تفريغ محاضرة الِاقْتِرَاحَاتُ الْمَطْرُوحَةُ لِعِلَاجِ فَيْرُوس كُورُونَا-أَبِي عَبْدِ اللهِ صَلَاح بْنِ مُحَمَّد غَانِم -حَفِظَهُ اللهُ-

الِاقْتِرَاحَاتُ الْمَطْرُوحَةُ لِعِلَاجِ فَيْرُوس كُورُونَا-أَبِي عَبْدِ اللهِ صَلَاح بْنِ مُحَمَّد غَانِم -حَفِظَهُ اللهُ-

((الِاقْتِرَاحَاتُ الْمَطْرُوحَةُ لِعِلَاجِ فَيْرُوس كُورُونَا))

تَأْلِيف: فَضِيلَةُ الشَّيْخ

أَبِي عَبْدِ اللهِ صَلَاح بْنِ مُحَمَّد غَانِم -حَفِظَهُ اللهُ-.

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّه نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.

وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ﷺ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَهَذِهِ بَعْضُ أَسْئِلَةٍ طَرَحَهَا عَلَيْنَا بَعْضُ إِخْوَانِنَا فِي أُمُورٍ قَدْ شَاعَتْ وَرَاجَتْ بَيْنَ النَّاسِ؛ حَتَّى وَجَدَتْ لَهَا آذَانًا صَاغِيَةً وَقُلُوبًا وَاعِيَةً، وَقَدْ أَخَذَتْ طَرِيقَهَا إِلَى حَيِّزِ الْعَمَلِ بَعْدَ التَّنْظِيرِ وَالتَّقْعِيدِ بِغَيْرِ مَا مَرْجِعِيَّةٍ عِلْمِيَّةٍ، وَلَا خَلْفِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ!!

وَلَوْ لَا خَشْيَةُ التَّقَاعُسِ عَنْ أَدَاءِ وَاجِبِ الْوَقْتِ، وَتَرْكِ الْحَبْلِ عَلَى غَارِبِهِ لِكُلِّ مَنْ هَبَّ وَدَبَّ، وَفَتْحِ الْبَابِ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ لِنَشْرِ الْبِدَعِ وَالْمُخَالَفَاتِ، وَالْعَوْدَةِ عَلَى مَنْ لَهُ بَعْضُ مُشَارَكَةٍ فِي الْعِلْمِ بِالْعِتَابِ وَاللَّوْمِ؛ مَا تَكَلَّمْنَا فِي هَذَا الشَّأْنِ.

وَاللهِ! إِنِّي فِي نَفْسِي أَقَلُّ قَدْرًا وَأَحْقَرُ شَأْنًا مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ مِثْلِي فِي هَذِهِ الْأُمُورِ؛ وَلَكِنَّ بَعْضَ الْمَفَاسِدِ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضٍ، وَقَلِيلَ الشَّرِّ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِهِ.

وَلَعَلَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ تَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يُبْذَلُ مِنْ نُصْحٍ لِإِخْوَانِنَا فِي هَذَا الشَّأْنِ؛ وَبِخَاصَّةٍ أَنَّ الْخَطْبَ جَسِيمٌ، وَالْأَمْرَ عَظِيمٌ، وَالْيَوْمَ حَيَاةٌ، وَقَدْ يَكُونُ غَدًا مَوْتٌ، وَالْيَوْمَ بَذْلٌ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ وَعَمَلٌ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْغَدِ حِسَابٌ وَنَدَمٌ.

فَاللهم اجْعَلْ عَمَلِي لَكَ خَالِصًا، وَعَلَى طَرِيقَةِ نَبِيِّكَ ﷺ سَائِرًا، وَعَلَى دَرْبِ أَهْلِ الْعِلْمِ سَائِرًا، إِنَّكَ -سُبْحَانَكَ- نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

أَوَّلًا: اقْتَرَحَ بَعْضُ الطَّيِّبِينَ مِنْ عَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ أَنْ يُذَاعَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ عَبْرَ مُكَبِّرَاتِ الصَّوْتِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَذَلِكَ لِدَفْعِ هَذَا الْوَبَاءِ، وَلِرَفْعِ هَذَا الْبَلَاءِ.

نَقُولُ -وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ-:

إِنَّ مُكَبِّرَاتِ الصَّوْتِ الَّتِي فِي الْمَسَاجِدِ مَا جُعِلَتْ إِلَّا لِرَفْعِ الْأَذَانِ، وَالْمَسْنُونُ الَّذِي قَلَّ الْعَمَلُ بِهِ فِي مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْإِقَامَةَ إِنَّمَا تَكُونُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ مَجِيءِ الْإِمَامِ، عَلَى الْعِلْمِ أَنَّ الْإِقَامَةَ يُطْلَقُ عَلَيْهَا أَذَانٌ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: ((بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ)).

وَلَكِنَّ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ يَكُونُ عَلَى مَنَارَةِ الْمَسْجِدِ، وَتَحُلُّ مُكَبِّرَاتُ الصَّوْتِ مَحَلَّ الْمَنَارَةِ فِي وَقْتِنَا هَذَا، وَأَمَّا الْأَذَانُ الثَّانِي -وَهُوَ الْإِقَامَةُ-؛ فَيَكُونُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ بِغَيْرِ مَا اسْتِعْمَالٍ لِتِلْكَ الْمُكَبِّرَاتِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ فَكَيْفَ بِجَعْلِ الْمُكَبِّرَاتِ فِيمَا لَا مَجَالَ لِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ؟!!

