تفريغ محاضرة تَوْجِيهَاتٌ لِلْأُمَّةِ

تَوْجِيهَاتٌ لِلْأُمَّةِ

((تَوْجِيهَاتٌ لِلْأُمَّةِ))

الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ:  صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ اللِّحِيدَانُ -رَحِمَهُ اللهُ-

عُضْوُ هَيْئَةِ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ بِالْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ

السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا.

وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَخَلِيلُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ لِلْأُمَّةِ، وَجَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ.

آزَرَهُ فِي دَعْوَتِهِ وَجِهَادِهِ وَتَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ صَحَابَتُهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ-؛ فَقَدْ كَانُوا خَيْرَ سَلَفٍ لِسَيِّدِ الْبَشَرِ وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ، حَمَلُوا رَايَتَهُ، وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ، وَنَشَرُوا الْمِلَّةَ، وَفَتَحُوا بِدَعْوَةِ الْحَقِّ أَمْصَارَ الدُّنْيَا، لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا شَقِيٌّ، وَلَا يَتَنَقَّصُهُمْ إِلَّا مُلْحِدٌ خَبِيثٌ -فَرَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ-.

شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِأَنَّهُمْ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي يَقُولُ فِيهِ رَسُولُ اللهِ: ((خَيْرُ النَّاسِ الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ وَهَؤُلَاءِ: الصَّحَابَةُ-، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَهَؤُلَاءِ: التَّابِعُونَ تَلَامِذَةُ الصَّحَابَةِ-، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ -أَيْ: يَلُونَ التَّابِعِينَ-)).

هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ الْقُرُونِ شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِأَنَّهُمْ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، فَكَانُوا جَدِيرِينَ بِأَنْ يُحِبَّهُمْ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَيَتَرَضَّى عَنْهُمْ كُلُّ تَقِيٍّ؛ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: 10].

ثُمَّ.. مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَهْتَمَّ لَهُ الْمُسْلِمُ وَيَعْتَنِيَ بِهِ: أَنْ يُحَافِظَ عَلَى دِينِهِ؛ فَإِنَّ الدِّينَ رَأْسُ الْمَالِ، رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ.

وَمِنْ لَوَازِمِ هَذَا الدِّينِ: أَنْ يُحِبَّ الْإِنْسَانُ مَنْ أَسْدَى عَلَيْهِ كُلَّ نِعْمَةٍ، وَدَفَعَ عَنْهُ مَا لَا يَسْتَطِيعُ مِنَ النِّقَمِ.

وَأَنْ يُحِبَّ مَعَهُ نَبِيَّهُ الَّذِي كَانَ سَبَبَ هِدَايَةِ الْأُمَّةِ.

وَأَنْ يُحِبَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ؛ وَلَاسِيَّمَا صَحَابَةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَتَابِعِيهِمْ، وَتَابِعِي تَابِعِيهِمْ.

مِمَّا يَنْبَغِي نَحْوَهُ: أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُهْتَمًّا بِهَذِهِ الْفَرَائِضِ -فَرَائِضِ الدِّينِ-؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَخْبَرَ عَنْ هَذِهِ الْفَرَائِضِ أَنَّهَا أَهَمُّ شَيْءٍ؛ هِيَ الْإِيمَانُ، لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ يُحَدِّثُهُمْ: ((أَتَعْرِفُونَ مَا الْإِيمَانُ؟)).

قَالُوا: ((اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ)).

قَالَ: ((الْإِيمَانُ بِاللهِ أَنْ تُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَتُؤْتُوا الزَّكَاةَ، وَتَصُومُوا رَمَضَانَ..)). وَعَدَّدَ عَلَيْهِمْ مَا عَدَّدَ -عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ-.

هَذِهِ الْفَرِيضَةُ الْعَظِيمَةُ -الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ- هِيَ أَعْظَمُ فَرَائِضِ الْإِسْلَامِ، هِيَ بَعْدَ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَصِحَّ صَلَاةُ أَحَدٍ إِلَّا وَأَنْ يَتَشَهَّدَ فِي صَلَاتِهِ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَيَتَشَهَّدَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّ اللهِ.

هَذِهِ الْفَرَائِضُ الْخَمْسُ الْعَظِيمَةُ مَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نَجَاةً وَبُرْهَانًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَكَانَ مَعَهُ عَهْدٌ مِنَ اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ.

وَمَنِ الَّذِي لَا يُرِيدُ دُخُولَ الْجَنَّةِ إِذَا كَانَ يَعْقِلُ؟!!

الْمُسْلِمُ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَعْتَنِيَ بِأَمْرِ حَيَاتِهِ؛ بِأَنْ يَصُونَهَا عَمَّا يَشِينُهَا، يُحْسِنُ التَّعَامُلَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ عَلَى مُقْتَضَى الْإِيمَانِ، يُؤَدِّي مَا يُؤَدِّي مِنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللهِ، وَاتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، وَأَمَلَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُ، وَيَصُونَهُ وَيَحْفَظَهُ.

يَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ مُتَّقِيًا اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- فِي سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ، مُسْتَشْعِرًا الْخَوْفَ مِنْ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا-، عَالِمًا أَنَّهُ لَا هِدَايَةَ إِلَّا مِنَ اللهِ؛ فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ فِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ -حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ-: ((يَا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ؛ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ)). وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَإِذَا عَرَفَ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ لَا هِدَايَةَ لَهُ إِلَّا بِتَوْفِيقِ اللهِ؛ فَلْيُكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

وَالْقُلُوبُ إِذَا اطْمَأَنَّتِ انْتَعَشَتْ، وَصَارَتْ لَهَا حَيَوِيَّةٌ وَنَشَاطٌ، وَقَوِيَتْ عَلَى تَوْجِيهِ سَائِرِ الْجَوَارِحِ وَمَشَاعِرِ الْإِنْسَانِ إِلَى الْخَيْرِ.

وَقَدْ قَالَ الْمُصْطَفَى ﷺ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: ((أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)).

كَيْفَ نُصْلِحُ هَذِهِ الْمُضْغَةَ؟

نُصْلِحُهَا بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ -مَعَ ذَلِكَ- بِأَحَاسِنِ النَّوَافِلِ.. بِجَمِيلِ النَّوَافِلِ، وَنَتَبَرَّأُ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إِلَّا للهِ، وَنُكْثِرُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ، وَنُكْثِرُ مِنْ أَنَّهُ ((لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ))؛ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ -كَمَا فِي ((صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ)) وَغَيْرِهِ عَنْ: ((لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ))- قَالَ: ((إِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ)).

