الْإِدْمَانُ وَأَثَرُهُ الْمُدَمِّرُ عَلَى الْفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ وَسُبُلُ مُوَاجَهَتِهِ

الْإِدْمَانُ وَأَثَرُهُ الْمُدَمِّرُ عَلَى الْفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ وَسُبُلُ مُوَاجَهَتِهِ

«الْإِدْمَانُ وَأَثَرُهُ الْمُدَمِّرُ عَلَى الْفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ وَسُبُلُ مُوَاجَهَتِهِ»

جمعٌ وترتيبٌ مِن خُطَبِ الشيخِ العلَّامة:

أبي عبد الله مُحَمَّد بن سَعِيد رَسْلَان -حَفِظَهُ اللهُ-.

الْخُطْبَةُ الْأُولَى:

«الأَدِلَّةُ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ المُسْكِرَاتِ وَتَجْرِيمِ البَائِعِ وَالمُعَاقِرِ»

فَقَدْ احْتَرَمَ الإِسْلَامُ العَقْلَ وَجَعَلَهُ مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ الخَمْسِ الَّتِي يَجِبُ المُحَافَظَةُ عَلَيْهَا، وَلِذَلِكَ حَرَّمَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ المُسْكِرَاتِ وَالْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُفْتِّرَاتِ وَكُلَّ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُغَيِّبَ الْعَقْلَ أَوْ يُؤَثِّرَ فِيهِ.

قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)﴾ [المائدة: 90-91].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللهَ وَاتَّبَعُوا رَسُولَهُ ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ﴾: وَهِيَ كُلُّ مَا خَامَرَ العَقْلَ وَغَطَّاهُ، مَشْرُوبًا كَانَ أَوْ مَأْكُولًا أَوْ مَشْمُومًا ﴿وَالْمَيْسِرُ﴾: هُوَ الْقِمَارُ وَيَشْمَلُ كُلَّ كَسْبٍ بِطَرِيقِ الْحَظِّ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمُصَادَفَةِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ ﴿وَالْأَنْصَابُ﴾: هِيَ الْحِجَارَةُ الَّتِي كَانُوا يَنْصِبُونَهَا لِلْعِبَادَةِ وَيَذْبَحُونَ عِنْدَهَا تَقَرُّبًا لِلْأَصْنَامِ ﴿وَالْأَزْلَامُ﴾: هِيَ الْأَقْدَاحُ الَّتِي كَانُوا يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا قَبْلَ الْإِقْدَامِ عَلَى الشَّيْءِ أَوْ الْإِحْجَامِ عَنْهُ.

إِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ نَجَسٌ مَعْنَوِيٌّ فِي السُّلُوكِ أَوْ الْاعْتِقَادِ مِنْ دَرَكَةِ كَبَائِرِ الْإِثْمِ، أَوْ مِنْ دَرَكَةِ الْإِشْرَاكِ بِاللهِ، وَهِيَ مِنْ تَزيِينِ الشَّيْطَانِ وَإِغْوَائِهِ، فَإِذَا كَانَ تَنَاوَلَ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ رِجْسًا وَمِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ؛ فَكُونُوا عَلَى جَانِبٍ مِنْهَا بِالْابْتِعَادِ الْكُلِيِّ عَنْ مَوَاقِعِهَا؛ رَغْبَةً أَنْ تَكُونُوا مِنَ النَّاجِينَ مِنَ النَّارِ الْفَائِزِينَ بِالْجَنَّةِ.

﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)

إِنَّمَا يُزَيِّنُ لَكُم الشَّيْطَانُ شُرْبَ الْخَمْرِ وَلعبَ الْقِمَارِ؛ إِرَادَةَ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُم الْعَدَاوَةَ الْمُعْلَنَةَ وَالبَغْضَاءَ الْمُسْتَكِّنَةَ فِي الْقُلُوبِ بِسَبَبِ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقِمَارِ، وَلَيَشْغَلَكُم عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ، وَإِذَا كُنْتُم قَدْ عَلِمْتُم مَا فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ مِنْ مَضَارٍّ، وَمَا يُؤدِّيَانِ إِلَيْهِ مِنْ شَحْنَاءَ وَبَغْضَاءَ، وَمَا يُفْسِدَانِ بِهِ الْمُجْتَمَعَاتِ؛ فَأَنْتُم بَعْدَ ذَلِكَ مُنْتَهُونَ عَنْهُمَا تَارِكُونَ لَهُمَا أَمْ أَنَّكُم مَا زِلْتُم فِي غَيِّكِم تَعْمَهُونَ سَادِرِينَ عَنْ أَمْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالمَيِنَ؟! فَانْتَهُوا عَمَّا أَنْتُم فِيهِ.

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: 157].

مِنْ أَوْصَافِ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ كَتَبَ اللهُ لَهُم رَحْمَتَهُ أَنَّهُم يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ مُحَمَّدًا إِذَا بَعَثَهُ اللهُ فِي زَمَانِهِم، وَمِنْ أَوْصَافِهِ الَّتِي بَشَّرَ بِهَا هَذِهِ الصِّفَاتِ الْعَشْرِ:

الصِّفَتَانِ الْأُولَى وَالثَّانِيَة: أَنَّهُ رَسُولٌ مُبَلِّغٌ عَن اللهِ، وَنَبِيٌّ اصْطَفَاهُ اللهُ بِالنُّبُوَّةِ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ كَمَا أَوْحَى إِلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ.

وَالصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ أُمِّيٌّ مِنْ غَيْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ.

وَالصِّفَتَانِ الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ: أَنَّهُم يَجِدُونَ صِفَاتهُ المُمَيِّزَةَ لَهُ تَمْيِيزًا تَامًّا وَالإِعْلَامَ بِبَعْثَتِهِ مَكْتُوبًا عِنْدَهَا فِي التَّوْرَاةِ وَفِي الْإِنْجِيلِ أَيْضًا، وَهُوَ أَمْرٌ مَعْلُومٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مُنْذُ عَهْدِ مُوسَى وَعِيسَى.

