((خَطَرُ الْمُنَافِقِينَ عَلَى الْأُمَّةِ))
الخُطْبَةُ الأُولَى:
أمَّا بَعدُ:
((مَوَاقِفُ النَّاسِ تِجَاهَ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ))
فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- حَقَّ التَّقْوَى.
عِبَادَ اللهِ! بَيَّنَ اللهُ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ مَوقِفَ الخَلْقِ مِمَّا بَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ، وَأَنَّهُمْ انْقَسَمُوا إِلَى أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٍ:
* فَكَافِرٍ؛ أَعلَنَ كُفرَهُ وَرَفضَهُ لِلْإِسْلَامِ وَعَدَمَ انقِيَادِهِ لَهُ، وَأَعلَنَ عَنْ مَوقِفِهِ الوَاضِحِ، كُفْرٌ بِاللهِ، وَعَدَمُ انقِيَادٍ لِشَرْعِ اللهِ.
* وَمُؤمِنٌ؛ آمَنَ بِاللهِ إِيمَانًا صَادِقًا، إِيمَانًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا؛ فَهُوَ المُؤمِنُ الصَّادِقُ فِي أَقْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ.
* وَهُنَاكَ قِسْمٌ ثَالِثٌ هُمْ شَرُّ الخَلْقِ عَلَى الإِطْلَاقِ، آمَنَت أَلسِنَتُهُم وَكَفَرَت قُلُوبُهُم، آمَنُوا ظَاهِرًا وَكَفَرُوا بَاطِنًا، تَظَاهَرُوا بِالإِسْلَامِ، وَفِي نَفْسِ الوَقْتِ هُمْ أَعْدَاؤُهُ الأَلِدَّاءُ، وَهُمْ خُصُومُهُ، وَهُمْ ضِدُّ الإِسْلَامِ وَضِدُّ أَهلِهِ، انتَسَبُوا إِلَى الإِسْلَامِ، وَلَكِنَّهَا النِّسْبَةُ الَّتِي أَرَادُوا بِهَا عِصْمَةَ دِمَائِهِم وَأَموَالِهِم، وَاللهُ يَعلَمُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ.
إِذَا حَدَّثُوكَ رَأَيْتَ حَدِيثًا جَيِّدًا وَقَولًا طَيِّبًا، وَلَكِن لَيسَ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ فَهَذَا القَولُ الطَّيِّبُ بَاطِنُهُ الكُفْرُ وَالضَّلَالُ، لَكِن يَتَظَاهَرُونَ أَحْيَانًا بِالحَقِّ وَكَلِمَةِ الحَقِّ وَالدَّعْوَةِ إِلَى الخَيْرِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى الإِصْلَاحِ وَالدَّعْوَةِ.. وَلَكِن يَعلَمُ اللهُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ المَقَالِ مِنْ كُفْرٍ وَضَلَالٍ، وَعَدَاءٍ لِلهِ وَرَسُولِهِ وَلِلمُسلِمِينَ جَمِيعًا.
((خَصَائِصُ الْمُنَافِقِينَ وَسِمَاتُهُمْ))
أَيُّهَا المُسلِمُ! لَا تَستَكثِرْ هَذَا؛ فَهَؤُلَاءِ المُنَافِقُونَ فِي عَهدِ النَّبِيِّ ﷺ طَالَمَا آذَوُا الْمُسلِمِينَ، طَالَمَا آذَوْا نَبِيَّهُم، وَآذَوْا أَصْحَابَهُ، وَبَذَلُوا كُلَّ جُهدٍ فِي سَبِيلِ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- رَدَّ كَيدَهُم فِي نُحُورِهِم، وَكَشَفَ أَسْتَارَهُم، وَبَيَّنَ ضَلَالَتَهُم، وَأَوْضَحَ لِلمُسلِمِينَ صِفَاتِهِم وَأَخْلَاقَهُم؛ لِيَكُونَ المُسلِمُونَ عَلَى حَذَرٍ مِنهُم.
قَالَ -تَعَالَى-: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: 30].
المُنَافِقُ تَعرِفُهُ، يُحِبُّ الذُّلَّ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ؛ ﴿إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ ۖ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَّهُمْ فَرِحُونَ﴾ [التوبة: 50].