فَالْمُوَفَّقُ مَنْ أَحْسَنَ تَحْصِيلَ كُنُوزِ الْجَنَّةِ، وَهَذَا لَيْسَ بِالْأَمْرِ الشَّاقِّ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى فِطْنَةٍ، كُلَّمَا هَمَّ بِأَمْرٍ تَذَكَّرَ أَنَّ حَوْلَهُ ضَعِيفٌ وَقُوَّتَهُ ضَعِيفَةٌ، وَإِنَّمَا الْحَوْلُ وَالْقُوَّةُ كُلُّهَا لِلَّذِي بِيَدِهِ الْأَمْرُ كُلُّهُ؛ فَلْيُكْثِرْ مِنْ: ((لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ)).

يَعْتَنِي بِذِكْرِ الْأَذْكَارِ عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَنْزِلَ، وَخُرُوجِهِ مِنْهُ، وَعِنْدَ تَنَاوُلِ طَعَامِهِ وَالِانْتِهَاءِ مِنْهُ، وَتَنَاوُلِ شَرَابِهِ وَالِانْتِهَاءِ مِنْهُ، وَعِنْدَ إِرَادَةِ الْوُضُوءِ وَعِنْدَ الِانْتِهَاءِ مِنْهُ.

يُعَوِّدُ نَفْسَهُ حُسْنَ التَّلَبُّسِ بِهَذِهِ الْأَذْكَارِ.

النَّبِيُّ ﷺ لَمَّا ذَكَرَ جَمِيلَ أَدَاءِ الْوُضُوءِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ السَّيِّئَاتِ تَتَقَاطَرُ مَعَ آخِرِ قَطَرَاتِ الْمَاءِ، عِنْدَمَا يُسَمِّي اللهَ، وَيَغْسِلُ يَدَيْهِ أَوَّلًا، ثُمَّ يَبْدَأُ فِي الْوُضُوءِ؛ تَتَقَاطَرُ سَيِّئَاتُ الْوَجْهِ؛ النَّظَرِ، وَالسَّمْعِ، وَالشَّمِّ، وَالْكَلَامِ مَعَ آخِرِ قَطَرَاتِ الْمَاءِ، ثُمَّ الْيَدَيْنِ مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَمَسْحُ الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ كَذَلِكَ، ثُمَّ إِذَا قَالَ بَعْدَهَا: ((لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ..)) إلخ؛ كَأَنَّ جَمِيعَ ذُنُوبِهِ الَّتِي لَيْسَتْ فِيهَا حُقُوقٌ لِلْعِبَادِ وَصَاحَبَهَا تَوْبَةٌ إِلَى اللهِ تُكَفَّرُ، فَتَكُونَ الصَّلَاةُ كَأَنَّمَا يَسْتَأْنِفُ شَيْئًا جَدِيدًا؛ لِيُحَصِّلَ هَذَا الْعَمَلَ الْعَظِيمَ.

فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ -بِقَدْرِ الْمُسْتَطَاعِ- أَنْ يَتَعَاهَدَ هَذِهِ الْأُمُورَ.

يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ إِذَا أَحَسَّ بِفَرَاغٍ أَنْ يَشْغَلَ وَقْتَهُ؛ يَتَوَضَّأُ وَيَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقْرَأُ مَا أَمْكَنَهُ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَالنَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَخْبَرَ عَنِ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ إِمَّا شَاهِدٌ لَكَ -أَيُّهَا الْعَبْدُ، أَيُّهَا الْإِنْسَانُ-، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا عَلَيْكَ؛ فَاحْرِصْ عَلَى اتِّخَاذِهِ شَاهِدًا لَكَ؛ بِحُسْنِ التَّعَامُلِ مَعَهُ، بِتَنْفِيذِ الْأَوَامِرِ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ، وَالِانْتِهَاءِ عَنِ النَّوَاهِي.

وَإِذَا مَرَّتْ بِكَ آيَةٌ سِيقَ مَعَهَا مَا يَدُلُّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فَاحْرِصْ عَلَى الْأَخْذِ بِهَا، وَإِذَا مَرَرْتَ بِآيَةٍ ذُكِرَ فِيهَا مَا هُوَ سَيِّءٌ مِنَ الْأَخْلَاقِ فَتَعَاهَدْ نَفْسَكَ بِالصِّيَانَةِ عَنْهَا.

كُنْ وَأَنْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ مُحْتَسِبًا تَنْفِيذَ مَا فِيهِ مِنْ أَوَامِرَ.

ثُمَّ إِذَا مَرَرْتَ بِآيَةِ رَحْمَةٍ فَاسْأَلْ رَبَّكَ أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ أَنْ يَرْحَمَكَ، وَإِذَا مَرَرْتَ بِآيَةِ عَذَابٍ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ عَذَابِهِ، وَإِذَا مَرَرْتَ بِآيَةٍ فِيهَا ثَنَاءٌ وَتَمْجِيدٌ فَسَبِّحِ اللهَ وَأَثْنِ عَلَيْهِ؛ فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ -كَمَا فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ--.

الْزَمْ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُ- الصِّدْقَ مَعَ اللهِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ مَعَ الْخَلْقِ؛ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: ((عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا)).

فَلْيَحْرِصِ الْمُسْلِمُ عَلَى أَنْ يَتَعَاهَدَ نَفْسَهُ بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، أَنْ يَتَجَنَّبَ الْكَذِبَ؛ لَا فِي مَدْحٍ، وَلَا فِي ذَمٍّ، وَلَا فِي جِدٍّ، وَلَا فِي هَزْلٍ.

أَعْمَالُنَا كُلُّهَا مَكْتُوبَةٌ عَلَيْنَا، {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18].

فَلْيَحْرِصِ الْمُسْلِمُ عَلَى أَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْحِسَابِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ -كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ-: ((مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ)).

فَلْيَحْرِصِ الْمُسْلِمُ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي مُحَاسَبَةِ نَفْسِهِ، إِنْ وَجَدَ هَفَوَاتٍ فَلْيُبَادِرْ إِلَى التَّوْبَةِ، وَإِنْ وَجَدَ خَيْرًا يَسُرُّ فَلْيَحْمَدِ اللهَ؛ فَالنِّعْمَةُ مِنْهُ، وَالتَّوْفِيقُ مِنْهُ -جَلَّ وَعَلَا-، وَهُوَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

وَاللهُ يَقُولُ: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34].

وَيَقُولُ: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53].

فَالْمُسْلِمُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ كَثِيرَ الْحَيَاءِ مِنَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-..