وَعِنْدَ النَّظَرِ إِلَى الَّذِي يُذَاعُ فِي تِلْكَ الْمُكَبِّرَاتِ -وَهُوَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ- نَجِدُ أَنَّ بَثَّهُ وَإِذَاعَتَهُ فِي تِلْكَ الْمُكَبِّرَاتِ أَوْ فِي هَذَا الشَّأْنِ لَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَا عَمِلَ بِهِ الصَّحَابَةُ وَلَا التَّابِعُونَ، وَلَا قَالَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُحَقِّقِينَ، وَمَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُ فَهُوَ مُحْدَثٌ، ((وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ)).

وَهَلْ أَنْزَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْقُرْآنَ لِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ؟!! لَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الْقُرْآنَ لِيُعْمَلَ بِهِ وَيُتَدَبَّرَ، فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}.

وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: ((لَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ الْقُرْآنَ لِيُعْمَلَ بِهِ؛ فَاتَّخَذَ النَّاسُ تِلَاوَتَهُ عَمَلًا)).

وَفِي ((سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ)) مِنْ حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ((يَأْتِي الْقُرْآنُ وَأَهْلُهُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا، تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ)).

فَانْظُرْ إِلَى وَصْفِ أَهْلِ الْقُرْآنِ: ((الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِهِ))، لَا الَّذِينَ يَقُومُونَ بِهِ تِلَاوَةً فَحَسْبُ؛ فَمَا أَنْزَلَ اللهُ الْقُرْآنَ إِلَّا لِيُعْمَلَ بِهِ.

وَلَقَدْ وَقَعَتِ الطَّوَاعِينُ وَالْأَوْبِئَةُ الَّتِي اجْتَاحَتْ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَاتَ فِيهَا عَشَرَاتُ الْأُلُوفِ، فَمَا بَلَغَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- وَاجَهُوا ذَلِكَ الْأَمْرَ بِالِاجْتِمَاعِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الْمَسَاجِدِ أَوْ فِي الْأَسْوَاقِ أَوِ الشَّوَارِعِ، وَالْقَاعِدَةُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ -رَحِمَهُ اللهُ-: ((مَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ دِينًا فَلَنْ يَكُونَ الْيَوْمَ دِينًا، وَلَنْ يَكُونَ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ دِينًا)).

وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي: فَقَدِ اقْتَرَحَ بَعْضُ الطَّيِّبِينَ -أَيْضًا- أَنْ يُكْثِرَ الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْأَذَانِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ الْهُمَامِ ﷺ؛ وَذَلِكَ لِمَا فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ مِنْ فَضْلٍ وَأَثَرٍ.

نَقُولُ -وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ-:

إِنَّ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ دُبُرَ الْأَذَانِ إِنَّمَا هِيَ مِنْ فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَكُونُ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ أَذَانِهِ، وَذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ؛ حَتَّى لَا يُضِيفَ إِلَى الْأَذَانِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ تِلْكَ الصِّيغَةَ الْمُسْتَمِعُونَ لِلْأَذَانِ.. الْمُرَدِّدُونَ لَهُ خَلْفَ الْمُؤَذِّنِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ وَفَرَاغِ الْمُسْتَمِعِ مِنْ تَرْدِيدِهِ؛ رَغْبَةً فِي تَحْصِيلِ الْفَضْلِ وَالْأَجْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَذَا الْعَمَلِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي مُكَبِّرَاتِ الصَّوْتِ، وَلَا بِنَفْسِ طَرِيقَةِ إِلْقَاءِ الْأَذَانِ؛ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْأَذَانِ تَوْقِيفِيَّةٌ، لَا تَجُوزُ  الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا وَلَا النُّقْصَانُ مِنْهَا؛ لَا فِي طَرِيقَةِ أَدَائِهَا، وَلَا فِيمَا يُضَافُ عَلَيْهَا.

وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بَعْدَ الْأَذَانِ بِدْعَةٌ إِضَافِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ إِضَافَتُهَا لِلْأَذَانِ، وَذَلِكَ لِوُجُودِ أَصْلِهَا الْمَشْرُوعِ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي يُدْعَى إِلَيْهَا، وَقَدْ نَدَبَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْأَذَانِ، وَبَيَّنَ فَضْلَ ذَلِكَ وَثَوَابَهُ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي ((صَحِيحِهِ)) عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ((مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللهم رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ؛ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ؛ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).

وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ سَبَبٌ فِي مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ، وَكِفَايَةِ الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ؛ وَلَكِنْ لَيْسَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَلَا بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ، وَلَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ!!

فَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: ((يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ وَالدُّعَاءَ؛ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟)).

قَالَ: ((مَا شِئْتَ)).

قَالَ: ((أَفَأَجْعَلُ لَكَ الرُّبُعَ؟)).

قَالَ: ((مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ)).

فَقَالَ: ((أَجْعَلُ لَكَ نِصْفَ صَلَاتِي؟)).

فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ)).

فَقَالَ: ((فَالثُّلُثَيْنِ)).

قَالَ: ((مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ)).

