تفريغ خطبة ((حِكْمَةُ اللهِ فِي الْبَلَاءِ وَدُرُوسٌ وَعِبَرٌ مِنْ جَائِحَةِ كُورُونَا)) الشَّيْخُ الدُّكْتُور: سُلَيْمَان الرِّحِيلِي –حَفِظَهُ اللهُ-.

((حِكْمَةُ اللهِ فِي الْبَلَاءِ  وَدُرُوسٌ وَعِبَرٌ مِنْ جَائِحَةِ كُورُونَا)) الشَّيْخُ الدُّكْتُور: سُلَيْمَان الرِّحِيلِي –حَفِظَهُ اللهُ-.

((حِكْمَةُ اللهِ فِي الْبَلَاءِ

وَدُرُوسٌ وَعِبَرٌ مِنْ جَائِحَةِ كُورُونَا))

الشَّيْخُ الدُّكْتُور: سُلَيْمَان الرِّحِيلِي حَفِظَهُ اللهُ-.

إِمَام وَخَطِيب مَسْجِد قُبَاء

إِنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].

أَمَّا بَعْدُ:

فَيَا عِبَادَ اللهِ! إِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

ثُمَّ يَا عِبَادَ اللهِ! إِنَّ رَبَّكُمْ لَطِيفٌ كَرِيمٌ، رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، عَلِيمٌ حَكِيمٌ، الْخَيْرُ بِيَدَيْهِ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْهِ، يُنْعِمُ عَلَى عِبَادِهِ بِالنِّعَمِ الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى بِفَضْلِهِ، ثُمَّ يَرْزُقُ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ شُكْرَهَا، فَيُثِيبُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَبْتَلِي عِبَادَهُ بِالْبَلَاءِ بِحِكْمَتِهِ، ثُمَّ يَرْزُقُ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ الصَّبْرَ عَلَى ذَلِكَ، فَيُثِيبُهُ عَلَى ذَلِكَ.

يَقُولُ نَبِيُّنَا ﷺ: ((عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ! إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ)).

فَرَبُّنَا -سُبْحَانَهُ- وَاسِعُ الْعَطَاءِ، يُنْعِمُ عَلَى عِبَادِهِ بِنِعَمٍ تَعِزُّ عَنْ الِاسْتِقْصَاءِ، وَيَبْتَلِي عِبَادَهُ بِالْبَلَاءِ إِنْ شَاءَ، وَهُوَ السَّيِّدُ وَنَحْنُ عَبِيدُهُ، وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَفْعَلَ بِعَبِيدِهِ مَا يَشَاءُ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الَّذِي لِكَمَالِ حِكْمَتِهِ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَمَنْ دُونَهُ يُسْأَلُونَ.

هُوَ -سُبْحَانَهُ- يَبْتَلِي عَبْدَهُ بِالْبَلَاءِ؛ لِيُنَبِّهَهُ مِنْ غَفْلَةٍ، وَيَرُدَّهُ إِلَيْهِ، أَوْ يُكَفِّرَ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ، أَوْ يَزِيدَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ، أَوْ يَرْفَعَ فِي الْجَنَّةِ دَرَجَاتِهِ.

إِنَّ رَبَّنَا -يَا عِبَادَ اللهِ- قَدِ ابْتَلَى الْعِبَادَ بِجَائِحَةِ كُورُونَا الَّتِي عَمَّتِ الْأَرْضَ كُلَّهَا، نَسْأَلُ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يَرْفَعَهَا، وَيَدْفَعَ أَثَرَهَا.

عِبَادَ اللهِ! إِنَّ فِي هَذِهِ الْجَائِحَةِ دُرُوسًا وَعِبَرًا لِمَنْ نَظَرَ وَتَفَكَّرَ وَتَأَمَّلَ وَتَدَبَّرَ:

*فَمِنْ تِلْكَ الدُّرُوسِ الْعُظْمَى: أَنْ يُدْرِكَ الْعِبَادُ أَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- هُوَ الْقَوِيُّ، وَأَنَّهُمْ ضُعَفَاءُ، فَلَا حَوْلَ لَهُمْ إِلَّا بِاللهِ، وَلَا قُوَّةَ لَهُمْ إِلَّا بِاللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فَهَا هُوَ الْعَالَمُ بِكُلِّ تَقَدُّمِهِ الْعِلْمِيِّ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَكْتَشِفَ هَذَا الْفَيْرُوس قَبْلَ ظُهُورِهِ وَانْتِشَارِهِ، وَهَا هُوَ الْعَالَمُ بِكُلِّ قُوَّتِهِ الْمَادِّيَّةِ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُوقِفَ هَذَا الْفَيْرُوس عِنْدَ انْتِشَارِهِ، وَصَدَقَ رَسُولُنَا ﷺ حَيْثُ قَالَ: ((وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ)).