أَنْ يَتَغَافَلَ عَنْ أَمْرٍ وَاللهُ يُحِبُّ مِنْهُ أَلَّا يَغْفُلَ عَنْهُ!!

أَنْ يَتَوَانَى فِي أَدَاءِ عَمَلٍ وَاللهُ يُحِبُّ مِنْهُ أَلَّا يَتَوَانَى!!

أَلَّا يَكُفَّ عَنْ عَمَلٍ مَشِينٍ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْعَمَلَ الْمَشِينَ.

فَلْيَحْرِصِ الْمُسْلِمُ يَا عِبَادَ اللهِ!

هُنَاكَ أُمُورُ الْعَلَاقَاتِ؛ عَلَاقَةُ الْمَرْءِ بِالنَّاسِ، يَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ الْإِنْسَانُ عَلَى إِحْسَانِ الْعَلَاقَةِ بِالنَّاسِ؛ بِالصِّدْقِ، وَالْوَفَاءِ، ثُمَّ تَجَنُّبِ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَالْحِرْصِ عَلَى أَنْ يُحَاسِبَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْكَلَامِ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَثِيرًا مَا يَهْلِكُ بِكَلِمَاتِ اللِّسَانِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِمُعَاذٍ وَهُوَ يَشْرَحُ لَهُ أَمْرَ الْإِسْلَامِ.. إِلَى أَنْ قَالَ: ((أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟)).

قَالَ: ((بَلَى)).

قَالَ: ((أَمْسِكْ عَلَيْكَ هَذَا))، وَأَمْسَكَ النَّبِيُّ بِلِسَانِ نَفْسِهِ -عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ-.

قَالَ مُعَاذٌ: ((وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ يَا رَسُولَ اللهِ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ بِأَلْسِنَتِنَا؟)).

قَالَ: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!!)).

وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ يَقُولُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يُخَاطِبُ الْمُسْلِمِينَ: ((مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ -اللِّسَانُ- وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ -الْفَرْجُ- أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ)).

يَعْنِي: إِذَا أَدَّى الْفَرَائِضَ، وَتَقَرَّبَ بِالنَّوَافِلِ، وَحَفِظَ لِسَانَهُ وَفَرْجَهُ، لَا يَتَحَرَّكُ هَذَا اللِّسَانُ بِكَلَامٍ لَا يُحِبُّهُ اللهُ، وَلَا يَحْسُنُ مِنْهُ الْمُتَابَعَةُ، وَلَا يَسْتَعْمِلُ هَذَا الْفَرْجَ فِيمَا لَا يَحِلُّ لَهُ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ هَذِهِ الصِّيَانَةَ مَخَافَةً مِنَ اللهِ، وَرَغْبَةً فِي تَحْصِيلِ مَرْضَاتِهِ، يَقُولُ الْمُصْطَفَى: ((أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ)).

إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

يَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ الْوَاحِدُ عَلَى نَفْعِ الْآخَرِينَ -بِقَدْرِ الْمُسْتَطَاعِ-، إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ نَفْعَهُمْ بِالْمَالِ نَفَعَهُمْ بِإِحْسَانِ الْخُلُقِ، بِاللُّطْفِ مَعَهُمْ، يَقُولُ الْمُصْطَفَى -صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ-: ((لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَ أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ)).

احْرِصْ عَلَى التَّوَادُدِ، يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ: ((لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟)).

قَالُوا: ((بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ)).

قَالَ: ((أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ)).

يَعْنِي: سَلِّمْ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ، وَمِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ: أَنْ يَقِلَّ إِلْقَاءُ تَحِيَّةِ السَّلَامِ إِلَّا فِيمَا بَيْنَ الْمَعَارِفِ، لَا يُسَلِّمُ الْوَاحِدُ إِلَّا عَلَى مَنْ يَعْرِفُهُ، وَإِذَا مَرَّ بِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ لَا يُفَكِّرُ وَلَا يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ!!

وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَسِيرُ فِي السُّوقِ يُسَلِّمُ عَلَى هَذَا وَعَلَى هَذَا، ثُمَّ يَعُودُ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: ((نَرَاكَ تَخْرُجُ لِلسُّوقِ وَلَا تَشْتَرِي شَيْئًا!)).

فَقَالَ: ((إِنِّي أَخْرُجُ لِأُسَلِّمَ عَلَى النَّاسِ)).

إِذَنْ؛ يُحْيِي هَذِهِ الْكَلِمَةَ.

فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ: أَنْ يَقِلَّ السَّلَامُ.

النَّبِيُّ أَخْبَرَ أَنَّ إِفْشَاءَ السَّلَامِ مِنْ أَسْبَابِ الْمَحَبَّةِ، وَالنَّاسُ إِذَا صَارَ بَيْنَهُمْ تَوَادُدٌ وَمَحَبَّةٌ؛ حَصَلَ بَيْنَهُمْ تَعَاوُنٌ عَلَى الْخَيْرِ.

فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ مُهْتَمًّا بِمِثْلِ هَذِهِ الْجَوَانِبِ.

أُحِبُّ أَنْ أَذْكُرَ شَيْئًا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنِّي أَظُنُّ أَنَّ عَدَدًا مِنَ النَّاسِ يُحِبُّونَ الْعِلْمَ..

الْعِلْمُ الْحَقُّ النَّافِعُ: هُوَ أَنْ يَفْهَمَ الْإِنْسَانُ كَلَامَ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَكَلَامَ رَسُولِهِ ﷺ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْعِلْمُ الْحَقِيقِيُّ، وَجَمِيعُ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ فِي أَمْرِ الدِّينِ إِنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ فَهْمِ كِتَابِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَفَهْمِ كَلَامِ رَسُولِهِ ﷺ.

وَالْعُلَمَاءُ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ.. مِمَّا يُرْوَى عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَقُولُ:

((الْعِلْمُ: قَالَ اللهُ، قَالَ رَسُولُهُ            ***      قَالَ الصَّحَابَةُ هُمْ أُولُو التَّنْبِيهِ

مَا الْعِلْمُ نَصْبَكَ لِلْخِلَافِ سَفَاهَةً     ***      بَيْنَ الرَّسُولِ وَبَيْنَ قَوْلِ فَقِيــهِ

وَيَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ ((النُّونِيَّة)):

الْعِلْمُ: قَالَ اللهُ، قَالَ رَسُولُهُ               ***      قَالَ الصَّحَابَةُ هُمْ أُولُو التِّبْيَانِ

مَا الْعِلْمُ نَصْبَكَ لِلْخِلَافِ سَفَاهَةً     ***       بَيْنَ الرَّسُولِ وَبَيْنَ قَوْلِ فُلَانِ

أَيْ: إِنَّ الْعِلْمَ الْحَقِيقِيَّ الَّذِي يَنْفَعُكَ فِي مَسِيرِكَ، وَنَوْمِكَ، وَصَحْوِكَ، وَسَائِرِ أُمُورِكَ: أَنْ تَفْهَمَ كَلَامَ اللهِ وَكَلَامَ رَسُولِهِ ﷺ.

فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ طَالِبُ الْعِلْمِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُحَصِّلَ الْعِلْمَ عَلَى أَنْ يُكْثِرَ مُرَاجَعَةَ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللهِ ﷺ؛ فَإِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ الْقُرْآنَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ بِهِ مِنْ رَبِّهِمْ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْبَيَانِ إِنَّمَا يُعْرَفُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

وَالَّذِي يُحَصِّلُ الْعِلْمَ وَيَسْعَى لِتَحْصِيلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجْتَهِدَ فِي أَنْ يَظْهَرَ أَثَرُ الْعِلْمِ عَلَى سُلُوكِهِ؛ فِي الصِّدْقِ، وَالرِّفْقِ، وَحُبِّ الْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ، وَعَدَمِ احْتِقَارِهِمْ، وَالِاهْتِمَامِ بِإِصْلَاحِ مَا يَرَاهُ مِنْ خَلَلٍ -بِقَدْرِ الْمُسْتَطَاعِ-، أَنْ يَحْرِصَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنْ يَعْتَبِرَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَكَاسِبِ.

النَّبِيُّ ﷺ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْهِدَايَةِ فِي يَوْمِ (خَيْبَرَ) لَمَّا سَأَلَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ- عَنِ الْقِتَالِ؛ قَالَ لَهُ مَقُولَتَهُ -وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي كِتَابِ ((التَّوْحِيدِ)) لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ-، قَالَ لَهُ: ((لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِهِ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ)).

كَانَ الْعَرَبُ أَنْفَسَ أَمْوَالِهِمُ الْإِبِلُ، وَكَانَتْ أَنْفَسُ الْإِبِلِ الْإِبِلَ الْحُمْرَ، فَبَيَّنَ سَيِّدُ الْبَشَرِ أَنَّ هِدَايَةَ شَخْصٍ وَاحِدٍ عَلَى يَدِ مَنْ يَدْعُو إِلَى اللهِ أَنْفَسُ لَهُ وَأَنْفَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُحَصِّلًا أَمْوَالًا عَظِيمَةً.

فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَحْتَسِبَ ذَلِكَ -بِقَدْرِ الْمُسْتَطَاعِ-، وَإِذَا لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ يَنْبَغِي أَلَّا يَضِيقَ بَالُهُ، وَأَلَّا يَشْعُرَ بِالْحَرَجِ.

وَنَصِيحَتِي لَهُ: أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَنْ يَقْرَأَ بَابَ كِتَابِ التَّوْحِيدِ الَّذِي قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِيهِ: ((بَابٌ: مَنْ حَقَّقَ التَّوْحِيدَ دَخَلَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ))، وَفِيهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ: ((أَنَّ النَّبِيَّ عُرِضَتْ عَلَيْهِ الْأُمَمُ، فَرَأَى النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ -وَالرَّهْطُ: الْعَدَدُ دُونَ الْعَشْرَةِ، وَالرُّهَيْطُ: الْأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ قَلِيلًا-، وَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ، وَالنَّبِيَّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ)).

فَيَتَذَكَّرُ إِذَا لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ أَنَّ بَعْضَ الْأَنْبِيَاءِ مَا اسُتْجِيبَ لَهُ بَتَاتًا.

وَهَذَا نُوحٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- ظَلَّ يَدْعُو قَوْمَهُ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود: 40].

وَقَالَ هُوَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَنْ قَوْمِهِ: {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 27].

فَإِذَا نَفَعَتْ مَوْعِظَتُكَ، وَأَثَّرَتْ نَصِيحَتُكَ؛ فَهَذَا فَضْلُ اللهِ، وَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ فَإِنَّ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ.

لَكِنْ لَا تَيْأَسْ، أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ كَمَا قَالَتْ بَعْضُ بَنِي إِسْرَائِيلَ.. لَمَّا قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا}.

قَالَ الْوَاعِظُونَ النَّاصِحُونَ: {مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164].

إِعْذَارٌ إِلَى اللهِ أَنَّنَا لَمْ نَرَ الْمُنْكَرَ وَنَسْكُتْ عَنْهُ، {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}؛ مَاذَا كَانَ؟!!

قَالَ اللهُ: {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ} [الأعراف: 164].

ذَكَرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَلَمْ يَذْكُرِ الَّذِينَ كَرِهُوا وَلَكِنْ لَمْ يَفْعَلُوا.

فَمِنْ هَذَا الْمُنْطَلَقِ -أَيْضًا- تَأْتِينَا مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- قَالَ فِي الْكِتَابِ الْكَرِيمِ: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].

وَقَالَ: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].

وَيَقُولُ الْمُصْطَفَى ﷺ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)).

وَفِي لَفْظٍ آخَرَ بِهَذَا الْحَدِيثِ: ((وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ حَبَّةُ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ)).

الْإِنْسَانُ قَدْ لَا يُغَيِّرُ الْمُنْكَرَ بِيَدِهِ، إِمَّا لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قَلِيلَ الْمَعْرِفَةِ بِإِحْسَانِ تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ، أَوْ يُبْتَلَى بِمُسِيءٍ شَرِسٍ، أَوْ بِأَوَامِرَ تَمْنَعُ أَحَدًا أَنْ يُغَيِّرَ بِيَدِهِ شَيْئًا.

يَبْقَى اللِّسَانُ، إِذَا اسْتَعْمَلَ اللِّسَانَ بِحِكْمَةٍ، وَرِفْقٍ، وَشَفَقَةٍ، وَشَيْءٍ مِنَ الْمَوَدَّةِ وَالتَّوَادُدِ؛ رُبَّمَا أَثَّرَ.

اللهُ يَقُولُ: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].

وَيَقُولُ: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي}؛ طَرِيقِي وَالْأَمْرُ الَّذِي أَسِيرُ أَنَا عَلَيْهِ؛ أَنَّنِي أَدْعُو إِلَى اللهِ بِحِكْمَةٍ.. {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108].

فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ إِذَا رَأَى مُنْكَرًا، وكَانَ قَادِرًا عَلَى تَغْيِيرِهِ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي أَمْرٍ لَهُ سُلْطَةٌ عَلَيْهِ؛ يُغَيِّرُ؛ لَكِنْ -أَيْضًا- بِرِفْقٍ مُتَنَاهٍ، بِرِفْقٍ..