قَالَ: ((أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟!!))؛ أَيْ: أَجْعَلُ لَكَ وَقْتَ دُعَائِي صَلَاةً وَسَلَامًا عَلَيْكَ؟

فَقَالَ ﷺ: ((إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرَ ذَنْبُكَ)).

فَلَوْ أَنَّ النَّاسَ أَكْثَرُوا مِنَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ قُرْبَةً إِلَى اللهِ؛ سَتَكُونُ تِلْكَ الصَّلَاةُ سَبَبًا فِي تَفْرِيغِ الْهُمُومِ، وَرَفْعِ الْكُرُوبِ، فَلَا بَأْسَ مِنَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ؛ إِذْ هِيَ مِنَ الْأَعْمَالِ الْفَاضِلَةِ، وَلَكِنْ لَيْسَتْ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْجَمَاعِيَّةِ!!

*يَقُولُ الْبَعْضُ مِنَ الطَّيِّبِينَ: مَا الَّذِي فَعَلْنَاهُ  لِيُحَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ؟! وَلِمَاذَا أُغْلِقَتْ فِي وُجُوهِنَا الْمَسَاجِدُ؟!! مَعَ الْعِلْمِ أَنَّ السَّائِلَ يَقُولُ: لَا أَقْصِدُ الِاعْتِرَاضَ عَلَى قَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ.

نَقُولُ -وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ-:

إِنَّ إِغْلَاقَ الْمَسَاجِدِ لَا بُدَّ أَنْ يُنْظَرَ إِلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْإِغْلَاقَ قَرَارُ وُلَاةِ الْأَمْرِ.

الْوَجْهِ الثَّانِي: أَنَّهُ مِنَ الْأَقْدَارِ الْكَوْنِيَّةِ الَّتِي قَدَّرَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

فَأَمَّا عِنْدَ النَّظَرِ إِلَيْهِ مِنْ وَجْهِهِ الْأَوَّلِ.. أَنَّ الْإِغْلَاقَ قَرَارُ وُلَاةِ الْأَمْرِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ إِحْسَانِ الظَّنِّ بِوُلَاةِ أُمُورِنَا، فَهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ لِمَنْعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ إِقَامَةِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ ابْتِدَاءً؛ وَبِخَاصَّةٍ أَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِهِ الظَّاهِرَةِ، وَلَكِنَّهُمْ نَظَرُوا فِي مَآلَاتِ الْأُمُورِ وَالْمَفَاسِدِ الْمُحْتَمَلَةِ مِنَ اجْتِمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْآوِنَةِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ أَثَرِ ذَلِكَ فِي نَشْرِ ذَلِكَ الْفَيْرُوسِ بَيْنَ أَفْرَادِ النَّاسِ، وَبِخَاصَّةٍ حَتَّى لَا يَعْجَزُوا عَنِ السَّيْطَرَةِ عَلَيْهِ فِي مَهْدِهِ، وَلَا تَتَعَرَّضُ الْأُمَّةُ الْمِصْرِيَّةُ لِمَا تَعَرَّضَتْ لَهُ دُوَلُ الْغَرْبِ؛ مِنْ مَوْتٍ ذَرِيعٍ، وَعَجْزٍ عَنْ مُوَاجَهَتِهِ لِتَزَايُدِ الْمُصَابِينَ بِهِ، وَهِيَ نَظْرَةٌ شَرْعِيَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ، وَاجْتِهَادٌ لَهُ دَوَاعِيهِ الشَّرْعِيَّةُ وَالْعُرْفِيَّةُ.

وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، وَالْإِخْلَالُ بِهَذَا الْأَصْلِ مِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يُخْرِجُ الْمُسْلِمَ مِنْ جَادَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ إِلَى جَادَّةِ أَهْلِ الْفُرْقَةِ وَالْبِدْعَةِ، وَقَدِ اعْتَمَدَ وُلَاةُ الْأَمْرِ عَلَى قَوَاعِدَ فِقْهِيَّةٍ، وَهِيَ: ((أَنَّ دَرْأَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ))، وَ((أَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ))، وَ((أَنَّ الْحَرَجَ فِي الشَّرِيعَةِ مَرْفُوعٌ)).

وَكَذَا اسْتَدَلُّوا بِمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ؛ مِنْ قَوْلِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.

وَقَوْلِهِ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.

وَقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لِبِلَالٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((أَنْ يَقُولَ فِي أَذَانِهِ بَدَلًا مِنْ (حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ): (أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ) )).

وَاسْتَدَلُّوا -أَيْضًا- بِمَا جَاءَتْ فِيهِ الرُّخْصَةُ لِلْجَائِعِ وَالْحَاقِنِ وَالْحَابِسِ؛ مِنْ قَضَاءِ وَطَرِهِ مِنْ طَعَامِهِ، والْفَرَاغِ مِنْ قَضَاءِ حَاجَتِهِ؛ حَتَّى لَوْ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ فَوَاتُ الْجَمَاعَةِ، فَالْحِفَاظُ عَلَى النُّفُوسِ وَصِيَانَتُهَا مِمَّا يُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ وَالْأَذَى أَوْلَى وَأَحْرَى، وَبِغَضِّ النَّظَرِ هَلْ أَصَابَ الْمُجْتَهِدُونَ أَوْ أَخْطَئُوا.. فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، وَعَدَمُ الِاعْتِرَاضِ، هُمْ فِي الْمُنْتَهَى مَأْجُورُونَ فِي اجْتِهَادِهِمْ، وَمَأْجُورُونَ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ، وَهُمْ يَتَرَدَّدُونَ بَيْنَ الْأَجْرِ وَالْأَجْرَيْنِ.

وَأَمَّا عِنْدَ النَّظَرِ إِلَى الْأَمْرِ مِنْ كَوْنِهِ قَدَرًا كَوْنِيًّا أَرَادَهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا طَرْدٌ مِنَ الْمَسَاجِدِ، أَوْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ، أَوْ عُقُوبَةٌ.. هُوَ مَحْضُ تَقَوُّلٍ وَافْتِرَاءٍ عَلَى اللهِ؛ لِأَنَّ أَقْدَارَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لَا يَعْلَمُ مَا وَرَاءَهَا إِلَّا اللهُ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

وَقَدْ قَالَ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 116].

وَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: {سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32].

فَكَيْفَ يَتَسَنَّى لِقَائِلٍ أَنْ يَفْرِضَ أَمْرًا وَأَنْ يَذْكُرَ شَأْنًا مَرَدُّهُ إِلَى اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؟!!

وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى الْبَلَاءِ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ، وَأَنْ يَقِفُوا عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ نُزُولِهِ.

فَمِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ نُزُولِ الْبَلَاءِ:

أَوَّلًا: أَنْ يَقِفُوا عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْوَاجِبَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ النَّوَازِلِ، وَذَلِكَ بِرَدِّهَا إِلَى أَهْلِ الْعِلْمِ، مَعَ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِوُلَاةِ الْأَمْرِ، وَعَدَمِ مُشَابَهَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْغَيِّ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ.

ثَانِيًا: أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَهُ حِكْمَةٌ أَرَادَهَا اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَهُوَ اخْتِبَارٌ  لِلْمُصَلِّينَ؛ مَا الَّذِى سَيَفْعَلُونَهُ عِنْدَ غَلْقِ الْمَسَاجِدِ؟ هَلْ سَيَظَلُّونَ عَلَى عَهْدِهِمُ الْقَدِيمِ فِي الْحِفَاظِ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ، أَمْ أَنَّ الشَّأْنَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ: بَرَكَة يَا جَامِع؟!! وَذَلِكَ الَّذِى يَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ حَيَاءً وَرِيَاءً.

ثَالِثًا: عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُرَاجِعَ نَفْسَهُ، وَأَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِهِ مَعَ اللهِ؛ فَالْحِرْمَانُ مِنَ الْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ بِلَا شَكٍّ مُصِيبَةٌ عَظِيمَةٌ وَبَلِيَّةٌ كَبِيرَةٌ، وَالْمُتَسَبِّبُ فِيهَا نَحْنُ لَا غَيْرُنَا، كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- لَمَّا أَصَابَهَا صُدَاعٌ؛ أَمْسَكَتْ بِرَأْسِهَا وَقَالَتْ: ((بِذَنْبِي، وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)).

رَابِعًا: الْقَاعِدَةُ الْمُطَّرِدَةُ فِي كُلِّ عَهْدٍ وَأَوَانٍ: أَنَّهُ مَا نَزَلَ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَمَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ، فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتُوبَ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- تَوْبَةً نَصُوحًا نَخْرُجُ بِهَا مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي وَالْأَخْلَاقِ السَّيِّئَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمُنْحَرِفَةِ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ رَفْعِ الْبَلَاءِ، فَمَا نَزَلَ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَمَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ.

خَامِسًا: فِي سِيرَةِ النَّبِيِّ ﷺ أُمُورٌ كَانَ الصَّحَابَةُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا ظَاهِرًا، وَيَتَبَرَّمُونَ مِنْ إِمْضَائِهَا؛ كَصُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، ثُمَّ آلَ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ سَمَّاهُ اللهُ فَتْحًا، فَلَعَلَّ هَذَا الْأَمْرَ يَكُونُ سَبَبًا فِي رَدِّ الشَّارِدِينَ، وَإِقَامَةِ الْمُعْوَجِّينَ، وَكَمْ مِنْ سُنَّةٍ طُبِّقَتْ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَبِسَبَبِهِ؛ كَسُنَّةِ عَدَمِ السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَكَرَدِّ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ أَبَاطِيلَ؛ كَاحْتِفَالَاتٍ غَيْرِ شَرْعِيَّةٍ، وَاحْتِفَالَاتٍ بِدْعِيَّةٍ رَدَّهَا اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِهَذَا الْأَمْرِ؟!!

وَأَمَّا السُّؤَالُ الرَّابِعُ: فَيَقُولُ بَعْضُ إِخْوَانِنَا الطَّيِّبِينَ: حُرِمْنَا مِنَ الصَّلَاةِ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي فُرِضَتْ فِيهَا الصَّلَاةُ!!