فَالْقَوِيُّ -يَا عِبَادَ اللهِ- مَنْ قَوَّاهُ اللهُ، وَالْعَزِيزُ مَنْ أَذَلَّ نَفْسَهُ للهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

*وَمِنْ تِلْكَ الدُّرُوسِ الْعُظْمَى: أَنْ يَعْلَمَ الْكَافِرُ وَيَزْدَادَ الْمُؤْمِنُ إِيمَانًا أَنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ غِنًى مُطْلَقًا، وَأَنَّ الْعِبَادَ فُقَرَاءُ إِلَى اللهِ دَائِمًا، وَقَدْ أَدْرَكَ النَّاسُ مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ هَذَا فِي هَذِهِ الْجَائِحَةِ، فَلَجَئُوا إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ لَكِنَّ لُجُوءَ الْمُؤْمِنِ لُجُوءُ الْمُوَحِّدِ لِرَبِّهِ الَّذِي يَدْعُو رَبَّهُ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَلَا يَدْعُو إِلَّا اللهَ، فَلَا يَدْعُو مَعَ اللهِ أَحَدًا، لَا يَدْعُو بَشَرًا وَلَا حَجَرًا، وَلَا شَمْسًا وَلَا قَمَرًا، فَكَمَا أَنَّهُ لَا يُصَلِّي إِلَى للهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْعُو إِلَّا اللهَ، كَمَا قَالَ رَبُّنَا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}  [الجن: 18].

وَأَمَّا الْكَافِرُ؛ فَإِنَّهُ يَلْجَأُ إِلَى اللهِ عِنْدَ الشِّدَّةِ إِذَا انْسَدَّتْ عَلَيْهِ الْأَبْوَابُ الْمَادِّيَّةُ، فَإِذَا فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ؛ عَادَ إِلَى كُفْرَانِهِ وَطُغْيَانِهِ: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65].

*وَمِنْ تِلْكَ الدُّرُوسِ الْعُظْمَى: أَنْ يُدْرِكَ الْعِبَادُ عِظَمَ أُصُولِ النِّعْمَةِ الثَّلَاثَةِ مَعَ الْإِسْلَامِ، وَعِظَمَ رَكَائِزِ الْغِنَى الثَّلَاثَةِ مَعَ الْإِسْلَامِ؛ حَيْثُ قَالَ نَبِيُّنَا ﷺ: ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)).

وَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ كَانَ يَتَقَلَّبُ فِي هَذِهِ النِّعَمِ، فَلَمْ يَعْرِفْ لَهَا قَدْرَهَا، وَلَمْ يَشْكُرْهَا حَقَّ شُكْرِهَا، فَلَمَّا جَاءَتْ هَذِهِ الْجَائِحَةُ؛ أَدْرَكَ عِظَمَ تِلْكَ النِّعَمِ، وَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهَا!!

*وَمِنْ تِلْكَ الدُّرُوسِ الْعُظْمَى: أَنْ يَزْدَادَ يَقِينُنَا بِالنِّعَمِ الْعَظِيمَةِ عَلَيْنَا فِي بَلَدِنَا هَذَا -فِي الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ- مِنَ الْوِلَايَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْجَمَاعَةِ الشَّرْعِيَّةِ، وَوِحْدَةِ الصَّفِّ، فَوُلَاةُ أَمْرِنَا -حَفِظَهُمُ اللهُ- بِحَمْدِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- يَنْطَلِقُونَ مِنْ مَبَادِئِ دِينِنَا، وَقَدْ ضَرَبُوا أَرْوَعَ الْأَمْثِلَةِ فِي مُعَالَجَةِ هَذِهِ الْجَائِحَةِ، فَسُخِّرَ كُلُّ مَا فِي الدَّوْلَةِ مِنْ أَجْلِ مُكَافَحَةِ هَذَا الْفَيْرُوس، وَوُفِّرَ الْعِلَاجُ الْمَجَّانِيُّ لِكُلِّ مَنْ فِي هَذَا الْبَلَدِ؛ لِلْمُوَاطِنِ، وَلِأَخِيهِ الْمُقِيمِ الَّذِي يُسَاعِدُهُ فِي بِنَاءِ هَذَا الْبَلَدِ، وَلِمُخَالِفِ نِظَامِ الْإِقَامَةِ، وَتِلْكَ -وَاللهِ- هِيَ الْإِنْسَانِيَّةُ الْحَقَّةُ الْمُنْطَلِقَةُ مِنْ مَبَادِئِ الدِّينِ، وَلَيْسَتِ الدَّعَاوَى الْمَبْنِيَّةَ عَلَى الْمَصَالِحِ الْآنِيَّةِ وَالْمَصَالِحِ الْأَنَانِيَّةِ.

وَمِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ الرَّائِعَةِ: مَا ضَرَبَهُ أَمِيرُ مَدِينَتِنَا -وَفَّقَهُ اللهُ- مِنْ تَفَقُّدِهِ لِسَكَنِ الْعُمَّالِ، وَأَمْرُهُ -حَفِظَهُ اللهُ- بِنَقْلِ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَكَنُهُ مُنَاسِبًا إِلَى الْفَنَادِقِ الْكُبْرَى حَوْلَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ؛ مِنْ أَجْلِ الْحِفَاظِ عَلَيْهِمْ، وَمِنْ أَجْلِ إِعَانَتِهِمْ عَلَى تَجَنُّبِ هَذَا الْوَبَاءِ.

هَذِهِ -يَا عِبَادَ اللهِ- بَعْضُ دُرُوسِ هَذَا الْوَبَاءِ الْكِبَارِ، ذَكَرْتُهَا بِاخْتِصَارٍ؛ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ، وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمُ الْغَفَّارَ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

((أَهَمِّيَّةُ الِالْتِزَامِ بِالْإِجْرَاءَاتِ الِاحْتِرَازِيَّةِ))

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَيَا عِبَادَ اللهِ! إِنَّ انْحِسَارَ هَذَا الْفَيْرُوس، وَتَخْفِيفَ الْإِجْرَاءَاتِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ أَجْلِ مُكَافَحَتِهِ نِعَمٌ عُظْمَى مِنْ رَبِّنَا، وَمِنْ أَعْظَمِ تِلْكَ النِّعَمِ: فَتْحُ الْمَسَاجِدِ بَعْدَ إِغْلَاقِهَا لِلضَّرُورَةِ الْوَاقِعِيَّةِ؛ حَيْثُ أَغْلَقَهَا وُلَاةُ أَمْرِنَا مُسْتَنِدِينَ إِلَى الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأُصُولِ الْمَرْعِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ، وَفَتَاوَى الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهِمْ، ثُمَّ لَمَّا أَمْكَنَ فَتْحُهَا بَادَرُوا بِفَتْحِهَا، فَيُشْكَرُونَ عَلَى إِغْلَاقِهَا، وَيُمْدَحُونَ بِذَلِكَ، وَيُشْكَرُونَ عَلَى فَتْحِهَا، وَيُمْدَحُونَ بِذَلِكَ.

هَذَا وَقَدْ أَمَرَ وَلِيُّ أَمْرِنَا بِاتِّخَاذِ الِاحْتِرَازَاتِ الْوِقَائِيَّةِ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا -يَا عِبَادَ اللهِ- أَنْ نَلْتَزِمَ هَذِهِ الْإِجْرَاءَاتِ الْوِقَائِيَّةِ لِأُمُورٍ خَمْسَةٍ:

*الْأَمْرُ الْأَوَّلُ: أَنَّ فِيهَا اسْتِجَابَةً لِأَمْرِ اللهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ ﷺ بِاجْتِنَابِ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ، يَقُولُ رَبُّنَا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {لَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وَيَقُولُ ﷺ: ((لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ)).

*وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ فِي ذَلِكَ اسْتِجَابَةً لِأَمْرِ وَلِيِّ أَمْرِنَا، وَطَاعَةُ وَلِيِّ الْأَمْرِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ فَرْضٌ عَلَيْنَا -يَا عِبَادَ اللهِ-؛ ((فَمَنْ أَطَاعَ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَمَنْ عَصَى الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ)).

*وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ -يَا عِبَادَ اللهِ-: أَنَّ فِي الِالْتِزَامِ بِهَذِهِ الِاحْتِرَازَاتِ حِفْظًا لِهَذِهِ النِّعَمِ، وَاسْتِدْرَارًا لِزِيَادَتِهَا.

*وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ -يَا عِبَادَ اللهِ-: أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْنَا لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالْتِزَامِ هَذِهِ الِاحْتِرَازَاتِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.

*وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ -يَا عِبَادَ اللهِ-: أَنَّ فِي ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْإِنْسَانِ وَعَنْ إِخْوَانِهِ -بِإِذْنِ اللهِ-، وَتَجَنُّبًا لِأَذِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ))، فَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَضُرَّ نَفْسَهُ، وَلَا أَنْ يَضُرَّ غَيْرَهُ، وَقَالَ ﷺ: ((مَنْ آذَى الْمُسْلِمِينَ فِي طُرُقِهِمْ؛ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ))، هَذَا مَنْ آذَاهُمْ فِي طُرُقِهِمْ؛ فَكَيْفَ بِمَنْ آذَاهُمْ فِي عَافِيَتِهِمْ وَصِحَّتِهِمْ؟!!

أَلَا فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَالْتَزِمُوا تِلْكَ الِاحْتِرَازَاتِ، وَتَوَكَّلُوا عَلَى فَاطِرِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.

ثُمَّ اعْلَمُوا -رَحِمَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ- أَنَّ اللهَ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ عَظِيمٍ شَرِيفٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ ثَنَّى بِمَلَائِكَتِهِ، فَقَالَ -عَزَّ مِنْ قَائِلٍ-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].

وَقَالَ ﷺ: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مِنْ أُمَّتِي صَلَاةً مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، وَرَفَعَهُ بِهَا عَشْرَ دَرَجَاتٍ، وَكَتَبَ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ)).

فَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ -يَا عِبَادَ اللهِ-؛ فَإِنَّهُ مِنْ حَقِّهِ عَلَيْكُمْ، وَلَكُمْ بِذَلِكَ مَصَالِحُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَاللهم صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.

اللهم يَا رَبَّنَا إِنَّا نَسْأَلُكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى وَصِفَاتِكَ الْعُلَى أَنْ تَرْضَى عَنْ صَحَابَةِ رَسُولِكَ أَجْمَعِينَ، اللهم ارْضَ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، اللهم ارْضَ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ عَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ.

اللهم بَارِكْ لَنَا فِي أَعْمَارِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَعْمَالِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَجْسَادِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي عَافِيَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي بِلَادِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي وُلَاةِ أَمْرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي كُلِّ نِعْمَةٍ أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيْنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

اللهم وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللهم زِدْهُمْ خَيْرًا إِلَى خَيْرِهِمْ، اللهم زِدْهُمْ خَيْرًا إِلَى خَيْرِهِمْ، اللهم وَامْلَأْ قُلُوبَهُمْ حُبًّا لِلرَّعِيَّةِ، وَامْلَأْ قُلُوبَ الرَّعِيَّةِ حُبًّا لَهُمْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللهم وَجَنِّبْنَا وَإِيَّاهُمْ وَبِلَادَنَا الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

اللهم إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الْفِتَنِ وَأَهْلِهَا، اللهم إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الْفِتَنِ وَأَهْلِهَا، اللهم إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الْفِتَنِ وَأَهْلِهَا.

اللهم احْفَظْ رِجَالَ جَيْشِنَا، وَاحْفَظْ رِجَالَ أَمْنِنَا، وَاحْفَظْ كُلَّ مَنْ يَقُومُ بِعَمَلٍ صَالِحٍ يَنْفَعُ بِهِ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، وَجَازِهِمْ خَيْرًا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

اللهم كَمَا أَفْرَحْتَ قُلُوبَنَا بِفَتْحِ أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ لَنَا أَفْرِحْنَا بِفَتْحِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ لَنَا أَجْمَعِينَ، اللهم اجْمَعْنَا وَوَالِدِينَا وَأَهْلِينَا وَأَحْبَابَنَا فِي الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى أَجْمَعِينَ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

وَاللهُ -تَعَالَى- أَعْلَى وَأَعْلَمُ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَسَلَّمَ.

 

 

 

 

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  • شارك