لم تأت بواجبٍ أوجبهُ اللهُ عليك، وفَرَّطتَ في حقٍ أحقَّهُ اللهُ عليك.

واعلم أيها الأخ الحبيب أنَّ اليأس مِنْ رَوحِ الله وأنَّ القنوطَ مِن رحمتهِ مِنْ كبائرِ الذنوبِ و مِنْ عظائمِ الإثم، فإنْ تورطتَ في ذلك تورطتَ في كبيرةٍ مِنْ كبائرِ الإثمِ وعظيمةٍ مِنْ عظائمِ الذنوب.       *فنسألُ اللهَ أنْ يُعلمنا ديننا و أنْ يُمَسَّكَنا به، إنَّه تعالى علي كل شيءٍ قدير، وصلي اللهم وسلم علي نبينا محمدٍ وعلي آله وأصحابه أجمعين.

____________________________

(1) «مِن محاضرة: عيشوا الوحي المعصوم - الخميس 23 من ربيع الأول 1438 هـ الموافق 22/12/2016 م».

(2) «من خطبة نَبيُّنَا مُحَمَّد ﷺ - 5 من ذي القعدة 1433 هـ،  الموافق 21- 09 -2012 م».

(3) «مِن خطبةِ: القنوط مِن رَحْمَةِ اللهِ - 27 من صفر 1436هـ الموافق 19-12-2014م».

**********************

صفحة تفريغات خطب الجمعة كاملة للعلَّامة رسلان -حفظهُ اللهُ-.

موقع تفريغات لعلامة رسلان -حفظهُ اللهُ-.

www.rslantext.com

موقع تفريغ خطب علماء أهلِ السُّنة.

www.khotabtext.com

 

 

 

 

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  • شارك