نَقُولُ -وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ-:

مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَرَّتْ بِمَرَاحِلَ عِدَّةٍ حَتَّى صَارَتْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِى يَرَاهُ النَّاسُ الْيَوْمَ؛ فَقَدْ شُرِعَتِ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ رَكْعَتَيْنِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَرَكْعَتَيْنِ فِي آخِرِهِ، وَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ ﷺ وَالصَّحَابَةِ مُدَّةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ نُسِخَ فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ وَصَارَ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَبَقِيَ وَاجِبًا فِي حَقِّ النَّبِيِّ ﷺ، وَذَلِكَ حَتَّى لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ؛ حَيْثُ فُرِضَتِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ؛ عَدَا الْمَغْرِبِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ عَلَى هَيْئَةِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ، حَتَّى هَاجَرَ النَّبِيُّ ﷺ، فَزِيدَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ رَكْعَتَانِ؛ عَدَا الْمَغْرِبِ بَقِيَتْ كَمَا هِيَ، وَظَلَّتِ الصَّلَاةُ هَكَذَا حَتَّى وَفَاةِ النَّبِيِّ ﷺ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا -عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ- فِي وَقْتِ فَرْضِ الصَّلَاةِ، فَاتَّفَقُوا عَلَى كَوْنِهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، وَاخْتَلَفُوا فِي زَمَانِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ.

قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّد أَبُو زَهْرَة فِي كِتَابِهِ ((خَاتَمُ النَّبِيِّنَ)): ((كَانَ الْإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ)). رَوَى ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ.

وَرَوَى الْحَاكِمُ: ((أَنَّ الْإِسْرَاءَ وَالْمِعْرَاجَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَاخْتُلِفَ فِي الشَّهْرِ الَّذِى أُسْرِيَ بِهِ ﷺ فِيهِ)).

السُّدِّيُّ قَالَ: ((إِنَّهُ فِي ذِي الْقِعْدَةِ)).

وَالزُّهْرِيُّ قَالَ: ((إِنَّهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ)).

وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالَا: ((وُلِدَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَفِيهِ بُعِثَ، وَفِيهِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفِيهِ هَاجَرَ، وَفِيهِ مَاتَ)).

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي ((تَفْسِيرِهِ)): ((كَانَ الْإِسْرَاءُ وَالْمِعْرَاجُ لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ)).

وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: ((وَاخْتَارَ الْحَافِظُ ابْنُ سُرُورٍ الْمَقْدِسِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ فِي لَيْلَةِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ، وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثًا لَا يَصِحُّ سَنَدُهُ)).

وَقَدْ جَاءَ فِي ((نِهَايَةِ الْأَرَبِ)): ((أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ فِي لَيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا)).

وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ أُخَرُ فِي زَمَانِ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهَا حَدِيثٌ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَالْمَشْهُورُ بَيْنَ النَّاسِ: أَنَّهَا لَيْلَةَ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ، وَالْأَعْرَافُ الْعَامَّةُ لَا يُعْتَدُّ بِهَا عِنْدَ التَّحْقِيقِ.

وَعَلَيْهِ؛ فَلَا حُجَّةَ لِمَنْ قَالَ: إِنَّنَا حُرِمْنَا الصَّلَاةَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي فُرِضَتْ فِيهَا الصَّلَاةُ؛ وَذَلِكَ لِكَوْنِ كَلَامِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مِنْ كِتَابٍ، أَوْ مِنْ سُنَّةٍ، أَوْ قَوْلُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَأَمَّا السُّؤَالُ الْخَامِسُ: فَيَقْتَرِحُ بَعْضُ الطَّيِّبِينَ تَخْصِيصَ أَوْقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ لِلدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَيَجْتَمِعُ النَّاسُ عَلَى هَذِهِ الْأَعْمَالِ عَلَى غِرَارِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ؛ لِرَفْعِ هَذَا الْوَبَاءِ.

نَقُولُ -وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ-:

إِنَّ تَخْصِيصَ أَوْقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ وَأَعْمَالٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى هَيْئَاتٍ مُعَيَّنَةٍ أَمْرٌ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَالْقَاعِدَةُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا -عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ-: ((أَنَّ الْعِبَادَاتِ تَوْقِيفِيَّةٌ))؛ يَعْنِي: لَا بُدَّ مِنَ الْوُقُوفِ عَلَى دَلِيلٍ مِنَ الشَّرْعِ يُقِرُّ الْعِبَادَةَ بِأَوْصَافِهَا وَأَوْقَاتِهَا وَهَيْئَاتِهَا.

وَقَدْ دَخَلَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَسْجِدَ الْكُوفَةِ، فَوَجَدَ جَمَاعَةً قَدْ تَحَلَّقُوا حِلَقًا، فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ يَقُولُ: سَبِّحُوا اللهَ مِئَةً، وَآخَرُ يَقُولُ: احْمَدُوا اللهَ مِئَةً، وَثَالِثٌ يَقُولُ: كَبِّرُوا اللهَ مِئَةً، وَكُلٌّ يُتَابَعُ فِي قَوْلِهِ.

وَهَذِهِ الْأَذْكَارُ مَشْرُوعَةٌ فِي الْأَصْلِ وَمَنْدُوبٌ إِلَيْهَا؛ وَلَكِنْ لَيْسَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، فَوَجَدَ أَبُو مُوسَى فِي نَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى ذَهَبَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ ذَلِكَ؛ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: ((أَمَا إِنَّكُمْ عَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ، أَوْ أَنَّكُمْ مُفْتَتِحُوا بَابِ ضَلَالَةٍ، وَلَوْ قَعَدْتُمْ وَعَدَدْتُمْ سَيِّئَاتِكُمْ، فَأَنَا لَكُمْ ضَامِنٌ أَنْ تَقُومُوا وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكُمْ)).