إِذَنْ؛ فَالمُنَافِقُ يَفرَحُ لِلْإِسْلَامِ بِالذُّلِّ وَالهَوَانِ، وَالمُنَافِقُ يَفرَحُ بِأَذَى المُسلِمِينَ، وَالمُنَافِقُ يَسْعَى فِي إِيذَاءِ الأُمَّةِ، وَالمُنَافِقُ يَسْعَى فِي التَّشْكِيكِ وَالشُّبَهِ، وَالمُنَافِقُ يَسْعَى فِي الأَرضِ فَسَادًا، وَالمُنَافِقُ لَا يُرَى مِنْهُ خَيرٌ وَلَا يُؤَمَّلُ مِنْهُ خَيرٌ.
قَالَ -تَعَالَى-: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ﴾ [المنافقون: 4].
إِذَا حَدَّثُوكَ أَصغَيتَ لِحَدِيثِهِم، تَظُنُّ ذَلِكَ صِدْقًا وَحَقًّا، وَتَظُنُّ ذَلِكَ خَيرًا وَهُدَى، وَلَكِن إِذَا قَرَأْتَ مَا وَرَاءَ السُّطُورِ وَجَدتَ ذَلِكَ كَذِبًا وَبُهتَانًا وَنِفَاقًا، وَأَنَّهُم يُبطِنُونَ لِلْإِسْلَامِ وَأَهلِهِ كُلَّ شَرٍّ وَبَلَاءٍ، لَيسَ فِي قُلُوبِهِم رَحمَةٌ لِلأُمَّةِ، وَلَكِنَّهُم يَسعَونَ فِي الأَرضِ فَسَادًا، مُشَابِهِينَ لِإِخْوَانِهِم اليَهُودِ الَّذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِم: ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [المائدة: 64].
قَرَنَ اللهُ بَينَهُم وَبَينَ اليَهُودِ، وَجَعَلَ بَينَهُم أُخُوَّةً فِي البَاطِلِ؛ ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الحشر: 11].
((مُعَانَاةُ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ))
هَذَا الضَّرْبُ مِنَ النَّاسِ كَم عَانَتِ الأُمَّةُ مِنهُم مِنْ ضَرَرٍ، وَكَم جَرَّ عَلَيهَا مِنْ بَلَاءٍ، يُحسَبُونَ عَلَى الأُمَّةِ وَهُمْ بَعِيدُونَ كُلَّ البُعْدِ عَنِ الأُمَّةِ وَعَنْ قِيَمِهَا وَفَضَائِلِهَا وَأَخْلَاقِهَا.
يَقُولُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- مُبَيِّنًا حَالَهُم: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [البقرة: 204-206].
تَأَمَّلْ -أَخِي- هَذِهِ الآيَةَ حَقَّ التَّأَمُّلِ؛ لِيَنْجَلِيَ الأَمْرُ أَمَامَكَ، وَلِيَكُونَ الأَمْرُ وَاضِحًا أَمَامَكَ، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾: يُعْجِبُكَ هَذَا القَوْلُ، يَأْتِي بِأَلْفَاظٍ طَيِّبَةٍ وَكَلِمَاتٍ مَعسُولَةٍ تَظُنُّهَا خَيْرًا وَصِدْقًا، وَلَكِن إِذَا تَأَمَّلتَ وَجَدتَ الأَمْرَ عَلَى خِلَافِ مَا تَظُنُّ، وَرَأَيْتَ البَاطِلَ وَالكُفْرَ وَالضَّلَالَ، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ﴾، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾.
إِذَنْ؛ المُنَافِقُ لَا يَسْعَى بِالخَيْرِ، وَالمُنَافِقُ لَا يَدعُو إِلَى خَيرٍ، وَالمُنَافِقُ لَا يُرْجَى مِنْهُ خَيرٌ، وَالمُنَافِقُ خُلُقُهُ الفَسَادُ وَالإِفْسَادُ وَالضَّلَالُ، وَنَشْرُ كُلِّ بَاطِلٍ بَينَ الأُمَّةِ.
