حُرْمَةُ التَّكْفِيرِ وَالدِّمَاءِ بِغَيْرِ مُوجِبٍ وَخُطُورَةُ الفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ

حُرْمَةُ التَّكْفِيرِ وَالدِّمَاءِ بِغَيْرِ مُوجِبٍ  وَخُطُورَةُ الفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ

«حُرْمَةُ التَّكْفِيرِ وَالدِّمَاءِ بِغَيْرِ مُوجِبٍ

وَخُطُورَةُ الفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ»

جمعٌ وترتيبٌ مِن خُطَبِ الشيخِ العلَّامة:

أبي عبد الله مُحَمَّد بن سَعِيد رَسْلَان -حَفِظَهُ اللهُ-.

الْخُطْبَةُ الْأُولَى: 

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

«التَّكْفِيرُ بِلَا مُوُجِبٍ مِنْ أَعْظَمِ مَا ابْتُلِيَ بِهِ المُسْلِمُونَ»

فمِنْ أَعْظَمِ مَا ابْتُلِيَ بِهِ المُسْلِمُونَ التَّكْفِيرَ بِلَا مُوُجِبٍ، وَقَدْ وَقَعَ في ذَلِكَ الخَوَارجُ قَدِيمًا، وَمَا زَالَ وَاقِعًا مِمَّنَ تَبِعَ الخَوَارِجَ وَنَهَجَ نَهْجَهُمْ، مِنْ حُدَثَاءِ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءِ الأَحْلَامِ، وَأَكْثَرُ هَؤُلَاءِ لَا يَعْلَمُونَ خُطُورَةَ النَّتَائِجِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى التَّكْفِيرِ.

وَهِيَ نَتَائِجُ مِنَ الخُطُورَةِ فِي غَايَةٍ، وَمِنْهَا:

*وُجُوبُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ المُكَفَّرِ وَزَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّ المُسْلِمَةَ لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً لِكَافِرٍ بِالإِجْمَاعِ المُتَيَقَّنِ.

*ومنها أنَّ أَوْلَادَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَوْا تَحْتَ وِلَايَتِهِ وَسُلْطَانِهِ؛ لِأَنَّهُ بِكُفْرِهِ أَصْبَحَ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِم، وَقَدْ يُؤَثِّرُ عَلَيْهِمْ بِكُفْرِهِ.

*وَمنها أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي وِلَايَةِ المُجْتَمَعِ المُسْلِمِ وَنُصْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَلَيْهِ وَمَرَقَ مِنْهُ بِالكُفْرِ الصَّرِيحِ وَالرِّدَّةِ البَوَاحِ.

*ومنها أَنَّهُ تَجِبُ مُحَاكَمَتُهُ أَمَامَ القَضَاءِ الإِسْلَامِيِّ لِيُنَفَّذَ فَيهِ حُكْمَ المُرْتَدِّ، بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ وَإِزَالَةِ الشُّبُهَاتِ عَنْهُ، وَإِقَامَةِ الحُجَّةِ عَلَيْهِ.

*وَمنها أَنَّهُ إذَا مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ لَا تُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ المُسْلِمِينَ، فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ المُسْلِمِينَ، وَلَا يُوَرَّثُ.

*ومنها أَنَّهُ لَا يَرِثُ مُوَرِّثَهُ إِذَا مَاتَ مُوَرِّثٌ لَهُ.

*ومنها وهي أَخْطَرُ النَتَائِجِ وهي المَوْتُ عَلَى الكُفْرِ: أَنَّهُ مُوجِبٌ لِلَعْنَةِ اللهِ وَالطَّرْدِ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَمُوجِبٌ لِلْخُلُودِ الأَبَدِيِّ فِي النَّارِ.

وَلِخُطُورَةِ آثَارِ تَكْفِيرِ المُسْلِمِينَ العَظِيمَةِ، زَجَرَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْهُ زَجْرًا شَدِيدًا، وَنَهَى نَهْيًّا عَظِيمًا.

*النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى خُطُورَةِ التَّكْفِيرِ بِلَا مُوجِبٍ:

فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا». رواه مسلم

وَفي «الصحيحين» عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِر، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ».

وَعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةِ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ».

أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ في «صحيحه».

*التَّكْفِيرُ بِلَا مُوجِبٍ وَلَا دَلِيلٍ مِنْ أَخْطَرِ البِدَعِ وَأَشَدِّهَا وَبَالًا عَلَى المُسْلِمِينَ:

وَالتَّكْفِيرُ بِلَا مُوجِبٍ وَلَا دَلِيلٍ مِنْ أَخْطَرِ البِدَعِ وَأَشَدِّهَا وَبَالًا عَلَى المُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ التَّكْفِيرِيِّينَ يَسْتَبِيحُونَ الدِّمَاءَ وَالأَمْوَالَ وَالأَعْرَاضَ المَعْصُومَةَ بِالإِسْلَامِ، وَيَتَقَرَّبُونَ بِذَلِكَ إِلَى اللهِ تعالى بِزَعْمِهِمْ، مُعْتَقِدِينَ أَنَّ لَهُمْ بِهِ أَعْظَمَ الأَجْرِ وَأَجَلَّ المَثُوبَةِ عِنْدَ اللهِ.

قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَلِهَذا يَجِبُ الاحْتِرَازُ مِنْ تَكْفِيرِ المُسْلِمِينَ بِالذُّنُوبِ وَالخَطَايَا، فَإِنَّهُ أَوَّلُ بِدْعَةٍ ظَهَرَتْ فِي الإِسْلَامِ، فَكَفَّرَ أَهْلُهَا المُسْلِمِينَ، وَاسْتَحَلُّوا دِمَاءَهُم وَأَمْوَالَهُم».

وقال -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَصَارَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ مِثْلُ الخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَالقَدَرِيَّةِ وَالجَهْمِيَّةِ يَعْتَقِدُونَ اعْتِقَادًا هُوَ ضَلَالٌ يَرَوْنَهُ هُوَ الحَقّ، وَيَرَوْنَ كُفْرَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِي ذلك».

وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: «اعْلَمْ أَنَّ الحُكْمَ عَلَى الرَّجُلِ المُسْلِمِ بِخُرُوجِهِ مِنْ دِينِ الإِسْلَامِ وَدُخُولِهِ فِي الكُفْرِ, لَا يَنْبَغِيِ لِمُسْلِمٍ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أَنْ يُقْدِمَ عَلَيْهِ إِلَّا بِبُرْهَانٍ أَوْضَحَ مِنْ شَمْسِ النَّهَارِ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ المَرْوِيَّةِ مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ: «مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِر, فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا»، هَكَذَا فِي «الصَّحِيحِ».

وَفِي لَفْظٍ آَخَرَ فِي «الصَّحِيحَينِ» وَغَيْرِهِمَا: «مَنْ دَعَا رَجُلًا بِالكُفْرِ أَوْ قَالَ عَدُوَّ اللهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ»؛ أَيْ: إلا رَجَعَ عَلَى القائل.

وَفِي لَفْظٍ فِي «الصَّحِيحِ»: «فَقَدْ كَفَرَ أَحَدُهُمَا».

فَفِي هَذِهِ الأَحَادِيث وَمَا وَرَدَ مَوْرِدَهَا أَعْظَمُ زَاجِرٍ، وَأَكْبَرُ وَاعِظٍ عَنْ التَّسَرُّعِ فِي التَّكْفِيرِ».