وَالصِّفَتَانِ السَّادِسَةُ وَالسَّابِعَةُ: يَأْمُرُهُم بِالْإِيمَانِ بِاللهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَكُلِّ مَا عُرِفَ حُسْنُهُ، وَيَنْهَاهُم عَن الشِّرْكِ بِاللهِ وَكُلِّ مَا عُرِفَ قُبْحُهُ.

وَالصِّفَةُ الثَّامِنَةُ: أَنَّهُ يُحِلُّ لَهُم مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِم فِي التَّوْرَاةِ مِن الطَّيِّبَاتِ عُقُوبَةً لَهُم بِسَبَبِ ظُلْمِ مِنْهُم ارْتَكَبُوهُ.

وَالصِّفَةُ التَّاسِعَةُ: أَنَّهُ يُحَرِّمُ عَلَيْهِم الْخَبَائِثَ الضَّارَّةَ الَّتِي يَسْتَخْبِثُهَا الطَّبْعُ وَتَسْتَقْذِرُهَا النَّفْسُ.

وَالصِّفَةُ الْعَاشِرَةُ: أَنَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُم مَا أُلْزِمُوا الْعَمَلَ بِهِ مِن العَهْدِ الْمُؤَكَّدِ الثَّقِيلِ وَالتَّكَالِيفِ الشَّاقَّةِ وَالعُقُوبَاتِ الشَّدِيدَةِ فِي التَّوْرَاةِ كَقَطْعِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ مِن الثَّوْبِ، وَإِحْرَاقِ الْغَنَائِمِ، وَتَحْرِيمِ السَّبْتِ، وَتَعَيُّنِ القِصَاصِ فِي الْقَتْلِ مُطْلَقًا دُونَ شَرْعِ الدِّيَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَه عَن ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ, قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ». وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالحَاكِمُ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ, سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلامُ-، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْخَمْرَ، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا, وَشَارِبَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا, وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَمُسْتَقِيَهَا». وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مُخَرَّجٌ بِطُرُقِهِ وَأَسَانِيدِهِ فِي «السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ».

وَتَأَمَّل -يَا رَعَاكَ اللهُ- كَيْفَ لَعَنَ هَؤلَاءِ جَمِيعًا, مَعَ أَنَّ الشَّارِبَ المُعَاقِرَ لِلْخَمْرِ وَاحِدٌ, وَمَعَ ذَلِكَ يَقُولُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْخَمْرَ، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا, وَشَارِبَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا, وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَمُسْتَقِيَهَا»؛ الشَّارِبُ المُعَاقِرُ لَهَا وَاحِدٌ, المُعَاقِرُ لِأُمِّ الخَبَائِثَ وَاحِدٌ, وَمَعَ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذِهِ المَنْظُومَةِ المُشَارِكَةِ مَلْعُونَةٌ بِلَعْنَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, لَا لِشَيْءٍ إِلَّا لأَنَّهَا مُشَارِكَةٌ فِي الإِثْمِ عَلَى نَحْوٍ مِن الأَنْحَاءِ.

«عُقُوبَاتُ المُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ»

فَقَد قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [المائدة: 33].

المُحَارِبُونَ للهِ وَرَسُولِهِ هُم الذينَ بَارَزُوهُ بِالعَدَاوَةِ وَأَفْسَدُوا في الأَرْضِ بِالكُفرِ والقَتْلِ وَأَخْذِ الأَمْوَالِ وَإِخَافَةِ السُّبُلِ، وَالمَشْهُورُ أَنَّ هذه الآيَةَ الكَرِيمَةَ في أَحْكَامِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ الذينَ يَعْرِضُونَ للنَّاسِ في القُرَى والبَوَادِي، فَيَغْصِبُونَهُم أَمْوَالَهُم وَيَقْتُلُونَهُم وَيُخِيفُونَهُم فَيَمْتَنِعُ النَّاسُ مِنْ سُلُوكِ الطريقِ التي هُم بها، فَتَنْقَطِعُ بِذَلِكَ.

فَأَخْبَرَ اللهُ أنَّ جَزَاءَهُم وَنَكَالَهُم عند إِقَامَةِ الحَدِّ عَلَيْهِم أَنْ يُفْعَلَ بهم وَاحِدٌ مِنْ هذه الأمورِ.

واختلفَ المُفَسِّرُونَ: هَل ذَلِكَ على التَّخْيِيرِ، وَأَنَّ كُلَّ قَاطِعِ طَرِيقٍ يَفْعَلُ به الإِمَامُ أو نَائِبُهُ مَا رَآهُ المَصْلَحَةَ مِن هذه الأمورِ المَذكورةِ في الآيةِ، وَهَذَا ظَاهِرُ اللفْظِ، أَو أَنَّ عُقُوبَتَهُم تَكُونُ بِحَسَبِ جَرَائِمِهِم؟

فَكُلُّ جَرِيمَةٍ لَهَا قِسْطٌ يُقَابِلُهَا كَمَا تَدُلُّ عليه الآيةُ بِحِكْمَتِهَا وَمَوَافَقَتِهَا لِحِكْمَةِ اللهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُم إِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا مَالًا تَحَتَّم قَتْلُهُم وَصَلْبُهم حَتَّى يُشْتَهَرُوا وَيُرْتَدَعَ غَيْرُهُم، وَإِنْ قَتَلُوا وَلَم يَأْخُذُوا مَالًا تَحَتَّم قَتْلُهُم فَقَط، وَإِنْ أَخَذُوا مَالًا وَلَم يَقْتُلُوا تَحَتَّم أَنْ تُقَطَّعَ أَيديهم وَأَرْجُلُهُم مِن خِلَافٍ، اليَدُ اليُمْنَى وَالرِّجْلُ اليُسْرَى.

وَإِنْ أَخَافُوا النَّاسَ وَلَم يَقْتُلُوا وَلَا أَخَذُوا مَالًا نُفُوا مِنْ الأَرْضِ، فَلَا يُتْرَكُونَ يَأوونَ في بَلَدٍ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُم، وَهَذَا قَوْلُ ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا- وكثيرٍ مِنْ الأئمةِ على اخْتِلَافٍ في بَعْضِ التَّفَاصِيلِ.

﴿ذَلِكَ﴾ أى: ذَلِكَ النَّكَالُ ﴿لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا﴾ أى: فضيحةٌ وعار، ﴿وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم﴾: فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ، مُوجِبٌ لِفَضِيحَةِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخرةِ، وَأَنَّ فَاعِلَهُ -أي أنَّ قَاطِعَ الطريقِ- مُحَارِبٌ للهِ ولِرَسُولِهِ، وإذا كان هذا شَأْنَ عِظَمِ هذه الجَرِيمَةِ؛ عُلِمَ أنَّ تَطْهِيرَ الأَرْضِ مِن المُفْسِدِينَ وَتَأمِينَ السُّبُلِ والطُّرُقِ عن القَتْلِ وَأَخْذِ الأَمْوَالِ وَإِخَافَةِ النَّاسِ؛ عُلِم أنَّ هَذَا مِن أَعْظَمِ الحَسَنَاتِ وَأَجَلِّ الطَّاعَاتِ، وَأَنَّهُ إِصْلَاحٌ فِي الأَرْضِ كَمَا أَنَّ ضِدَّهُ إِفْسَادٌ في الأرضِ.

﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ﴾: أي مِن هؤلاءِ المُحَارِبِينَ، ﴿فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾: أي فَيَسْقُطُ عَنْهُ ما كانَ للهِ مِن تَحَتُّمِ القَتْلِ والصَّلْبِ وَالقَطْعِ والنَّفْيِ، وَمِنْ حَقِّ الآدَمِيِّ أَيْضًا إِنْ كَانَ المُحَارِبُ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ، فَإِنْ كانَ المُحَارِبُ مُسْلِمًا فَإِنَّ حَقَّ الآدَمِيِّ لا يَسْقُطُ عَنْهُ مِن القَتْلِ وَأَخْذِ المَالِ.

وَدَلَّ مَفْهُومُ الآيةِ عَلَى أَنَّ تَوْبَةَ المُحَارِبِ بَعْدَ القُدْرَةِ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَا تُسْقِطُ عَنْهُ شَيْئًا وَالحِكْمَةُ في ذَلِكَ ظَاهِرَةٌ، وَإِذَا كَانَت التَّوْبَةُ قَبْلَ القُدْرَةِ عَلَيْهِ تَمْنَعُ مِن إِقَامَةِ الحَدِّ في الحِرَابَةِ؛ فَغَيْرُهَا مِن الحُدُودِ إِذَا تَابَ مِن فِعْلِهَا قَبْلَ القُدْرَةِ عَلَيْهِ مِن بَابِ أَوْلَى.

«مِن الإِفْسَادِ فِي الأَرْضِ: الاتِّجَارُ فِي المُخَدِّرَاتِ والْإِدْمَانُ»

يدخلُ في الإِفْسَادِ في الأرضِ وفي المُحَارَبَةِ للهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ ﷺ؛ الاتِّجَارُ في المُخَدِّرَاتِ وَالمُفَتِّرَاتِ، وَكُلِّ مَا مِن شَأْنِهِ أَنْ يُغيِّبَ الوَعْيَ أَوْ يُذْهْبَهُ أَوْ يُضْعِفَ العَقْلَ أو يَحْجُبَهُ، بَل يَدْخُلُ المُتَعَاطِي لِلمُخَدِّرَاتِ بِأَيِّ شَكْلٍ مِن أَشْكَالِهَا، وَبِأَيِّ ضَرْبٍ مِن ضُرُوبِهَا في الإِفْسَادِ في الأَرْضِ والمُحَارَبَةِ للهِ ورسولهِ، ذلك باعتبارِ ما يَؤولُ إليه أَمْرُهُ وَيَصِيرُ إليه حَالُهُ، إذ يُضَيِّعُ المُدْمِنُ نَفْسَهُ وَيُضيِّعُ مَنْ يَعُولُ، بَل يُضَيِّعُ حَقَّ دِينِهِ وَحَقَّ وَطَنِهِ، وَيُهْدِرُ طَاقَاتِهِ، وَيُبَدِّدُ ثَرْوَاتِهِ، ويُفرِّطُ في عِرْضِهِ وَشَرَفِهِ، وَيَظْلِمُ مَنْ له حَقٌّ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ لَا يَفْعَلُ وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ؟!

فَمِنْ الإِفْسَادِ فِي الأَرْضِ ومِنْ المُحَارَبَةِ للهِ وَرَسُولِهِ تَضْيِيعُ شَبَابِ الأُمَّةِ وَشِيبِهَا، وَإِهْدَارُ ثَرْوَاتِهَا وَمُقَدَّرَاتِهَا، وَتَضْيِيعُ الذُرِيَّةِ وَالأَهْلِ، وَالتَّفْرِيطُ في حَقِّ الدِّينِ وَحَقِّ الوَطَنِ.

كلُّ هذا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَ حَدُّ الحِرَابَةِ والإِفْسَادِ في الأرضِ كَمَا بَيَّنَهُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- في كِتَابِهِ العَزِيزِ، وَكَمَا طَبَّقَهُ النبيُّ ﷺ عَلَى مَنْ اسْتَحَقَّهُ.

وَقَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)﴾ [البقرة: 30:32].

هذا شروعٌ في ابتداءِ خَلْقِ آدمَ (سلم) أبي البشر, شروعٌ في بيانٍ فضلهِ, وأنَّ الله تعالى -حين أراد خلْقَه- أخبر الملائكة بذلك, وأنَّ اللهَ مُستخلفُه في الأرض.

فقالت الملائكةُ -عَلَيْهِم السَّلَام-: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾ بالمعاصي ﴿وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾, وهذا تخصيصٌ بعد تعميم, لأنَّ سفكَ الدماءِ مِن الإفسادِ في الأرضِ بالمعاصي؛ مَن يفسدُ فيها بالمعاصي ويسفكُ الدماء تخصيصٌ بعد تعميم لبيانِ شدةِّ مفسدةِ القتل، وهذا بحَسبِ ظنِّهم أنَّ الخليفةَ المجعولَ في الأرض سيحدثُ منه ذلك, فنزَّهوا الباري عن ذلك, وعظَّموه, وأخبروا أنهم قائمون بعبادةِ الله على وجهٍ خالٍ من المفسدة فقالوا: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ أي: نُنزِّهك التنزيه اللائقَ بحمدِك وجلالِك ﴿وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ يُحتملُ أنَّ معناها: ونُقدِّسُك؛ فتكونُ اللامُ مفيدةً للتخصيصِ والإخلاص، ويُحتملُ أنْ يكون؛ ونُقدِّسُ لك أنفُسَنَا؛ أي: نُطهِّرُها بالأخلاقِ الجميلة, كمحبةِ الله وخشيتهِ وتعظيمهِ وإجلالِه, ونُطهِّرُها مِنْ الأخلاقِ الرذيلة.

قال الله -عَزَّ وَجَلَّ- للملائكة: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ﴾ مِنْ هذا الخليفة ﴿مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾؛ لأنَّ كلامَكم بحَسَبِ ما ظننتم, وأنا عالمٌ بالظواهرِ والسرائر, وأعلمُ أنَّ الخيرَ الحاصلَ بخَلْقِ هذا الخليفة أضعافُ أضعافِ ما في ضمنِ ذلك منْ الشرِّ، فلو لم يكن في ذلك إلا أنَّ اللهَ تعالى أراد أن يجتبيَ مِنهم الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين, ولتظهرَ آياتُهُ للخلق, ويحصلُ من العبوديات التي لم تكن تحصلُ بدون خلقِ هذا الخليفة, كالجهادِ وغيرِه, وليظهرَ ما كَمُنَ في غرائزِ المُكلفين من الخيرِ والشرِّ بالامتحان, وليتبينَ عدوهُ من وليِّه, وحزبُه من حَرْبِهِ, وليظهرَ ما كَمُن في نفسِ إبليسَ منْ الشر الذي انطوى عليه واتصف به, فهذه حِكمٌ عظيمة يكفي بعضُها في ذلك.

ثم لمَّا كان قولُ الملائكةِ -عَلَيْهِم السَّلَام- فيه إشارةٌ إلى فضلِهم على الخليفةِ الذي يجعلُه اللهُ في الأرض, أراد اللهُ تعالى أنْ يُبيَّنَ لهم من فضلِ آدمَ ما يعرفون به فضلَه, وكمالَ حكمةِ اللهِ وعِلمِه ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ أسماء الأشياء, ومَنْ هو مُسمىً بها، فعلَّمهُ الاسمَ والمُسمَى, أي: الألفاظَ والمعاني, حتى المُصغَّرَ من الأسماء والمُكبَّر, كالقصعةِ والقُصَيعَة،

﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ﴾ أي: عرض المسمياتِ ﴿عَلَى الْمَلَائِكَةِ﴾ امتحانًا لهم, هل يعرفونها أو لا؟

﴿فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ في قولِكم وظنِّكم, أنكم أفضلُ مِن هذا الخليفة.

﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ﴾ أي: نُنزِّهك من الاعتراضِ منَّا عليك, ومخالفةِ أمرك ﴿لَا عِلْمَ لَنَا﴾ بوجهٍ من الوجوه ﴿إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾ إياه, فضلًا منك وجودًا.

﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ العليمُ الذي أحاط عِلمًا بكلِّ شيء, لا يغيبُ عنه, ولا يَعْزُبُ عنه مثقالُ ذرةٍ في السماواتِ والأرض, ولا أصغرُ من ذلك ولا أكبر.

الحكيمُ: مَنْ له الحِكمةُ التَّامَّةُ, التي لا يَخْرُجُ عنها مخلوقٌ, ولا يشِذُّ عنها مَأْمُورٌ، فما خَلَقَ شيئًا إلا لِحِكْمَةٍ, ولا أَمَرَ بشيءٍ إلا لِحِكْمَةٍ.

والحِكْمَةُ: وَضْعُ الشيءِ في مَوْضِعِهِ اللائِقِ به.

فأَقَرُّوا واعْتَرَفُوا بعِلْمِ اللهِ وحِكْمَتِهِ, وقُصُورِهم عن معرفةِ أَدْنَى شَيْءٍ، واعْتِرَافُهم بفضلِ اللهِ عليهم; وتعليمِه إيِّاهُمْ ما لا يَعْلَمُون.

في أَوَّلِ ما ذُكِرَ ملائِكَةُ -عَزَّ وَجَلَّ- للهِ عندَما أَخْبَرَهُمْ أنه جاعلٌ في الأرضِ خليفةً، ذَكَرُوا إِفْسَادَهُ في الأرضِ، وما يكونُ مِنْ سَفْكِ الدماءِ فيها -يَسْتَعْلِمُون يَسْتَوْضِحُونَ لا يَعْتَرِضُون حاشَا لله أَنْ يَعْتَرِضُوا وإنما هم عِبَادٌ مُكْرَمُون، لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُم وهم بأمرهِ يَعْمَلون مُمْتَثِلِينَ لِأَمْرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، لا يَسْتَحْسِرونَ عن عبادتهِ ولا يَكِلُّون ولا يَتْعَبُون - فقالوا: إنه سَيُفْسِدُ في الأرضِ، الإفْسَادُ في الأرضِ يَتَّخِذُ صُوَرًا شَتَّى؛ منها: ما مَرَّ ذِكْرُه مِنَ الاتِّجارِ في المخدِّرات، مِنَ الاتِّجارِ في المُفَتِّرَاتِ، مِنَ الاتِّجارِ في كُلِّ ما يُذْهِبُ العَقْلَ أو يُغيِّبُه، وفي كل ما يَحْجُبُ الوَعْيَ أو يُذْهِبُه، فكُلُّ هذا مِنَ الإفسادِ في الأرضِ.

«مَعْنَى الإِفْسَادِ فِي الأَرْضِ»

الفَسَادُ: مَصْدَرُ فَسَدَ يَفْسُدُ فَسَادًا، وَهُوَ ضِدُّ الإِصْلَاحِ.

فَسَدَ الشيءُ: يَفسُدُ فَسادًا، وهو فَاسِدٌ وَفَسِيدٌ.

قَالَ اللَّيْثُ: الفَسَادُ نَقِيضُ الصَّلَاحِ، وَالفِعْلُ فَسَدَ يَفْسُدُ فَسَادًا، وَلُغَةٌ أُخْرَى: فَسَدَ فِسُودًا، وَاسْتَفْسَدَ السُّلْطَانُ قَائِدَهُ: إِذَا أَسَاءَ إِلَيْهِ حَتَّى اسْتَعْصَى عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ جَرِير -رَحِمَهُ اللهُ- فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: «﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَاد﴾ [البقرة: 205]، اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الإِفْسَادِ الَّذِي أَضَافَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ- إِلَى هَذَا المُنَافِقِ، فَقَالَ: تَأْوِيلُهُ مَا قُلْنَا فِيهِ مِن قَطْعِهِ الطَّرِيقِ وَإِخَافَتِهِ السَّبِيل.

وَقَالَ بَعْضُهُم: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ قَطْعُ الرَّحِمِ, وَسَفْكُ دِمَاءِ المُسْلِمِينَ، وَقَد يَدْخُلُ فِي الإِفْسَادِ جَمِيعُ المَعَاصِي، وَذَلِكَ أَنَّ العَمَلَ بِالمَعَاصِي إِفْسَادٌ فِي الأَرْضِ، فَلَمْ يُخَصِّص اللهُ وَصْفَهُ بِبَعْضِ مَعَانِي الإِفْسَادِ دُونَ بَعْضٍ».

وَقَالَ القُرْطُبِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «﴿وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَاد﴾ [البقرة: 205].

قَالَ العَبَّاسُ بنُ الفُضَيْلِ: «الفَسَادُ هُوَ الخَرَابُ، وَالآيَةُ بِعُمُومِهَا تَضُمُّ كُلَّ فَسَادٍ فِي أَرْضٍ أَوْ مَالٍ أَوْ دِينٍ, وَهُوَ الصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى».

قِيلَ مَعْنَى: ﴿لاَ يُحِبُّ الفَسَادأَيْ: لَا يُحِبُّهُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ أَوْ لَا يُحبُّهُ دِينًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ المَعْنَى: لَا يَأْمُرُ بِهِ.

إنَّ كلَّ مَنْ استُرْعِيَ رعيةً، كلُّ مَنْ حُمِّل أمانةً فلم يرْعها حَقَّ رِعَايَتِهَا وَلَم يُؤَدّهَا حَقَّ أَدَائِهَا فَهُوَ مِن المُفْسِدِينَ في الأَرْضِ، مِن المُحَارِبِينَ للهِ وَرَسُولِهِ، مِنَ السَّاعِينَ فِي الأَرْضِ الفَسَاد.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ, صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَينِ مُتَلَازِمَينِ إِلَى يَومِ الدِينِ، أَمَّا بَعْدُ:

 «عُقُوبَةُ مُرَوِّجِ المُخَدِّرَاتِ فِي الشَّرِيعَةِ الإِسْلَامِيَّةِ»

فَلِنَحْذَرْ -عبادَ اللهِ- مِنْ مُوَاقَعَةِ ما تَوَرَّطَ فيه كثيرٌ مِنَ الناسِ محاولةً لِلْكَسْبِ السريعِ في هذا الزمانِ عن طريقِ تَرْوِيجِ المُخَدِّرَاتِ، يُفْسِدُونَ على الناسِ دِينَهُمْ، فَلْيَتَّقُوا اللهَ رَبَّهُم، ولذلك عُومِلُوا كما هو معلومٌ، وقد صَدَرَتْ به الفتاوَى العظيمةُ المُحْكَمَةُ- بالقتلِ؛ لأنها حَرَابةٌ، ولأنه قَطْعٌ لِطَرِيقِ الجنةِ، وتدميرٌ للمجتمعِ المسلمِ.

ومُرَوِّجُ المُخَدِّرَاتِ حَقُّه القتلُ على يَدِ وليِّ الأمرِ، لا أنْ تُبْسَطَ أَيْدِي الناسِ في دماءِ الناسِ وفي أَجْسَامِهِم، ولكنَّ حَدَّهُ شرعًا: أنه قاطِعُ طريقٍ، أنه مُحَارِبٌ للهِ ورسولِهِ ﷺ، كما صَدَرَتْ بذلك الفتاوَى مِنَ اللَّجْنَةِ الدائمةِ، ومِنْ هيئةِ كبارِ العلماءِ.

وفي المَمْلَكَةِ عقوبةُ مَنْ ضُبِطَ مُتَّجِرًا في المخدِّرَاتِ، وثَبَتَ ذلك عليه: أن يُقَصَّ، عُقُوبَتُه أنْ يُقْتَلَ، أنْ يُقْتَّلَ، لأنه مِنَ المفسدينَ في الأرضِ، وقد بَيَّنَ اللهُ رَبُّ العالمينَ جريمةَ مَنْ أَفْسَدَ في الأرضِ وحاربَ الله تعالَى ورسولَه.

 «أَثَرُ الإِدْمَانِ المُدَمِّرِ عَلَى الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ»

إنَّ مُرَوِّجِي المخدِّرَاتِ يُدَمِّرُونَ على الناسِ طَاقَاتِهِمْ، يَسْتَلِبُونَ أموالَهم، ويُدَمِّرُونَ على الأمةِ إسلامَها ودِينَها؛ حتى تَصِيرَ مجموعةٌ مِنَ المَهَازِيلِ لا تَسْتَطِيعُ دفاعًا؛ فَضْلًا عن أنْ تَقُومَ بِمَسْئُولِيَّةٍ.

وَالمُدْمِنُ يُضَيِّعُ نَفْسَهُ، وَيُضيِّعُ مَنْ يَعُولُ؛ بَل يُضَيِّعُ حَقَّ دِينِهِ وَحَقَّ وَطَنِهِ، وَيُهْدِرُ طَاقَاتِهِ، وَيُبَدِّدُ ثَرْوَاتِهِ، ويُفرِّطُ في عِرْضِهِ وَشَرَفِهِ، وَيَظْلِمُ مَنْ له حَقٌّ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ لَا يَفْعَلُ وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ؟!

«سُبُلُ مُوَاجَهَةِ الإِدْمَانِ»

1*تَعْلِيمُ الشَّبَابِ التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ وَتَوْجِيهُهُم إِلَى القُرْآنِ وَذِكْرِ اللهِ:

اتقوا الله... ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾، تَعَلَّمُوا وعَلِّمُوا عقيدةَ أهلِ السُّنَّةِ؛ فهي طَوْقُ النَّجَاةِ، وهي سفينةُ نوح، مَن رَكِبَهَا نَجَا ومَن تَخَلَّفَ عنها غَرِقَ، أحسِنُوا فيما هو آت، أحسِنُوا فيما بَقيَ حتى يغفرَ اللهُ لكم ما مَضَى، وإنْ لم تفعلوا؛ أُخِذتُم بما بَقِيَ وما مضى على السَّواء.

فلنُوجِّه أهلينا ولنُوجِّه أنفُسَنَا إلى كتابِ اللهِ –تبارك وتعالى-، فما ضَلَّ مَن ضَلَّ إلَّا بتَرْكِ كتابِ اللهِ –تبارك وتعالى-؛ لأنَّ التزكيةَ للنَّفْسِ لا تكونُ إلَّا بالقرآنِ العظيمِ وبسُنَّةِ النبيِّ الكريم -صلى الله عليه وعلى آلهِ وسلم-.

إنَّنا نُقِيتُ أهلينا بِما تقومُ به أجسادُهُم وأبدانُهُم، فعلينا أنْ نُقِيتَ أرواحَهُم وقلوبَهُم وأنفُسَهُم وعقولَهُم بما فيه الحياةُ الباقية، يستمدونَ الحياةَ الحقيقيةَ من كتابِ اللهِ ومن سُنَّةِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وعلى آلهِ وسلم-، ألَا فلنُوجِّههُم بعد أنْ نَوجِّهَ أنفُسَنا إلى ذِكْرِ اللهِ –جلَّ وعلا-، فإنَّ في القلبِ قسوةً لا يُذيبُهَا إلَّا ذِكْرُ اللهِ، وقد تكاثرَت علينا الأوامرُ وعظُمَت علينا النواهي، فينبغي أنْ نتمسكَ بالأصلِ الأصيلِ كما دلَّ على ذلك النبيُّ النبيلُ-صلى الله عليه وعلى آلهِ وسلم-، فإنه لمَّا سُئلَ –سألَهُ عبد الله بن بُسر رضي الله عنه: إنَّ شرائعَ الإسلامِ قد كَثُرَت عليَّ، فدُلَّنِي على أمرٍ أتمسكُ به جامع.

كثرُت عليَّ الشرائع، عظُمَت عليَّ الأمور، صِرتُ في حَيرةٍ حائرة، وصِرتُ في بلبلةٍ كائنة، «دُلَّنِي على أمرٍ أتمسكُ به جامع»: ضَع يدي على ذلك المَعْلَمِ الأصيلِ برايةِ التوحيدِ أرفعُها، دُلَّني على الطريقِ المستقيم، وكان قد دلَّهُ، فدَلَّهُ على المَعْلَمِ الأكبرِ فيه، فقال: «لا يزالُ لسانُكَ رَطْبًا بذِكْرِ اللهِ –جلَّ وعلا-»

2*تَطْبِيقُ وَلِيِّ الأَمْرِ لِحَدِّ الحَرَابَةِ عَلَى مُرَوِّجِي المُخَدِّرَاتِ:

مِنَ الإفسادِ في الأرضِ، ومِنْ المُحَارَبَةِ للهِ وَرَسُولِهِ كَمَا مَرَّ ذِكْرُهُ-: تَضْيِيعُ شَبَابِ الأُمَّةِ وَشِيبِهَا، وَإِهْدَارُ ثَرْوَاتِهَا وَمُقَدَّرَاتِهَا، وَتَضْيِيعُ الذُرِّيَّةِ وَالأَهْلِ، وَالتَّفْرِيطُ في حَقِّ الدِّينِ وَحَقِّ الوَطَنِ.