((هِدَايَةُ الْإِسْلَامِ لِلْبَشَرِيَّةِ))
إِنَّ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- بَعَثَ مُحَمَّدًا ﷺ وَالعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّةٍ جَهْلَاءَ وَضَلَالَةٍ عَميَاءَ، لَا يَعرِفُونَ مَعرُوفًا وَلَا يُنكِرُونَ مُنكَرًا، لَم تَستَطِعْ لُغَتُهُمْ أَنْ تُوَحِّدَهُمْ، وَلَم تَستَطِعْ أَنسَابُهُمْ أَنْ تُوَحِّدَهُمْ، وَلَم تَستَطِعْ أَوطَانُهُمْ أَنْ تَجمَعَ كَلِمَتَهُمْ، كَانُوا قَبْلَ الإِسْلَامِ فِي حُرُوبٍ طَاحِنَةٍ وَفَوضَى ضَارِبَةٍ بِأَطْنَابِهَا، لَا يَخضَعُونَ لِأَحَدٍ، كُلٌّ يَرَى نَفْسَهُ الزَّعِيمَ وَالقَائِدَ، وَكُلٌّ يَرَى نَفْسَهُ أَنَّهُ كَذَا وَكَذَا، فَكَانُوا فِي فَوضَى دَائِمَةٍ.
فَجَاءَ اللهُ بِالإِسْلَامِ، فَانتَشَلَهُم مِنْ غَوَايَتِهِم، وَبَصَّرَهُم مِنْ عَمَاهُمْ، وَجَمَعَهُمْ بَعْدَ فُرْقَتِهِم، وَوَحَّدَ بَيْنَهُمْ بَعْدَ شَتَاتِهِم، فَجَعَلَهُم الأُمَّةَ الوَاحِدَةَ الَّتِي تَخْضَعُ لِشَرْعِ اللهِ، وَتَنقَادُ لِدِينِ اللهِ، وَأَرْشَدَهُم إِلَى أَنْ تَكُونَ لَهُمْ قِيَادَةٌ تَجْمَعُ شَملَهُمْ، وَتُوَحِّدُ صَفَّهُمْ، وَيَخْضَعُونَ لَهَا خُضُوعًا لِشَرْعِ اللهِ؛ حَتَّى تَكُونَ أُمُورُهُم مُنتَظِمَةً غَايَةَ الِانتِظَامِ، وَسِيرَتُهُمْ عَلَى أَحسَنِ حَالٍ، فَجَاءَ الإِسْلَامُ لِيَقُولَ لِلمُسلِمِينَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء: 59]، كُلُّ ذَلِكَ لِأَنَّ طَاعَةَ اللهِ وَطَاعَةَ رَسُولِهِ هِيَ الأَصْلُ، وَطَاعَةُ وَلِيِّ الأَمْرِ هِيَ سَبَبٌ لِانتِظَامِ الأُمَّةِ فِي مَصَالِحِ دِينِهَا وَدُنيَاهَا، وَسَعَادَتِهَا فِي دُنيَاهَا وَآخِرَتِهَا؛ لِأَنَّ الأُمَّةَ إِذَا لَم تَكُنْ لَهَا قِيَادَةٌ تَجْمَعُهَا وَتَسِيرُ بِهَا عَلَى الخَيْرِ عَاثَتِ الفَوْضَى وَالضَّلَالُ.
((سَلَامَةُ مَنْهَجِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ وَوُضُوحُهُ))
أَيُّهَا المُؤْمِنُ! إِنَّ المُؤمِنَ حَقًّا إِذَا تَدَبَّرَ الأَمْرَ وَجَدَ أَنَّ أَهلَ الإِيمَانِ أَهلُ وُضُوحٍ فِي الرُّؤيَةِ، أَهلُ وُضُوحٍ فِي المَنْهَجِ، أَهلُ وُضُوحٍ فِي الطَّرِيقِ، أَهلُ الإِيمَانِ أَمْرُهُم وَاضِحٌ جَلِيٌّ، إِيمَانٌ صَادِقٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَقَوْلٌ صَادِقٌ وَعَمَلٌ حَقٌّ، أَمْرُهُم وَاضِحٌ، رُؤْيَتُهُمْ وَاضِحَةٌ، لَيْسُوا كَالمَنَاهِجِ المُتَعَدِّدَةِ الَّتِي لَهَا بَاطِنٌ وَظَاهِرٌ، ظَاهِرُهَا شَيءٌ وَبَاطِنُهَا شَيءٌ آخَرُ، تِلكَ الأَحزَابُ الضَّالَّةُ المُنحَرِفَةُ عَنِ الطَّرِيقِ المُستَقِيمِ؛ وَلِذَا حَذَّرَنَا اللهُ مِنَ الانقِسَامِ وَالفُرْقَةِ، فَقَالَ: ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: 32].