وَقَالَ -رَحِمَهُ اللهُ-: «فَإِنَّ الإِقْدَامَ عَلَى مَا فِيهِ بَعْضُ البَأْسِ لَا يَفْعَلُهُ مَنْ يَشِحُّ عَلَى دِينِهِ، وَلَا يُسْمَحُ بِهِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا عَائِدَةَ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ إِذَا أَخْطَأَ أَنْ يَكُونَ فِي عِدَادِ مَنْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كَافِرًا؟)

وَعَن التَّكْفِيرِ بِلَا مُوجِبٍ وَبِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ:

قَالَ الشَّوْكَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: «هَاهُنَا تُسْكَبُ العَبَرَاتُ، وَيُنَاحُ عَلَى الإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ بِمَا جَنَاهُ التَّعَصُّبُ فِي الدِّينِ عَلَى غَالِبِ المُسْلِمِينَ مِنَ التَّرَامِي بِالكُفْرِ، لَا لِسُنَّةٍ وَلَا لِقُرْآنٍ، وَلَا لِبَيَانٍ مِنَ اللهِ وَلَا لِبُرْهَانٍ، بَلْ لَمَّا غَلَتْ مَرَاجِلُ العَصَبِيَّةِ فِي الدِّينِ، وَتَمَكَّنَ الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ مِنْ تَفْرِيقِ كَلِمَةِ المُسْلِمِينَ؛ لَقَّنَهُم إلْزَامَاتِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِمَا هُوَ شَبِيهُ الهَبَاءِ فِي الهَوَاءِ، وَالسَّرَابِ بِالقِيعَةِ، فِيَا للهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذِهِ الفَاقِرَة الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ فَوَاقِرِ الدِّينِ، وَالرَّزِيَّةِ الَّتِي مَا رُزِئَ بِمِثْلِهَا سَبِيلُ المُؤْمِنِينَ».

وَهَذَا التَّشْدِيدُ كُلُّهُ هُوَ فِي تَكْفِيرِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ, فَكَيْفَ بِتَكْفِيرِ المُسْلِمِينَ جَمَاعَاتٍ وَوحْدَانا؟!!

سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ.

وَأَكْثَرُ هَؤُلَاءِ المُجَازِفِينَ بِالتَّكْفِيرِ لَا عِلْمَ لَهُ بِكَثِيرٍ مِنَ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ العَمَلِيَّةِ الَّتِي تَلْزَمُهُ فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَخُوضُ لُجَجَ التَّكْفِيرِ لَا يُبَالِي!!

قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو بَطِينٍ: «وَمِنَ العَجَبِ أَنَّ أَحَدَ هَؤلَاءِ لَوْ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الطَّهَارَةِ أَوْ فِي البَيْعِ وَنَحْوِهِمَا؛ لَمْ يُفْتِ بِمُجَرَّدِ فَهْمِهِ وَاسْتِحْسَانِ عَقْلِهِ، بَلْ يَبْحَثُ عَنْ كَلَامِ العُلَمَاءِ وَيُفْتِي بِمَا قَالُوهُ؛ فَكَيْفَ يَعْتَمِدُ فِي هَذَا الأَمْرِ العَظِيمِ يعني تَكْفِيرَ المُسْلِمِين-الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ أُمُورِ الدِّينِ، وَأَشَدُّهَا خَطَرًا عَلَى مُجَرَّدِ فَهْمِهِ وَاسْتِحْسَانِهِ؟!»

وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللهُ-: «هَذَا مَعَ أَنِّي دَائِمًا وَمَنْ جَالَسَنِي يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنِّي: أَنِّي مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ نَهْيًا عَنْ أَنْ يُنْسَبَ مُعَيَّنٌ إِلَى تَكْفِيرٍ وَتَفْسِيقٍ وَمَعْصِيَةٍ، إِلَّا إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الرِّسَالِيَّةُ الَّتِي مَنْ خَالَفَهَا كَانَ كَافِرًا تَارَةً, وَفَاسِقًا أُخْرَى, وَعَاصِيًا أُخْرَى, وَإِنِّي أُقَرِّرُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَطَأَهَا، وَذَلِكَ يَعُمُّ الْخَطَأَ فِي الْمَسَائِلِ الْخَبَرِيَّةِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ».

وَقَالَ -رَحِمَهُ اللهُ-: «وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُكَفِّرَ أَحَدًا مِنْ المُسْلِمِينَ وَإِنْ أَخْطَأَ وَغَلِطَ, حَتَّى تُقَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ، وَتُبَيَّنَ لَهُ الْمَحَجَّةُ، وَمَنْ ثَبَتَ إِسْلَامُهُ بِيَقِينٍ؛ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ عَنْهُ بِالشَّكِّ؛ بَلْ لَا يَزُولُ إلَّا بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ»(1).  

 

وقال الشيخُ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب -رحمهما الله تعالى-: «وبالجُملة فيجبُ على مَنْ نصحَ نفسه ألَّا يتكلمَ في هذه المسألةِ إلَّا بعلمٍ وبرهانٍ مِنَ الله، وليحذر مِنْ إخراجِ رجلٍ مِنَ الإسلامِ بمجردِ فهمهِ واستحسَانِ عقلهِ، فإنَّ إخراجَ رجلٍ مِنَ الإسلامِ أو إدخالَه مِنْ أعظمِ أمور الدين، وقد استزلَّ الشيطانُ أكثرَ الناسِ في هذه المسألة».

*خُطُورَةُ الحُكْمِ بالتَّكْفِيرِ عَلَى المُسْلِمِينَ:

الحُكمُ على المسلمِ بالكُفرِ وهو لا يستحِقُه ذنبٌ عظيم؛ لأنه حُكْمٌ عليه بالخروجِ مِنْ مِلَّةِ الإسلام، وأنَّه حلالُ الدمِ والمال، وحُكمٌ عليه بالخلودِ في النار إنْ ماتَ على ذلك؛ ولذلك وَرَدَ الوعيدُ الشديدُ في شأنِ مَنْ يحْكُمُ على مسلمٍ بالكُفْرِ وهو ليس كذلك.

ولذلك كُلِّه، فإنَّه يجبُ على المسلمِ الَّذي يريدُ لنفسهِ النجاة، ألَّا يتعجلَ في إصدارِ الحُكمِ على أحدٍ مِنْ المسلمينَ بالكُفْرِ أو الشِّرك، كمَا أنَّه يَحْرُم على العامةِ وصِغارِ طُلاَّبِ العِلم أنْ يَحكُموا على مُسلمٍ مُعَيَّنٍ، أو جَمَاعَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ المُسْلِمِينَ، أو على أُنَاسٍ مُعَيَّنِينَ مِنَ المُسلمين بالكُفْرِ دونَ الرجوعِ إلى أهلِ العِلمِ في ذلك.

يَحْرُم على العامةِ وصِغَارِ طُلاَّبِ العِلم, بل وعلى كِبارهم مِمَنْ لمْ يبلغ المَرتبةَ التي تؤهِّلُهُ إلى أنْ يُفتيَ في ذلك, يَحْرُم عليهم أنْ يُطلِقوا التكفير، أنْ يُطلِقوا هذا الوصفَ العظيم على مسلمٍ أو على جماعةٍ دون الرجوعِ إلى أهلِ العِلمِ الكِبار في ذلك, كمَا أنَّه يجبُ على كلِ مسلمٍ أنْ يجتنِبَ مُجالَسة الَّذين يتكلمونَ في مسائلِ التكفير، وهم مِمَنْ يَحْرُم عليهم أنْ يتكلموا في ذلك, لقِلَّة عِلمِهم ولِطيشِهم وحماقاتِهم؛ لأنَّ كلامَهم في هذه المسائلِ مِنَ الخَوضِ في آياتِ اللهِ -جلَّ وعلا-, وقد قال سبحانه-: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذين يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام: 68](1).