فَإِذَا لَمْ يُجْدِ، وَرَأَى أَنَّ الْأَمْرَ مُتَعَسِّرٌ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُغَيِّرَ؛ فَلْيَكْرَهْ بِالْقَلْبِ، لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ بِأَنْ يَقُولَ: لَا أَقْدِرُ عَلَى التَّغْيِيرِ.

كَيْفَ يَقْدِرُ؟

يَكْرَهُ هَذَا الْمُنْكَرَ، وَيَكْرَهُ الَّذِي فَعَلَهُ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ، أَمَّا أَنْ يَقُولَ: أَكْرَهُ هَذَا الْمُنْكَرَ، وَيَتَبَسَّطُ مَعَ مُرْتَكِبِهِ بِابْتِسَامَاتٍ، وَتَرْحِيبٍ، وَزِيَارَةٍ، أَوِ اسْتِزَارَةٍ؛ فَقَدْ قَالَ اللهُ: {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ..} [المجادلة: 22] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.

وَكَلِمَةُ ((مُحَادَّةِ اللهِ)) لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا: الشِّرْكَ الْأَكْبَرَ، الشِّرْكُ الْأَكْبَرُ لَا شَكَّ أَنَّهُ أَعْظَمُ الْمُحَادَّةِ؛ لَكِنْ جَمِيعُ مَا يُرْتَكَبُ مِنْ مَعَاصٍ فَهِيَ مِنَ الْمُحَادَّةِ للهِ.

فَالْإِنْسَانُ مُحْتَاجٌ لِأَنْ يُحْسِنَ التَّعَامُلَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاقِفِ، إِذَا رَأَى الْمُنْكَرَ يُبْدِي لِلشَّخْصِ الَّذِي يُرِيدُ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَخْشَى عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ، وَيَرْجُو لَهُ الْمَثُوبَةَ، وَأَنَّ مِثْلَهُ مِمَّنْ يُبْخَلُ بِهِمْ أَنْ يَقَعُوا فِي مَوَاقِعِ التُّهَمِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ.

وَإِذَا تَصَلَّبَ قَابَلَهُ بِابْتِسَامَةٍ وَإِشْفَاقٍ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَا يَقُولُ ذَلِكَ لِمَطْمَعٍ يَطْلُبُهُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَقُولُهُ شَفَقَةً عَلَيْهِ، وَرَأْفَةً بِهِ، وَخَشْيَةً أَنْ تَنْزِلَ عُقُوبَةُ اللهِ فَتُصِيبَ الشَّخْصَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

فَالْإِنْسَانُ تُمْسِكُهُ مَوَاقِفُ، يَنْبَغِي أَنْ يُحْسِنَ الْخُرُوجَ مِنْ كُلِّ مَوْقِفٍ حَرِجٍ بِمَا لَا يُعَقِّدُ الْأُمُورَ؛ وَلَكِنْ بِمَا لَا يَتْرُكُ الْمُنْكَرَ مَقْبُولًا، أَوْ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ وَلَا اسْتِنْكَارَ.

نَصِيحَتِي لِلْوَاحِدِ: أَنْ يَجْعَلَ لَهُ وَقْتًا -وَلَوْ قَلَّ- يُنَاجِي فِيهِ رَبَّهُ -جَلَّ وَعَلَا-، يَقُولُ النَّبِيُّ-عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: ((أَفْضَلُ الصَّلَاةِ مَا كَانَ فِي الْبَيْتِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ)).

فَأَفْضَلُ مَا تَكُونُ النَّوَافِلُ أَنْ تُصَلَّى فِي الْبَيْتِ، فَيَنْبَغِي لِلْوَاحِدِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ مِنْ وَقْتِهِ جُزْءًا يَسْتَغِلُّهُ بِشَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ؛ فَمَثَلًا: رَكْعَتَا الضُّحَى؛ النَّبِيُّ ذَكَرَ: ((أَنَّهُ مَا مِنْ وَاحِدٍ مِنَ الْعِبَادِ يُصْبِحُ إِلَّا وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بَذْلُ ثَلَاثِ مِائَةٍ وَسِتِّينَ صَدَقَةً)) يَوْمِيًّا.

فَقَالَ الصَّحَابَةُ: ((لَيْسَ كُلُّنَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ)).

فَقَالَ: ((إِنَّ بِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَبِكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَبِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَبِكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَإِعَانَتُكَ لِلْأَخْرَقِ عَلَى حَمْلِ مَتَاعِهِ صَدَقَةٌ، وَدَلَالَتُكَ الضَّالَّ عَنِ الطَّرِيقِ لِلطَّرِيقِ صَدَقَةٌ، ثُمَّ قَالَ: وَكَفُّكَ أَذَاكَ عَنِ النَّاسِ صَدَقَةٌ، ثُمَّ قَالَ: وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَا الضُّحَى)).

رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا الْعَبْدُ فِي الضُّحَى تَقُومَانِ مَقَامَ سِتِّينَ وَثَلَاثِ مِائَةِ صَدَقَةٍ؛ فَهَلْ نَتَعَامَلُ بِهَذَا؟

وَالضُّحَى: مِنْ بَعْدِ مَا تَرْتَفِعُ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ إِلَّا أَنْ يَقُومَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ.

لَا شَكَّ أَنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ الضُّحَى مَا كَانَ فِي وَسَطِ الضُّحَى كَمَا فِي ((صَحِيحِ مُسْلِمٍ)): ((صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرمَضُ الْفِصَالُ)).

((الْفِصَالُ)): أَوْلَادُ الْإِبِلِ الصِّغَارُ حَدِيثُو الْوِلَادَةِ، تَكُونُ خِفَافُهَا خِفَافًا لَيِّنَةً طَرِيَّةً، إِذَا سَارَتْ عَلَى الرَّمْضَاءِ تَبَيَّنَ تَأَذِّيهَا، ذَلِكَ الْوَقْتُ هُوَ أَفْضَلُ أَدَاءِ رَكْعَتَيِ الضُّحَى؛ وَلَكِنْ قَدْ لَا يَسْتَطِيعُ الْإِنْسَانُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، قَدْ يَحْتَاجُ إِلَى التَّبْكِيرِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ تُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ، قَدْ يَحْتَاجُ إِلَى التَّأْخِيرِ، يُصَلِّيهَا قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِنِصْفِ سَاعَةٍ -مَثَلًا-، أَمَّا إِذَا قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ فَهَذَا فِي وَقْتِ الْمَنْهِيَّاتِ.