تِلكَ الأُمُورُ إِذَا خَالَفَتِ الشَّرْعَ، وَالدَّعَوَاتُ إِذَا لَم تَسلُكِ المَسلَكَ الشَّرعِيَّ؛ تَرَاهَا مُتَنَاقِضَةً فِي فِكْرِهَا، مُضطَرِبَةً فِي مَنْهَجِهَا، لَهَا فِي البَاطِنِ أَسْرَارٌ وَأُمُورٌ، وَلَهَا فِي الظَّاهِرِ لِسَانٌ، فِي البَاطِنِ لَهَا لِسَانٌ، وَفِي الظَّاهِرِ لَهَا لِسَانٌ، لِسَانُهَا فِي الظَّاهِرِ شَيءٌ، وَلِسَانُهَا فِي بَاطِنِ أَمْرِهَا شَيءٌ آخَرُ، يُظْهِرُونَ مَا لَا يَكْتُمُونَ، وَيُبْدُونَ خِلَافَ مَا يَعتَقِدُونَ، إِنَّهُمْ -وَالعِيَاذُ بِاللهِ- فِي ضَلَالٍ وَخَطَأٍ وَتَصَوُّرَاتٍ ضَالَّةٍ.
أَمَّا المُؤْمِنُ فَرُؤيَتُهُ لِلأُمُورِ وَاضِحَةٌ، تَرَاهُ جَلِيًّا فِي أَمْرِهِ وَاضِحًا فِي أُسْلُوبِهِ، وَلِذَا مُحَمَّدٌ ﷺ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ كَانَ يَتَعَبَّدُ بِغَارِ حِرَاءٍ، فَلَمَّا جَاءَهُ الوَحْيُ وَأَمَرَهُ اللهُ بِالبَلَاغِ: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الحجر: 94]؛ كَانَ يَأْتِي لِلعَرَبِ فِي أَندِيَتِهَا وَمُجتَمَعَاتِهَا يَعرِضُ عَلَيهِم شَرْعَ اللهِ، وَيَدعُوهُم إِلَى دِينِ اللهِ، وَيُعلِنُ حَقِيقَةَ مَا بَعَثَهُ اللهُ بِهِ مِنَ الهُدَى وَدِينِ الحَقِّ، وَيَقْرَأُ القُرآنَ وَيَدعُو إِلَى الدِّينِ.
كَانَت دَعوَتُهُ وَاضِحَةً، يَعلَمُهَا عَدُوُّهُ وَمَنِ اتَّبَعَهُ، يَعلَمُونَ حَقِيقَةَ مَا جَاءَ بِهِ، وَأَنَّهُ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، وَأَنَّهُ الَّذِي لَم يُجَرَّبْ عَلَيْهِ كَذِبٌ وَلَا خِيَانَةٌ، بَل هُوَ الصَّادِقُ الأَمِينُ ﷺ؛ وَلِذَا يَقُولُ اللهُ: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: 33].
فَأَمْرُهُ وَاضِحٌ، وَهَكَذَا أَتبَاعُ سُنَّتِهِ وَالمُتَمَسِّكُونَ بِمَنْهَجِهِ، هُمْ عَلَى وُضُوحٍ فِي دَعوَتِهِم ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، يَقُولُونَ مَا يَعتَقِدُونَ، وَيَدعُونَ إِلَى مَا يَعمَلُونَ؛ فَلَا يَكتُمُونَ شَيئًا وَيُظهِرُونَ أَشيَاءَ، وَلَا يَتَقَلَّبُونَ فِي مَنَاهِجِهِم، وَلَا يَضطَرِبُونَ فِي خُطَطِهِم، بَل هُمْ عَلَى مَنْهَجٍ وَاحِدٍ وَطَرِيقٍ مُستَقِيمٍ، ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾ [الأنعام: 153].