 

«حُرْمَةُ دِمَاءِ المُسْلِمِينَ وَأَعْرَاضِهِم»

*وقد غلَّظ الإسلام العظيم حُرمة دماءِ المسلمين وأعراضِهم:

قال جلَّ وعلا-: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ [الأحزاب: 58].

أي: والذين يؤذون المؤمنينَ والمؤمنات بقولٍ أو فِعل مِن غيرِ ذنبٍ عَمِلوه؛ فقد ارتكبوا أفحشَ الكذبِ والزور، وأتَوا ذنبًا ظاهرَ القُبح مؤديًا للعذابِ في الآخرة.

الخَطَأُ في تَرْكِ ألْفِ كَافِرٍ في الحَيَاة, أَهْوَنُ مِنَ الخَطَأِ في سَفْكِ مِحْجَمَةٍ مِنْ دَمِ مُسْلِمٍ.

والأصْلُ أنَّ دِمَاءَ المُسلمينَ وأعْرَاضَهَم مُحَرَّمَةٌ مِنْ بَعضِهِم على بَعض, لا تَحِلُّ إلَّا بإذْنٍ مِنَ اللهِ ورَسُولِه, فإنَّ النبيَّ ﷺ لمَّا خَطَبَهُم في حَجَّةِ الوَدَاع قال: «إنَّ دِمَائَكُم وأمْوَالَكُم وأَعْرَاضَكُم وأَبْشَارَكُم عليكُم حَرَام, كَحُرْمَةِ يَومِكُم هذا في شَهْرِكُم هذا في بَلَدِكُم هذا». أخرجاه في «الصحيحين».

   

وقالَ ﷺ: «كُلُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَام, دَمُهُ ومَالُهُ وعِرْضُه». أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ في «صَحِيحِهِ».

وعن أبي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقول: «إذَا الْتَقَى المُسْلِمَانِ بسَيْفَيْهِمَا؛ فالقَاتِلُ والمَقْتُولُ في النَّارِ».

فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ هذا القَاتِلْ، فمَا بَالُ المَقْتُول؟

قالَ: «إنَّهُ كَانَ حَرِيصًا على قَتْلِ صَاحِبِهِ». أَخْرَجَاهُ في «الصَّحِيحَيْن».

وعنْ عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قال: قالَ رَسُولُ الله ﷺ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُم رِقَابَ بَعْض». متفق عليه.

وفي «الصحيحين» عن عبد الله بن مسعودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: قال رسول الله ﷺ: «سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ».

وفي «الصحيحين» عن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ رسول الله ﷺ قال: «لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ».

يَنْزِعُ فِي يَدِهِ: أي يَرْمِي في يَدِهِ؛ فَيَقَعُ في حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ.

وعن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: قال أبو القاسم ﷺ: «مَنْ أَشَارَ إلى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فإنَّ المَلَائِكَةَ تَلْعَنْهُ حَتَّى يَنْتَهِي وَإِنْ كانَ أَخَاهُ لأبِيهِ وأُمِّهِ».

أخرجه مسلم في «صحيحه».

وفي «الصحيحين» عن عبد الله بن مسعودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: قال رسولُ الله ﷺ: «أوَّلُ ما يُقْضَى بينَ النَّاسِ يَوْمَ القيامةِ في الدِّماء».

وعن ابنِ عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يَزَالُ المُؤمِنُ في فُسْحَةٍ من دِينهِ ما لا يُصِب دَمًا حَرَامًا». أخرجه البخاريُّ في «صحيحه».

وأخرج عن عبد الله بن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قال: «إِنَّ مِنْ وَرْطَاتِ الأُمُورِ، الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ».

والورْطات: جمع ورطة، وهي الشيء الذي قلَّ ما ينجو منه أو هي الهلاك، «إِنَّ مِنْ وَرْطَاتِ الأُمُورِ، الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا أي لا سبيل له إلى الخَلَاصِ مِنْهَا- سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِأي: بِغَيْرِ حقٍّ يُبِيحُ القَتْلَ-».

فهذا كلُّه تشديدٌ في الدِّمَاءِ، وَبَيَانٌ عَظِيمٌ لحُرْمَتِهَا على المُسلمين.

وعن أبي الدرداء -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ، إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا، أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا». أخرجه أبو داود بسند صحيح.

وأخرج النسائي والترمذي موقوفًا ومرفوعًا بإسنادٍ صحيحٍ عن عبد الله بن عمرو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عن رسول الله ﷺ قال: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللهِ مِن قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ».

وعن عبد الله بن بُرَيْدَةَ عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ: «قَتْلُ المُؤمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ مِن زَوَالِ الدُّنْيَا». أَخْرَجَهُ النَّسَائيُّ في «سُنَنِهِ» بإسنادٍ صَحِيحٍ.   الأحاديثُ في هذا كثيرة.

بل نَهَى النبيُّ ﷺ عَمَّا دونَ ذلك بِكَثِير؛ عن تَرْويعِ المُسْلِمِ:

فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحمد ﷺ و-رضي الله تعالى عنهم- أنهم كانوا يسيرونَ مع النبيِّ ﷺ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُم، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُم إلى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ؛ فَفَزِعَ أي: فَفَزِعَ النَّائِمُ-.

فَقَالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَرَوِّعَ مُسْلِمًا».

أَخْرَجَهُ أبو داود في «سُنَنِهِ» بإسنادٍ صَحِيحٍ.

«لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَرَوِّعَ مُسْلِمًا»، فكيف بتكفيره بلا مُوجِب؟!

وتكفيرُهُ أَعْظَمُ أَثَرًا مِن قَتْلِهِ، كما قالَ رسولُ اللهِ ﷺ.

روى ابنُ ماجه عن عبد الله بن عمرو قال: رأيتُ رسولَ ﷺ يطوفُ بالكعبةِ ويقولُ: «مَا أَطْيَبَكِ وَمَا أَطْيَبَ رِيحَكِ, وَمَا أَعْظَمَ حُرْمَتَكِ, وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ, لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ اللَّهِ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْكِ؛ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلَّا خَيْرًا». اللفظُ لابن ماجه والحديثُ صحيحٌ لِغَيْرِهِ.

وعن أبي سعيد وأبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عن رسول الله ﷺ قال: «لَو أنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وأَهْلَ الأَرْضِ اشْتَرَكُوا في دَمِ مُؤمِنٍ لَأَكَبَّهُم اللهُ في النَّارِ».

وعن عبد الله بن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قال: سمعت نبيَّكم ﷺ يقول: «يَأْتِي الْمَقْتُول مُتَعَلقا رَأسُهُ بِإِحْدَى يَدَيْهِ، مُتَلَبِّبًا قَاتِلَهُ بِالْيَدِ الْأُخْرَى، تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا، حَتَّى يَأْتِي بِهِ الْعَرْش، فَيَقُول الْمَقْتُول لرب الْعَالمين: هَذَا قَتَلَنِي، فَيَقُولُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- للْقَاتِلِ: تَعَسْتَ، وَيُذْهب بِهِ إِلَى النَّارِ».