يُصَلِّي شَيْئًا مِنَ التَّهَجُّدِ، ((أَقَلُّ صَلَاةِ اللَّيْلِ بَعْدَ الرَّاتِبَةِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ))، وَالْحَدِيثُ فِي ((الصَّحِيحِ))، وَخَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثٌ، وَخَيْرٌ مِنْ هَذَا خَمْسٌ، إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ، وَإِنْ زَادَ عَنْ إِحْدَى عَشْرَةَ أَوْ زَادَ عَنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، الْمُهِمُّ أَنْ يَنْتَهِيَ بِوِتْرٍ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ((اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا)).

وَقَالَ: ((صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى)) يَعْنِي: ثِنْتَيْنِ فَثِنْتَيْنِ فَثِنْتَيْنِ؛ هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ ((فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ -الْفَجْرَ- صَلَّى رَكْعَةً تُوتِرُ لَهُ مَا مَضَى)).

وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِ الصَّلَاةِ..

مَا يُقَالُ: إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً فَقَطْ؛ هَذَا كَلَامٌ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ عَنِ النَّبِيِّ نَفْسِهِ، يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ -وَهُوَ فِي ((الصَّحِيحِ)) أَنَّهَا قَالَتْ: ((مَا زَادَ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ)).

نَفْسُهَا عَائِشَةُ -أَيْضًا- فِي ((صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ)) تَقُولُ: ((كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً)).

هِيَ تَعْنِي فِي الْأَكْثَرِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: ((ثَلَاثَ عَشْرَةَ))، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَوْمَ نَامَ عِنْدَ النَّبِيِّ -لِأَنَّ زَوْجَةَ النَّبِيِّ خَالَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَأَمَرَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمُّ النَّبِيِّ.. أَمَرَ عَبْدَ اللهِ أَنْ يَنَامَ عِنْدَ النَّبِيِّ؛ حَتَّى يَرَى كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي النَّبِيُّ فِي اللَّيْلِ، ((فَصَلَّى النَّبِيُّ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ)).

لَكِنِ النَّبِيُّ وَهُوَ يُصَلِّي هَلْ يُصَلِّي كَصَلَاتِنَا؟

يُصَلِّي.. لَمَّا كَبُرَ وَثَقُلَ صَارَ يَبْقَى جَالِسًا، فَإِذَا قَرَأَ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ وَكَمَّلَ الْبَاقِيَ قَائِمًا؛ وَلَكِنْ كَانَ  إِذَا رَكَعَ يَرْكَعُ رُكُوعًا طَوِيلًا قَرِيبًا مِنْ وُقُوفِهِ، ثُمَّ يَرْفَعُ مِنَ الرُّكُوعِ وَيَقِفُ وُقُوفًا طَوِيلًا قَرِيبًا مِنْ رُكُوعِهِ، وَهَكَذَا.

فَالْقَصْدُ أَنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي يَقُولُ: لَنْ أَتَجَاوَزَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ؛ يَنْبَغِي أَنْ يُطِيلَ كَمَا أَطَالَ النَّبِيُّ؛ بِحَيْثُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ -مَثَلًا- ثَلَاثَ صَفْحَاتٍ مِنَ الْمُصْحَفِ؛ حَتَّى يَكُونَ تَهَجُّدُهُ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَقِلُّ عَنْ جُزْأَيْنِ -مَثَلًا-.

لَكِنْ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيُصَلِّ وَلَوْ رَكْعَةً وَاحِدَةً يَلْتَزِمُهَا كُلَّ لَيْلَةٍ، وَيَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ، وَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ، يَسْأَلُ رَبَّهُ أَنْ يُثَبِّتَهُ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ، أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْهِ دِينَهُ، وَأَنْ يُجِيرَهُ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.

النَّبِيُّ أَخْبَرَ أَنَّ فِتَنًا تَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ؛ فَقَدْ رَأَيْنَا شَيْئًا كَثِيرًا مِنْهَا -وَنَسْأَلُ اللهَ الْعَافِيَةَ-، ((يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا)).

وَالنَّبِيُّ -كَمَا فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَهُوَ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ))- يَقُولُ: ((كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، قُلْتُ: كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ جَهْلَاءَ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ؛ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟)).

قالَ: ((نَعَمْ))

فَقُلْتُ: ((وَهَلَ بَعْدَ هَذَا الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟)).

قَالَ: ((نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ)).

قُلْتُ: ((وَمَا دَخَنُهُ؟)).

قَالَ: ((أُنَاسٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ)).

قُلْتُ: ((وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ)).

قَالَ: ((نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَيْهَا، مَنْ أَجَابَهُمْ قَذَفُوهُ فِيهَا)).

وَوَقْتُنَا هَذَا وَقْتُ دَعَايَاتٍ وَاسِعَةِ الْمَجَالِ؛ فِي أَمْرِ الِاعْتِقَادِ، فِي أَمْرِ الْمُؤَاخَاةِ؛ يَعْنِي: الْإِنْسَانُ أَخُ الْإِنْسَانِ، لَا؛ الْأُخُوَّةُ الْحَقِيقِيَّةُ أُخُوَّةُ الْإِيمَانِ، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].

لَا يَصِحُّ أَنْ نَقُولَ: ذَلِكَ الْوَثَنِيُّ، أَوْ ذَلِكَ النَّصْرَانِيُّ، أَوْ ذَلِكَ الْيَهُودِيُّ أَخُونَا، لَا شَكَّ هُوَ يَشْتَرِكُ مَعَنَا فِي الْآدَمِيَّةِ؛ لَكِنْ لَيْسَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ أُخُوَّةٌ، الْأُخُوَّةُ الْحَقَّةُ أُخُوَّةُ الْإِيمَانِ.

أُمُورٌ فِي زَمَنِنَا هَذَا اعْتَرَاهَا مَا اعْتَرَاهَا مِنْ إِضْعَافٍ لِجَانِبِ الدِّينِ، وَمِنْ دَعَوَاتٍ فِيهَا شَرٌّ وَبَلَاءٌ وَفِتَنٌ، لَا فِي الْأَخْلَاقِ فَقَطْ، وَلَا فِي أَمْرِ الصَّلَاةِ وَتَرْكِهَا، بَلْ فِي الْعَقِيدَةِ، هَذَا يُؤْمِنُ بِوُجُودِ اللهِ، وَهَذَا الْيَهُودِيُّ يُؤْمِنُ بِوُجُودِ اللهِ، إِذَنْ؛ إِخْوَةٌ!! لَا.. الْأُخُوَّةُ الْحَقَّةُ فِي الدِّينِ.. فِي الْإِيمَانِ الْحَقِيقِيِّ، الْمُوَالَاةُ عَلَى وَفْقِ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.

يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يُعَوِّدُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِمَعْرِفَةِ أَمْرِ دِينِهِمْ.

لَا يُوجَدُ دِينَانِ فِي الدُّنْيَا الْآنَ، {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، وَمَا سِوَاهُ مِنْ أَيِّ تَدَيُّنٍ فَهُوَ تَدَيُّنٌ بَاطِلٌ، لَا يَهُودِيَّةَ، وَلَا نَصْرَانِيَّةَ، وَلَا وَثَنِيَّةَ، جَمِيعُ التَّدَيُّنَاتِ غَيْرَ دِينِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَاللهُ يَقُولُ: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85].

وَاللهُ لَمَّا بَعَثَ مُحَمَّدًا بَعَثَهُ لِلْبَشَرِيَّةِ عَامَّةً، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ: ((مَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ يَعْلَمُ بِي ثُمَّ لَا يُؤْمِنُ بِي إِلَّا كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ)).

فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَدْيَانَ كُلَّهَا أَدْيَانٌ بَاطِلَةٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ الَّتِي بُعِثَ بِهَا مُحَمَّدٌ ﷺ.

أَمَّا التَّعَامُلُ مِمَّا تَقْتَضِيهِ الْحَالُ رَغْمًا عَنِ الْإِنْسَانِ وَمِنْ دُونِ رِضَاهُ؛ فَلْيَحْرِصْ عَلَى أَنْ يَتَعَامَلَ مَعَ النَّاسِ تَعَامُلَ الْمُسْتَجْلِبِ لَهُمْ بِأَخْلَاقِهِ وَآدَابِهِ، وَرِفْقِهِ وَحُبِّهِ الْخَيْرَ لَهُمْ.

فَلْتَحْرِصْ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُ- عَلَى الِاهْتِمَامِ بِنَفْسِكَ، ثُمَّ بِأَهْلِ بَيْتِكَ؛ بِحُسْنِ رِعَايَتِهِمْ، وَجَمِيلِ إِرْشَادِهِمْ، وَتَفَقُّدِ أَحْوَالِهِمْ، ثُمَّ الشَّبِيبَةُ، يَنْبَغِي لِمَنْ لَدَيْهِ شَبَابٌ مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ أَنْ يُحْسِنَ رِعَايَتَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ رِجَالُ الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُنَّ نِسَاءُ الْمُسْتَقْبَلِ، إِنْ صَلُحُوا عُمِرَتِ الْبُيُوتُ بِالْعَفَافِ وَالتُّقَى وَحُسْنِ التَّرْبِيَةِ، وَعُمِرَتِ الْحَيَاةُ الرُّجُولِيَّةُ بِالرِّجَالِ الَّذِينَ يُحْسِنُونَ بِنَاءَ الْمُجْتَمَعِ عَلَى الْأَخْلَاقِ وَمَكَارِمِهَا، وَالْعِفَّةِ وَالْكَرَامَةِ، وَالْإِحْسَانِ، وَتَقْوَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-.

وَقَدْ قَالَ الْمُصْطَفَى: ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ -يَعْنِي: الْمَلِكُ أَوْ رَئِيسُ الدَّوْلَةِ- رَاعٍ)).

مِسْكِينٌ الَّذِي يَتَحَمَّلُ أَمْرَ الرَّعِيَّةِ كُلِّهَا، يَحْتَاجُ لِأَنْ يُدْعَى لَهُ أَنْ يُوَفِّقَهُ اللهُ لِحُسْنِ الِاخْتِيَارِ؛ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ((إِذَا أَرَادَ اللهُ بِالْوَالِي أَوْ بِالسُّلْطَانِ خَيْرًا هَيَّأَ لَهُ بِطَانَةً صَالِحَةً تُعِينُهُ إِذَا ذَكَرَ، وَتُذَكِّرُهُ إِذَا نَسِيَ، وَإِذَا أَرَادَ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَتْ لَهُ بِطَانَةٌ سَيِّئَةٌ، إِنْ ذَكَرَ ثَبَّطَتْهُ، وَإِنْ غَفَلَ أَعَانَتْهُ عَلَى هَذِهِ الْغَفْلَةِ))، وَالتَّوْفِيقُ بِيَدِ اللهِ.

لَكِنِ الْأَفْرَادُ مَسْؤُولُونَ عَنْ بُيُوتِهِمْ، وَالنِّسَاءُ مَسْؤُولَاتٌ عَنْ بُيُوتِهِنَّ، قَالَ النَّبِيُّ: ((وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي بَيْتِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا)).

فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمَرْأَةُ لَهَا وَضْعٌ مُهِمٌّ جِدًّا؛ تَرْبِيَةُ النَّاشِئَةِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، تَرْبِيَةُ الْبَنَاتِ عَلَى الْعِفَّةِ وَالْكَرَامَةِ، وَالْحَيَاءِ وَالسِّتْرِ، وَجَمِيلِ الصِّيَانَةِ، وَتَحْرِيرِهِنَّ مِنَ الِاخْتِلَاطِ بِالرِّجَالِ، وَأَنْ تَكُونَ سَيِّدَةُ الْمَنْزِلِ وَرَبَّةُ الْبَيْتِ تَخَافُ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- بِصِدْقٍ، وَتُحْسِنُ تَرْبِيَةَ نَاشِئَتِهَا.

تُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى هَذِهِ الرَّعِيَّةِ، وَعَلَيْهِ مَسْؤُولِيَّةٌ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ، مَسْؤُولِيَّتُهُ عَنْهَا، وَمَسْؤُولِيَّتُهُ عَمَّنْ يَكُونُ خَارِجَ الْمَنْزِلِ، فَإِذَا وُجِدَ التَّعَاوُنُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ مَعَ حُسْنِ الْإِرَادَةِ، مَعَ صَادِقِ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ -جَلَّ وَعَلَا-؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُصْلِحَ أَوْلَادَهُ هُوَ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَجْعَلَ بَنَاتِهَا عَفِيفَاتٍ كَرِيمَاتٍ، عَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى، وَتَبْذُلَ الْوُسْعَ، وَتَبْتَهِلَ، وَيَبْتَهِلَ الرَّجُلُ إِلَى اللهِ بِأَنْ يَحْفَظَ عَلَيْهِ هَذِهِ الذُّرِّيَّةَ، هَذِهِ زِينَةُ الْحَيَاةِ كَمَا قَالَ -جَلَّ وَعَلَا-: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46].

 وَالتَّوْفِيقُ بِيَدِ اللهِ..