كلُّ هذا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَ حَدُّ الحِرَابَةِ والإِفْسَادِ في الأرضِ، كَمَا بَيَّنَهُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- في كِتَابِهِ العَزِيزِ، وَكَمَا طَبَّقَهُ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى مَنِ اسْتَحَقَّهُ.

3*رِعَايَةُ الشَّبَابِ، وَتَحْذِيرُهُم مِن خَطَرِ المُخَدِّرَاتِ:

اتَّقُوا اللهَ، والْتَفِتُوا إلى الشبابِ، حَذِّرُوهُمْ مِنْ هذا الأمرِ العظيمِ.

4*عِلَاجُ مَنْ تَوَرَّطَ فِي الإِدْمَانِ ِبالوَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ وَالطِّبِيَّةِ وَالاجْتِمَاعِيَّةِ:

مَنْ كان له وَلَدٌ تَوَرَّطَ في هذا؛ فلا يُعَامَلُ مِثْلَ هذا بالتَّعْنِيفِ، وإنما يُعَامَلُ بِوَسَائِلِه، قد يَحْتَاجُ إِلَى تَقْلِيلِ النِّسْبَةِ الدَّائِرَةِ في الدِّمَاءِ، هذا أَمْرٌ آخَرُ؛ فَلْتُسْلَكْ له مَسَالِكُهُ، مع تَخْوِيفِه، وإِنْذَارِه، وتَرْهِيبِهِ وتَرْغِيبِهِ، والدعاءِ له، وحِيَاطَتِهِ، وإِبْعَادِهِ عن قُرَنَاءِ السُّوءِ.

 «قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا»

لقد أمرَنَا ربُّنا –تبارك وتعالى- أنْ نقيَ أنفُسَنا النار، ووصَفَها اللهُ –تبارك وتعالى- ببعضِ صفاتِها كما وصفَ القائمين عليها ببعضِ صفاتِهم، وحذَّرَنَا اللهُ –تبارك وتعالى- من ذلك، وأَمَرَنَا أن نقيَ أنفسَنا وأهلينا ذلك الأمرَ الكبير وهو ورودُ النار: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم:6].

إنَّ اللهَ –تباركَ وتعالى- نادانا بوصفِ الإيمان؛ لكي يكونَ ذلك حافزًا لنا على إلقاءِ سمعِ القلبِ لِمَا يأمرُنا به وما ينهانا عنه.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾: يا مَن أعلنتم إيمانَكُم بربِّكِم –جلَّ وعلا-، فآمنتم به وبما أنزلَ من كتاب وبالرسولِ الذي أرسلَهُ إليكم، إنْ كنتم مؤمنين حقًّا؛ فاسمعوا وَعُوا، وامتثلوا أَمْرَ اللهِ –تبارك وتعالى- واجتنبوا مساخطَهُ.

﴿قُوا أَنفُسَكُمْ﴾: اجعلوا بين أنفُسِكِم وبين نارِ اللهِ –تبارك وتعالى- وقايةً وجُنَّةً، ﴿وَأَهْلِيكُمْ﴾: فإنكم رُعاةٌ فيهم، وكلُّ راعٍ في رعيَّةٍ هو مسئولٌ عنها، والرجلُ في أهلِهِ راعٍ وهو مسئولٌ عن رعيَّتِهِ، وما أحسنَ إليهم مَن مَكَّنَهُم من وسائلِ الفِسقِ واللهوِ والفجورِ وإضاعةِ الأوقاتِ في معصيةِ ربِّ الأرضِ والسماوات، وما سَعَى بذلك في وقايتِهِم النَّار التي وصَفَهَا العزيزُ الجبار بقولِهِ: ﴿نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾: لا تُبقي ولا تَذَر، يُعذِّبُ اللهُ –تبارك وتعالى- بها أهلَ الفجورِ والفسقِ والكُفرِ، واللهُ ربُّ العالمين على كلِّ شيءٍ قدير.

﴿عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ﴾: فهُم في غِلظتِهِم وشِدَّتِهِم مُطيعونَ للهِ –تبارك وتعالى- يتقربونَ إليه بإنزالِ النَّكالِ والهوانِ والعذاب على مَن استحقَّ ذلك في النارِ التي أعدَّهاَ اللهُ –تبارك وتعالى- للمجرمين.

فأمرنا اللهُ –تبارك وتعالى- بالتقوى-، وأمرنا اللهُ ربُّ العالمين أنْ نقيَ أنفُسنا النار، ولن نقيَ أنفُسَنا النار حتى نجعلَ بينا وبينها وقايةً من تقوى اللهِ –تبارك وتعالى-، أنْ نعملَ بطاعتِهِ على نورٍ منه ابتغاءَ رضوانِهِ، ولن نتقيَ اللهَ –تبارك وتعالى- حتى نجتنبَ نواهيه وحتى نبتعدَ عن معاصيه، وحتى يكونَ ذلك على نورٍ منَ الله نخشى بذلك ونخافُ عذابَ اللهِ ربِّ العالمين، فوصَّانا اللهُ كما وصَّى الأولين، وأمرَنَا اللهُ ربُّ العالمين بهذا الأمرِ العظيم، فأمرَنا اللهُ –تبارك وتعالى- بأنْ نقيَ أنفُسَنا النارَ وأنْ نقيَ أهلينا النار، ووصَفَها ببعضِ ما جعلَها عليه من صفات، ووصَفَ بعضَ القائمينَ عليها بما جَعَلَ اللهُ –تبارك وتعالى- مَسوقًا في الآيةِ مِن بعضِ تلك الصفات، واللهُ –جلَّ وعلا- هو أرحمُ الراحمين.