رواه الترمذي وحسنه والطبراني في «الأوسط» ورواته رواة «الصحيح» واللفظ للطبراني والحديث كما قال العلماء: «حديث صحيح»(1).

 

 

«الفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ قَد تُؤدِّي لِلْقَتْلِ!!»

*النبيُّ ﷺ أَسْنَدَ القَتْلَ إِلَى مَن تَسَبَّبَ في قَتْلِ إِنْسَانٍ بِسَبَبِ فَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ:

روى أبو داودَ في «سُنَنِهِ» من حديثِ جَابِر بن عبد الله -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قالَ: «خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثم احْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ قَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ.

قال جابرٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ أُخْبِرَ بِذَلِكَ».

فقَالَ: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا، فإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ».

 الحديث أخرجه أيضًا البيهقيُّ والدارقطنيُّ.

وهذا القَدْرُ مِن الحَدِيثِ مِن روايةِ جابرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- حَسَّنَهُ الألبانيُّ كما في «صحيحِ سُنَنِ أبي داود».

«قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، هلَّا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا، فإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ».

*الشَجَّة: هي الجراحةُ التي تحدثُ في الرأسِ والوجهِ خَاصة.

*واحتلمَ: أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ، فَخَافَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَيَضَرَّهُ؛ فَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ: هَل تَعْلَمُونَ حُكْمًا سَهْلًا يُبِيحُ لي التَّيَمُّمَ مع وجودِ الماءِ مع ما بي مِن الجرْحِ؟

فقالوا: لا نَعْلَم لك رخصةً، مُعْتَقِدِينَ أنَّ عدمَ وجودِ الماءِ في قولِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ [النساء: 43] على حقيقتِهِ، ولم يَعْلَمُوا أنَّ العاجزَ عن استعمالِ المَاءِ لِمَرَضٍ أو نَحْوِهِ؛ يُعَدُّ فَاقِدًا له حُكْمًا.

*قتلوه: أَسْنَدَ القَتْلَ إليهم؛ لأنهم كَلَّفُوهُ باستعمالِ المَاءِ مَعَ إصابتِهِ، فَكَانَ سَبَبًا لِمَوْتِه.

*قتلهم الله: زجرًا لهم وتَنْفِيرًا مِن فِعْلِهِم، وليس قَصْدًا للحقيقةِ.

*ألا-حرف تحضيض- سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا، فإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ.

*والعيُّ: التحيُّر في الكلام وعدم الضبط، والمراد ها هنا الجهل، والمعنى: أن الجهل داءٌ وشفاؤه السؤال والتعلم.

وفي رواية ابن عباسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قال: أصَابَ رجلًا جُرحٌ في عهدِ رسولِ الله ﷺ ثم احتلم، فأُمِرَ بالاغتسال فاغتسل فمات، فبلغ ذلك رسولَ الله ﷺ، فقال: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُم اللهُ، أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ العِيِّ السُّؤال». وهذا أيضًا حديثٌ حسن.

فجعلَ النبيُّ ﷺ الجهلَ داءً، وَجَعَلَ دَوَاءَهُ سؤالَ العلماء، كَمَا أَخْبَرَ ﷺ في حديثِهِ الآخر الذي أَخْرَجَهُ البخاريُّ في أول «كتاب الطبِّ من صَحِيحِهِ» عن أبي هريرة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: قال رسول الله ﷺ: «مَا أَنْزَلَ اللهُ داءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً».

وقد جَعَلَ النبيُّ ﷺ الجَهْلَ دَاءَ، وَجَعَلَ شِفَاءَهُ السُّؤَالَ(1).

«القولُ على اللهِ بِلَا عِلْمٍ سَيُضِيعُ الأُمَّةَ...اصْمُتُوا رَحِمَكُم اللهُ!!»

إنَّ عامةَ ما تُعاني منه الأمةُ اليوم؛ إنما هو من هذه الآفة: «القولُ على اللهِ بلا عِلم»، لقد صار الأمرُ فَوْضَى، وَصَارَ النَّاسُ في أمرٍ مَرِيج، لا يَعْلَمُونَ الحقَّ، ولا يَدْرُونَ إليه سبيلًا؛ لاختلاطِ الأمورِ وكثرةِ الفتاوى في معتركٍ هائجٍ تنوحُ فيه العواصفُ النائحات، لا يهدأُ زئيرهُا، كأنه ززيمُ الجنِّ. 

فالناس في حَيرة، لا يكادُ الواحدُ منهم يتلمسُ لنفسهِ طريقًا يخُطُّ فيه بقدميه سبيلًا؛ لكثرةِ المتكلمين، الذين يتكلمون في دينِ اللهِ -ربِّ العالمين-.

ومن عَجَب؛ أنك تَجِدُ كثيرٌ مِن العلمانيين ومِن الإعلاميينَ الفَاسِدِينَ، وكذلك مِن المُمثلين والفنَّانين، تَجِدُ كثيرٌ مِن هؤلاء يَعِيبُ على أهلِ التخصصِ في الدينِ أنْ يتكلموا في الدين، وهُم يتكلمون في الدين، فيتكلمون هُم في دينِ اللهِ جلَّ وعلا-؛ يقولون: هذا حلال وهذا حرام، كلُّ هذا لأنهم لا يدرونَ أنهم وقعوا في أعظمِ المُحَرَّمَاتِ تحريمًا، هانت عليهم عقيدتُهم وهانَ عليهم دينُهم وإسلامُهم، وهُم يخبطونَ في كلِّ واد؛ خبطَ العمياءِ لا العشواء.

الناسُ يتكلمون في دينِ اللهِ بغيرِ عِلم، وليس الأمرُ كذلك في حقيقتهِ، فإنَّ سُحنون؛ قد جلسَ ناحيةً يبكي، فقيل له: ما يُبكيك؟

قال: «وقع اليومَ أمرٌ عظيم، وفُتِقَ في الإسلامِ فتقٌ كبير، سُألَ اليوم مَنْ لا يعلمُ عن أمرٍ من دينِ اللهِ جلَّ وعلا-».

فَعَدَّ هذا بدايةَ الانحراف؛ أن يتكلمَ في الدينِ مَنْ ليس بأهلٍ للتَّكَلُّمِ في الدين، لو سكتَ الجاهلُ لاستراحَ العالِم.

فهؤلاء الذين يخبطون في دينِ اللهِ جلَّ وعلا-؛ ينسفونَ الأصولَ ويُزيلون الثوابت؛ يُزيلونَها نَسْفًا لا تحريكًا؛ لأنها لو حُرِّكت عن منازلِها أعني الثوابتَ-؛ لبقيت قائمة، فيُمكنُ أنْ تستقرَّ على قَرَارٍ في نُفُوسِ المؤمنين، ولكنَّهم يَنْسِفُونَهَا نَسْفًا.

القولُ على اللهِ بلا علم!!

الملائكةُ المُكَرَّمون لم يَسْتَحُوا أنْ يقولوا لِمَا لم يعلموه: لا نعلمُهُ، ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾ [البقرة: 32].

وأقرُّوا على أنفسِهم بعدمِ العِلمِ، ولم يتكلموا بغيرِ عِلم.

ورسولُ الله ، وجبريلُ عليه السلام- يقولان: لا ندري في سؤالٍ يبدو يسيرًا، فعن جُبير بن مُطعمٍ رضي الله عنه- أنه سأل النبيَّ  هذا السؤال: ما شرُّ البُلدان؟

قال: «لا أدري».

الرسول  يقول: «لا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ جِبْرِيل».

فلمَّا جاء جبريلُ عليه السلام-، قال: «يا جبريل؛ ما شرُّ البُلدان؟»

قال جبريلُ: لا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي.

فسألَ اللهَ جلَّ وعلا- ثم عادَ إلى رسول الله ، فقال: يا مُحمد، سألتني: ما شرُّ البُلدان، فَقُلْتُ: لا أدري حتى أَسْأَلَ ربِّي، وإني سألتُ ربِّي؛ فَقَالَ: شَرُّ البُلدانِ أَسْوَاقُهَا.

من أجلِ هذه الكلمة «أسواقُها»؛ قال رسول الله: لا أدري، وقال جبريلُ: لا أدري.

وأمَّا هذا الغُثاء، هذا الهَباء، فإنهم يتكلمون في دينِ اللهِ تبارك وتعالى- خَبْطًا بغيرِ عِلم، ويَنْسُبُون إلى اللهِ ربِّ العالمين- ما هو منه بريء، ويَنْسُبُونَ إلى النبي  ما هو منه بريء.

يُكَذِّبونَ سُنَّةَ الرسول ، يقعونَ في أصحابِ نبيِّنا ؛ يبدءون بمعاوية ومعاوية هو سِتْرُ الأصحاب، فإذا هُتِكَ السِّتْرُ؛ وصلوا إلى صحابةِ رسول الله .

يتكلمون في عمرو بن العاص رضي اللهُ تعالى عنه-، وعمروٌ خاصةً بالنسبةِ إلى أهلِ مِصر؛ له في عُنُقِ كلِّ مصريٍّ إلى يومِ الدين مِنَّةٌ ممنونة وجَميلٌ لا يُقَادَرُ قَدْرُهُ؛ لأنه كان سببًا في فتحِ مِصر، فما مِنْ مِصريٍّ يسجدُ للهِ سَجدة أو يتلو للهِ آية أو يتقربُ إلى اللهِ ربِّ العالمين- بِقُربةٍ؛ فيُحَصِّلُ أجرًا وينالُ ثوابًا؛ إلَّا ولعمروٍ رضي اللهُ عنه- مِثْلُ ثوابهِ ومِثْلُ عَطائهِ وَفَضْلِهِ؛ لأنه كان سببًا في فتحِ هذا البلدِ الطيب.

فَهُم يعتدونَ على الصحابةِ وينسفونَ أقوالَ الأئمة ويتكلمون، لا يستطيعُ الواحدُ منهم أنْ يقرأَ في كتابٍ عربيٍّ؛ لأنَّ الشيطانَ قد فَرَّخ في أذهانِهم وعقولِهم بعدما باض، بعدما باض الغربُ فيهم في عقولِهم-، فرَّخَ الشيطانُ في تلك العقولِ والنفوس، ولا تجدُ أمةً على ظهرِ الأرضِ؛ يحتقرُ أبنائُها تُراثَها ويريدون نَسْفَهُ سوى هذه الأمة.

اليهود وكانوا شَراذمَ مُتفرقين في بلادِ اللهِ ربِّ العالمين، فرَجعوا من الشَّتات إلى أرضِ الميعادِ بِزَعْمِهمِ، فصارت اللغةُ العِبرية، وهي لغةٌ ميتة؛ صارت لُغةً يُصَنَّفُ بها في الذَّرَّة وما وراءَ الذَّرَّة، ويُصَنَّفَ بها في الأدب، وتُنالُ المُصنفاتُ الأدبيةُ التي كُتبت بالعبرية الجوائزَ العالمية، صارت لُغةً يُدََرَّسُ بها العِلمُ كلُّهُ في جميعِ فروعهِ من ماديٍّ وأدبيٍّ وسُلوكيٍّ واجتماعيٍّ، يُدَرَّسُ بها العِلمُ في الجامعاتِ العِبرية، باللغةِ العبرية، وهي لغةٌ مَيِّتَةٌ.

وأما اللغةُ العربيةُ؛ فيحتقرُها أهلُها، وترى الواحدَ منهم إذا قيل: إنه مسلم في مجتمعٍ أرستقراطي، كأنما لدغتُهُ حيَّة؛ لأنَّ الإسلامَ صارَ مما يُعابُ في هذا العصر وكذا العربيةُ والتُّراث.

أيُّها المسلمون:

أَمسِكوا أَلْسِنَتَكُم -يَرْحَمُكُم اللهُ-، كُفُّوا ألسنتَكم، لا تتكلموا إلَّا فيما تُحسنون، «مَن كانَ يؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِر فلْيَقُل خَيرًا أو لِيَصْمُت».

اصمتوا رَحِمَكم الله، فسوف تتسببونَ في ضياعِ هذه الأمة وفي سقوطِ هذا البلدِ الطيبِ إنْ لم يرحمنا اللهُ ربُّ العالمين-.

نسألُ اللهَ -جَلَّت قدرته وتقدست أسمائه- أنْ يجمعَ المسلمين أجمعين على كلمةٍ سواء، وأنْ يجعلنا أجمعين مِمَّن يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ.

وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين(1).

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَلَمْ يَحْظَ الإنسانُ أنَّى كانَ جِنْسُهُ أو مكانُهُ أو مكانتُهُ أو زمانُ عَيْشِهِ بِمَنزلةٍ أَرْفَعَ مِن تلكَ التي يَنَالُهَا في ظِلالِ الدينِ الحنيفِ -دينِ رَبِّنَا دين الإسلامِ العظيم-، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لأنَّ الإسلامَ دينٌ عالميٌّ، وَرَسُولُهُ أُرْسِلَ للعالَمِينَ كافَّة، وَلَم يَكُن كإخوانِهِ الأنبياءِ والمُرسلين -عليهم الصلاةُ والسَّلامُ- الذينَ أُرْسِلُوا لأقوامِهِم خَاصة.

«إعلامُ الأمة بحُرمةِ دماءِ المُستأمَنين»

*وَالحقوقُ العامةُ لغيرِ المُسلمينَ كثيرة؛ مِنْهَا:

*حَقُّهُم في حِفْظِ كرامتِهِم الإنسانيةِ.

*وَحَقُّهُم في مَعتقدِهِم.

*وَحَقُّهُم في التزامِ شَرْعِهِم.

*وَحَقُّهُم في حِفْظِ دِمَائِهِم.

*وَحَقُّهُم في حِفْظِ أَمْوَالِهِم وَأَعْرَاضِهِم.

*وَحَقُّهُم في الحمايةِ مِن الاعتداءِ

*وَحَقُّهُم في المُعَامَلَةِ الحَسَنَةِ.

*وَحَقُّهُم في التكافلِ الاجتماعيِّ.

وكلُّ ذلكَ دَلَّت عَلَيْهِ نُصُوصُ الكتابِ والسُّنَّةِ، وَتَرْجَمَهُ عَمليًّا مَا كانَ مِن صنيعِ الخلفاءِ وَمَن تَبِعَهُم مِمَّن التزمَ دينَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَسَارَ على نَهْجِ سُنَّةِ نَبيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم-.

فَمَا أَبْشَعَ وَأَعْظَمَ جَرِيمَةَ مَن تَجَرَّأَ عَلى حُرُمَاتِ اللهِ، وَظَلَمَ عِبَادَهُ، وَأَخَافَ المُسلمينَ والمُقيمينَ بَيْنَهُم، فَوْيَلٌ لهُ ثُمَّ وَيْلٌ لَهُ مِن عذابِ اللهِ تَعَالى وَنِقْمَتِهِ وَمِن دعوةٍ تُحيطُ به، ونسألُ الله أنْ يكشفَ سِتْرَهُ وَأَنْ يَفْضَحَ أَمْرَهُ.

«عصمةُ كلِّ نَفسٍ بالإيمانِ أو بالأمانِ»

إنَّ النَّفْسَ المعصومةَ في حُكْمِ شريعةِ الإسلامِ هي كلُّ مسلمٍ وكلُّ مَن بَيْنَهُ وبينَ المُسلمين أَمَان، فهذه معصومةٌ بالإيمانِ، وهذه معصومةٌ بالأمانِ، قال اللهُ -جلَّ وَعَلَا- في حَقِّ المسلمِ: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93].

وقالَ سبحانهُ في حَقِّ الذِّمِّي في حُكْمِ قَتْلِ الخطأ لا في حُكْمِ قَتْلِهِ عَمْدًا: ﴿وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ [النساء: 92]، إذا كانَ الذِّميُّ الذي له أَمَانٌ إِذَا قُتِلَ خَطَأً فيه الدِّيَّةُ والكَفَّارَةُ، فكيف إذا قُتِلَ عَمْدًا؟!! إنَّ الجريمةَ تكونُ أَعْظَم، وإنَّ الإثمَ يكونُ أَكْبَر.

وَقَد صَحَّ عن رسولِ اللهِ كَمَا في حديثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- الذي أخرجَهُ البُخاريُّ في «الصحيحِ»: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ».

فَلَا يجوزُ التَّعرُّضُ لِمُستأمَنٍ بِأَذَى فَضْلًا عَن قَتْلِهِ في مِثْلِ هذه الجريمةِ الكبيرةِ النَّكْرَاءِ، وَهَذَا وَعِيدٌ شديدٌ لِمَن قَتَلَ مُعَاهَدًا وَمُسْتَأْمَنًا، وَهُوَ كَبِيرَةٌ مِن الكبائرِ المُتَوَعَدُ عليهَا بِعَدَمِ دُخُولِ القَاتِلِ الجَنَّة.

قَتْلُ الذِّميِّ وَالمُعَاهَدِ وَالمُسْتَأمَنِ حَرَامٌ، وَقَد وَرَدَ الوعيدُ الشَّدِيدُ في ذلكَ، فَعِنْدَ البُخَاريِّ في «الصحيحِ» من روايةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَن النَّبيِّ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا». أَوْرَدَهُ البُخَارِيُّ هَكَذَا «في كتابِ الجِزْيةِ: بَاب: إِثْمِ مَنْ قَتَلَ ذِمِّيًّا بِغَيْرِ جُرْمٍ»، وأورده في «كتابِ الدِّيَاتِ في بَاب: إِثْمِ مَنْ قَتَلَ ذِمِّيًّا بِغَيْرِ جُرْمٍ» ولَفْظُهُ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا».

قالَ الحَافِظُ في «الفَتْحِ»: «كَذَا تَرْجَمَ بِالذِّمِّيِّ، وَأَوْرَدَ الخَبَرَ في المُعَاهَدِ، وَتَرْجَمَ في الجزيةِ بِلَفْظِ: «مَن قَتَلَ مُعَاهَدًا»، كَمَا هو ظاهرُ الخبرِ، والمرادُ به مَن له عَهْدٌ مَعَ المُسلمينَ، سَوَاءٌ كانَ بِعَقْدِ جِزْيَةٍ أو هُدْنَةٍ مِن سُلطانٍ أو أَمَانٍ مِن مُسْلِمٍ».

وَرَوَى النَّسائيُّ بِلَفْظ: «مَن قَتَلَ قَتِيلًا مِن أَهْلِ الذِّمَّةِ لَم يَجِد رِيحَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحهَا لَيُوجدَ مِن مَسِيرَةِ أَرْبعينَ عَامًا».

وأمَّا قَتْلُ المُعَاهَدُ خَطَأ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ تَعَالَى فيه الدِّيَةَ وَالكَفَّارَةَ، قَالَ اللهُ -جلَّ وَعَلا-: ﴿وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيمًا﴾ [النساء: 92](1).

  

*التَّعْلِيقُ عَلَى حَوَادِثِ التَّفْجِيرِ وَقَتْلِ المُسْلِمِينَ والمُعَاهَدِينَ:

«حُرمةُ دماءِ المسلمينَ والمُعاهَدين والمُسْتَأمَنِينَ»

قد عَلِمَ الناسُ كلُّهُم مِن قَاصٍ وَدَانٍ ومُؤمنٍ وكافِرٍ مَا وَقَعَ مِن «أحداثِ التفجيرِ والتدميرِ», وهذا التفجيرُ هَتْكٌ لحُرمَاتِ الإسلامِ المعلومةِ منه بالضرورةِ، هَتْكٌ لحُرمَةِ الأَنْفُسِ المعصومةِ، وَهَتْكٌ لحُرمةِ الأموالِ، وَهَتْكٌ لحُرُمَاتِ الأمنِ والاستقرارِ وحياةِ النَّاسِ الآمنينَ المُطمئنينَ في مَسَاكِنِهِم ومَعَايشِهِم، وغَدُوُّهِم وَرَوَاحِهِم، وَهَتْكٌ للمصالحِ العامةِ التي لا غِنَى للناسِ في حياتِهِم عنها، وما أَبْشَعَ وأعظمَ جريمةَ مَن تجرأ على حُرماتِ الله، وظلمَ عبادَهُ، وأخافَ المسلمين والمُقيمينَ بينهم، فويلٌ له ثم ويلٌ له مِن عذابِ اللهِ ونِقمتهِ ومن دعوةٍ تُحيطُ به، ونسألُ اللهَ أنْ يكشفَ سِتْرَهُ وأنْ يفضحَ أَمْرَهُ(1).

*الشرعُ والعقلُ والفطرةُ؛ كلُّ ذلك رافضٌ للتدميرِ وللتفجيرِ:

*فالشرعُ والعقلُ والفطرةُ؛ كلُّ ذلك رافضٌ للأعمالِ الإجراميةِ؛ رافضٌ للتدميرِ وللتفجيرِ وللتخريبِ ولإشاعةِ الفوضى في البلادِ وبين العباد.

*فالنصوصُ القرآنية والنصوصُ النَّبوِيَّة الدالةُ على وجوبِ احترامِ المسلمين في دمائِهم وأموالِهم، وكذلك الكُفَّارُ الذين لهم ذِمةٌ أو عَهدٌ أو أمانٌ، واحترامُ هؤلاء المُعاهَدين والمُستأمنين والذِّميين دلَّت عليه نصوصُ الكتاب والسُّنَّة، وهو من محاسنِ الدينِ الإسلامي العظيم، وهو مِن الوفاءِ بالعهد: ﴿إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 34].

  

 

*وأما العقل: فقد دلَّ على رفضِ ومَقْتِ الأعمال الإجرامية؛ لأنَّ الإنسانَ العاقل لن يتصرفَ أبدًا في شيءٍ محرَّم؛ لأنَّه يعلمُ سوءَ النتيجة والعاقبة، يَعلمُ الإنسان العاقل أنه لا يجوزُ له أنْ يتصرَّفَ في شيءٍ مباحٍ حتى يتبينَ له ما نتيجتُهُ، وماذا يترتب عليه، فكيف إذا كان مُحرَّمًا؟!

والنبي ﷺ قال؛ كما في «الصحيحين»: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليَقُل خيرًا أو ليصمُت»، فجعل النبيُّ ﷺ من مقتضيات الإيمان وكمالهِ ألا يقولَ الإنسان إلا خيرًا أو يسكت.

فكذلك يُقال: إنَّ مِن مقتضياتِ الإيمانِ وكمَالهِ ألا يَفعَلَ الإنسانُ إلا خيرًا أو ليُمسك.

ولا شك أنَّ هذه الفَعْلَة الشنيعة يترتب عليها من المفاسدِ ما لا يَخفى.

*وأما مخالفة هذه الفَعلَة الشنيعة للفطرة: فإنَّ كلَّ ذي فطرةٍ سليمةٍ يَكرهُ العدوان على غيرِهِ، ويرَاهُ من المنكر.

فما ذنب المُصابين بهذا الحادثِ من المسلمين؟

وما ذنب الآمنين أن يُصابوا بهذا الحادثِ المؤلمِ العظيم؟!

وما ذنبُ المصابين من المُعاهدين والمُستأمنين وغيرِهم؟!

ما ذنبُ الأطفال؟ وما ذنبُ الشيوخ؟ وما ذنبُ العجائز؟!

حادثٌ مُنكرٌ لا مُبرر له؛ لا من شرعٍ ولا من عقلٍ ولا من فطرةٍ، ومفاسدهُ لا تُعدُّ ولا تُحصى.

 

 

«مفاسدُ التفجيرِ والتدميرِ والتخريبِ»

فمن مفاسدِ هذا العملِ وأمثالِهِ من التفجيرِ والتدميرِ والتخريبِ:

إشاعةُ الفوضَى وترويعُ الآمنين وبثُّ الذُّعرِ بين الناس أجمعين في ديارِ المسلمين وفي ديارِ الكافرين، واستعداءُ بعضِهم على بعض.

من مفاسدِ هذا العمل: أنه معصيةٌ لله ولرسوله ﷺ، وانتهاكٌ لحرمات الله، وهو تعرُّضٌ للعنةِ اللهِ والملائكة والناس أجمعين، ولا يُقبَل مِن فاعِلهِ صَرْفٌ ولا عدلٌ.

ومن مفاسده: تشويه سمعة الإسلام والمسلمين؛ فإنَّ أعداء الإسلام سوف يستغلون مثل هذا الحدث لتشويهِ سُمعةِ الإسلام وتنفير الناس عنه، مع أنَّ الإسلام بريءٌ من ذلك، فأخلاقُ الإسلامِ صِدقٌ وبِرٌّ ووفاءٌ، والدينُ الإسلاميُّ يُحذر من هذا وأمثاله أشدَّ التحذير.

من مفاسده: أنَّ الأصابعَ في الداخلِ والخارج سوف تُشِيرُ إلى أنَّ هذا مِن صُنْعِ المتمسكين بالإسلام والدين، مع أننا نعلمُ عِلْمَ اليقين أنَّ المتمسكينَ بشريعةِ الله حقيقةً؛ لن يقبلوا مثل ذلك، ولن يرضَوا به أبدًا، بل إنهم يتبرءون منه، وينكرونَه أعظم إنكار؛ لأنَّ المتمسك بدين الله حقيقةً هو الذي يقوم بدين الله على ما يُريدُه الله، لا على ما تهواه نفسُهُ، ويُمْلِي عليه ذَوْقُهُ المَبنيُّ على العاطفة الهوجاءِ والمنهجِ المنحرف، والتمسُّك الموافق للشريعة كثيرٌ مُتفشٍ في شبابِ المسلمين والحمد لله رب العالمين.

من مفاسدِ هذا الحدثِ وأمثالهِ: أنَّ كثيرًا من العامةِ الجاهلين بحقيقةِ التمسُّك بالدين؛ سوف ينظرون إلى كثيرٍ من المتمسكين البرآء مِن هذا الصنيع نظرةَ عداوةٍ وتَخوُّفٍ وحَذرٍ وتحذيرٍ،

كما هو معهود عن بعض جُهال العوام من تحذيرِ أبنائِهم من التمسُّك بالدين نظرًا لأمثالِ تلك الأمور.

إنَّ من أثار ذلك: حصدَ الأرواح، وهلاكَ الأنفُس، وتدميرَ الممتلكات، ونَشرَ الخَوفِ والرُّعب، وزرعَ الضغينةِ والبغضاء.

من آثار ذلك: تَحجِيرُ الخير، وإضعافُ الأمة، وتبديدُ مكاسِبِها، وتسلُّطُ أعداء اللهِ وتَمَكُّنُهم من أمةِ الإسلام.

فمَن الذي يرضى لنفسهِ ولغيرهِ بتلك الأمور؟

إنَّ الله جلَّ وعلا- رفعَ عن أمةِ الإسلام العَنتَ والحرج، وإنَّ نُصرةَ دينِ الله عز وجل-، وإعزازَ شريعتهِ؛ لا تكونُ ببثِّ الخوفِ والرُّعب أو بالإفسادِ في الأرض، لا تكون بإلقاءِ النفسِ إلى التهلُكة، لا تكونُ بالتضحيةِ بالنفسِ انتحارًا على غيرِ بصيرةٍ، فكلُّ هذا مخالفٌ لِما جاء به دينُ الإسلامِ الحنيفِ، وإنما جاءَ الإسلام ليَحْمِيَ للناسِ ضروراتِهم، ويعملَ على حِفظِها، وينشرَ الأمنَ والعدل والسعادةَ والسلام في صفوفِ مجتمعاتهِ وفي العَالَمِ كلِّه.

إنَّ دينَ الإسلامِ العظيم يَجهلُهُ كثيرٌ من المُنتسبينَ إليه؛ بل وكثيرٌ من المُتكلمينَ باسمهِ، وكثيرٌ من المُحَجِّرينَ لفَهْمِهِ على أنفسِهم.

فتنةٌ عظيمةٌ هَوْجَاءٌ، وعاصفةٌ مِنْ بَلاء، ولكنَّ اللهَ الرحمن الرحيم قادرٌ على أنْ يرفعَ عنَّا الكَرْب، وأنْ يُسَكِّنَ النفوس، ويُطمئنَ القلوب، ويُهدِّأ الأرواح، وأنْ ينشُرَ دينَهُ الحق على يدِ مَن شاء، وبلسانِ وبنانِ مَن شاء في الدنيا كلِّها؛ دعوةً إلى الخير وتحذيرًا من الشر، إنَّ ربِّي على كلِّ شيءٍ قدير(1).

 

«سَمَاحَةُ الإسلامِ وَرَحْمَتُهُ في السِّلْمِ وَالحَرْبِ»

إذا تَأَمَّلْتَ مَوْقِفَ الإسلامِ مِن امتدادِ الحربِ والقتالِ لغيرِ المُقاتِلين أَدْرَكْتَ عَظَمَةَ هذا الدين وعُمْقَ سماحتِهِ، فَعِنْدَمَا يأتي النَّهِيُ القَاطِعُ مِنْ رسولِ اللهِ ومِن خُلفائِهِ عن استهدافِ النِّسَاءِ، والولدْان، والشيوخ، والزَّمْنَى -يعني: أصحاب العَاهَات-، والرُهْبَان، والفَلاحِين، والأُجَرَاء، تَعْلَم عِندئذٍ المَوْقفَ الحقيقيَّ للإسلامِ مِن استهدافِ المَدَنيينَ بِالمصطلحِ الحديثِ.

إذا تَأَمَّلْتَ هذه الأصناف: (النساء، الوِلْدَان، الشيوخ، المَعتوهين، الأُجَرَاء، الفلاحين، الرُّهْبَان، العبيد، الوصفَاء)، إذا تَأَمَّلْتَ هذه الأصناف أَدْرَكْتَ أنَّ هؤلاء في مَجْمُوعِهِم يُمَثِّلونَ مَن لا يَنْتَصِبُونَ للقِتَالِ ولا يُشَارِكُونَ في وَقَائِعِهِ؛ وَهَل تَعبيرُ المَدنيينَ اليوم له دَلالةٌ سِوَى هذا؟!

ومِن هُنَا جَاءَ قَوْلُ الفقهاءِ بِحُرْمَةِ قَتْلِ مَن لَم يَكُن مِن أَهْلِ المُقَاتَلَةِ والمُمَانَعةِ أو كانَ مِن المَدنيينَ بالمصطلحِ الحديث، وهذا النَّهْيُ عن استهدافِ المَدنيينَ منْ غيرِ أَهْلِ المُقَاتَلةِ والمُمانَعةِ لم يأت نتيجة اختيارٍ فِقْهيٍّ ولا ترجيحٍ مصلحيٍّ، وإنَّمَا جاءَ النَّصُّ على المَنْعِ مِن استهدافِ أَغْلَبِ هذه الأصنافِ بِبَيَانٍ نبويٍّ وَوَحْيٍّ إلهيٍّ، مِمَّا يَرْفَعُ درجةُ هذا النَّهْي في نَفْسِ كلِّ مُؤْمِنٍ ومُؤْمِنةٍ إلى أعلى درجاتِ الحَذَرِ مِن مخالفتِهِ.

عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ». أَخْرَجَاه في «الصَّحِيحيْن».

وَعَنْ ابن رَبَاحِ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي غَزْوَةٍ، فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَيْءٍ؛ فَبَعَثَ رَجُلًا، فَقَالَ: «انْظُرْ: عَلَامَ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ؟».

فَقَالَ: عَلَى امْرَأَةٍ قَتِيلٍ.

فَقَالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ».

قَالَ: وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خالد بن الوليد -رَضِيَ اللهُ عنه-.

فَبَعَثَ رَجُلًا فَقَالَ: «قُلْ لِخَالِدٍ: لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلا عَسِيفًا».

أخرجَهُ أبو داود، وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ، وقال: «حَسَنٌ صَحِيحٌ».

والعسيف: هو الأجير.

فينبغي عَلَيْنَا عِبَادَ اللهِ أَنْ نَجْتَهِدَ في نُصْرَةِ دِينِنَا، لَا في خِذْلَانِهِ، لا في مُحَارَبَتِهِ، ينبغي أنْ نكونَ مِن أولياءِ اللهِ، وَمِن أولياءِ رسولِ اللهِ، وَأَلَّا نكونَ مِن أعداءِ اللهِ، وَلَا مِن أعداءِ رسولِهِ، أَلَّا نَصُدَّ عن سبيلِ اللهِ(1).

 

 

((مُحَارَبَةُ الإِسْلَامِ للإِرْهَابِ))

حَرَّمَ الإسلامُ كلَّ ما يُغَذِّي الإرْهَابَ وَيَنْشُرُهُ مِن مَدْحِ المُجْرمينَ وإضْفَاءِ صِفَةِ الشرعيةِ على جَرَائِمِهِم كَوَصْفِ فِعْلِهِم بأنَّهُ جِهَادٌ في سَبِيلِ اللهِ وَوَصْفِهِم بِأَنَّهُم مِن المُجَاهِدِينَ، كَمَا تَسْمَعُهُ في كثيرٍ مِن وسائل الإعلامِ التي تُحَارِبُهُم.. يقولُ: مِن الجِهَاديينَ!! يُجَاهِدُونَ الإسلامَ أَمْ يُجَاهِدُونَ في سبيلِ الإسلامِ؟!! أَيُّ جِهَادٍ هذا؟!!

هَذَا إرهابٌ، هذا عُنْفٌ لَمْ يَشْرَعْهُ اللهُ ولا رَسُولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آلِهِ

وَسَلَّمَ-، وَأَمَّا المُسْلِمُونَ المُتَّبِعُونَ فَقَدْ أَمَرَهُم اللهُ أنْ يَتَعَاوَنُوا على البِرِّ والتقوى ولا يَتَعَاونُوا على الإثمِ والعدوانِ كَنَشْرِ الإرهابِ بالإشاعةِ وتخويفِ النَّاسِ وتَفْزِيعِهِم، فإنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَنْشُرُ الإرهابَ ويَجْعلهُ مَقْبُولًا

في المُجْتَمِعِ الإسلاميِّ ويُعَظِّمُ أَثَرَهُ على عَامَّةِ النَّاسِ.

عَالَجَ الإسلامُ الإرهابَ بِعِلَاجٍ حَاسِمٍ... آخِرُ الطِّبِّ الكيُّ، فَشَرَعَ حَدَّ الحِرَابَةِ، وهو حَدٌّ شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى للمُفْسِدِينَ في الأرضِ، وللقَضَاءِ على جريمةِ الإفسادِ في الأرضِ التي تُرَوِّعُ الأبْرِيَاء وتَقْتُلُهُم وتُخِيفُ سُبُلَهُم وتُضْعِفُ أَمْرَهُم، وتُفَجِّرُ دُورَهُم ومُنْشَآتِهِم، وتُبَدِّدُ ثَرْوَاتِهِم، وتُضَيِّعُ أَوْطَانَ المُسْلِمِينَ.

فَشَرَعَ لِذَلِكَ كُلِّهِ حَدًّا .. آخِرُ الطِّبِّ الكَيُّ!  ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: 33].

وَهَذِهِ العقوبَاتُ التي ذَكَرَهَا تَعَالَى في هذه الآيةِ الكريمةِ هي على هَذَا الترتيبِ: «مِن قَتَلَ وَأَخَذَ المَالَ؛ قُتِلَ وَصُلِبَ»، «وَمَن أَخَذَ المَالَ وَلَم يَقْتَل؛ قُطِعَت يَدُهُ ورِجْلُهُ مِن خِلَافٍ»، «وَمَن لم يُقْتَل وَلَم يَأْخَذ مَالًا نُفِيَ في الأرضِ».

وَهَذَا مَذْهَبُ الجمهورِ وعَلَيْهِ العَمَلُ، فَهَذَا هو الحَسْمُ القاطعُ، وهذا هو العلاجُ النَّاجِعُ، وآخِرُ الطِّبِّ الكيُّ... وَهَذَا مِن مَحَاسِنِ دِينِ الإِسْلَامِ العَظِيمِ(1).

فينبغي علينا أنْ نَتَّقيَ اللهَ، وأنْ نُحَدِّدَ موقفَنَا: مع هذا الدينِ.. مع هذا الوطنِ؟ أَمْ ضِدَّ هذا الدينِ وضِدَّ هذا الوطن؟

وليَمْضِ كُلٌّ بعد ذلك في طريقِهِ، واللهُ المُستعان وعليه التُّكلان.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ(2).

 

 

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين

مَوْقِعُ تَفْرِيغِ خُطَبِ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ

WWW.KHOTABTEXT.COM

مَوْقِعُ تَفْرِيغِ العلّامَة رَسْلَان -حَفِظَهُ اللهُ-.

WWW.RSLANTEXT.COM

 

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  • شارك