قَالَ أَبُو مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((فَوَجَدْنَا عَامَّةَ هَؤُلَاءِ يُقَاتِلُونَنَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ))؛ أَيْ: يَوْمَ قِتَالِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- الْخَوَارِجَ.

فَهَذِهِ الْأَعْمَالُ الَّتِي يُدْعَى إِلَيْهَا هِيَ أَعْمَالٌ مَشْرُوعَةٌ وَمَنْدُوبٌ إِلَيْهَا؛ وَلَكِنْ لَيْسَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَإِنَّمَا يُوصِي بِهَا بَعْضُنَا بَعْضًا فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَشْرُوعَةِ؛ كَأَذْكَارٍ وَعِبَادَاتٍ لَهَا أَوْقَاتٌ، أَوْ مُطْلَقَةٌ عَلَى حَسْبِ مَا يَتَيَسَّرُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ.

وَهَؤُلَاءِ نَحْسَبُهُمْ يُرِيدُونَ الْخَيْرَ؛ وَلَكِنْ كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: ((كَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَمْ يُصِبْهُ!!)).

فَعَلَى هَؤُلَاءِ أَنْ يَتَحَرَّوْا تِلْكَ الْعِبَادَاتِ؛ وَلَكِنْ كُلٌّ بِمُفْرَدِهِ، وَكُلٌّ عَلَى حَسْبِ طَاقَتِهِ، وَأَمَّا الِاجْتِمَاعُ  عَلَى عِبَادَةٍ مُعَيَّنَةٍ؛ فَهَذَا أَمْرٌ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ.

السُّؤَالُ السَّادِسُ: اقْتَرَحَ الْبَعْضُ بَدِيلًا عَنْ غَلْقِ الْمَسَاجِدِ، وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ النَّاسُ فِي جَمَاعَةٍ؛ وَلَكِنْ بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُصَلِّينَ مِتْرٌ عَلَى غِرَارِ مَا قَامَتْ بِهِ بَعْضُ الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ.

نَقُولُ -وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ-:

إِنَّ الصَّلَاةَ شُرِعَتْ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي صَلَّاهَا النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ، وَقَدْ قَالَ لِأُمَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: ((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)).

فَلَا خِيَارَ لَنَا فِي صَلَاةٍ نُخَالِفُ بِهَا الْهَيْئَةَ الَّتِي شُرِعَتْ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ، وَقَدْ كَانَ ﷺ يَأْمُرُ الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَنْ يُحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ، وَأَنْ يَتَضَامُّوا فِي صَلَاتِهِمْ، وَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الْفُرْجَةِ فِي الصَّفِّ، وَكَانَ يَقُولُ: ((حَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ، وَلِينُوا فِي أَيْدِي إِخْوَانِكُمْ، وَلَا تَذَرُوا فُرْجَاتِ الشَّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللهُ)). رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.

وَهَذِهِ الْهَيْئَةُ تُعَدُّ انْفِرَادًا فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّهُ: ((لَا صَلَاةَ لِمُنْفَرِدٍ خَلْفَ الصَّفِّ)).

فَقَالَ عُلَمَاؤُنَا -عَلَيْهِمُ الرَّحْمَةُ-: ((مَنِ انْفَرَدَ لِعُذْرٍ فَلَا يَتَنَزَّلُ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ، وَمَنِ انْفَرَدَ عَامِدًا الِانْفِرَادَ فَصَلَاتُهُ مَرْدُودَةٌ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: ((لَا صَلَاةَ لِمُنْفَرِدٍ خَلْفَ الصَّفِّ)) )).

السُّؤَالُ السَّابِعُ: دَعَا بَعْضُ أَهْلِ الْبِدَعِ إِلَى عَدَمِ الِانْصِيَاعِ لِقَرَارِ إِغْلَاقِ الْمَسَاجِدِ، دَعَا إِلَى الصَّلَاةِ جَمَاعَةً أَمَامَ الْمَسَاجِدِ وَفِي الشَّوَارِعِ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضَ الْعِلَلِ لِدَعْوَاهُ هَذِهِ؛ فَمَا تَوْجِيهُ كَلَامِ هَذَا الدَّعِيِّ؟

نَقُولُ -وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ-:

لَقَدْ أَبَى اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِلَّا أَنْ يُذِلَّ مَنْ عَصَاهُ، وَأَنْ يَفْضَحَ مَنْ خَالَفَ نَبِيَّهُ وَمُصْطَفَاهُ، وَهَذَا الدَّعِيُّ الَّذِي كَانَ يَسْتَتِرُ بِبِدْعَتِهِ، وَيَرَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْعِلْمِ، وَيُسَمِّي مَسْجِدَهُ بِمِنْيَة سَمَنُّود: بِمَسْجِدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَهِيَ دَعْوَى زُورٍ وَبُهْتَانٍ، وَهُوَ خَلِيٌّ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا يَمُتُّ إِلَى الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ وَالْفِقْهِ بِصِلَةٍ، لَا مِنْ قَرِيبٍ وَلَا مِنْ بَعِيدٍ، وَدَعْوَاهُ هَذِهِ مِنْ أَكْبَرِ الْأَدِلَّةِ عَلَى كَوْنِهِ مِنَ الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ، وَمِنْ أَهْلِ الزَّيْغِ الضَّالِّينَ، وَمِنْ أَدْعِيَاءِ الْعِلْمِ الْجَاهِلِينَ، وَإِنِّي لَأَعْجَبُ مِنْ بَيَاضِ لِحْيَتِهِ وَسَوَادِ قَلْبِهِ، وَحُسْنِ ظَاهِرِهِ وَسُوءِ بَاطِنِهِ، وَإِصْرَارِهِ وَعِنَادِهِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدَةِ إِلَى الْحَقِّ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِمَنْ وَلَّاهُ اللهُ الْأَمْرَ!!

وَقَدْ خَالَفَ الْمَعْلُومَ مِنْ قَوَاعِدِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي نُصْحِ مَنْ وَلَّاهُ اللهُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ؛ وَلَوْ كَانَ مُخْطِئًا؛ فَكَيْفَ وَالْأَمْرُ مَحَلُّ نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، لَا مَحَلُّ إِصْرَارٍ وَعِنَادٍ، فَوُلَاةُ الْأَمْرِ يَرَوْنَ غَلْقَ الْمَسَاجِدِ مِنَ التَّدَابِيرِ الْوِقَائِيَّةِ الَّتِي يُحَافَظُ بِهَا عَلَى النُّفُوسِ وَالْأَرْوَاحِ، وَهُمْ فِي اجْتِهَادِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ بَيْنَ الْأَجْرِ وَالْأَجْرَيْنِ فِيمَا اجْتَهَدُوا فِيهِ؛ لِكَوْنِ الْغَايَةِ مَشْرُوعَةً، وَالْأَدِلَّةُ مُعْتَبَرَةٌ، وَأَوْجُهُ الْقِيَاسِ مُحْتَمَلَةٌ رَاجِحَةٌ، وَلَكِنْ هَكَذَا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ، يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ، وَأَنْ يَخْرِقُوا سَفِينَةَ الْإِسْلَامِ، وَأَنْ يُمَزِّقُوا وَحْدَةَ أُمَّةِ خَيْرِ الْأَنَامِ، وَكَمَا قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِيهِمْ: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}.

الْحَمْدُ للهِ أَنْ كَشَفَ اللهُ سِتْرَهُ، وَأَظْهَرَ لِلنَّاسِ بِدْعَتَهُ وَعَوَرَهُ، وَظَهَرَ أَمَامَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ بِخُبْثِهِ وَسُوءِ طَوِيَّتِهِ، لَقَدْ كَانَ هُوَ وَأَمْثَالُهُ يُرِيدُونَ مِصْرَ فَوْضَى لَا زِمَامَ لَهَا، خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا، يَنْعِقُونَ فِيهَا بِالْبِدْعَةِ كَالْغِرْبَانِ، وَيُخَيِّمُ عَلَيْهَا الظَّلَامُ، وَيَعِيشُونَ فِيهَا كَالْخَفَافِيشِ وَالْبُومِ وَالْجِرْذَانِ، وَلَكِنْ حَمَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِصْرَ بِجَيْشِهَا وَشَعْبِهَا، وَدُعَاتِهَا الصَّادِقِينَ، وَعُلَمَائِهَا الرَّاسِخِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ عَلَى مِنْهَاجِ السُّنَّةِ.

فَاللهم أَدِمْ عَلَيْنَا أَمْنَنَا، وَاحْفَظْ لَنَا وَطَنَنَا، وَوَفِّقْ لِلْحَقِّ وُلَاةَ أُمُورِنَا، وَاحْفَظْ عُلَمَاءَنَا وَمَشَايِخَنَا وَالدُّعَاةَ إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ إِخْوَانِنَا.

وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّامِنُ: فَقَدْ تَعَدَّدَتِ الْأَقْوَالُ بِشَأْنِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ؛ فَالْبَعْضُ يَقُولُ: تُصَلَّى فِي الْبُيُوتِ ظُهْرًا، وَالْبَعْضُ يَقُولُ: تُصَلَّى فِي الْبُيُوتِ جُمُعَةً؛ حَيْثُ يَقُومُ الرَّجُلُ خَطِيبًا فِي أَهْلِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ تَصِحُّ بِاثْنَيْنِ، فَمَا الْعَمَلُ أَمَامَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْأَمْرِ.

نَقُولُ -وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ-:

إِنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ شُرِعَتْ جَمَاعَةً فِي الْمَسَاجِدِ، لَا فِي الْبُيُوتِ، فَلَا تُصَلَّى فِي الْبُيُوتِ كَالْجَمَاعَةِ، وَلَا تُصَلَّى فِي الْخَلَاءِ كَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ النِّدَاءَ يَكُونُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَتَسْقُطُ الْجُمُعَةُ فِي حَالِ السَّفَرِ، وَتُصَلَّى ظُهْرًا، وَقَدْ سَافَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَسْفَارًا عِدَّةً، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ جَمَعَ إِلَّا فِي الْمَدِينَةِ؛ وَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ الْقِيَاسُ عِنْدَ الْأَعْذَارِ، وَكَذَا تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ فِي حَالِ الْمَطَرِ الشَّدِيدِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ، وَيَقُولُ الْمُنَادِي: ((أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ))، وَتُصَلَّى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ظُهْرًا.