 لَا أُحِبُّ أَنْ أَسْتَطِيلَ، يَبْدُو أَنَّ هُنَاكَ أَسْئِلَةً.

 لَكِنِّي أَسْأَلُ اللهَ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الَّذِي جَمَعَنَا فِي هَذَا الْمَكَانِ وَفِي هَذِهِ الْأُمْسِيَةِ الْمُبَارَكَةِ أُمْسِيَةِ هَذِهِ الْجُمُعَةِ.. أَسْأَلُ الَّذِي جَمَعَنَا بِهَذَا أَنْ يَجْعَلَنَا جَمِيعًا مِمَّنْ  يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، وَأَنْ يَغْفِرَ لَنَا زَلَّاتِنَا، وَيُسَدِّدَنَا فِي أُمُورِنَا كُلِّهَا، وَأَنْ يَغْفِرَ لِأَمْوَاتِنَا وَأَحْيَائِنَا، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا جَمِيعًا لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَأَنْ يَجْعَلَ أَحَبَّ الْأُمُورِ إِلَيْنَا طَاعَتَهُ، وَاتِّبَاعَ رَسُولِهِ ﷺ، وَالصِّدْقَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَأَلَّا يَكِلَنَا إِلَى أَنْفُسِنَا.

بَلْ نَسْأَلُهُ -جَلَّ وَعَلَا- جَمِيلَ اللُّطْفِ، وَقُوَّةَ الْإِعَانَةِ، وَأَنْ يُحَبِّبَ لَنَا جَمِيعًا  الْإِيمَانَ، وَيُزَيِّنَهُ فِي قُلُوبِنَا، وَأَنْ يُكَرِّهَ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ.

كَمَا أَسْأَلُهُ بِأَسْمَائِهِ -جَلَّ وَعَلَا- وَصِفَاتِهِ أَنْ يُعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يُذِلَّ الْكُفْرَ وَالْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، وَأَنْ يَحْمِيَ حَوْزَةَ الدِّينِ، وَأَنْ يَجْعَلَ بِلَادَنَا بِلَادًا آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً، وَأَنْ يَحْفَظَ عَلَيْهَا دِينَهَا وَدُنْيَاهَا، وَأَنْ يُوَفِّقَ مَنْ تَوَلَّى أَمْرَهَا لِمُرَاقَبَةِ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا- فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَأَنْ يُوَفِّقَهُ لِلْأَخْذِ عَلَى أَيْدِي دُعَاةِ التَّغْرِيبِ وَمَنْ يَسْعَوْنَ لِصَبْغِ الْبِلَادِ بِالصِّبْغَةِ الْغَرْبِيَّةِ، وَأَنْ يُحْسِنَ مُعَامَلَتَهُمْ بِالْحَزْمِ وَإِظْهَارِ الْغَيْرَةِ عَلَى هَذَا الدِّينِ؛ فَإِنَّ الدِّينَ إِذَا لَمْ يَغَرْ عَلَيْهِ أَهْلُهُ أَوْشَكَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْ يَسْتَبْدِلَهُمْ بِغَيْرِهِمْ، كَمَا قَالَ: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [محمد: 38].

كَمَا نَسْأَلُ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ أَنْ يَكْشِفَ الْغُمَّةَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي بَلَاءٍ وَمِحْنَةٍ فِي سُورِيَّا -مَثَلًا-، أَوْ فِي بِلَادِ شَرْقِ آسْيَا، أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ هَذِهِ الْبَلِيَّةَ، وَأَنْ يُعَاجِلَهُمْ بِالْفَرَجِ، وَأَنْ يُرِيَنَا فِي الطَّاغِيَةِ النُّصَيْرِيِّ الْخَبِيثِ بَشَّارٍ -الَّذِي هُوَ مِنْ بَقَايَا الدَّوْلَةِ الْفَاطِمِيَّةِ فِي الْعَقِيدَةِ- أَنْ يُرِيَنَا فِيهِ وَفِي حِزْبِهِ وَمَنْ يُعِينُهُ عَجَائِبَ قُدْرَتِهِ، وَأَنْ يُرِيَنَا فِي الدَّوْلَةِ الْفَاجِرَةِ الْخَبِيثَةِ الرُّوسِيَّةِ تَصَدُّعَ بِنَائِهَا، وَتَفَلُّتَ الْحَبْلِ مِنْ يَدَيْهَا، وَفَسَادَ أَمْرِهَا، وَمِثْلُهَا فِي الصِّينِ وَفِي كُلِّ مَنْ يَسْعَى  لِإِعَانَةِ هَذَا النَّجِسِ الْمُلْحِدِ الْفَاجِرِ.

كَمَا نَسْأَلُهُ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْ يُرِيَنَا -أَيْضًا- فِي إِيرَانَ الرَّافِضِيَّةِ عَجَائِبَ قُدْرَتِهِ، وَفِي الْحِزْبِ الْفَاجِرِ الْخَبِيثِ فِي لُبْنَانَ، وَفِي الْحُكُومَةِ الرَّافِضِيَّةِ فِي الْعِرَاقِ؛ أَنْ يُبَدِّلَهَا بِمَنْ يُعَظِّمُ السُّنَّةَ، وَيُجِلُّ الصَّحَابَةَ، وَيَتَرَضَّى عَنْهُمْ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّ بُغْضَ الصَّحَابَةِ إِلْحَادٌ وَكُفْرٌ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يُبْغِضَ الصَّحَابَةَ مُؤْمِنٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَمَنْ أَبْغَضَ الصَّحَابَةَ فَاعْرِفُوا أَنَّهُ لَا دِينَ لَهُ.

كَمَا نَسْأَلُهُ -جَلَّ وَعَلَا- بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ أَلَّا يَجْعَلَ هَذَا اللِّقَاءَ آخِرَ لِقَاءٍ لَنَا فِي وُجُوهِ خَيْرٍ وَبِرٍّ، وَأَنْ يُهَيِّئَهُ لَنَا فِي أَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَأَنْ يُصْلِحَ حَالَنَا وَحَالَ بِلَادِنَا، وَأَنْ يَغْفِرَ لِأَمْوَاتِنَا، وَيَرْحَمَهُمْ بِرَحْمَتِهِ، وَأَنْ يُصْلِحَ ذُرِّيَاتِنَا، وَأَنْ يَنْصُرَ الْمُسْلِمِينَ بِالْحَقِّ لَا بِالضَّلَالِ، إِنَّهُ مُجِيبُ الدُّعَاءِ.

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

التعليقات


خطب مفرغة قد تعجبك


  • شارك