 «نَصِيحَةٌ غَالِيَةٌ لِكُلِّ شَابٍّ مُسْلِمٍ»

اجْعَلْ لَكَ نَصِيبًا مِنْ حَدِيثِ رسولِ اللهِ ﷺ: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ:  حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وشَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ».

أخرجه الحاكمُ، وصححه الألباني.

واحرص أن تكون من خيار الناس كما أخبر بذلك رسول الله ﷺ؛ فعن أبي بكرة -رضي الله عنه-، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟

قَالَ ﷺ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ».

قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟

قَالَ ﷺ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ».

أخرجه الترمذي، وصححه الألباني.

«احْفَظُوا دِينَكُم، وَتَمَسَّكُوا بِالأَخْلَاقِ الإِسْلَامِيَّةِ»

تَعَلَّمُوا عبادَ الله، وتَمَسَّكُوا بِدِينِ اللهِ، وتَمَسَّكُوا بالأخلاقِ الإِسْلَامِيَّةِ، اِحْفَظُوا مَنْطِقَكُمْ، واحْفَظُوا أَبْصَارَكُمْ أنْ تُوَاقِعَ الحَرَامَ، لا تَجْلِسُوا الليلَ والنهارَ أَمَامَ تِلْكَ الشَّاشَاتِ الَّتِي تُخَرِّبُ عَلَيْكُمْ أَخْلَاقَكُمْ، تُدَمِّرُ عَلَيْكُمْ دِينَكُمْ، وتُفْسِدُ عليكم بُيُوتَكُمْ، فَلْتَكُنْ بُيُوتُكُمْ كَبُيُوتِ الأصحابِ عبادَ الله-.

كنتَ إذا مَرَرْتَ بِطُرُقَاتِ المدينةِ بِلَيْلٍ؛ سَمِعْتَ لهم دَوِيًّا كَدَوِيِّ النَّحْلِ بالقرآنِ رِضْوانُ اللهِ عليهم-، والآنَ يَعْكُفُ الناسُ في الأَصْبَاحِ وفي الأَمْسَاءِ وما بَيْنَ ذلك وفِي السَّحَرِ الأَعْلَى وفي أَوْقَاتِ الصلواتِ على مُشَاهَدَةِ العُهْرِ والخَنَا، وتَبَلَّدَتِ الأخلاقُ، وانْمَحَقَتِ الغَيْرَةُ!!

 اِنْمَحَقَتِ الغَيْرَةُ!!

الرَّجُلُ تَكُونُ امْرَأَتُه بِجِوَارِه تَتَطَلَّعُ إِلَى رَجُلٍ عَارٍ، لا يَبْقَى إِلَّا أَنْ يُكْشَفَ غِطَاءٌ، وَلَرُبَّمَا كُشِفَ حَتَّى تَرَى المرأةُ مُوَاقَعَةً ومُبَاشَرَةً وَاقِعَةً، وزَوْجُهَا وقد خَرَجَ له قَرْنَانِ عَظِيمَانِ- بِجِوَارِهَا يَنْظُرُ، ورُبَّمَا يَضْحَكُ!!

وابْنَتُهُ يَأْتِي إِلَيْهَا في خِدْرِهَا بالخَنَا، ويَأْتِي لها في خِدْرِهاَ ما يُعَلِّمُهَا بِهِ الفُجُورَ!! ثُمَّ إذا مَا وَقَعَ؛ لَامَ الناسَ وَلَامَ الدنيا، وهُوَ الذي حَفَرَ بِظِلْفِهِ قَبْرَهُ، فَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ؛ حتى تَتَنَزَّلَ علينا الرَّحَمَاتُ؛ فَإِنَّ المَعَاصِيَ يُحْجَبُ بها خيرٌ كبيرٌ، لو أَنَّنَا أَطَعْنَا اللهَ تبارك وتعالى- لَتَوَاتَرَتْ علينا النِّعَمُ ظَاهِرَةً وبَاطِنَةً، ولَأَكَلْنَا مِنْ فَوْقِنَا ومِنْ تَحْتِ أَرْجُلِنَا، نحن نَسْدُّ على أَنْفُسِنَا مَسَالِكَ العَطَاءِ.

ينبغي علينا أنْ نَتُوبَ، وأنْ نَتَّقِي اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ، أَسْأَلُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ أَنْ يَعْفُوَ عَنَّا أَجْمَعِينَ.

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ شَبَابَ المسلمينَ أَجْمَعِينَ مِنَ المُخَدِّرَاتِ وَالزِّنَا وَالْفَوَاحِشِ كُلِّهَا، وأَنْ يُمَسِّكَهُمُ الكتابَ المَجِيدَ وسُنَّةَ النَّبِيِّ ﷺ، وأَنْ يَجْعَلَهُمْ رَبَّانِيِّينَ مُحَافِظِينَ على دِينِهِمْ وأَعْرَاضِهِمْ وأَرْضِهِمُ الإِسْلَامِيَّةِ، يُدَافِعُونَ عَنْهَا، ويُسْتَشْهَدُونَ في الدِّفَاعِ عَنِ الإِسْلَامِ العَظِيمِ، إِنَّ رَبَّنَا هُوَ الجَوَادُ الكَرِيمُ.

اللهم إنَّا نَسْأَلُكَ بأسمائِكَ الحُسْنَى وصِفَاتِكَ المُثْلَى أَنْ تُهَيِّئَ لهذِهِ الأُمَّةِ أَمْرَ رُشْدٍ، يُعَزُّ فِيهِ أَهْلُ الطَّاعَةِ، وَيُذَلُّ فِيهِ أَهْلُ المَعْصِيَةِ، ويُقْضَى بِكِتَابِكَ، وسُنَّةِ نَبِيِّكَ ﷺ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قديرٌ، وبِالْإِجابَةِ جَدِيرٌ.

وصلى الله وسلم علي نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

 

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  • شارك