أَيُّهَا المُسلِمُ! إِنَّ المُؤمِنَ حَقًّا هُوَ الَّذِي يُوَالِي رَبَّهُ وَدِينَهُ وَأُمَّتَهُ؛ يُوَالِي رَبَّهُ بِمَحَبَّتِهِ، وَطَاعَتِهِ لَهُ، وَقِيَامِهِ بِمَا أَوْجَبَ عَلَيهِ، يُوَالِي هَذَا الدِّينَ بِنَصرِ هَذَا الدِّينِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَيهِ، وَالتَّمَسُّكِ بِهِ، وَتَحكِيمِهِ وَالتَّحَاكُمِ إِلَيهِ، يُوَالِي أُمَّةَ الإِسْلَامِ بِأَنْ يُحِبَّ لَهُمُ الخَيْرَ، وَيَسعَى فِي تَثبِيتِ الخَيْرِ فِي نُفُوسِهِم، وَيَكْرَهُ لَهُمُ الشَّرَّ وَالبَلَاءَ، وَلَا يَرضَى فِيهِم بِنَقِيصَةٍ وَلَا هَوَانٍ، بَل هُوَ بَعِيدٌ كُلَّ البُعدِ عَمَّا يُسِيءُ إِلَى الأُمَّةِ فِي حَاضِرِهَا وَمُستَقبَلِهَا.
يُوَالِي وَطَنَهُ المُسلِمَ فَيَحْمِيهِ مِنْ كَيْدِ الكَائِدِينَ وَحِقْدِ الحَاقِدِينَ، وَيَتَصَوَّرُ دُعَاةَ السُّوءِ وَالضَّلَالِ وَأَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِالأُمَّةِ خَيْرًا، وَلَا يَهدِفُونَ خَيْرًا، وَلَا يُحَقِّقُونَ خَيْرًا، بَل هُوَ لَا يُصغِي لِلأَقْوَالِ الضَّالَّةِ وَلَا لِلمَبَادِئِ الخَطِيرَةِ وَلَا لِلأَفْكَارِ المُنحَرِفَةِ، لَا يُصغِي لِشَيءٍ مِنْ ذَلِكَ، دِينُهُ يَمنَعُهُ وَيَحْجِزُهُ، دِينُهُ يَمنَعُهُ عَنِ البَاطِلِ وَعَنْ سَمَاعِ البَاطِلِ وَعَنْ طَاعَةِ أَهلِ الأَهوَاءِ وَالضَّلَالَاتِ، دِينُهُ يَحْجِزُهُ عَنْ ذَلِكَ، دِينُهُ يَدْعُوهُ إِلَى حُبِّ الخَيْرِ لِنَفْسِهِ وَحُبِّ الخَيْرِ لِإِخْوَانِهِ المُسلِمِينَ: ((لَا يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
المُؤمِنُونَ بَعضُهُمْ أَولِيَاءُ بَعْضٍ، نَصِيحَةً وَتَوجِيهًا وَدَعْوَةً وَإِصْلَاحًا، ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [التوبة: 71]، وِلَايَةُ بَعضِهِم لِبَعضٍ فِيهَا النُّصْحُ وَالتَّوجِيهُ وَحُبُّ الخَيْرِ وَالسَّعيُ فِي الخَيرِ.
أَمَّا مَنْ يَدَّعِي خِلَافَ ذَلِكَ بِأَنْ يَجعَلَ هَمَّهُ إِلْحَاقَ الأَذَى بِالأُمَّةِ، وَتَسْبِيبَ الشَّرِّ لِلأُمَّةِ، وَإِحْدَاثَ الفَوضَى بَينَ صُفُوفِ الأُمَّةِ؛ فَذَاكَ القَوْلُ البَاطِلُ وَالتَّصَوُّرُ الخَاطِئُ، وَالأُمَّةُ -وَلِلهِ الحَمْدُ- عَلَى مَنهَجٍ مِنْ دِينِهَا، تَعْلَمُ الكَاذِبَ وَتَعْلَمُ المُغْرِضَ، وَيَستَبِينُ لَهَا الغَيُّ مِنَ الرَّشَادِ، وَتَعلَمُ دُعَاةَ السُّوءِ وَمَا يَهدِفُونَ وَمَا يُرِيدُونَ، وَأَنَّهُمْ لَن يُرِيدُوا بِالأُمَّةِ خَيْرًا، وَلَن يَقصِدُوا بِهِم خَيْرًا، وَإِنَّمَا هِيَ الدِّعَايَاتُ المُضَلِّلَةُ الَّتِي يَحِيكُهَا أَعدَاءُ الإِسْلَامِ، وَيَنْبَرِي لَهَا مَن يُحسَبُ عَلَى الأُمَّةِ، وَاللهُ يَعلَمُ أَنَّ الأُمَّةَ وَالدِّينَ مِنْهُ بَرَاءٌ.