وَإِذَا اجْتَمَعَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَيَوْمُ الْعِيدِ؛ فَإِنَّ الْمَنْدُوبَ أَنْ يَكْتَفِيَ النَّاسُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ، وَلَا تُصَلَّى الْجُمُعَةُ ظُهْرًا، وَإِنَّمَا تُجْزِئُ صَلَاةُ الْعِيدِ عَنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ.

وَالْقَوْلُ بِجَوَازِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الْبُيُوتِ عِنْدَ الْعُذْرِ مِنْ إِقَامَتِهَا فِي الْمَسَاجِدِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ صَرِيحٍ، لِتَخْصِيصِ الْجُمُعَةِ بِالْمَسَاجِدِ، وَالْأَمْرِ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهَا، وَفَرْضِيَّةُ هَذَا الْفَرْضِ عَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ.. وَفَرْضِيَّةُ ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ، هَذَا كُلُّهُ خِصِّيصَةٌ لِلْجُمُعَةِ لَمْ تُجْعَلْ لِغَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ؛ كَالْعِيدَيْنِ، وَالْكُسُوفِ، وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَقِيَامِ رَمَضَانَ.

فَإِخْرَاجُ الْجُمُعَةِ مِنْ مَكَانِهَا وَصِفَةِ أَدَائِهَا وَالصُّورَةِ الَّتِي شُرِعَتْ عَلَيْهَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ صَرِيحٍ، وَالْعُذْرُ مُسْقِطٌ لِلْوَاجِبِ، أَوْ مُسَهِّلٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ طَرِيقَةَ أَدَائِهِ، أَوْ مُسْقِطٌ لِبَعْضِ شَرَائِطِهِ وَأَرْكَانِهِ، وَيَأْتِي الْأَدَاءُ عَلَى حَسَبِ الْوُسْعِ وَالطَّاقَةِ، فَلَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا.

وَالْأَدِلَّةُ عَلَى ذَلِكَ مُتَكَاثِرَةٌ، كَمَا فِي حَدِيثِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ الْجِهَادِ فِي تَبُوك، فَقَدْ قَعَدُوا فِي بُيُوتِهِمْ وَحَصَلُوا عَلَى أُجُورِ الْمُجَاهِدِينَ، وَكَذَا سُقُوطُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ عَنِ الْمُسَافِرِ، وَانْتِقَالُ الطَّهَارَةِ إِلَى التُّرَابِ بَدِيلًا عَنِ الْمَاءِ عِنْدَ فَقْدِهِ أَوْ عِنْدَ الْعُذْرِ فِي اسْتِعْمَالِهِ، وَكَسُقُوطِ الْقِيَامِ عَنِ الْعَاجِزِ فِي الصَّلَاةِ.

وَخُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَصُورَةُ أَدَائِهَا وَفِقْهُ الصَّلَاةِ مِمَّا قَدْ لَا يَتَسَنَّى لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَالْقَوْلُ بِأَدَائِهَا فِي الْبُيُوتِ عِنْدَ الْعُذْرِ يَدْخُلُ فِي تَكْلِيفِ الْبَعْضِ بِمَا لَا يُسْتَطَاعُ، وَالشَّرْعُ لَا يُكَلِّفُ بِغَيْرِ مَقْدُورٍ، وَبِخَاصَّةٍ أَنَّ الْمُتَمَرِّسَ فِي الْخَطَابَةِ يَجِدُ مُعَانَاةً فِي أَدَائِهَا؛ فَكَيْفَ لِمَنْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا، وَقَدْ يُعْمِلُ الشَّيْطَانُ عَمَلَهُ فِي أَزِّ الصِّغَارِ وَالسُّفَهَاءِ عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ بِمَنْ لَا دُرْبَةَ لَهُ وَلَا صَنْعَةَ لَهُ فِيهَا، فَتَتَحَوَّلُ الصَّلَاةُ إِلَى ضَحِكٍ وَلَعِبٍ وَلَهْوٍ وَهُرَاءٍ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُقِرُّهُ الشَّرْعُ، وَلَا يَقُولُ بِهِ فِقْهٌ.

وَهَذِهِ الْأَسْئِلَةُ إِنَّمَا قُمْنَا بِالنَّظَرِ فِيهَا، وَبِنَقْلِ كَلَامِ عُلَمَائِنَا عَلَيْهَا؛ رِعَايَةً لِمَا يَطْرَأُ مِنْ خُرُوقَاتٍ وَمُخَالَفَاتٍ، وَقَدْ تُؤَدِّي فِي الْمُنْتَهَى إِلَى إِحْدَاثِ بِدَعٍ وَأَعْمَالٍ لَا تَمُتُّ إِلَى دِينِ اللهِ بِصِلَةٍ، وَقَدْ دَعَانَا إِخْوَانُنَا إِلَى بَيَانِهَا؛ لِوُقُوعِهَا فِي دُورِنَا، وَتَوَرُّطِ الْكَثِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا.

فَنَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَجْعَلَ عَمَلَنَا لِوَجْهِهِ خَالِصًا، وَأَنْ يَرْزُقَنَا فِيهِ الثَّبَاتَ وَالسَّدَادَ وَالتَّوْفِيقَ وَالْهُدَى وَالرَّشَادَ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ. 

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  • شارك