التَّضْحِيَةُ مِنْ أَجْلِ الأَوْطَانِ وَمُرَاعَاةُ المَصْلَحَةِ العُلْيَا لِلْأُمَّةِ

التَّضْحِيَةُ مِنْ أَجْلِ الأَوْطَانِ وَمُرَاعَاةُ المَصْلَحَةِ العُلْيَا لِلْأُمَّةِ

«التَّضْحِيَةُ مِنْ أَجْلِ الأَوْطَانِ وَمُرَاعَاةُ المَصْلَحَةِ العُلْيَا لِلْأُمَّةِ»

جَمْعٌ وترتيبٌ مِن خُطَبِ ومُحَاضَرَاتِ

العَلَّامَة أبي عبد الله مُحَمَّد بن سَعِيد رَسْلَان حَفِظَهُ اللهُ-.

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

«الحُبُّ الفِطْرِيُّ لِلْأَوْطَانِ»

فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى ذَاكِرًا الأَوْطَانَ وَمَوَاقِعَهَا فِي القُلُوبِ: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾ [النساء: 66].

فَسَوَّى بينَ قَتْلِ أَنْفُسِهِم والخُرُوجِ مِن دِيَارِهِم، وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لو كَتَبَ على عِبَادِهِ الأَوَامِرَ الشَّاقَّةَ على النُّفُوسِ مِن قَتْلِ النُّفُوسِ، والخُرُوجِ مِن الدِّيَارِ لَمْ يَفْعَلْهُ إِلَّا القَلِيلُ مِنْهُم والنَّادِرُ.

وَنَسَبَ اللهُ الدِّيَارَ إلى مُلَّاكِهَا: قَالَ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ [الحج: 40].

وَلَو قَنَعَ النَّاسُ بِأَرْزَاقِهِم قَنَاعَتَهُم بِأَوْطَانِهِم، مَا اشْتَكَى عَبْدٌ الرِّزْقَ، فَإِنَّ النَّاسَ بِأَوْطَانِهِم أَقْنَعُ مِنْهُم بِأَرْزَاقِهِم.

عَن عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَت، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «اللهم الْعَنْ شَيْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وَعُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ، كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ دِيَارِنَا». رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

فَدَعَا أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِن رَحْمَتِهِ مَنْ أَخْرَجَهُ مِن أَرْضِهِ وَأَنْ يُبْعِدَ اللهُ مَنْ أَبْعَدَهُ عَن وَطَنِهِ.

ثُمَّ قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «اللهم حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ».

وَأَخْرَجَ الإمَامُ أَحْمَد في «المُسْنَدِ»، وابنُ مَاجَه، وابنُ حِبَّانَ، والحاكمُ في «المُستدَركِ»، عن عبدِ اللهِ بنِ عَدِيِّ بنِ الحمراءِ رضي اللهُ عنه- أنه سَمِعَ النبيَّ ﷺ وهو على راحلتِهِ بمكَّةَ يقولُ: «وَاللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ». وهو حديثٌ صحيحٌ.

وعند ابنِ ماجه: «وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِليَّ». صحَّحَهُ الألبانيُّ(1).

«وَطَنُنَا إِسْلَامِيُّ وَحُبُّهُ وَالدِّفَاعُ عَنْهُ وَاجِبٌ شَرْعِيٌّ»

عَرَّفَ الشَّيْخُ الصَّالِحُ مُحَمَّد بن صَالِحٍ -رَحِمَهُ اللهُ دَارَ الإِسْلَامِ في مَعْرِضِ تَعرِيفِهِ لِدَارِ الشِّركِ فَقَالَ: «بَلَدُ الشِّرْكِ هو: الذِي تُقَامُ فيه شَعَائِرُ الكُفْرِ وَلَا تُقَامُ فيه شَعَائِرُ الإِسْلَامِ كالأذَانِ والصَّلَاةِ جَمَاعَةً وَالأَعْيَادِ وَالجُمُعَةِ عَلَى وَجْهٍ عَامٍّ شَامِلٍ, وإِنَّمَا قُلْنَا عَلَى وَجْهٍ عَامٍّ شَامِلٍ ليَخْرُجَ مَا تُقَامُ فيه هذه الشَّعَائِرُ -يَعْنِي الأَذَانَ والصَّلَاةَ جَمَاعَةً والأعْيَادَ والجُمُعَةَ- عَلَى وَجْهٍ مَحْصُورٍ؛ كَبِلَادِ الكُفَّارِ التي فِيهَا أَقَلِّيَّاتٌ مُسْلِمَةٌ فَإِنَّهَا لا تَكُونُ بلادَ إِسْلَامٍ بِمَا تُقِيمُهُ الأَقَلِّيَّاتُ المُسْلِمَةُ فيها مِن شَعَائِرِ الإسْلَامِ، أَمَّا بِلَادُ الإِسْلَامِ فَهِيَ البِلَادُ التي تُقَامُ فيها هَذِهِ الشَّعَائِرُ عَلَى وَجْهٍ عَامٍّ شَامِلٍ».

فَبِلَادُنَا بِلَادٌ إِسْلَامِيَّةٌ وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

____________________

(1) «ملخص مِن كتابِ حُب الوطنِ الإسلاميِّ مِن الإيمان -طبعة مكتبة الفرقان الطبعة الأولى 2008م».

قالَ الشَّيْخُ الألبانيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: «الأمرُ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الإِسْلَامِ في بَعْضِ فُصُولِ فَتَاوِيهِ: أَنَّ الأَرْضَ لَيْسَت بالجُدْرَانِ، وإنَّمَا هي بِالسُّكَّانِ، فإذا كانَ الغَالِبُ على سُكَّانِ البَلَدِ ونِظَامِهِم الإسْلَام فَهِيَ دارُ إسلامٍ، وَإِنْ كانُوا قَد يُحْكُمُون بنظامٍ لَيْسَ إِسْلَامِيًّا صِرْفًا أو مَحْضًا».

وَمَا دَامَت بِلَادُنَا إِسْلَامِيَّةٌ فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَسْعَى لاسْتِقْرَارِهَا, واكتْمِالِ أَمْنِهَا, وَيَجِبُ حِيَاطَتُهَا بالرِّعَايَةِ والحِفَاظِ والبَذْلِ.

قَالَ الشَّيْخُ ابنُ عُثْيمين كَمَا في شَرْحِهِ عَلَى «رِيَاضِ الصَّالِحِينَ»: «حُبُّ الوَطَنِ إِنْ كانَ إِسْلَامِيًّا فَهَذَا تُحِبُّهُ؛ لأنَّهُ إِسْلَامِيٌّ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وَطَنِكَ الَّذِي هُوَ مَسْقَطُ رَأْسِكَ، وَالوَطَنُ البَعِيدُ عَن بِلَادِ المُسْلِمِينَ, كُلُّهَا أَوْطَانٌ إِسْلَامِيَّةٌ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَحْمِيهَا».

الوَطَنُ إِنْ كانَ إِسْلَاميًّا يجبُ أَنْ يُحَبَّ، وعلى الإِنْسَانِ أَنْ يُشَجِّعَ عَلَى الخَيْرِ في وَطَنِهِ وَعَلى بَقَائِهِ إِسْلَامِيًّا, وَأَنْ يُسْعَى لاسْتِقْرَارِ أَوْضَاعِهِ وَأَهْلِهِ, وَهَذَا هُوَ الوَاجِبُ عَلَى كُلِّ المُسْلِمِينَ.

فَيَجِبُ عَلَى المُسْلِمِينَ أَنْ يَتَعَاونُوا عَلَى البِرِّ والتَّقْوَى, وأَنْ يَتَحَابُّوا لا يَتَعَادَوْا, وأنْ يَتَنَاصَرُوا وَلَا يَتَخَاذَلُوا, وَأَنْ يَأْتَلِفُوا وَلَا يَخْتَلِفُوا حَتَّى يَسْتَطِيعُوا إِقَامَةَ دِينِهِم وَحِفْظَ أَعْرَاضِهِم وَدِيَارِهِم وَأَمْوَالِهِم, وَلَا بُدَّ مِن نَفْيِ العَصبيةِ والأَغْرَاضِ المَذْمُومَةِ مِن الاستعلاءِ بِالجِنْسِ أو الأَرْضِ أو غَيْرِهَا، فَإِنَّ الأَرْضَ لا تُقَدِّسُ أَحَدًا, إِنَّمَا يُقَدِّسُ الإِنْسَانَ عَمَلُهُ, وميزانُ التفضيلِ عند اللهِ تَعَالَى هو التَّقْوَى، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13].

وَمَا أَشَدَّ جُرْمَ مَن يَسْعَى لإِحْدَاثِ الفَوْضَى وإطلاقِ الغَرَائِزِ مِن قيودِهَا وَمَا أَكْبَرَ إِثْمَ مَن سَعْيُهُ لإِضَاعَةِ مَكَاسِبِ الإسْلَامِ في بَلَدٍ يُنَعَّمُ بِنِعْمَةِ اللهِ عَلَيْهِ بِهَذَا الدِّينِ مِنْذُ أَكْثَرَ مِن أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَرْنًا مِن الزَّمَانِ.

وَمِن لَوَازِمِ الحُبِّ الشَّرْعِيِّ للأوطانِ المُسْلِمَةِ, أَنْ يُحَافَظَ على أَمْنِهَا واستقرارِهَا، وَأَنْ تُجَنَّبَ الأسبابَ المُفْضِيَةَ إلى الفَوْضَى والاضطرابِ والفَسَادِ، فَالأَمْنُ في الأَوْطَانِ مِن أَعْظَمِ مِنَنِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ عَلَى الإِنْسَانِ.

فَعَلَى المُسْلِمِ أَنْ يَعْرِفَ قَدْرَ بَلَدِهِ الإسْلَامِيِّ وَأَنْ يُدَافِعَ عَنْهُ، وَأَنْ يَجْتَهِدَ في تَحْصِيلِ اسْتِقْرَارِهِ وَأَمْنِهِ، وبُعْدِه وَإِبْعَادِهِ عَن الفَوْضَى، وَعَن الاضطرابِ، وَعَن وقوعِ المُشَاغَبَاتِ.

عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يُحِبَّ بَلَدَهُ الإِسْلامِيَّ، وَأَنْ يُدَافِعَ عَنْهُ، وَأَنْ يَمُوتَ دُونَهُ، فَإِنَّهُ مَنْ مَاتَ دُونَ مَالِهِ فَهُو شَهِيدٌ، والأَرْضُ مَالٌ، فَمَن مَاتَ دُونَ مَالِهِ فَهُو شَهِيدٌ.

ومِصْرُ التي لا يَعْرِفُ أَبْنَائُهَا قِيمتَهَا؛ يَنْبَغِي أَنْ يُحَافَظَ عَلَيْهَا، وَأَنْ يُحَافَظَ عَلَى وَحْدَتِهَا، وَأَنْ تُجَنَّبَ الفَوْضَى والاضطراب، وَأَنْ تُنَعَّمَ بالأَمْنِ والأَمَانِ والاستقرارِ(1).

«حُبُّ الوَطَنِ مِنْ تَقْوَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-»

قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد شَاكِر -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: «إِيَّاكَ أَنْ تَظُنَّ أَنَّ تَقْوَى اللهِ هِيَ الصَّلَاةُ والصِّيَامُ وَنَحْوُهُمَا مِن العِبَادَاتِ فَقَط، إِنَّ تَقْوَى اللهِ تَدْخُلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَاتَّقِ اللهَ فِي عِبَادَةِ مَوْلَاكَ، لَا تُفَرِّطْ فِيهَا، وَاتَّقِ اللهَ فِي إِخْوَانِكَ لَا تُؤْذِ أَحَدًا مِنْهُم، وَاتَّقِ اللهَ فِي بَلَدِكَ، لَا تَخُنْهُ وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْهِ عَدُوًّا، وَاتَّقِ اللهَ فِي نَفْسِكَ وَلَا تُهْمِلْ فِي صِحَّتِكَ، وَلَا تَتَخَلَّقْ بِسِوَى الأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ».

 

 

______________________

(1) «ملخص من خطبة: مِصر بين مطامع الأعداء وجحود الأبناء -خطبة الجمعة 16رمضان 1436هـ الموافق 3/7/2015م».

*اتَّقِ اللهَ فِي وَطَنِكَ:

اتَّقِ اللهَ في وَطَنِكَ، لَا تَخُنْهُ وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْهِ عَدُوًّا، وَلَا تَدْفَعْهُ إِلَى الفَوْضَى والشِّقَاقِ.

إِنِّي لأَعْجَبُ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَخُونَ الخَائِنُونَ؟!!

أَيَخُونُ إِنْسَانٌ بِلَادَهُ؟!!

إِنْ خَانَ مَعْنَى أَنْ يَكُونَ فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ؟!!

وَقَدْ تَضِيقُ أَخْلَاقُ الرَّجُلِ فَيَظُنُّ أَنَّ وَطَنَهُ قَد ضَاقَ بِهِ، وَالحَقُّ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ القَدِيمُ:

وَرَبُّكَ مَا ضَاقَت بِلَادٌ بِأَهْلِهَا   ***   وَلَكِنْ أَخْلَاقَ الرِّجَالِ تَضِيقُ

وَحَالُ مَنْ فَارَقَ وَطَنَهُ هُوَ:

شَوْقٌ يَخُضُّ دَمِي إِلَيْهِ، كَأَنَّ كُلَّ دَمِي اشْتِهَاء

جُوعٌ إِلَيْهِ... كَجُوعِ دَمِ الغَرِيقِ إِلَى الهَوَاء

شَوْقُ الجَنِينِ إِذَا اشْرَأَبَّ مِن الظَّلَامِ إِلَى الولَادَه

إِنِّي لأَعْجَبُ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَخُونَ الخَائِنُونَ

أَيَخُونُ إِنْسَانٌ بِلَادَهُ؟!!

إِنْ خَانَ مَعْنَى أَنْ يَكُونَ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ؟!!

الشَّمْسُ أَجْمَلُ فِي بِلَادِي مِن سِوَاهَا، وَالظَّلَام

حَتَّى الظَّلَامُ هُنَاكَ أَجْمَلُ، فَهُوَ يَحْتَضِنُ الكِنَانَه

 

وَا حَسْرَتَاهُ!! مَتَى أَنَامُ

فَأُحِسُّ أَنَّ عَلَى الوِسَادَه 

مِنْ لَيْلِكِ الصَّيْفيِّ طَلًّا فِيهِ عِطْرُكِ يَا كِنَانَه؟

مَا دَامَ الوَطَنُ إسلامِيًّا فَيَجِبُ الدفاعُ عَنْهُ، وَيَحْرُمُ الإضْرَارُ بِهِ(1).

«فَضْلُ مِصْرَ في القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَأَعْلَامُهَا»

*فَضْلُ مِصْرَ فِي القُرْآنِ:

ذَكَرَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- حِكَايَةً عَن قَوْلِ يُوسُفَ: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِين﴾ [يوسف: 99].

قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ﴾ [يوسف: 21].

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾ [يوسف: 30].

والمَدِينةُ: مَنْف، والعَزِيزُ: رئيسُ وزراءِ مِصْر حِينَئِذٍ.

وَقَالَ تَعَالَى:  ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [القصص: 15].

وهي مَنْفٌ مدينةُ فِرْعَوْنَ.

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى﴾ [القصص: 20].

 هي مَنْفٌ أَيْضًا.

____________________

(1) «ملخص مِن كتابِ حُب الوطنِ الإسلاميِّ مِن الإيمان -طبعة مكتبة الفرقان الطبعة الأولى 2008م».

وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عن فِرْعَوْن وافْتِخَارِهِ بِمِصْرَ: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ [الزخرف: 51].

وَقَالَ تَعَالَى حِينَ وَصَفَ مِصْرَ وَمَا كانَ فيه آلُ فِرْعَوْنَ مِن النِّعْمَةِ والمُلْكِ بِمَا لَمْ يَصِف به مَشْرِقًا وَلَا مَغْرِبًا، وَلَا سَهْلًا وَلَا جَبَلًا، وَلَا بَرًّا وَلَا بَحْرًا: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ *وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِين﴾ [الدخان: 25-27].

والمَقَامُ الكَرِيمُ: مِصْرُ، فَقَدْ كَرَّمَهَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَوَصَفَهَا بِالكَرَمِ في كِتَابِهِ العَزِيزِ.

فَهَلْ يُعْلَمُ أَنَّ بَلَدًا مِنْ البُلْدَانِ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الأَرْضِ أَثْنَى عَلَيْهِ الكِتَابُ العَزِيزُ بِمِثْلِ هَذَا الثَّنَاءِ، أَوْ وَصَفَهُ بِمِثْلِ هَذَا الوَصْفِ، أَو شَهِدَ له بِالكَرَمِ غَيْرَ مِصْرَ؟

*فَضْلُ مِصْرَ فِي السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ:

وَعِنْدَ مُسْلِمٍ في «الصَّحِيحِ» عَن رسولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي مِصْرُ فَاسْتَوْصُوا بِقِبْطِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَكُم مِنْهُم صِهْرًا وَذِمَّةً».

وَرَوَى أَبُو ذَرٍّ عَن النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا القِيرَاطُ فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُم ذِمَّةً وَرَحِمًا». أَخْرَجَهُ الطبرانيُّ والحَاكِمُ عن كَعْبِ ابْنِ مَالِك يَرْفَعُهُ: «إِذَا فُتِحَت مِصْرُ فَاسْتَوْصُوا بِالقِبْطِ خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا». صَحَّحَهُ في «السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ».

فَأَمَّا الرَّحِمُ: فَإِنَّ هَاجَرَ أُمُّ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ الخليلِ -عَلَيْهِمَا السَّلَام- مِن القِبْطِ مِن قَرْيةٍ نحو (الفَرَمَا)، يُقَالَ لَهَا أي: لِهَاجَرَ-: أُمُّ العَرَبِ.

وَأَمَّا الذِّمَّةُ: فَإِنَّ النبيَّ ﷺ تَسَرَّى مِن القِبْطِ (مَاريةَ) أُمَّ إبراهيمَ ابنِ رسولِ اللهِ ﷺ، وهي مِن قَرْيةٍ نحو الصَّعِيد.

*الأَعْلَامُ مِن الصَّحَابَةِ والعُلَمَاءِ والأُدَبَاءِ والمُلُوكِ الذِينَ نَزَلُوا مِصْرَ:

وَأَمَّا مَنْ كانَ بِهَا في الإسلامِ مِن الصَّحَابَةِ والفُقَهَاءِ والعُلَمَاءِ والأَحْبَارِ والزُّهَّادِ, وَمَن دَخَلَهَا مِن المُلُوكِ والخُلَفَاءِ وَأَهْلِ العِلْمِ والشِّعْرِ والنَّحْوِ والخَطَابَةِ، وكلُّ مَنْ بَرَعَ على أَهْلِ زَمَانِهِ، أو نَجَمَ على أَهْلِ عَصْرِهِ، فَيَتَّسِعُ على الحَاصِرِ حَصْرُهُ.

ذَكَرَ أَهْلُ العِلْمِ والمَعْرِفَةِ والروايةِ أنَّهُ دَخَلَ مِصْرَ في فَتْحِهَا مِمَّن صَحِبَ رسولَ اللهِ ﷺ مائة رَجُلٍ وَنَيٍّفٌ.

وقالَ يزيدُ بن أبي حَبِيب: «وَقَفَ على إقامةِ قِبْلَةِ المَسْجِدِ الجَامِعِ ثَمَانُونَ رَجُلًا مِن أَصْحَابِ رسولِ اللهِ ﷺ، مِنْهُم: الزُّبَيْرُ بنُ العَوَّام، والمِقْدَادُ بنُ الأسودِ، وعِبَادَةُ بنُ الصَّامِت، وأبو الدَّرْدَاءِ، وفَضَالَةُ بنُ عُبَيْد، وعُقْبَةُ بنُ عَامِرٍ وأبو ذَرٍّ, وربيعةُ بن شُرَحْبِيل بن حَسَنَة، وسَعْدُ بن أبي وقاص، وعمرو ابنُ عَلْقَمَة، وعبدُ اللهِ بن عمرو بن العاص، وعبدُ اللهِ بن عُمَر بن الخطاب، وخَارِجَةُ بنُ حُذَافَة، وعبدُ اللهِ بن سعد بن أبي السَّرْح، وأبو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، ومحمد بن مسلمة، وعَمَّارُ بنُ ياسر، وعمرو بنُ العاص، وأبو هُريرة وغيرُهُم مِن أصحابِ رسولِ اللهِ ﷺ، وَقَفُوا على قِبْلَةِ المَسْجِدِ الجَامِعِ -مَسْجِدِ عمرو بنِ العَاصِ-، وهو أَوَّلُ مَسْجِدٍ بِأفريقيَّةَ».

وَأَمَّا مَن كان بها مِن الفُقَهَاءِ والعُلَمَاءِ، فَمِنْهُم: يزيدُ بن أبي حبيب، والليثُ بنُ سَعْد، وله مَذْهَبٌ انفردَ به، وهو الذي أَخْرَجَ الرشيدَ مِن يمينِهِ التي عَجَزَ عَنْهَا فُقَهَاءُ الدنيا، ومنهم عبد الله بن وَهْبٍ يفوقُ بتصنيفِهِ جماعةً مِن الفُقَهَاءِ المُصَنِّفِينَ، وله مِن تَصنيفِهِ نحو مائة جُزْء، ومنهم عبدُ الله بن لَهِيعَة، له مَنْزِلَةٌ في الفقهِ والحديثِ والأخبارِ، ومنهم أَشْهَب، وَأَسَدُ بن مُوسَى، ومُحَمَّد بن عبد الحكم، والمُزَنِيُّ.

وكلُّ وَاحِدٍ مِنْهُم قد بَرَعَ في مَذْهَبِهِ، وَنَجَمَ على أَهْلِ عَصْرِهِ، ولكلِّ واحدٍ منهم مِن الكُتُبِ المُصَنَّفَةِ مَا يَعْجِزُ عَن نَظِيرِهَا سَائِرُ أَهْلِ الدُّنْيَا(1).

«مِصْرُ أُمَّةٌ لَهَا تَارِيخٌ في الدِّفَاعِ عَن الإِسْلَامِ»

هذه الأُمَّةُ أُمَّةٌ عن الإسلامِ مُدَافِعَةٌ، وَعَن الإيمانِ مُنَافِحَةٌ، وهي للقُرْآنِ حَامِلَةٌ، وللعِلْمِ نَاشِرَةٌ، هذه الأُمَّةُ باللهِ عَالِمَةٌ، هذه الأُمَّةُ فيها مِن الأتْقياءِ الأنْقياءِ الأَخْفياءِ مَن يَضْرَعُونَ إلى رَبِّ الأرضِ والسماءِ أنْ يُنَجِّيهَا ويُنَجِّي الأُمَّةَ الإسلاميةَ مِن كلِّ خَطَرٍ وسُوءٍ.

هذه الأُمَّةُ هي الصخرةُ الشَّمَّاءُ التي لَمَّا اتَّحَدَ أبْنَاؤهَا مع أَهْلِ الشَّامِ تَحْتَ قيادةِ المُظَفَّرِ (قُطُز)، تَمَّ انْحِسَارُ مَوْجَاتِ التَّتَارِ الهَمَجِ عَلَى صَخْرَتِهِم القَائِمَةِ العَاتيَةِ، وَنَجَّى اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ الحَضَارَةَ الإنسانيةَ كُلَّهَا بِهَذَا الرَّدِّ وَبِهَذَا الصَّدِّ، وَبِهَذَا الكِفَاحِ والجِهَادِ في سَبِيلِ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ، خَرَجَت جيوشُ المِصريينَ مُوَحِّدَةً مُؤمِنَةً باللهِ رَبِّ العَالَمِينَ، مُنَافِحَةً عَن دِينِهِ العَظِيمِ، صَرْخَتُهَا «وَا إِسْلَامَاهُ!»، تُنَافِحُ عَنْهُ وَتَمُوتُ دُونَهُ، وتُقَاتِلُ لأَجْلِ رَفْعِ رَايتِهِ، هذه الأُمَّةُ أُمَّةٌ مُجَاهِدَةٌ، تُجَاهِدُ عن دينِ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ جَمِيعَ المُعْتَدِينَ.

وفي عَهْدِ (الدولةِ الأيوبيةِ) لَمَّا خَرَجَ (صَلَاحُ الدين» وَمَعَهُ مَن مَعَهُ مِن جُنْدِ المُسلمينَ؛ مِن جُنْدِ الشَّامِ المَيَامِينَ، مَعَ جُمْلَةِ مَن خَرَجَ مِن جُنْدِ المِصْرِيينَ، كان تطهيرُ بَيْتِ المَقْدِسِ مَعَ إِجْلَاءِ الصَّلِيبيينَ الذينَ أَرَادُوا أَنْ يَنْسِفُوا الإسلامَ نَسْفًا، وَأَنْ يَقْضُوا عَلَى أَهْلِهِ قَضَاءً مُبْرَمًا، وَلَم يَبْلُغُوا مِن ذَلِكَ شَيْئًا.

 

 

 

 

_______________________

(1) «ملخص من خطبة: مِصر بين مطامع الأعداء وجحود الأبناء -خطبة الجمعة 16رمضان 1436هـ الموافق 3/7/2015م».

هذه الأُمَّةُ تَصَدَّت في العصرِ الحَدِيثِ لليهودِ، مِن إِخْوَانِ القِرَدَةِ والخَنَازِيرِ، وصَيْحَتُهُم «اللهُ أَكْبَرُ»، أَكْبَرُ مِن كلِّ شَيْءٍ، أَكْبَرُ مِن العَتَادِ والعُدَّةِ، أَكْبَرُ مِن التَّخْطِيطِ والتَّنْظِيمِ، أَكْبَرُ مِن المَكْرِ والكَيْدِ، أَكْبَرُ مِن المَعُونَةِ تَأْتِي مِن هُنَا وهُنَاكَ، اللهُ أَكْبَرُ مِن كلِّ أَحَدٍ وَأَكَبْرُ مِن كلِّ شَيْءٍ، فَدُحِرُوا، وَأُذِلُّوا، وأُهِينُوا -يَعْنِي اليهودَ عام 1973م-، وكانَ ما كانَ مِمَّا هو مَعْلُوم.

هذه الأُمَّةُ لا تَسْتَحِقُّ مِن أَبْنَائِهَا أَنْ يَتَصَارَعُوا، وأنْ يَتَخَالَفُوا، وأنْ يَتَنَابَذُوا، وأنْ يَتَطَاحَنُوا، وأنْ يَسْعَوْا لإحداثِ الفَوْضَى بينَ جَنَبَاتِهَا!!

مِصْرُ دُرَّةُ التَّاجِ على جَبِينِ الإسْلَامِ العَظِيمِ، حَمَلَت كِتَابَ اللهِ، وَأَدَّتْهُ كَمَا أَنْزَلَهُ اللهُ على رسولِ اللهِ ﷺ، وكانَ لَهَا مُشَارَكَة جَيِّدَة في حِفْظِ العلومِ الإسلاميةِ وفي نَشْرِهَا، وكانت حَاضِرَةَ العَالِمِ الإِسْلَاميِّ لَمَّا انَحْسَرَت شَمْسُ الخِلَافَةِ عَن بَغْدَاد ودِمَشْق، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَشْرَقَت في القاهرة(1).

«المَصْلَحَةُ العُلْيَا لِلْأُمَّةِ»

إنَّ ممَّا كان عليه أصحابُ النبيِّ ﷺ و-رَضِيَ اللهُ عنهم- وكذلك مَن تَبِعَهُم بإحسانٍ مِن أهلِ الهُدَى والتُّقَى والعفافِ والغِنَى في العلمِ؛ ممَّا كانوا عليه: أنهم يُراعونَ المصالحَ العُليا للأُمةِ، يُقَدِّمونَ مصلحةَ الأُمَّةِ على المصلحةِ الفرديةِ، لا يعتبرونَهَا ولا يُبالونَ بها، وينظرونَ إلى المصالحِ العُليا للأُمَّةِ، ويَعْلَمُونَ أنه ما نالَ مِن الأُمَّةِ عدوٌّ مِثلَ ما نالت الأُمةُ مِن نفسِهَا باختلافِهَا وتدابُرِ قلوبِ أبنائِهَا، وكيف لا يكونُ ذلك كذلك ورسولُ اللهِ ﷺ قد بيَّنَ لهم أنَّ هذا هو حظُّ الشيطانِ منهم «إنَّ الشيطانَ قد أَيِسَ أنْ يعبُدَهُ المُصَلُّونَ في جزيرةِ العربِ، ولكنْ في التحريشِ بينهُم».

___________________

(1) «خطبة: وأهيج مصريين على مصريين - الجمعة 3 من صفر 1432هـ الموافق 7-1-2011م».

فقَدْ منعَ اللهُ ربُّ العالمينَ نبيَّهُ ﷺ هذه لمَّا سألَ اللهَ جلَّ وعلا- ألَّا يجعلَ بأسَ الأُمةِ بينها، قال: «فمَنَعَنِيهَا، حتى يكونَ بعضُهُم يقتلُ بعضًا، وحتي يسبي بعضُهُم بعضًا»، وحذَّر مِن ذلك رسولُ اللهِ ﷺ: «أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».

إمَّا أنْ يكونوا كُفَّارًا بالمعنى الذي لا يُخرِجُهُم مِن دينِ اللهِ جلَّ وعلا-، وإنما يُشبِهُون الكُفارَ في إقبالِهِم على سفكِ دماءِ المسلمين واستباحةِ أجسادِهِم وأرواحِهِم، وإمَّا أنْ يشتَطَّ منهم أقوامٌ يُكفِّرونَ المسلمينَ تكفيرًا ثم يرفعونَ السيوفَ على الرقابِ «أَلَا لَا تَرْجِعُوا بَعْدِى كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».

النبيُّ ﷺ في كلِّ صلاةٍ يُصَلِّي فيها بالمسلمين، يتوجهُ إليهم مُحذِّرًا ومُنذِرً، وهاديًا ومُعَلِّمًا يأمرُهُم بالاستواءِ في الصفوفِ: «ألَا تصُفُّونُ كما تَصُفُّ الملائكةُ عندَ ربِّهِم»، يأمرُهُم بالاستواءِ حتى يكونَ الصفُّ كالقِدحِ استواءً واعتدالًا، أبدانٌ مُتراصَّةٌ، وقلوبٌ مُتحابَّةٌ متلاحمةٌ متداخلةٌ متمازجةٌ كالجسدِ الواحدِ، يركعُ ويسجدُ، ويهبِطُ ويصْعَدُ وراءَ إمامِهِ بغيرِ خلافٍ ولا اختلافٍ: «لا تَخْتَلِفُوا فتَخْتَلِف قلوبُكُم»، فيُحذِّرُ رسولُ اللهِ -صلى الله وسلمَ وباركَ عليه- مِن اختلافِ الأبدانِ في الصفوفِ في الصلاة، ويُنبِّهُ إلى أمرٍ جليلٍ خطيرٍ في أثرِهِ على الأُمَّةِ؛ أنَّ هذا الاختلالَ في الاستواءِ في الصفوفِ، وهو أمرٌ ماديٌّ محض يؤدي إلى اختلافٍ بطنيٍّ يُؤثِّرُ في القلوبِ «لا تَخْتَلِفُوا فتَخْتَلِف قلوبُكُم».

والصحابةُ -رضي الله عنهم- ومَن بعدَهُم كانوا يُراعونَ المصلحةَ العُليا للأُمةِ، فلم يكن أحدُهُم داعيةَ خلافٍ ولا اختلافٍ، وكانوا يعلمونَ أنَّ المِنطقةَ التي يتحركونَ فيها ينبغي أنْ تَسَعَهُم، فإذا جاءت المصلحةُ العُليا للأُمةِ تركُوا خلافاتِهِم.

 

الذي شَجِرَ بين الأصحابِ ونَشِبَ بينهم وأدَّى إلى بعضِ الاقتتالِ بين جُندِ عليٍّ وجُندِ معاوية رضي اللهُ عنهما- كان مِن وجهةِ نظريْهِما باجتهادَيْهِما، ومنهم مجتهدٌ مُخطئٌ له أجرٌ ومجتهدٌ مُصيبٌ له أجران رضي اللهُ عنهما وعن الصحابةِ أجمعين-، كانا يعلمان أنَّ ما اختلفا فيه بسببِ الاجتهادِ إنما كان في المنطقةِ المسموحِ بها.

لمَّا أرسلَ مَلِكُ الروم إلى معاويةَ رضي الله عنه- خطابًا، يعرِضُ فيه عليه أنْ يمُدَّهُ بمَدَدٍ يُقوِّيه به على عليٍّ وجُندِهِ، أرسلَ إليه معاويةُ -رضي الله عنه-: «ألَا يا ابنَ الكافرة، أمَا والله إنْ لم تكُفّ؛ فإني سأصيرُ إلى ابنِ عمِّي حتى أكونَ معه بجندي، ثم نسيرُ إليك حتى نُريَكَ أمرَ اللهِ جلَّ وعلا-». في معنى ما قال -رضي الله عنه-.

كانوا يُراعونَ المصلحةَ العُليا للأمةِ، يحرِصُونَ على الأرضِ الإسلاميةِ والوطنِ الإسلاميِّ، يُقاتلونَ دونَهُ، ويُجاهِدُونَ مَن أرادَ اغتصابَهُ والاعتداءَ عليه، ولا يُحدِثونَ الفوضى ولا الشَّغْبَ فيه، ولا يكونون إلى ذلك سَبَبًا ولو بكلمةٍ.

فعثمانُ رضي اللهُ عنه- فهو الراشدُ مِن الراشدين رضي اللهُ عنه-، ظلَّ صدْرًا مِن خلافتِهِ يقصُرُ الرباعيةَ في الصلاةِ، ثم في آخر خِلافتِهِ كان يُتِمُّ الرباعيةَ في السَّفَرِ، ووقعَ كلامٌ كثيرٌ، وسُنَّةُ النبيِّ ﷺ ماضيةٌ بقَصْرِ الرباعيةِ في السَّفَرِ، بل القولُ الصحيحُ المُختارُ أنَّ القصرَ في السَّفَرِ واجبٌ وليس بسُنَّةٍ، بل هو واجبٌ كما قال شيخِ الإسلام رحمهُ اللهُ- والمُحقِّقُون.

ولكنَّ عثمانَ رضي اللهُ عنه- وهو مِن الراشدين بنصِّ كلامِ النبيِّ الأمين: «الخلافةُ بعدي ثلاثونَ عامًا»، فكانت بخلافةِ أبي بكرٍ وعُمَرَ وعثمانَ وعليٍّ وستَّةِ أشهرٍ من خلافةِ الحسَنِ بن عليٍّ رضي الله عنهم جميعًا-، فتَمَّت ثلاثين عامًا، ثم صارت إلى معاوية -رضي الله عنه-.

عثمانُ -رضي اللهُ عنه- بدَا له في آخر خلافتِهِ أنْ يُتِمَّ الرُّباعيةَ في السَّفَرِ، ولا أَثَرَ، ولكنَّهُ اجتهدَ في ذلك كما وردَ عنه رضي اللهُ عنه-، فلمَّا حجَّ بالناسِ وهو أميرُ الحجِّ في عامِهِ أتمَّ الرُّباعيةَ وهو مسافرٌ، فتكلمَ ناسٌ كثيرون، وصَلَّى الحبرُ الجليلُ ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه- خلفَ عثمان رضي الله عنه- مُتِمًّا للصلاةِ وهو مسافرٌ وهو يعلمُ الحكمَ.

فقيلَ له: أمَا عَلِمْتَ ما صنعَ صاحبُكَ؟

قال: عَلِمْتُ.

قالوا: فما صَنَعْتَ؟

قال: صلَّيْتُ خلفَهُ.

قالوا: كيف تُصَلِّي خلفَهُ وقد خالفَ الرسولَ ﷺ في هديِهِ؟

قال: الخلافُ شرٌّ.

وهذا أميرُ العامةِ وله اجتهادٌ في الأمرِ، ماذا كان اجتهادُهُ؟

قالَ عثمانُ رضي الله تبارك وتعالى عنه-: إني أميرُ عامةٍ، ويُصلِّي ورائي في المَوسمِ البدويُّ والآفاقيُّ ومَن ليس بذي عِلمٍ، فإذا داوموا على صلاةِ الرباعيةِ ورائي ثِنتيْن ثِنتيْن، ثُمَّ عَادُوا بعد ذلك إلى مضاربِهِم وأقوامِهِم، ورَجَعُوا إلى بلادِهِم ومقارِّهِم، قالوا جاهلين: إنَّ الصلاةَ ليست كما تُصَلُّون يقولون لأقوامِهِم-، ولقد صلَّيْنَا وراءَ أميرِ المؤمنين عثمان رضي الله عنه- وهو ذو النورين وكذا وكذا، صلَّينا وراءَهُ الرباعية ثِنتيْن ثِنتيْن ثِنتيْن؛ يقعُ خللُ عظيمٌ، اجتهد رضي اله تبارك وتعالى عنه-، فكان ماذا؟

 

الصحابةُ يراعونَ المصلحةَ العُليا للأمةِ، لا يختلفون، وإنما حتى إذا ما وقعَ أمرٌ كبيرٌ فإنهم يسلكونَ إليه سواءَ السبيلِ ولا يَفْتَاتُونَ، كما رُوجِعَ في ذلك أميرُ المؤمنين عثمان مِن قِبَلِ الحِبِّ ابنِ الحِبِّ أسامةَ بن زيدٍ رضي الله عنهم- وعن الصحابةِ أجمعين؛ لأنه روجِعَ ألَا تدخلَ على عثمان فتأمرُهُ وتنهاهُ،  وقد أخذوا عليه أمورًا برَّأهُ اللهُ ربُّ العالمين منها، ومنعوهُ مِن أمورٍ مَكَّنَهُ اللهُ تبارك وتعالى- منها، وكلُّ ذلك بسببِ تنزيلِ النصوصِ على غيرِ منازلِهَا، وبسببِ الافتئاتِ على مَقامِ أهلِ العلمِ الربانيينَ، وبسببِ أنْ يتكلمَ في دينِ اللهِ ربِّ العالمين مَن لا كلامَ له في العلمِ أصلًا!!

ألَا تدخلُ على عثمانَ فتأمرُهُ وتنهاه؟

قال: ألَا ترَوْنَ أني لا آمرُهُ ولا أنهاهُ إلَّا أنْ أُعلِمَكُم، فقَد دخلتُ عليه، فكلَّمْتُهُ، غيرَ أني لا أفتحُ بابَ فتنةٍ، لا يقومُ إليه في مَحفِل فيقول: افعل كذا ولا تفعل كذا واتقِ الله، وكلمةٌ لا يُرادُ بها وجهُ الله، وإنما ينظرُ إلى المصلحة العُليا للأُمَّةِ، ومعلومٌ أنَّ الظلمَ مِن مليكٍ غشومٍ خيرٌ مِن فتنةٍ تدوم، هذا كلامُ سلفِكُم، والأمرُ لا يأتي مِن هاهنا، وإنما يأتي مِن هاهنا -مِن عند اللهِ-، وإنَّ ما ينزل بكم مِن العقاب إنما بما قدَّمت أيديكم، فغيِّروا ما بأنفسِكُم حتى يُغيِّرَ لكم، ولو وقفتم أمام مرآتِكُم شعبًا مصفوفًا، فنظرتم لرأيتُم صورَكُم صورَ حُكَّامِكُم وأمرائِكم، فإنْ ارتبتُم في شيءٍ فأصلِحوا مِن أنفسِكُم يُصلِحِ اللهُ لكم.

هذا سبيلُ السلفِ، وهو مدعاةُ الألفةِ بين المسلمين، ولا تصلُ إلى حقيقتِهِ إلَّا بتعلُّمِ حقيقةِ الدين، هو أمرٌ واضحٌ ومُبينٌ، كيف؟

كتابُ اللهِ وسُنَّةُ رسولِ اللهِ بفهمِ أصحابِ النبيِّ ومَن تَبِعَهُم بإحسانٍ.

اتقوا اللهَ في وطنِكُم عبادَ اللهِ، واتقوا اللهَ في أوطانِكُم أيها المسلمون، فإنها مُستهدفةٌ مُرادةٌ مطلوبةٌ، تآزروا وتعاونوا، ونَمُّوا الموجود حتى تُحصِّلُوا المفقود، ولا تَتَّبِعُوا السرابَ فإنه هباءٌ يُفضي إلى يَبَابٍ.

واللهُ المُسْتعانُ وعليه التُّكْلَان.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ أَجمَعِينَ(1).

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-, صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

«جيشٌ شُجَاعٌ أَبِيٌّ يُضَحِّي مِنْ أَجْلِ تَحْقِيقِ الأَمْنِ»

إِنَّ الْأَمْنَ وَالِاسْتِقْرَارَ نِعْمَةٌ عَظِيمٌ نَفْعُهَا، كَرِيمٌ مَآلُهَا،  وَبِاللَّـهِ ثُمَّ بِالْأَمْنِ يُحَجُّ الْبَيْتُ الْعَتِيقُ، وَتُعَمَّرُ الْمَسَاجِدُ، وَيُرْفَعُ الْأَذَانُ مِنْ فَوْقِ الْمَنَارَاتِ، وَيَأْمَنُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، وَتَأْمَنُ السُّبُلُ.

بِاللَّـهِ ثُمَّ بِالْأَمْنِ تُرَدُّ الْمَظَالِمُ لِأَهْلِهَا فَيُنْتَصَرُ لِلْمَظْلُومِ وَيُرْدَعُ الظَّالِمُ، وَتُقَامُ الشَّعَائِرُ، وَيَرْتَفِعُ شَأْنُ التَّوْحِيدِ مِنْ فَوْقِ الْمَنَابِرِ، وَيَجْلِسُ الْعُلَمَاءُ لِلْإِفَادَةِ، وَيَرْحَلُ الطُّلَّابُ لِلِاسْتِفَادَةِ، وَتُحَرَّرُ الْمَسَائِلُ، وَتُعْرَفُ الدَّلَائِلُ، وَيُزَارُ الْمَرْضَى، وَيُحْتَرَمُ الْمَوْتَى، وَيُرْحَمُ الصَّغِيرُ وَيُدَلَّلُ، وَيُحْتَرَمُ الْكَبِيرُ وَيُبَجَّلُ، وَتُوصَلُ الْأَرْحَامُ، وَتُعْرَفُ الْأَحْكَامُ، وَيُؤْمَرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيُنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُكَرَّمُ الْكَرِيمُ وَيُعَاقَبُ اللَّئِيمُ...

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَبِالْأَمْنِ اسْتِقَامَةُ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَبِالْأَمْنِ صَلَاحُ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ, وَالْحَالِ وَالْمَآلِ(2).

 

________________________

(1) «من خطبة: المصلحة العليا للأُمَّةِ -الجمعة 18 من المحرم 1432هـ الموافق 24-12-2010م».

(2) «باختصار من خطبة: حقيقة ما يحدث في مصر».

والجَيْشُ المِصْرِيُّ يُحَارِبُ العَالَمَ كُلَّهُ فِي سَيْنَاء, تَجَمَّعَت عَلَيهِ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا وَلَنْ يَضُرُّوهُ شَيئًا إِنْ شَاءَ الله, وَلَكِنْ تَجَمَّعَ عَلَيهِ مَنْ بِأَقْطَارِهَا فِي سَينَاء.

العَالَمُ كُلُّهُ يُحَارِبُ الجَيْشَ المِصْرِيَّ فِي سَينَاء!! وَالمُقَاتِلُ المِصْرِيُّ مِنْ فَجْرِ التَّارِيخِ, عَقِيدَتُهُ؛ النَّصْرُ أَوْ الشَّهَادَةُ, لَا يَعْرِفُ سِوَى هَذَا.

يُقَتَّلُونَ, فِي سَبِيلِ اللهِ يَمْضُونَ, تُزْهَقُ أَرْوَاحُهُم, تُكْلَمُ قُلُوبُ أُمَّهَاتِهِم، يَتَيَتَّمُ أَطْفَالُهُم, تَتَرَمَّلُ نِسَاءُهُم, يَبْكِيهِم كُلُّ جَارٍ وَحَبِيبٍ، وَهُم يَتَسَاقَطُونَ, لَا يُبَالُونَ, عَقِيدَتُهُم النَّصْرُ أَوْ الشَّهَادَةُ, لِمَاذَا يُقْتَلُون؟!

هُم يُقَاتِلُونَ مِنْ أَجْلِ القَضِيَّةِ, مِنْ أَجْلِ وَأْدِ المُؤَامَرَةِ.

الجَيْشُ المِصْرِيُّ يُعَانِي مُعَانَاةً مُرَّةً فِي سَينَاء؛ لِأَنَّ الوَضْعَ هُنَالِكَ فِي غَايَةِ التَّعْقِيدِ, لَيْسَ كَمَا يَبْدُوا لِلنَّظْرَةِ الأُولَى, وَالنَّظْرَةُ الأُولَى حَمْقَاءُ, الوَضْعُ مُعَقَّدٌ غَايَةَ التَّعْقِيدِ, وَمَعَ ذَلِكَ؛ فَالبَوَاسِلُ مِنَ الرِّجَالِ يُوَاجِهُونَ بِصُدُورٍ مَكْشُوفَةٍ, وَسَوَاعِدَ مَفْتُولَةٍ, وَعَقَائِدَ قَائِمَةً, لَا يُبَالُونَ, يَمُوتُونَ, يَتَسَاقَطُونَ.

لَا بَأْسَ, إِنَّ المَجْدَ لَا يُصْنَع إِلَّا بِالتَّضْحِيَّاتِ الغَالِيَةِ, بِالدِّمَاءِ النَّازِفَةِ, بِالأَرْوَاحِ الزَّاهِقَةِ, إِنَّ القِيَمَ وَالمُثُلَ لَا يُؤَسَسُ لَهَا وَلَا تُعْلَى, إِلَّا بِالتَّضْحِيَّاتِ العَظِيمَةِ, إِنَّ المَجْدَ العَظِيمَ لَا يُصْنَعْ إِلَّا بِتَضْحِيَةٍ عَظِيمَةٍ.

هُم يُدَافِعُون, وَلَوْلَا أَنَّ اللهَ قَيَّدَ هَؤلَاءِ عِندَ البَوَابَةِ الشَّرْقِيَّةِ, وَعِندَ الحُدُودِ الغَرْبِيَّةِ, وَعِندَ الحُدُودِ الجَنُوبِيَّةِ, وَفِي البَحْرِ الأَحْمَرِ, وَفِي السَّمَاءِ, وَعِندَ المُؤَسَّسَاتِ وَالمُنْشَأَتِ, لَوْلَا أَنَّ اللهَ قَيَّدَ هَؤلَاءِ مَعَ إِخْوَانِهِم مِنْ الشُّرْطَةِ المَدَنِيَّةِ, الَّذِينَ يَصْطَادُونَهُم وَهُم يَحْمُونَهُم, وَمَا كَانَ الوَاحِدُ مِنهُم لِيَجْرُؤَ عَلَى أَنْ يَمْشِيَ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ يَسْعَى عَلَى قَدَمَيْهِ, خَفَافِيشُ لَا تَعِيشُ إِلَّا فِي الظَّلَامِ.

وَأَمَّا الشَّعْبُ الغَافِي, الشَّعْبُ الغَافِل, الشَّعْبُ النَّائِم, فَقَدْ عَوَّدَنَا أَنَّهُ لَا يَسْتَيقِظْ إِلَّا عَلَى المَصَائِبِ .

الكُلُّ مُسْتَهْدَفٌ, مُؤَسَّسَاتُكُم, أَمْوَالُكُم, أَبْنَاؤُكُم, أَعْرَاضُكُم, أَمْوَالُكُم, حَيَاتُكُم, مُسْتَقْبَلُكُم, وَمُسْتَقْبَلُ أَبْنَائِكُمْ, وَمُسْتَقْبَلِ حَفَدَتِكُم فِي مَهَابِّ الرِّيَاحِ الأَرْبَعَةِ, فَكَيْفَ تَنَامُون؟! كَيْفَ تَضْحَكُون؟! كَيْفَ تَصْخَبُون؟! كَيْفَ تَتَغَافَلُون؟! أَلَا تُفِيقُون!!

اللهُ المُسْتَعَانُ, وَعَلَيهِ التُّكْلَان, وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيم(1).

«هَذِهِ هِيَ مِصْرُ الغَالِيَةُ صَخْرَةُ الإِسْلَامِ»

هَذِهِ مِصْرُ، وهِيَ أَرْضٌ إِسْلَامِيَّةٌ والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ؛ فَلَنْ يُدَافَعَ عَنْهَا عَصَبِيَّةً، وإِنَّمَا يُدَافَعُ عَنْهَا بِالحَمِيَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ، ولأَجْلِ دِينِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، ولِيَظَلَّ الأَذَانُ فِيهَا مَرْفُوعًا، ولِتَظَلَّ الجُمَعُ والجَمَاعَات والأعيَادُ، ولِتَظَلَّ شَعَائِرُ الإسْلَامِ فِيهَا قَائِمَةً رَغْمَ أَنْفِ الخَوَارِجِ والتَّكْفِيرِيينَ -عَلَيْهِم مِن اللهِ -جَلَّ وَعَلَا مَا يَسْتَحِقُّونَ-.

إِنَّهَا مِصْرُ التي لا يَعْرِفُ قَدْرَهَا أَبْنَاؤهَا، وَيَدَّعُونَ أَنَّهُم يُرِيدُونَ الخَيْرَ لَهَا؛ وإِنَّمَا يُرِيدُونَ بَيْعَهَا بَيْعًا رَخِيصًا في مَزَادَاتِ أَوْلَادِ الخَنَا.

إِنَّهَا مِصْرُ الَّتِي يُفَرِّطُ فِيهَا أَبْنَاؤهَا مِمَّنْ يَدَّعُونَ أَنَّهُم يَنْتَمُونَ إِلَى الدِّينِ الحَنِيفِ!!(2)

أَلَا يَعْلَمُ النَّاسُ مَا يُبَيَّتُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مِن المَخَاطِرِ في الدَّاخِلِ والخَارِجِ، مِن أَجْلِ طَمْسِ الهِوِيَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ في بَلَدٍ هِيَ دُرَّةُ التَّاجِ عَلَى جَبِينِ الإِسْلَامِ العَظِيمِ(3).

يُرِيدُونَ الفَوْضَى فِيهَا، يُرِيدُونَ هَتْكَ الأَعْرَاضِ، وَسَبْيَ النِّسَاءِ، واسْتِلَالَ الثَّرْوَاتِ، وَإِزْهَاقَ الأَرْوَاحِ، وَسَفْكَ الدِّمَاءِ.

فَنَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُعَامِلَهُم بِعَدْلِهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِير.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِنَا مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِين(4).

 

 

 

_________________________________

(1) «باختصار من خطبة: إرهاب الطابور الخامس».

 

(2) «ملخص من خطبة: مِصر بين مطامع الأعداء وجحود الأبناء -خطبة الجمعة 16رمضان 1436هـ الموافق 3/7/2015م».

(3) «خطبة: وأهيج مصريين على مصريين - لجمعة 3 من صفر 1432هـ الموافق 7-1-2011م».

(4) «ملخص من خطبة: مِصر بين مطامع الأعداء وجحود الأبناء -خطبة الجمعة 16رمضان 1436هـ الموافق 3/7/2015م».

صفحة تفريغات خطب الجمعة كاملة للعلَّامة رسلان -حفظهُ اللهُ-.

موقع تفريغات العلامة رسلان -حفظهُ اللهُ-.

www.rslantext.com

موقع تفريغ خطب علماء أهلِ السُّنة.

www.khotabtext.com

  

 

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  • شارك