فَلْيَتَّقِ المُسلِمُونَ رَبَّهُم، وَلْيَتَمَسَّكُوا بِدِينِهِم، وَلْيَحمَدُوا اللهَ عَلَى نِعَمِهِ العَظِيمَةِ عَلَيهِم، أَعظَمُهَا نِعمَةُ الإِسْلَامِ وَالتَّمَسُّكِ بِهِ، ثُمَّ الأَمْنُ وَالخَيْرُ وَالِاستِقْرَارُ.
نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَنَا جَمِيعًا لِمَا يَرضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ وَيُعِيذَنَا مِنْ شُرُورِ أَنفُسِنَا وَمِن سَيِّئَاتِ أَعمَالِنَا، وَأَنْ يَرُدَّ كَيدَ الكَائِدِينَ وَيُذِلَّ أَعدَاءَ الإِسْلَامِ وَيَرزُقَ المُسلِمِينَ الوَعْيَ وَالفَهمَ الصَّحِيحَ لِدِينِهِم وَالفَهمَ الصَّحِيحَ لِمَكَائِدِ أَعدَائِهِم؛ حَتَّى لَا يَنطَلِيَ عَلَيهِمُ البَاطِلُ، وَلَا يَغْتَرُّوا بِهَذِهِ الضَّلَالَاتِ.
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، قَالَ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا-: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُم بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَستَغفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنبٍ؛ فَاستَغفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيهِ، إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
***
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمدُ لِلهِ حَمدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرضَى، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ، وَسَلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعدُ:
((صِفَاتُ أَهْلِ الْإِيمَانِ))
فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى- حَقَّ التَّقْوَى.
عِبَادَ اللهِ! يَقُولُ اللهُ -جَلَّ وَعَلَا- فِي حَقِّ نَبِيِّهِ وَالمُؤمِنِينَ: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح:29].
فَوَصَفَهُمْ بِأَنَّهُم رُحَمَاءُ بَينَهُمْ، يَرحَمُ بَعضُهُمْ بَعضًا، وَيُحسِنُ بَعضُهُمْ إِلَى بَعضٍ، وَيُشفِقُ بَعضُهُمْ عَلَى بَعضٍ، وَيَنصَحُ بَعضُهُمْ بَعضًا، وَيُوَالِي بَعضُهُمْ بَعضًا.
هَكَذَا حَالُ الأُمَّةِ المُسلِمَةِ الحَقَّةِ، تَرَاحُمٌ فِيمَا بَينَهُمْ، وَتَعَاوُنٌ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى، قَالَ -تَعَالَى-: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة:2].
وَأَرْشَدَ الأُمَّةَ إِلَى التَّشَاوُرِ فِي الخَيرِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الخَيرِ بِالأُصُولِ الشَّرعِيَّةِ، قَالَ -تَعَالَى- فِي وَصْفِ المُؤمِنِينَ: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى:38].
فَأَمْرُهُمْ شُورَى بَينَهُمْ فِيمَا بَينَهُمْ، لَا يَدخُلُ عَدُوٌّ، وَلَا يَنفُذُ لَهُمْ عَدُوٌّ، وَلَكِنَّهُمْ فِيمَا بَينَهُمْ، مَشَاكِلُهُمْ تُحَلُّ فِيمَا بَينَهُمْ، يَنصَحُ بَعضُهُمْ بَعضًا، وَيُرشِدُ بَعضُهُمْ بَعضًا، وَيَسمَعُونَ وَيُطِيعُونَ لِلحَقِّ وَلِمَن قَادَهُمْ بِالحَقِّ مِنْ غَيرِ أَنْ يَكُونَ فِي نُفُوسِهِم حَرَجٌ.
هَكَذَا تَعَالِيمُ الإِسْلَامِ: النَّصِيحَةُ لِلأُمَّةِ، يَنصَحُ المُسلِمُ لِأَخِيهِ المُسلِمِ، وَلِذَا النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: ((الدِّينُ النَّصِيحَةُ)).
قَالُوا: ((لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟)).
قَالَ: ((لِلهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ المُسلِمِينَ وَعَامَّتِهِم)).
فَالمُسلِمُونَ أَهلُ تَنَاصُحٍ وَتَشَاوُرٍ فِي الخَيرِ وَتَعَاوُنٍ عَلَى الخَيرِ، لَيسُوا أَهلَ فَوضَى وَلَا أَهلَ اضطِرَابٍ وَقَلَقٍ، وَلَا سَبَبًا فِي نَهْبِ أَموَالٍ وَسَفْكِ دِمَاءٍ وَهَتْكِ أَعْرَاضٍ، هَذِهِ أُمُورٌ يَتَرَفَّعُ المُسلِمُونَ عَنهَا، وَيَعلَمُونَ أَنَّ دِينَهُم جَاءَهُم بِالخَيرِ وَالهُدَى؛ فَيَنصَحُ بَعضُهُمْ بَعضًا، وَيُعِينُ بَعضُهُمْ بَعضًا، وَيُوَجِّهُ بَعضُهُمْ بَعضًا، هُمْ ((كَالجَسَدِ الوَاحِدِ، إِذَا اشتَكَى مِنْهُ عُضوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالحُمَّى وَالسَّهَرِ))، هَكَذَا حَالُ الأُمَّةِ المُسلِمَةِ المُصَدِّقَةِ.
أَمَّا مَا يَدعُو إِلَيهِ أَعدَاؤُهُمْ وَمَا يُنَادِي بِهِ أَعدَاؤُهُمْ فَكُلُّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِشَرْعِ رَبِّهِم، وَمُخَالِفٌ لِكِتَابِ رَبِّهِم وَسُنَّةِ نَبِيِّهِم ﷺ.
فَالمُؤْمِنُونَ أَهلُ خَيْرٍ وَتَنَاصُحٍ فِيمَا بَينَهُمْ، يُقِيمُ بَعضُهُمْ اعوِجَاجَ البَعضِ، وَيُصَوِّبُ بَعضُهُمْ بَعضًا، وَيُبَصِّرُ بَعضُهُمْ بَعضًا فِي خَطَئِهِ، وَيُرشِدُهُ إِلَى الخَيرِ؛ لِأَنَّ هَدَفَهُ جَمْعُ كَلِمَةِ الأُمَّةِ وَإِصْلَاحُ شَأْنِهَا وَلَمُّ شَعْثِهَا وَسَلَامَةُ أَوطَانِهَا وَحِمَايَتُهَا مِنْ كَيْدِ الكَائِدِينَ.
أَمَّا المُنَافِقُونَ وَالمُغْرِضُونَ فَلَيسَ لَهُمْ هَدَفٌ إِلَّا تَتَبُّعَ الزَّلَّاتِ وَلَن يَجِدُوا ذَلِكَ؛ فَيَفرَحُونَ بِكُلِّ زَلَّةٍ، وَيَصطَادُونَ كُلَّ خَطِيئَةٍ؛ لِيُجَسِّدُوهَا وَيَجعَلُوهَا وَسِيلَةً إِلَى آرَائِهِمُ المُضَلِّلَةِ وَأَفْكَارِهِمُ المُنحَرِفَةِ.
حَمَى اللهُ مُجتَمَعَ المُسلِمِينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَرَزَقَ الجَمِيعَ التَّمَسُّكَ بِالهُدَى وَالسَّيرَ عَلَى المَنهَجِ القَوِيمِ، إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ.
وَاعلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- أَنَّ أَحسَنَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَعَلَيْكُم بِجَمَاعَةِ المُسلِمِينَ؛ فَإِنَّ يَدَ اللهِ عَلَى الجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ.
وَصَلُّوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- عَلَى عَبدِ اللهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، قَالَ -تَعَالَى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ.